المعارضة اللبنانية تعد ورقة عمل تسلمها لـ«الخماسية» لتحريك انتخاب الرئيس

طهران للفاتيكان: لن نتدخل والقرار لـ«حزب الله»

ارتفاع منسوب المخاوف من انزلاق لبنان نحو المجهول في ظل الشغور الرئاسي (غيتي)
ارتفاع منسوب المخاوف من انزلاق لبنان نحو المجهول في ظل الشغور الرئاسي (غيتي)
TT

المعارضة اللبنانية تعد ورقة عمل تسلمها لـ«الخماسية» لتحريك انتخاب الرئيس

ارتفاع منسوب المخاوف من انزلاق لبنان نحو المجهول في ظل الشغور الرئاسي (غيتي)
ارتفاع منسوب المخاوف من انزلاق لبنان نحو المجهول في ظل الشغور الرئاسي (غيتي)

تخطو قوى المعارضة اللبنانية خطوات حثيثة على طريق وضع اللمسات الأخيرة على ورقة عمل سترفعها إلى سفراء اللجنة «الخماسية» (السعودية ومصر وقطر والولايات المتحدة وفرنسا)، وتتضمن وجهة نظرها لتعويم الاتصالات التي توقفت، ما حال دون إخراج انتخاب رئيس الجمهورية من التأزم.

ويأتي ذلك في ظل ارتفاع منسوب المخاوف من انزلاق البلد نحو المجهول، فيما تتسارع التطورات في المنطقة، وأبرزها الحرب على الجبهة الغزاوية والمواجهة المشتعلة بين إسرائيل و«حزب الله» في جنوب لبنان، ما يتطلب إعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية، بدءاً بانتخاب الرئيس، ليكون لبنان مستعداً للتصدي لأي محاولة يراد منها إيجاد الحلول على حسابه.

وكشفت مصادر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط» أن ورقة العمل التي تعدها تتناول موقفها من دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري للتشاور بوصفه مدخلاً لعقد جلسات نيابية متعددة بدورات متتالية لانتخاب الرئيس. وقالت إن هناك ضرورة لإعداد هذه الورقة لتوحيد الموقف من التشاور، لتطل بموقف موحد على اللبنانيين، ومن شأن ذلك أن يضع حداً للتباين داخل المعارضة حيال خريطة الطريق التي يطرحها بري لانتخاب الرئيس، على أن تكون مقرونة بتوفير الضمانات لعقد الجلسات بصرف النظر عما سيسفر عنه التشاور.

بري: لا شروط مسبقة

في المقابل، لفتت مصادر نيابية إلى أن التشاور لا يخضع لشروط مسبقة تتعلق بالدعوة لجلسة الانتخاب بعد التوافق على اسم الرئيس بوصفه أساساً لانعقادها، ونقلت عن بري قوله إن التوافق على اسم، وإن كان موضع ترحيب منه، إلا أنه لا يدرجه شرطاً لانتخاب الرئيس، وإنه يعطي الحرية للنواب لاختياره.

ونقلت المصادر نفسها عن بري أيضاً قوله: «أعطونا التشاور وخذوا انتخاب الرئيس خلال عشرة أيام، ولا أرى مبرراً لرفض التشاور غير الملزم. ومن قال لكم إنه يشكل مخالفة للدستور؟ وكيف يمكن الخروج من الانقسام الحاد بين الكتل النيابية الذي يحول دون انتخاب الرئيس، مع أن تأييدي لترشيح سليمان فرنجية لا يعني أبداً ربط الدعوة للجلسات بانتخابه؟».

لكن مصادر في المعارضة رأت أن هناك ضرورة للتلاقي في منتصف الطريق، للتشاور على قاعدة تبديد الهواجس، سواء لجهة أن التشاور لا يخالف الدستور، وأن الدعوة لانتخاب الرئيس تبقى قائمة بصرف النظر عن نتائج التشاور، وبالتالي لن تكون قاعة الانتخاب مقفلة أمام من يود الترشح في حال اصطدام الدعوات للتوافق على تسوية رئاسية بحائط مسدود.

نحو الخيار الثالث

وأكدت هذه المصادر أن المعارضة سترفع ورقة العمل التي أوشكت على إعدادها لسفراء «الخماسية» لدى اجتماعهم بوفد يمثلها، وتوقعت أن يكون موعد الاجتماع قريباً، وقالت إن «الخماسية» باتت على اقتناع بأن الخيار الرئاسي الثالث يتقدم على الخيارات الأخرى، وهذا ما خلص إليه الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في جولاته الماراثونية على الكتل النيابية، ويشاركه سفراء «الخماسية» في أن الخيار الثالث هو وحده الذي يؤمن المخرج لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وأن المعارضة تؤيد هذا الخيار، ولا ترى بديلاً منه.

ورداً على سؤال أوضحت المصادر أن المعارضة باقية على تقاطعها مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور في حال إصرار محور الممانعة على ترشيح فرنجية، مع أن مصادر نيابية تؤكد أن باسيل يبدي استعداداً لتبديل موقفه، شرط أن يؤدي انفتاحه على بري إلى استبعاد فرنجية لمصلحة مرشح مدني آخر.

مقاربة شاملة

ورغم أن المعارضة، وفق مصادرها، تتعامل مع ورقة العمل على أنها تأتي في سياق مقاربتها الشاملة لانتخاب الرئيس، وتنم عن محاولة قد تكون الأولى لتوحيد موقفها استعداداً لتعاملها مع الخطوة التالية في حال أن الخيار الثالث أخذ يتقدم من دون منافس، فإنها تنظر إلى تفويض «حزب الله» لبري بكل ما يختص بالملف الرئاسي على أنه يصب في خانة تقطيع الوقت لملء الفراغ ريثما تتوضح الصورة النهائية للتطورات في المنطقة، وأن الحزب لا يمانع في تسهيل انتخاب الرئيس عندما يلمس أن إيصال فرنجية إلى سدة الرئاسة أصبح مضموناً.

إيران تطلب ثمناً

وبكلام آخر، فإن «حزب الله»، كما تقول مصادر في المعارضة، يعطي الأولوية في تعاطيه مع الملف الرئاسي للوضع الإقليمي الذي يتقاطع فيه مع حليفه الإيراني، انطلاقاً من أن إطالة أمد تعطيل انتخاب الرئيس سيدفع القوى المعنية بانتخابه للالتفات نحو طهران والتفاوض معها، طالبة منها التدخل لدى الحزب لتعبيد الطريق أمام إخراج انتخابه من التأزم.

فإيران لن تقول كلمة الفصل في انتخاب الرئيس ما لم تدعّم حضورها في الشرق الأوسط من البوابة اللبنانية، وإن كانت أبلغت الفاتيكان في تواصل معها، على حد قول أمين سر دولة الفاتيكان بيترو بارولين لعدد من القيادات التي التقاها في زيارته لبيروت، أنها لا تتدخل في الشأن الداخلي اللبناني وتترك القرار للحزب، فيما علّق أحد الذين التقوه بقوله إن «طهران تمسك بالورقة الرئاسية ولن تبيعها إلا في حال حصولها على ثمن سياسي من واشنطن».

وهنا يُطرح سؤال: هل قررت المعارضة في مقاربتها الموحدة إحراج خصومها، وتحديداً من يتهمونها بتعطيل انتخاب الرئيس إلى حين تبيان ما سيؤول إليه الوضع المتفجر في المنطقة بما فيها الجنوب، وما إذا كان ذلك سيؤدي إلى إعادة رسم خريطة المنطقة السياسية؟

لكنّ مصادر المعارضة تلقي التهمة على «حزب الله»، بإصراره على معرفة اسم الرئيس قبل انتخابه، وتؤكد أن مقاربتها المتأنية للملف الرئاسي تأتي لإعادة تحريك انتخاب الرئيس الذي يتوقف على ما سيقرره سفراء «الخماسية»، ومدى استعدادهم لمعاودة اتصالاتهم، رغم أن الظروف الداخلية ليست ناضجة لانتخابه، وهذا ما يُثير قلق اللبنانيين بغياب أي تدخل دولي ضاغط لمساعدتهم، ما دام أن أهل البيت، أي النواب، لن يساعدوا أنفسهم.


مقالات ذات صلة

وزيرا خارجية السعودية وفرنسا يناقشان تطورات لبنان

الخليج وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يستقبل نظيره الفرنسي جان نويل بارو في الرياض (واس)

وزيرا خارجية السعودية وفرنسا يناقشان تطورات لبنان

ناقش وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو، التطورات على الساحة اللبنانية والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي أشخاص يحملون أمتعتهم أثناء نزوحهم بعد غارات إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

157 مليون دولار مساعدات أميركية للمتضررين من الصراع في لبنان

قالت وزارة الخارجية الأميركية، إن الولايات المتحدة سنقدم مساعدات إنسانية جديدة بما يقرب من 157 مليون دولار لدعم السكان المتضررين من الصراع في لبنان والمنطقة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية دبابة إسرائيلية قرب الحدود الجنوبية للبنان (أ.ب)

تقرير: القتال المكثّف في لبنان سينتهي خلال أسبوعين إلى 3 أسابيع

نشرت «القناة 12» الإسرائيلية، الجمعة، تقريراً يفيد بأن مسؤولاً أمنياً إسرائيلياً يرجح أن القتال المكثف في الشمال سينتهي خلال أسبوعين أو 3 أسابيع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)

وزير خارجية فرنسا يتوجه إلى الشرق الأوسط ويبدأ زيارته بالسعودية

يتوجه وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى السعودية في مستهل جولة تستمر أربعة أيام تنتهي في إسرائيل والضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي نظام القبة الحديدية الدفاعي يتصدى لصواريخ أُطلقت من جنوب لبنان باتجاه الجليل الأعلى (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي: إطلاق أكثر من 180 صاروخاً من لبنان على إسرائيل

قال الجيش الإسرائيلي إن أكثر من 70 صاروخاً أُطلق من لبنان خلال الساعتين الماضيتين، مؤكداً اعتراض العديد منها بواسطة الدفاعات الجوية.


بسبب القصف الإسرائيلي... لبنان يعيش «أشد حملة جوية» خارج غزة خلال العقدين الماضيين

دخان كثيف يتصاعد جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على بلدة الخيام الحدودية في جنوب لبنان (د.ب.أ)
دخان كثيف يتصاعد جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على بلدة الخيام الحدودية في جنوب لبنان (د.ب.أ)
TT

بسبب القصف الإسرائيلي... لبنان يعيش «أشد حملة جوية» خارج غزة خلال العقدين الماضيين

دخان كثيف يتصاعد جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على بلدة الخيام الحدودية في جنوب لبنان (د.ب.أ)
دخان كثيف يتصاعد جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على بلدة الخيام الحدودية في جنوب لبنان (د.ب.أ)

شنت إسرائيل غارات جوية غير مسبوقة على لبنان في أقل من ثلاثة أسابيع، مما أسفر عن مقتل أكثر من ألف و400 شخص وإصابة ما يقرب من 7 آلاف و500 آخرين، ونزوح أكثر من مليون شخص من منازلهم، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية.

يعتبر القصف، الذي تقول إسرائيل إنه يستهدف معاقل «حزب الله» في البلاد، «أكثر حملةٍ جويةٍ كثافةً» في العالم خارج غزة في العقدين الماضيين، وفقاً لمجموعة مراقبة الصراعات «Airwars».

وقالت إميلي تريب، مديرة المجموعة التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، لشبكة «سي إن إن»، إن الضربات الإسرائيلية تحدث «بمستوى وكثافة لم يكن حلفاء إسرائيل ليقوموا بها ببساطة في السنوات العشرين الماضية». وأشارت إلى الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة ضد «داعش» في عام 2017، حيث تم نشر 500 من الذخيرة في يوم واحد في ذروة معركة الرقة؛ معقل الجماعة الإرهابية آنذاك.

تصاعد الدخان وسط القصف الإسرائيلي المستمر لجنوب لبنان (رويترز)

وعلى مدار يومين، في 24 و25 سبتمبر (أيلول)، قال الجيش الإسرائيلي إنه استخدم ألفين من الذخيرة ونفذ 3 آلاف ضربة في لبنان.

وبالمقارنة، خلال معظم الحرب الأميركية التي استمرت 20 عاماً في أفغانستان، نفذت الولايات المتحدة أقل من 3 آلاف ضربة سنوياً، باستثناء السنة الأولى من الغزو، حيث تم تنفيذ نحو 6 آلاف و500 ضربة، وفقاً لبيانات من «Airwars» حللتها «سي إن إن».

وعن نطاق وحجم الضربات الإسرائيلية على لبنان، قالت تريب: «هذا ليس طبيعياً». وفي حين أن الحملة الجوية الإسرائيلية «غير عادية» للغاية، أشارت تريب إلى أن هجومها على غزة خلال العام الماضي - حيث يُقدر أن ما يقرب من 60 في المائة من المباني تضررت بسبب الضربات الإسرائيلية - جعل مثل هذه الهجمات الجماعية طبيعية.

رجال يركضون بحثاً عن ملجأ بعد غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

وتقول إسرائيل إنها تتخذ خطوات لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، مثل إجراء مكالمات هاتفية وإرسال رسائل نصية إلى السكان في المباني المخصصة للهجوم، بهدف إخلائها. وتؤكد جماعات حقوق الإنسان مثل منظمة «العفو الدولية» أن مثل هذه التحذيرات لا تعفي إسرائيل من مسؤولياتها بموجب القانون الإنساني الدولي للحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين.

وقد سبق لشبكة «سي إن إن» أن أوردت تقارير عن استخدام إسرائيل المدمر لقنابل تزن 2000 رطل، والتي يلقي الخبراء باللوم عليها في ارتفاع عدد القتلى في غزة، ويبدو أنها استُخدمت في الغارات الجوية التي قتلت زعيم «حزب الله» حسن نصر الله في لبنان. وقد أثرت الذخائر الضخمة على البنية التحتية المدنية في غزة، والآن في لبنان.

وقد وجدت فرق «سي إن إن» في بيروت هذا الأسبوع أن العديد من الضربات الإسرائيلية حدثت دون سابق إنذار. كما ترسل إسرائيل أوامر الإخلاء عبر الرسائل النصية في منتصف الليل، عندما يكون معظم الناس نائمين.

ونتيجة لذلك، يستمر عدد القتلى في لبنان في الارتفاع، وقد نزح الآن خُمس السكان.

تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

تبادل «حزب الله» وإسرائيل إطلاق النار بشكل مستمر منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول)، وهو اليوم التالي للهجوم الذي قادته «حماس» على إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص واحتجاز 250 آخرين. وقد صرح «حزب الله»، وهو جماعة مسلحة مدعومة من إيران، بأنه لن يتوقف عن ضرب إسرائيل حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، حيث أسفر القصف الإسرائيلي عن مقتل أكثر من 41 ألف شخص في العام الماضي، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع.

وبحسب بيانات «ACLED»، وهي منظمة تجمع بيانات عن الصراعات العنيفة، فإن غالبية النيران المتبادلة بين إسرائيل و«حزب الله» منذ بداية الحرب، جاءت من الضربات الإسرائيلية والطائرات من دون طيار والقصف والصواريخ على الأراضي اللبنانية.

مروحية إسرائيلية تطلق صاروخاً باتجاه أهداف في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

شنت إسرائيل ما يقرب من 9 آلاف هجوم على لبنان منذ 8 أكتوبر، في حين شن «حزب الله» 1500 هجوم في نفس الإطار الزمني، وفقاً للبيانات.

وفي 25 سبتمبر (أيلول)، صعّدت إسرائيل حملتها الجوية بسلسلة مكثفة من الضربات عبر مساحات شاسعة من لبنان، مما يمثل اليوم الأكثر دموية منذ حرب إسرائيل و«حزب الله» عام 2006، ونقطة تحول في الصراع الحالي.