السنوار... «عُقدة» لإسرائيل بعد 8 أشهر من الحرب

مقربون منه لـ«الشرق الأوسط»: يفضّل الموت على الإبعاد من غزة... شخصية سياسية واجتماعية... مرح لكنه عنيد

TT

السنوار... «عُقدة» لإسرائيل بعد 8 أشهر من الحرب

يحيى السنوار... فشلت إسرائيل في الوصول إليه خلال حرب غزة (أ.ب)
يحيى السنوار... فشلت إسرائيل في الوصول إليه خلال حرب غزة (أ.ب)

وضعت إسرائيل منذ بداية الحرب على قطاع غزة، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الوصول إلى قيادة حركة «حماس»، خصوصاً يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي للحركة في القطاع، على رأس أهدافها، في ظل الاتهامات الموجهة إليه من المستويين السياسي والعسكري في تل أبيب بأنه الشخصية الرئيسية وراء التخطيط لهجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الذي شنَّته الحركة على غلاف غزة وأوقع مئات القتلى الإسرائيليين بالإضافة إلى احتجاز قرابة 240 آخرين.

لكن بعد 8 أشهر من الحرب المتواصلة ونبش إسرائيل كل بيت ونفق ومكان كانت تتوقع أن تجد فيه السنوار، من شمال قطاع غزة إلى وسطه، ثم إلى خان يونس ورفح في جنوبه، لم يعثر جيش الاحتلال على أي أثر له سوى فيديو قصير يُظهره في أحد الأنفاق مع عائلته، وتم تصويره -كما يبدو- في بداية الحرب في خان يونس، مسقط رأسه.

وكانت إسرائيل، على لسان أكثر من مسؤول وضابط، تتحدث بثقة عن وجوده في خان يونس وأنفاقها، وفي بعض المرات كانت تشير إلى أنها تقترب منه قبل أن يفلت منها. ووسَّعت إسرائيل ملاحقته إلى رفح، في عملية ما زالت مستمرة.

وتُظهر عملية ملاحقة إسرائيل للسنوار، ومعه عديد من القيادات السياسية والعسكرية لحركة «حماس»، فشلاً استخباراتياً ذريعاً، مما أثار تساؤلات حول مكان وجوده وكيفية قدرته على التخفي في ظل حرب مدمرة طالت كل منطقة في قطاع غزة، فوق الأرض وتحتها.

يحيى السنوار (أ.ب)

فهل السنوار منقطع حقاً عن العالم الخارجي؟

قالت مصادر في حركة «حماس» في قطاع غزة وخارجه، لـ«الشرق الأوسط» ، إن قدرة السنوار على التخفي حتى الآن، وعدم قدرة الاحتلال الإسرائيلي على الوصول إليه، لا تعني أبداً أنه منقطع عن التواصل مع قيادات الحركة بالداخل والخارج.

وأكدت المصادر أن السنوار على اطلاع دائم ومستمر على كل ما يجري خصوصاً ما يتعلق بالمفاوضات التي تجري، وكل مبادرة قُدّمت كان يدرسها بشكل جيد ويتمعن فيها ويُبدي رأيه فيها ويتشاور حولها مع قيادات الحركة من خلال التواصل معهم بطرق مختلفة.

وأوضحت المصادر أن قائد «حماس» في غزة تواصل مرات عدة مع قيادات الحركة بالخارج خصوصاً في الأوقات الحاسمة من المفاوضات التي جرت في الآونة الأخيرة، كما أنه تواصل مع رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، بعد استهداف إسرائيل أبناءه، وقدّم له التعازي وشدّ من أزره. ولم توضح المصادر كيف جرى هذا التواصل، وهل كان مباشراً أم لا.

ولم تنفِ المصادر أو تؤكد ما إذا كان السنوار قد نجا فعلاً من أي محاولات اغتيال إسرائيلية خلال الحرب الحالية، وما إذا كانت أي قوات إسرائيلية قد اقتربت من مكانه، خصوصاً خلال العملية في خان يونس.

وقالت المصادر إن «دائرة صغيرة جداً لا تتعدى الشخصين أو الثلاثة على أبعد تقدير هي من تعرف مكانه وتؤمِّن احتياجاته المختلفة، وكذلك تؤمّن تواصله مع قيادات الحركة بالداخل والخارج».

وأضافت أن «الاحتلال فشل في الوصول إلى عديد من قيادات الصفّين الأول والثاني على المستويين السياسي والعسكري (من حماس)، لكنه حاول اغتيال بعضهم، ومنهم من أُصيب، ومنهم من نجا وخرج سالماً من عمليات قصف في مناطق وأهداف مختلفة، لكنَّ السنوار ليس من بينهم».

ولم تحدد المصادر ما إذا كان السنوار مختبئاً فوق الأرض أو تحتها.

السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان يحمل صورة ليحيى السنوار خلال جلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو الماضي (أ.ف.ب)

أنفاق خان يونس

ومنذ فشل إسرائيل في الوصول إلى السنوار بعد انتهاء العملية البرية في خان يونس، تحدثت تقارير إعلامية عبرية عن أنه يتنقل ما بين الأنفاق المتبقية لحركة «حماس»، لكنها لم تقدّم دليلاً على ذلك، علماً أن الجيش الإسرائيلي كان يعلن باستمرار نجاحه في تدمير قدرات الحركة بما في ذلك أنفاقها، بالإضافة إلى تفكيك كتائبها في خان يونس وغيرها من المناطق في القطاع.

وتحاول إسرائيل بين الفينة والأخرى الترويج إلى أنه يمكن إبعاد السنوار وبقية قيادة «حماس» عن قطاع غزة إذا وافقوا على ذلك؛ على الانتقال إلى المنفى.

وحاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع مقربين من السنوار وأقارب له من أجل رسم صورة لشخصيته وكيف يمكن أن يأخذ قراراته. ويقول مقربون منه وآخرون من أقاربه إن «السنوار يفكّر بخيارين لا ثالث لهما ما دام على قيد الحياة: إما تحقيق شروط المقاومة في وقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال وإتمام صفقة تبادل مشرّفة، وإما أن يحصل على نيل شرف الشهادة. وما دون ذلك بالنسبة لتفكيره الشخصي، لا توجد خيارات أخرى. مثل هذا الطرح (الإبعاد عن غزة) غير مقبول للنقاش بالأساس بالنسبة إلى السنوار، ولا يمكن أن يفكّر فيه».

وتشير المصادر إلى أن هناك تمسكاً بهذه الخيارات داخل قيادة حركة «حماس»، مضيفةً أن الكل مجمع عليها باعتبار أنه لا توجد حلول أخرى يمكن من خلالها مواجهة تعنت الاحتلال وتمسكه هو الآخر بشروطه.

وحول شخصيته، ورداً على قول الإسرائيليين إنه دموي وعنيف وعنيد، يوضح المقربون من السنوار أنه شخصية اجتماعية، وكثيراً ما كان يقوم بزيارات لشخصيات اعتبارية ومحلية وحتى لجيران مكان سكنه، وكذلك زيارة عائلته وأقاربه على الدوام، رغم انشغالاته منذ انتخابه زعيماً للحركة في قطاع غزة.

وقال أحد المقربين منه: «إنه على عكس ما يُنظر إليه بالنسبة إلى كثيرين بأنه شخصية حادة جداً، فإنه (السنوار) يمتلك في أحيان كثيرة روح الدعابة والمزاح حتى خلال اللقاءات والاجتماعات التي كان يديرها على مستوى قيادات الحركة». لكنَّ ذلك لا ينفي أنه «يتمتع بشخصية قيادية كانت تظهر عند إجراء مناقشات حول قضايا مصيرية ومهمة حيث كان قادراً على حسم أي نقاش».

ويقول قيادي كان يرافقه في السابق: «خلال المفاوضات التي جرت مع الوسطاء حول الوضع بغزة خلال فترة مسيرات العودة وما تبعها من أحداث (بين عامي 2018 و2019)، كان (السنوار) حريصاً على جعل قراره الشخصي يخرج بالإجماع بين قيادات الحركة، وقد حقق لسنوات إنجازات مهمة أجبر فيها الاحتلال على الرضوخ لمطالب الحراك».

إسماعيل هنية ويحيى السنوار خلال اجتماع لقادة فصائل فلسطينية في غزة عام 2017 (أ.ف.ب)

صورة النصر

ويؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، باستمرار رفضه إنهاء حرب غزة بطريقة تمنح السنوار و«حماس» صورة الانتصار، وذلك في إطار رده على انتقادات تصدر من مستويات سياسية وعسكرية في تل أبيب، لعدم وجود خطة استراتيجية لليوم التالي للحرب، وكذلك عدم التوصل إلى صفقة مع «حماس» تعيد الأسرى الإسرائيليين.

ويرى محللون أن فشل إسرائيل في الوصول إلى السنوار يمثّل عقدة بالنسبة إلى المستويين السياسي والعسكري فيها. ويبدو أن الإسرائيليين يعلقون آمالاً كبيرة على عامل الوقت في منح جيشهم الفرصة في الوصول إلى السنوار حياً أو ميتاً، من أجل تحقيق صورة النصر في الحرب.

وعقّبت مصادر من «حماس»، لـ«الشرق الأوسط»، بالقول إن السنوار مدرك لذلك ويفهم جيداً أن إسرائيل تريد قتله أو أسره من أجل الزعم أنها انتصرت في الحرب. وقالت المصادر إنه «بحكم السنوات الكبيرة التي قضاها في السجون الإسرائيلية، فهو يفهم جيداً تفكير الإسرائيليين وقياداتهم، ولذلك فهو يدير الكثير من نواحي المعركة سياسياً وبخاصة خلال المفاوضات وما يتخللها من شروط ينبغي التيقظ لها، ولذلك فإنه يُطلق عليه صفة المفاوض العنيد الذي يريد تحقيق شروط عليها إجماع فلسطيني، خصوصاً فيما يتعلق بوقف الحرب بشكل كامل وانسحاب قوات الاحتلال من كل مناطق قطاع غزة».

وأضافت المصادر «أنه لا يتخذ القرار بمفرده ما دام الأمر يتعلق بقضية وطنية كبيرة، بل يفضّل باستمرار الحفاظ على صيغة التشاور الداخلي في كل نقطة تُطرح من المفاوضات وغيرها».

وكثيراً ما طرحت إسرائيل فكرة السماح لقيادات «حماس»، وعلى رأسهم يحيى السنوار، بالإبعاد من القطاع، في إطار حل يسمح بالتوصل إلى صفقة. إلا أن ذلك قوبل بمعارضة من داخل الحكومة الإسرائيلية من جهة، وكذلك من «حماس» نفسها، من جهة أخرى.


مقالات ذات صلة

مستشفى «كمال عدوان» بغزة: الأمر الإسرائيلي بالإخلاء «شبه مستحيل»

المشرق العربي جريح فلسطيني يتلقى العلاج بمستشفى «كمال عدوان» في شمال قطاع غزة (رويترز)

مستشفى «كمال عدوان» بغزة: الأمر الإسرائيلي بالإخلاء «شبه مستحيل»

أمرت إسرائيل، اليوم (الأحد)، بإغلاق وإخلاء أحد آخر المستشفيات التي لا تزال تعمل جزئياً في منطقة محاصرة في شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية فلسطينيون يحاولون إسعاف مواطن أصيب بغارة إسرائيلية على مخيم البريج وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب) play-circle 00:37

28 قتيلاً فلسطينياً في غزة... وجباليا مدينة أشباح

قُتل 28 فلسطينياً على الأقل، بينهم أطفال ونساء، في غارات عدة شنّها الطيران الحربي الإسرائيلي ليل السبت - الأحد في قطاع غزة، استهدفت إحداها منزل عائلة واحدة،…

نظير مجلي (تل أبيب)
العالم بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

يرسم تقرير أممي صورة قاتمة جداً لما عانته النساء في الأزمات المسلحة خلال عام 2023، فقد شكّلن 40 % من مجموع القتلى المدنيين؛ أي ضعف النسبة في 2022.

شوقي الريّس (بروكسل)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على مواطنين لهم قضوا بغارة إسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (رويترز)

«هدنة غزة»: حديث عن أيام حاسمة لـ«صفقة جزئية»

مساعٍ تتواصل للوسطاء لسد «فجوات» مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط حديث إسرائيلي عن «أيام حاسمة» لعقد صفقة جزئية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا البابا فرنسيس يدين «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)

البابا فرنسيس يدين مجدداً «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة

دان البابا فرنسيس مرة أخرى، اليوم (الأحد)، «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)

الشرع يتعهد حل الفصائل المسلحة وإنشاء جيش سوري موحد

TT

الشرع يتعهد حل الفصائل المسلحة وإنشاء جيش سوري موحد

القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (أ.ف.ب)
القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (أ.ف.ب)

أكد القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، اليوم (الأحد)، أن كل الأسلحة في البلاد ستخضع لسيطرة الدولة بما فيها سلاح القوات التي يقودها الأكراد.

وقال الشرع خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في دمشق «ستبدأ الفصائل بالاعلان عن حل نفسها والدخول تباعا في الجيش»، مضيفاً «لن نسمح على الإطلاق أن يكون هناك سلاح خارج الدولة سواء من الفصائل الثورية أو من الفصائل المتواجدة في منطقة قوات سوريا الديموقراطية (قسد)».

وتعهد الشرع، في وقت سابق اليوم، بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان، وستحترم سيادة هذا البلد المجاور، خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط.

وكان الشرع أكد أن «سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان على الإطلاق، وستحترم سيادة لبنان ووحدة أراضيه، واستقلال قراره واستقراره الأمني»، مضيفاً أن بلاده «تقف على مسافة واحدة من الجميع». وتعهد بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان، وستحترم سيادة هذا البلد المجاور، خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط.