ما حقيقة موافقة مصر على المشاركة في «قوة عربية» بغزة؟

مصادر إسرائيلية تحدثت عن «استعداد مشروط» للقاهرة

فلسطينيون يبحثون عن ضحايا إثر غارة على مخيم الشاطئ للاجئين بمدينة غزة (رويترز)
فلسطينيون يبحثون عن ضحايا إثر غارة على مخيم الشاطئ للاجئين بمدينة غزة (رويترز)
TT

ما حقيقة موافقة مصر على المشاركة في «قوة عربية» بغزة؟

فلسطينيون يبحثون عن ضحايا إثر غارة على مخيم الشاطئ للاجئين بمدينة غزة (رويترز)
فلسطينيون يبحثون عن ضحايا إثر غارة على مخيم الشاطئ للاجئين بمدينة غزة (رويترز)

أثار حديث إعلامي إسرائيلي بشأن «استعداد مشروط» من القاهرة للمشاركة في قوة عربية بقطاع غزة، تساؤلات كثيرة، في ظل أحاديث أميركية عن قرب تقديم خطة بشأن «اليوم التالي» للحرب في القطاع، خلال الأسابيع المقبلة.

خبراء تحدثت معهم «الشرق الأوسط» يرون أن تجدُّد الحديث عن ذلك الطرح إما يعود إلى «نشر كواليس مطروحة للنقاش»، ضمن تصورات أميركية لإدارة اليوم التالي للحرب، وإما إلى «ترويج معلومات خاطئة»، لمعرفة ردود الفعل، مؤكدين أن موقف القاهرة الرسمي المعلن والثابت هو انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية لما قبل حرب 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من دون إعلان تدخل عربي.

ويأتي ذلك الطرح في الوقت الذي لا تزال فيه الحرب تراوح مكانها، وسط شروط معرقلة من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وحركة «حماس» لقبول مقترح الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي طرحه نهاية مايو (أيار) الماضي لإنهاء الحرب بغزة، بالتوازي مع محاولات من الوسطاء لدى مصر وقطر والولايات المتحدة لإحياء المفاوضات.

«استعداد مشروط»

وتحدثت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، الخميس، نقلاً عن ثلاثة مسؤولين مطلعين، أن «مصر أبدت استعدادها للمشاركة في قوة أمنية في غزة بعد الحرب، تعمل جنباً إلى جنب مع ضباط فلسطينيين محليين، واشترطت ربط ذلك بإنشاء طريق إلى دولة فلسطينية مستقبلية، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة».

وزعمت الصحيفة الإسرائيلية أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هو من أبلغ بعض نظرائه بذلك الطرح خلال زيارته الأخيرة التي شملت قطر ومصر وإسرائيل والأردن قبل أسبوعين.

وقال بلينكن لنظرائه، إن الولايات المتحدة ستساعد في إنشاء القوة الأمنية وتدريبها، والتأكد من حصولها على تفويض مؤقت؛ إذ يمكن استبدال هيئة فلسطينية كاملة بها في نهاية المطاف، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة لن تُسهم بقوات خاصة بها.

ويُعَد ذلك الطرح من التصورات المحتملة لليوم التالي للحرب. وفي 12 يونيو (حزيران) الحالي في الدوحة، قال بلينكن إن الولايات المتحدة «في الأسابيع المقبلة ستطرح مقترحات للعناصر الرئيسية لليوم التالي للحرب».

ولم تعلّق القاهرة رسمياً على ما أثارته الصحيفة الإسرائيلية بعد، غير أنه في 19 يونيو الحالي نفى مصدر رفيع المستوى، لقناة «القاهرة الإخبارية» الخاصة، «ما تردد من قبل بعض المواقع الإخبارية، بشأن موافقة مصر على المشاركة في قوة عربية تابعة للأمم المتحدة للسيطرة على المعابر مع قطاع غزة».

ووقتها، أرجع خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، النفي المصري غير الرسمي للمشاركة في «قوة عربية»، إلى 3 أسباب، وهي «الالتزام باتفاق المعابر الموقع في 2005 الذي ينص على الإدارة الفلسطينية لمعابرها، وتعزيز موقف السلطة الفلسطينية في أي مباحثات تتناول سيناريوهات اليوم التالي للحرب، وعدم السماح لإسرائيل بفرض قواعد جديدة تخل بحقوق الفلسطينيين والأمن القومي المصري ولو مرحلية».

طرح «قوات عربية بغزة» أثاره أيضاً، الأربعاء، نائب رئيس الوزراء الأردني وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، في مؤتمر صحافي، قائلاً: «لن نرسل قوات إلى قطاع غزة، لتكون بديلاً عن قوات الاحتلال الإسرائيلي».

تصور أميركي

الخبير الاستراتيجي والعسكري المصري، اللواء سمير فرج، يرى، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن الحديث الحالي في الإعلام الإسرائيلي بشأن القوة العربية قد يكون كاشفاً لما يدور في كواليس نقاشات اليوم التالي للحرب وتصوراته التي ستعرضها واشنطن.

ويوضح أن مصر لم تصرّح رسمياً بشأن ما أُثير، و«سبق أن طُلب من مصر تولي الأمن بغزة بمفردها ورفضت، لكن هذا المقترح قد يراه البعض حلاً مبدئياً لمدة عدة أشهر وأكثر واقعية في تصورات اليوم التالي».

وأكد أن «مصر تعمل على كل ما يعزز بقاء السلطة الفلسطينية في إدارة أمور بلادها، ولا يشرعن الاحتلال الإسرائيلي ويتماشى مع الاتفاقات»

موقف ثابت

الخبير الاستراتيجي رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية، العميد سمير راغب، يستبعد في حديث مع «الشرق الأوسط»، حدوث ذلك من جانب القاهرة، وقال إن هناك نفياً مصرياً سابقاً لذلك الطرح، وكل المواقف المعلنة المصرية السابقة لا تقر ذلك.

ويعتقد أن إسرائيل اعتادت في ظل حرب غزة على ترويج معلومات خاطئة، لتوريط القاهرة في أمور غير حقيقية وتمس مصر، وما يُطرح منها بشأن تلك القوات ليس جديداً، بل ترديد وترويج لشيء غير صحيح.

ويرى أن الموقف المصري الثابت منذ بداية الحرب مع انسحاب إسرائيل لما قبل 7 أكتوبر الماضي، وإعادة الإعمار بغزة، وأن تكون مفاوضات اليوم التالي للحرب مع السلطة الفلسطينية.


مقالات ذات صلة

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

المشرق العربي تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

قالت كارولين ليفيت، التي أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أنها ستكون متحدثةً باسم البيت الأبيض، لموقع «أكسيوس»، إن ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات

المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

«جرس إنذار» في العراق من هجوم إسرائيلي واسع

ينشغل الفضاء السياسي والشعبي العراقي بصورة جدية هذه الأيام باحتمالات توسيع إسرائيل دائرة حربها؛ لتشمل أهدافاً كثيرة في عموم البلاد.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

تقف يومياً ولساعات طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة خبز» واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
TT

«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

حين قرر «حزب الله»، ومن خلفه إيران، في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تحويل جبهة جنوب لبنان إلى جبهة دعم وإسناد لغزة، التزاماً باستراتيجية «وحدة الساحات» التي تقول إن كل القوى المحسوبة على طهران تتحرك تلقائياً لتدعم أي هجوم على أي منها، لم يستشر أحداً، لا الحلفاء ولا الأخصام، ولم يعد لأي من المؤسسات الدستورية لتغطية قراره هذا، لعلمه بوقتها أن أحداً لن يغطيه.

اليوم وبعد ما يتردد عن قراره فصل مساري غزة ولبنان، بالموافقة على وقف النار، باتت القوى التي تجنبت طوال الفترة الماضية انتقاد هذه السياسة علناً، لا تتردد باعتبار التزام الحزب السابق بهذه الاستراتيجية «خطأ استراتيجياً».

تحسين شروط

ولفت مؤخراً ما قاله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان قد ساند «حماس» و«حزب الله» بعد «طوفان الأقصى»، عن وجوب «فصل المسارات ووقف استخدام الجنوب ساحة صراع لدعم غزة أو الضفة»، منتقداً استخدام إيران للبنان في «ربط المسارات من أجل تحسين شروط المناقشات حول موضوع النووي الإيراني».

أما حركة «أمل»، الحليف الأقرب لـ«حزب الله»، التي انخرطت ولو بشكل رمزي بحرب الإسناد، فتشير المعلومات إلى أنها لم تكن تؤيد استراتيجية «وحدة الساحات» لكنها وبعد بدء المواجهات جنوباً انخرطت بالحرب «دفاعاً عن لبنان».

ويتجنب نواب وقياديو الحركة الحديث بهذا الخصوص، إذ يصر «الثنائي الشيعي» على تظهير موقف واحد مرتبط بالحرب الراهنة.

لا مصلحة لبنانية فيها

وكان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، حليف «حزب الله» منذ عام 2006، أول من خرج ليصف التزام «حزب الله» باستراتيجية «وحدة الساحات» بـ«الخطأ الاستراتيجي»، معتبراً أنها «تصب لصالح دول أخرى وليس لصالح لبنان».

ويشير عضو تكتل «لبنان القوي» جيمي جبور إلى أنه «تم العمل باستراتيجية وحدة الساحات حصراً عند تضامن (حزب الله) مع غزة، وفتحه لجبهة الإسناد التي رأينا منذ البداية ألا مصلحة لبنانية فيها، وإذ تبين لاحقاً أن موقفنا كان صائباً بتراجع الجميع عن هذا الإسناد عملياً، بما فيهم (حزب الله) الذي دفع وحيداً مع لبنان ثمن وحدة الساحات من غير أن نرى إيران، أم غيرها من الدول والقوى، تنضم تضامناً معه إلى هذه المعركة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كل ما حصل بات يُحتم «إعادة النظر الجذرية باستراتيجية السلاح فور انتهاء المعارك»، مضيفاً: «آن الأوان لحوار داخلي يجعل السلاح في خدمة لبنان فقط دون سواه من الدول ضمن استراتيجية دفاعية تكون الدولة ومؤسساتها صاحبة القرار، ويكون الجيش اللبناني العمود الفقري والأساس في الدفاع عن لبنان».

مقاتل من «حزب الله» يطلق صاروخاً موجهاً (أرشيفية)

بالتسوية أو بالقوة

ويُعدُّ حزب «القوات اللبنانية» أبرز المعارضين لـ«وحدة الساحات»، وبالأصل لوجود «حزب الله» حزباً مسلحاً. وترى عضو تكتل «الجمهورية القوية» غادة أيوب أن «إيران اعتمدت استراتيجية (وحدة الساحات)، لأنها أرادت بذلك أن تكون لاعباً قوياً يتدخل في 5 بلدان عربية عبر أذرعه بدءاً من (حزب الله) في لبنان، والحوثيين في اليمن، و(حماس) في غزة، و(الحشد الشعبي) في العراق، والنظام السوري بوجود (فيلق القدس) والحرس الثوري الإيراني»، مشيرة إلى أنه «غداة إعلان (طوفان الأقصى) في 8 أكتوبر (تشرين الأول) لم تتحرك سوى ساحتين لمساندة (حماس) في غزة انطلاقاً من لبنان واليمن، وبذلك تعطلت استراتيجية وحدة الساحات التي ابتدعتها إيران، وسقطت بمجرد أن رفض النظام السوري الدخول في هذه الحرب لاعتبارات تتعلق بالوجود الروسي على أراضيه واعتبارات أخرى، وكذلك العراق، مع العلم أن إيران، وبالرغم من هذه الاستراتيجية، فهي لم تسلم من الضربات المباشرة على أراضيها والتهديدات المباشرة إذا ما أكملت في سياستها».

وتعدُّ غادة أيوب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الاستراتيجية تنتهي إما عن طريق التسوية مع إيران أو بالقوة»، لافتة إلى أن محور الممانعة أصبح «محوراً صوتياً أو سياسياً لا عسكرياً» كممانع للعلاقة مع إسرائيل لحين تبلور صورة الشرق الأوسط.

مدماك حزام النار

أما مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، فيوضح أن «استراتيجية وحدة الساحات التي تم تفعيلها عند بدء الحرب على غزة، وشارك فيها اليمن وطبعاً (حزب الله) الذي أعلن جبهة جنوب لبنان جبهة دعم وإسناد، قررت إيران وقفها، وليس بشكل علني، لأنها واجهت ضربة عسكرية إسرائيلية كبيرة، وأصبح الاستمرار بهذه الاستراتيجية مكلفاً جداً، بخاصة على (حزب الله) الذي هو المدماك، أي الحجر الأساس في ما يُسمى حزام النار الذي أنشأته إيران لتطويق إسرائيل، الذي يُسمى سياسياً بـ(وحدة الساحات)».

ويلفت نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بدأ أخيراً تقليم أظافر (حزب الله) وصولاً لشبه إنهائه من خلال اقتلاع قدراته العسكرية، وهذا أمر مستمر»، موضحاً أن «إيران وأذرعها لم يقرروا فقط وقف العمل باستراتيجية وحدة الساحات، إنما باتوا يريدون وقف النار وإنهاء العمليات العسكرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه».