الدور الأميركي في لبنان... أبعد من وساطة وأقل من وصاية

هدفه الراهن تفادي هجوم إسرائيلي واسع

هوكستين متحدثاً في مؤتمر صحافي بعد لقائه برّي (رويترز)
هوكستين متحدثاً في مؤتمر صحافي بعد لقائه برّي (رويترز)
TT

الدور الأميركي في لبنان... أبعد من وساطة وأقل من وصاية

هوكستين متحدثاً في مؤتمر صحافي بعد لقائه برّي (رويترز)
هوكستين متحدثاً في مؤتمر صحافي بعد لقائه برّي (رويترز)

تُولِي الولايات المتحدة الأميركية أهمية قصوى لتفادي توسّع الحرب في لبنان، ولذلك أرسلَت المبعوث الرئاسي آموس هوكستين إلى المنطقة، في محاولة لتبريد الجبهات، والدفع باتجاه خفض التصعيد، والعودة لقواعد الاشتباك السابقة، خصوصاً أن الخشية من إقدام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على تنفيذ تهديداته بحرب مفتوحة على لبنان تعاظمت مؤخّراً، مع الحديث عن قرب انتهاء العملية العسكرية في رفح.

ويعرف هوكستين حجم التعقيدات المحيطة بالملف اللبناني؛ إذ أصبح خبيراً به بعد نجاحه في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 في صياغة اتفاق، وُصف بـ«التاريخي» بين لبنان وإسرائيل، لترسيم الحدود البحرية. ويسعى هوكستين اليوم لصياغة اتفاق جديد يشمل هذه المرة الحدود البرّية اللبنانية – الإسرائيلية، ويمهّد لاستقرار طويل الأمد بين «حزب الله» وإسرائيل.

وتمكّن المبعوث الأميركي من بناء علاقة وثيقة برئيس المجلس النيابي نبيه برّي، الموكّل من «حزب الله» بعمليات التفاوض مع الأميركيين، ولذلك يحاول معه اليوم تكرار تجربة 2022، وإن كان طول أمد حرب غزة يؤخّر إنجاز أي اتفاق، نتيجة قرار «حزب الله» الربطَ بين مصير جبهتَي غزة ولبنان.

ويبدو واضحاً أن ما تقوم به واشنطن، سواء في ملف الوضع في الجنوب أو في ملف الرئاسة، أبعد من وساطة وأقل من وصاية.

حماية إسرائيل أولاً

ويعتبر سفير لبنان السابق في واشنطن، الدكتور رياض طبارة، أن «ما تريده أميركا في الوقت الحاضر هو الاستقرار في المنطقة، بمعنى ألا تذهب الأمور إلى حرب واسعة بين إسرائيل وأعدائها، فتضطر أميركا إلى التدخل عسكرياً في معركة لا تعرف نهاياتها، خصوصاً في سنة انتخابية، وفي ظل الجو الرافض من الشعب والكونغرس للحروب»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «المهم أميركياً في كل هذا هو أن توفّر الحلول المعتمَدة حمايةً لإسرائيل التي تتخبط اليوم سياسياً وعسكرياً ودولياً».

ويضيف طبارة: «بند أساسي في الموقف الأميركي هو عدم توسّع الحرب في جنوب لبنان، ولذلك ترسل أميركا مندوباً تلو الآخر إلى المنطقة، وآخرهم هوكستين؛ كي لا تفلت الأمور من يدها، كما تقوم باتصالات غير مباشرة مع (حزب الله)، ما يخالِف مبدأها المُعلَن بعدم التعامل مع الحزب».

تجنّب الحرب الواسعة

أما مدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية»، الدكتور سامي نادر، فيقول إنه «صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية صاحبة النفوذ الأول في لبنان، لكنها ليست صاحبة النفوذ الأوحد؛ إذ إنه منذ الحرب العالمية الثانية دخل لاعبون آخرون على الخط».

ويشير نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أميركا تبذل جهوداً حثيثة لعدم توسعة الحرب على لبنان؛ لأنها لا شك غير متحمّسة لحرب ثالثة، في ظل الحرب الساخنة الأولى التي تقودها في أوكرانيا، والحرب التجارية الباردة مع الصين».

ويضيف أن أميركا «ليست متعجّلة لحرب تعتقد أنها في غنى عنها؛ لأنها سوف تشتّت جهودها، وإن كانت تعي أن خصومها قد يجرّونها إلى حرب من هذا النوع».

ويرى نادر أن «توقيت هذه الحرب غير مناسب على الإطلاق، خصوصاً لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن؛ لأن هناك سباقاً انتخابياً حامياً، وأي خطأ سيُستغَل من الخصم، علماً بأن الشعب الأميركي لا يُحبّذ أساساً الحروب، وهو شعب منطوٍ على نفسه، ولا يؤيد تبذير أمواله خارج بلاده، لكن كل ذلك لا يعني أن واشنطن قد تقبل التضحية بشركائها في المنطقة، وعلى رأسهم إسرائيل، لأكثر من اعتبار».

ملف الرئاسة

ويوافق أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية، الدكتور هلال خشان، على أن «وساطة الولايات المتحدة بين إسرائيل ولبنان لتجنّب الحرب سببها الأساسي علمها أنها لا تصبّ في صالح الرئيس الحالي جو بايدن عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، خصوصاً أن احتمالات نجاحه ضئيلة، إضافةً إلى أنه إذا اندلعت الحرب ستكون واشنطن مضطرّة لمساعدة حليفتها إسرائيل»، مشيراً -رداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»- إلى أنه «لا دور أصلاً لفرنسا في المنطقة، والجميع يعي، وضمناً اللبنانيون، أن من يُمسك بكل الأوراق بين اللاعبين الدوليين هي الولايات المتحدة الأميركية».

ويعتبر خشان أن «واشنطن غير مهتمة بالملف الرئاسي؛ لاعتبارها أن الرئيس في لبنان بعد اتفاق الطائف لم يعد يُقدّم أو يؤخّر».

لكن طبارة يخالف خشان في هذه النقطة، فيعتبر أن «موقف أميركا التقليدي هو أن تضع فيتو على شخص أو بضعة أشخاص، وتترك الباقي للمداولات المحلية»، موضحاً أن «أميركا تريد رئيساً للجمهورية في المستقبل القريب؛ لأنها تعتبر أن الحلول للمشكلات العالقة بين لبنان وإسرائيل ستشمل أموراً حساسة ومهمة، كترسيم الحدود الجنوبية مثلاً، وهذا يتطلّب أن يأتي التوقيع اللبناني من قِبل رئيس الجمهورية وحكومة ذات صلاحيات كاملة».

وتشترك الولايات المتحدة مع فرنسا والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر في لجنة خماسية تُعنَى بمحاولة حل الأزمة الرئاسية اللبنانية، إلا أنها حتى الساعة لم تنجح في تحقيق أي خرق يُذكَر في ظل إصرار «الثنائي الشيعي» («حزب الله» و«حركة أمل») على ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، فيما تدعو باقي القوى للتفاهم على مرشح توافقي.

وبدا لافتاً مؤخراً قول المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، القريب من «الثنائي الشيعي»: «لا نستطيع أن ننتخب رئيساً للجمهورية بسبب الضغط الأميركي الغربي الذي يسعى إلى تمرير رئيس يعمل لصالحه».

تحجيم «حزب الله»

وتُولِي واشنطن أهمية قصوى لدعم الجيش اللبناني، وتحجيم دور «حزب الله»، وقدّمت للجيش منذ العام 2006 مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار، بينها 180 مليون دولار خلال العام 2023، ويتم استخدام معظم هذه الأموال لصيانة الآليات والمعدات.

وفي إطار برنامج غير اعتيادي، قدّمت واشنطن 72 مليون دولار للجيش وقُوى الأمن الداخلي؛ لزيادة رواتب العناصر والضباط التي فقدت 95 في المائة من قيمتها، وتم توزيع هذه المساعدات على رواتب 6 أشهر من خلال مَنْح كل عنصر وضابط مبلغ 100 دولار أميركي.


مقالات ذات صلة

«كباش» بين جعجع وباسيل على المرجعية المسيحية رئاسياً

المشرق العربي البطريرك الماروني بشارة الراعي (الوكالة الوطنية)

«كباش» بين جعجع وباسيل على المرجعية المسيحية رئاسياً

لا تزال الحركة الناشطة على صعيد الملف الرئاسي «من دون بركة»، كما يؤكد مصدر معني بالمشاورات الحاصلة.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)

الشرع: سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان

تعهد القائد العام للإدارة الجديدة بسوريا أحمد الشرع الأحد بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان وستحترم سيادة هذا البلد المجاور

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

يتبين من خلال التدقيق الأولي في توزّع النواب على المرشحين لرئاسة الجمهورية، أن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتقدم على منافسيه.

محمد شقير
المشرق العربي برّي مُصرّ على عدم تأجيل موعد الانتخابات (الوكالة الوطنية للإعلام)

بري لـ«الشرق الأوسط»: انتخابات الرئاسة في موعدها... ولا نشترط تفاهمات مسبقة حول الحكومة

أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري أن المساعي مستمرة لإنجاح الجلسة النيابية المقررة في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية.

ثائر عباس (بيروت)
خاص ناشطون يحملون أعلاماً لبنانية وسورية وصور الصحافي سمير قصير الذي اغتاله النظام السوري السابق لمعارضته له في تحرك ببيروت تحت شعار «مِن بيروت الحرية» احتفالاً بسقوط نظام بشار الأسد (إ.ب.أ)

خاص مصادر لـ«الشرق الأوسط»: ميقاتي أعطى تعليمات للمؤسسات اللبنانية للتعاون مع «هيئة تحرير الشام»

فُتِحَت قنوات التواصل بين لبنان والحكومة السورية المؤقتة، ونَقَل دبلوماسيون رسالة من قائد «هيئة تحرير الشام» إلى لبنان بأنه لا مشكلة مع الدولة اللبنانية

يوسف دياب

الشرع يتعهد حل الفصائل المسلحة وإنشاء جيش سوري موحد

TT

الشرع يتعهد حل الفصائل المسلحة وإنشاء جيش سوري موحد

القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (أ.ف.ب)
القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (أ.ف.ب)

أكد القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، اليوم (الأحد)، أن كل الأسلحة في البلاد ستخضع لسيطرة الدولة بما فيها سلاح القوات التي يقودها الأكراد.

وقال الشرع خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في دمشق «ستبدأ الفصائل بالاعلان عن حل نفسها والدخول تباعا في الجيش»، مضيفاً «لن نسمح على الإطلاق أن يكون هناك سلاح خارج الدولة سواء من الفصائل الثورية أو من الفصائل المتواجدة في منطقة قوات سوريا الديموقراطية (قسد)».

وتعهد الشرع، في وقت سابق اليوم، بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان، وستحترم سيادة هذا البلد المجاور، خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط.

وكان الشرع أكد أن «سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان على الإطلاق، وستحترم سيادة لبنان ووحدة أراضيه، واستقلال قراره واستقراره الأمني»، مضيفاً أن بلاده «تقف على مسافة واحدة من الجميع». وتعهد بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان، وستحترم سيادة هذا البلد المجاور، خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط.