الجيش الإسرائيلي يدمر جزءاً كبيراً من معبر رفح

الأنفاق الكثيرة والمتفجرات تجعلان مهمته بجنوب القطاع مضنية... و600 عائلة يهودية تستعد لـ«إعادة الاستيطان» في غزة

فلسطينيون يتجمعون عند مطبخ خيري لتوزيع المساعدات الغذائية في خان يونس بجنوب قطاع غزة الأربعاء (رويترز)
فلسطينيون يتجمعون عند مطبخ خيري لتوزيع المساعدات الغذائية في خان يونس بجنوب قطاع غزة الأربعاء (رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي يدمر جزءاً كبيراً من معبر رفح

فلسطينيون يتجمعون عند مطبخ خيري لتوزيع المساعدات الغذائية في خان يونس بجنوب قطاع غزة الأربعاء (رويترز)
فلسطينيون يتجمعون عند مطبخ خيري لتوزيع المساعدات الغذائية في خان يونس بجنوب قطاع غزة الأربعاء (رويترز)

دمّر الجيش الإسرائيلي جزءاً كبيراً من معبر رفح من الجهة الفلسطينية، في طريقه كما يبدو لفرض سيطرة طويلة على محور «فيلادلفيا» الحدودي، بعد انتهاء المعارك في هذه المدينة التي تمثّل آخر معاقل حركة «حماس» في جنوب قطاع غزة.

وقال المراسل العسكري لإذاعة الجيش الإسرائيلي الذي وصل إلى محور فيلادلفيا ووثّق جزءاً من الواقع هناك، إن الدمار الهائل في معبر رفح يجعله غير قابل للاستخدام.

وأظهر مقطع فيديو نشرته إذاعة الجيش دماراً هائلاً في المعبر، وقد سوّيت أبنية بالأرض وأُحرقت أخرى، فيما بدت الطرق مجرّفة ومدمرة وغير قابلة للاستخدام.

ويستخدم الجيش الإسرائيلي اليوم معبر رفح بوصفه نقطة توقف واستراحة، ويرفض مغادرة المنطقة. ووفق مراسل الإذاعة، فإن «جنود (لواء) غفعاتي يجدون الوقت أيضاً للعزف على الغيتار» في المعبر.

وقالت الإذاعة إن الجيش الإسرائيلي يخطط بالفعل للبقاء في محور فيلادلفيا على المدى الطويل، ويفكر في كيفية التمسك به مع مرور الوقت، والفكرة تقوم على إنشاء منطقة أمنية عازلة.

ومحور «فيلادلفيا» أو محور «صلاح الدين»، هو شريط حدودي بين مصر وقطاع غزة يمتد داخل القطاع بعرض مئات الأمتار وطول 14.5 كلم.

وعلى بعد مئات الأمتار من المعبر، تظهر جرافة وهي تدمّر المباني للمساعدة في خلق منطقة خالية ونظيفة.

ويظهر من الفيديوهات وشهادات مراسل إذاعة الجيش أن القوات الإسرائيلية تعمل في «فيلادلفيا» في وضع مريح بخلاف بقية أرجاء رفح.

دمار عند معبر رفح (مراسل إذاعة غالاتس الإسرائيلية - رويترز)

وقالت الإذاعة الإسرائيلية إن نطاق القتال ليس مرتفعاً، ونقلت عن اللواء «غفعاتي» أن معظم مقاتلي «حماس» فروا شمالاً إلى خان يونس والمواصي، لكن رغم ذلك يصل مقاتلون إلى بعض الأبنية ويحفرون أحياناً تحت الأرض لنصب الفخاخ، ويتركون كاميرا صغيرة أو ميكروفوناً لفهم متى تأتي القوة، ومن ثم يقومون بعملية تفجير.

والسيطرة شبه الكاملة على منطقة فيلادلفيا تحققت، كما يبدو، أسرع من بقية رفح.

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن هذا الأسبوع عن توصله إلى سيطرة عملياتية على محور فيلادلفيا وقال إنه عثر على 200 فتحة نفق، و35 نفقاً بعضها يخترق الأراضي المصرية، لكن لا يزال هناك 20 نفقاً لم يتم العثور عليها، حسب زعمه.

المرحلة التالية تبدأ قريباً

وقال مسؤولون إسرائيليون لصحيفة «واشنطن بوست» إن إسرائيل تقترب من تحقيق أهدافها في رفح، المعقل الأخير لحركة «حماس»، مؤكدين أن المرحلة التالية من القتال في قطاع غزة ستبدأ قريباً، والتي ستشمل بشكل أساسي غارات مستهدفة وليس عمليات ومناورات واسعة النطاق.

وبحسب مصدر إسرائيلي فإنه من بين كتائب «حماس» الـ4 في رفح، تم تدمير 2 منها عملياً، وبالتالي لم تعد قادرة على العمل بوصفها وحدة قتالية.

وتقدر إسرائيل أنها سيطرت على 70 في المائة من مساحة مدينة رفح، وهو إنجاز كبير، لكنه أيضاً بطيء بالنسبة للتوقعات التي كان وضعها الجيش.

وتفاجأ الجيش بأن القتال في رفح كان مكثفاً وأكثر صعوبة منه في المناطق الأخرى، لأن الكتائب الموجودة في المنطقة كان أمامها عدة أشهر للاستعداد، وتعلمت الدروس من القتال في مناطق أخرى.

فلسطينيون في منطقة تؤوي نازحين بمدينة رفح (أ.ف.ب)

وأكد قائد لواء «ناحال» في الجيش الإسرائيلي يائير زوكرمان أن المعارك في رفح بطيئة ومضنية.

وقال زوكرمان لصحافيين التقاهم في أحد المباني في حي الشابورة برفح: «هذه ساحة معركة من نوع مختلف. الجنود يقاتلون شبراً شبراً فوق الأرض وتحتها».

وتحدث زوكرمان عن واقع معقد وقال إن كل البيوت في رفح تقريباً ترتبط بأنفاق. وقال: «لا يوجد منزل تقريباً من دون نفق»، موضحاً أن الأنفاق تربط بين منازل الحي في متاهة واحدة واسعة، وقد تم أيضاً إحداث ثقوب في الجدران لربطها.

وقال زوكرمان «رفح مليئة بالأنفاق... خلال الأيام الماضية فقط وجدت 17 نفقاً».

وإضافة إلى الأنفاق، فإن من بين التحديات التي تواجه قواته، كما شرح زوكرمان، تفخيخ المنازل والغرف في المدينة قبل دخول القوات الإسرائيلية إليها، وتفجيرها عن بُعد.

وأوضح المسؤول العسكري أن «حماس» تزرع كاميرات كثيرة في رفح لإدارة المعركة من فوق الأرض وتحتها.

وبحسب مراسل صحيفة «جيروزاليم بوست» الذي حضر اللقاء، أطلع زوكرمان الصحافيين على صورة لباب خزانة مفتوح وخلفه فتحة في الجدار الخرساني تؤدي إلى المنزل المجاور.

ولم يعط زوكرمان سقفاً زمنياً لإكمال المهمة في رفح على الرغم من أن قادة آخرين يتحدثون عن نحو أسبوعين.

فلسطينيون يشيعون ضحايا قصف إسرائيلي على رفح الأربعاء (رويترز)

عودة الدبابات إلى مدينة غزة

وإلى الشمال من رفح عادت الدبابات الإسرائيلية إلى حي الزيتون في مدينة غزة، وفق وكالة «رويترز» التي نقلت عن سكان حديثهم عن سماع إطلاق نار كثيف من الدبابات والطائرات، مشيرة أيضاً إلى سماع أصوات معارك مع مسلحين تقودهم حركة «حماس». وفي حي الشيخ رضوان بمدينة غزة قال مسعفون إن غارة جوية إسرائيلية على منزل أسفرت عن مقتل أربعة فلسطينيين بينهم طفل. وقُتل 20 شخصاً في المجمل بشتى أنحاء القطاع. وأعلن الجناحان المسلحان لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» أن مقاتليهما اشتبكوا مع القوات الإسرائيلية بالصواريخ المضادة للدبابات وقذائف الهاون، واستهدفوا وحدات إسرائيلية في بعض المناطق عبر تفجير عبوات ناسفة زرعوها مسبقاً. وفي وقت لاحق الأربعاء، ذكر الجيش الإسرائيلي أن مسلحين فلسطينيين أطلقوا صواريخ على معبر كرم أبو سالم في جنوب قطاع غزة.

ولا ينوي الجيش الإسرائيلي، كما يبدو، مغادرة رفح أو غزة بعد انتهاء المهمة التي يقوم بها إلا في إطار اتفاق شامل مع «حماس»، وهو ما يبدو معقداً بعض الشيء.

ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شبح إسقاطه وتفكيك ائتلافه إذا وقّع اتفاقاً مع «حماس».

وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير يتحدث أثناء حضوره مؤتمراً يدعو إسرائيل إلى إعادة بناء المستوطنات بقطاع غزة والجزء الشمالي من الضفة الغربية 28 يناير 2024 (رويترز)

عودة الاستيطان

ويدعو اليمين المتطرف إلى مواصلة الحرب في غزة حتى تدمير «حماس» بالكامل، ويريد سيطرة عسكرية هناك، وإعادة إطلاق الاستيطان.

وفي هذا الإطار، جدّد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير دعوته إلى تشجيع الاستيطان في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، ومطالبة الفلسطينيين بالهجرة الطوعية.

وقال بن غفير، زعيم حزب «القوة اليهودية» اليميني المتطرف عارضاً رؤيته لليوم التالي في غزة: «ملتزمون بالعودة إلى غزة، وبالعودة إلى شمال السامرة (الضفة). ولا يقتصر الأمر على غوش قطيف (مستوطنة أخلتها إسرائيل من غزة عام 2005) فحسب، بل يشمل كل أنحاء غزة. وعلينا أن نذكّر أنفسنا بشيء واحد، أنه لا يكفي مجرد الاستيطان. جنباً إلى جنب مع الاستيطان يجب أن يكون هناك تشجيع للهجرة».

ويرفض مسؤولون إسرائيليون بينهم وزير الدفاع يوآف غالانت إعادة احتلال غزة أو إبقاء القوات هناك أو بناء مستوطنات، بوصف أن ذلك سيكون استنزافاً للقوات والجهد والمال وحياة الجنود.

لكنّ متطرفين يدعمون رؤية بن غفير وآخرين. وكشفت دانييلا فايس، وهي من قادة المستوطنين المتطرفين، النقاب عن أن 600 عائلة يهودية (نحو 2500 فرد) سجلت نفسها ومستعدة للانطلاق الآن من أجل إعادة الاستيطان في قطاع غزة في ستة تجمعات سكنية جديدة مخططة. وقالت فايس في حديث للقناة السابعة إن ذلك مهمة ضرورية وحتى واقعية، مضيفة «أن هناك خططاً لإنشاء قاعدة إطلاق فورية بالقرب من الحدود لإقامة عشرات المستوطنات اليهودية في جميع أنحاء قطاع غزة».

ومضت فايس تقول: «إننا نسمع عن محادثات في واشنطن ودول الخليج حول اليوم التالي في غزة، ولكننا لن نسمح لما يُسمى بسلطة فلسطينية مجددة بأن تحكم هناك، بالنسبة لنا لا خيار سوى سيطرة إسرائيلية واستيطان».


مقالات ذات صلة

السعودية تدعو لشراكة جادة تحقق السلام في المنطقة

الخليج وزير الخارجية السعودي يتحدث خلال جلسة لمجلس الأمن بشأن غزة في نيويورك (الأمم المتحدة)

السعودية تدعو لشراكة جادة تحقق السلام في المنطقة

أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن بلاده تؤمن بأن تنفيذ حل الدولتين هو الأساس لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

جبير الأنصاري (الرياض)
العالم العربي ممثل كوريا الجنوبية لدى الأمم المتحدة هوانغ جون-كوك يتحدث خلال جلسة مجلس الأمن (الأمم المتحدة)

كوريا الجنوبية تصف التصعيد في المنطقة بـ«غير المسبوق»

قال ممثل كوريا الجنوبية لدى الأمم المتحدة هوانغ جون-كوك، إن الضربة في الضاحية الجنوبية لبيروت «أدت إلى تعميق مشاغلنا»، واصفا التصعيد في المنطقة بـ«غير المسبوق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)

اختلافات جوهرية في سياسات ترمب وهاريس الخارجية

استغلّ كل من ترمب وهاريس وجود قادة العالم في نيويورك لإثبات أهليتهما على صعيد السياسة الخارجية.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جانب من الدمار الذي خلّفته ضربة إسرائيلية استهدفت مقر «حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية 27 سبتمبر (د.ب.أ)

بلينكن: المنطقة والعالم في لحظة حرجة

حذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من استهداف المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، بعد ساعات من سلسلة غارات ضخمة شنّتها إسرائيل على مقرّ قيادة «حزب الله».

هبة القدسي (واشنطن)
الخليج وزير الخارجية السعودي يتحدث خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن حول القيادة في السلام بنيويورك (واس)

وزير الخارجية السعودي: الدولة الفلسطينية حق أصيل لا نتيجة نهائية

أكد الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، أن «الدولة الفلسطينية حق أصيل وليست نتيجة نهائية»، مشدداً على صعوبة تقييم الوضع في الشرق الأوسط الآن.

جبير الأنصاري (الرياض)

صهر قاسم سليماني... من هو هاشم صفي الدين أبرز مرشح لخلافة نصر الله؟

هاشم صفي الدين في صورة أرشيفية مع القيادي في «حزب الله» إبراهيم عقيل الذي قتل بغارة إسرائيلية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
هاشم صفي الدين في صورة أرشيفية مع القيادي في «حزب الله» إبراهيم عقيل الذي قتل بغارة إسرائيلية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

صهر قاسم سليماني... من هو هاشم صفي الدين أبرز مرشح لخلافة نصر الله؟

هاشم صفي الدين في صورة أرشيفية مع القيادي في «حزب الله» إبراهيم عقيل الذي قتل بغارة إسرائيلية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
هاشم صفي الدين في صورة أرشيفية مع القيادي في «حزب الله» إبراهيم عقيل الذي قتل بغارة إسرائيلية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

مع التقارير غير المؤكدة عن مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله بغارة إسرائيلية على بيروت، الجمعة، بعد 32 عاماً على رأس جماعته، تزايدت التساؤلات عن خليفته المرتقب.

ورغم السرية والغموض اللتين تكتنفان عملية اختيار القيادات في التنظيمات الشبيهة بـ«حزب الله»، يتصدر الأسماء المرشحة لقيادة التنظيم الحليف لإيران في حال تأكد الاغتيال، هاشم صفي الدين، ابن خالة نصر الله وصهر قاسم سليماني، القائد السابق لـ«فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني.

يشبه صفي الدين ابن خالته في الشكل والجوهر وحتى في لثغة الراء. أُعد لخلافته منذ 1994، وجاء من قم إلى بيروت، ليتولى رئاسة المجلس التنفيذي الذي يعتبر حكومة الحزب. أشرف على عمله القائد الأمني السابق للحزب عماد مغنية.

كان صفي الدين «ظل» نصر الله بامتياز، والرجل الثاني داخل الحزب. وعلى مدى ثلاثة عقود، امسك الرجل بكل الملفات اليومية الحساسة، من إدارة مؤسسات الحزب الى إدارة أمواله واستثماراته في الداخل والخارج، تاركاً الملفات الاستراتيجية بيد نصر الله.

هاشم صفي الدين في صورة تعود إلى عام 2015 (أ.ف.ب)

ويعد صفي الدين، المدرج على قائمة الإرهاب الأميركية منذ عام 2017، من كبار مسؤولى الحزب الذين تربطهم علاقات وثيقة مع الجناح العسكري، إلى جانب علاقاته الوثيقة جداً مع الجناح التنفيذي.

مصاهرة إيرانية

تربطه كذلك بطهران علاقات ممتازة، فهو قضى سنوات في حوزة قم يتعلم فيها، إلى أن استدعاه نصر الله إلى بيروت لتحمل مسؤوليات في الحزب. كما تزوج ابنه رضا في 2020 بزينب سليماني، ابنة العقل المدبر للمشروع الإقليمي لإيران قاسم سليماني الذي اغتالته غارة أميركية في بغداد في العام نفسه.

اسم صفي الدين طرحته صحيفة إيرانية لخلافة نصر الله قبل 16 عاماً. لكن المطلعين على كواليس الحزب يقولون إن القرار اتخذ قبل ذلك بكثير. فوفقاً لما أكده قيادي سابق بارز في «حزب الله» لـ«الشرق الأوسط» آنذاك، فإن اختيار صفي الدين تم بعد نحو سنتين من تولي نصر الله منصب الأمين العام في 1992، خلفاً لعباس الموسوي الذي اغتالته إسرائيل.

يحدد القيادي السابق توقيت الاختيار بلحظة «استدعاء» صفي الدين من مدينة قم في إيران إلى بيروت على وجه السرعة عام 1994 لتسلم مركزه الذي مكنه السيطرة على كل المفاصل المالية والإدارية والتنظيمية في الحزب.

وما يزيد من حظوظ اختيار صفي الدين لخلافة نصر الله، هو المسار المتشابه إلى حد الغرابة بين الرجلين داخل الحزب. غير أن نصر الله الذي لا يكبر ابن خالته بأكثر من عامين، يبدو أكبر منه بكثير من حيث الشكل، ناهيك من الحضور السياسي والشعبي.

صفي الدين خلال مشاركته في تشييع قيادي في الحزب قتل في إدلب بسوريا (أ.ف.ب)

ولا يوجد الكثير من المعلومات عن صفي الدين، فهذا الرجل ظل لفترة طويلة شبه مجهول في الأوساط السياسية اللبنانية، إلى أن دفعته الإجراءات الأمنية المشددة المحيطة بحسن نصر الله، إلى الظهور محله في مناسبات الحزب، خصوصاً جنازات عناصره وقياداته الذين قتلوا في لبنان أو خلال قتال الحزب في سوريا ضد المعارضة إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، أو في مناطق انتشاره الأخرى لمساندة البرنامج الإقليمي الإيراني.

لكن المعلومات القليلة التي تتوفر عنه تقول إن صفي الدين من مواليد عام 1964، من بلدة دير قانون النهر في منطقة صور جنوب لبنان، ومن عائلة «لها حضور قوي» بالمعيار الاجتماعي، وهي عائلة قدمت أحد أشهر نواب المنطقة في الستينات والسبعينات وهو محمد صفي الدين، بالإضافة إلى العديد من رجال الدين البارزين.

وسعى صفي الدين، وهو لا يزال في عمر صغير نسبياً إلى الزواج قبل السفر إلى الدراسة الدينية في مدينة قم الإيرانية التي كانت تشهد في تلك الفترة اتساعاً متزايداً في طلابها ونفوذها السياسي والديني بعد الثورة الإيرانية عام 1979 كرديف لمدارس النجف الدينية التي تدهور دورها نسبياً خلال حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وأراد صفي الدين أن يكون زواجه من عائلة متدينة، وأن يصاهر أحد رجال الدين، فكان أن تزوج من ابنة السيد محمد علي الأمين، عضو الهيئة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.

رعاية عماد مغنية

غادر صفي الدين إلى قم ملتحقاً بابن خالته نصر الله. ويقول بعض معارف العائلة إن صفي الدين كان أحد ثلاثة كانوا موضع عناية واهتمام عماد مغنية، المسوؤل الأمني البارز لـ«حزب الله»، والذي اغتيل في دمشق في فبراير (شباط) 2008 في ظروف ما زالت غامضة. هؤلاء الثلاثة هم حسن نصر الله، ونبيل فاروق أحد أبرز قادة الحزب، وصفي الدين نفسه، موضحين أن مغنية هو من أرسل هذا الثلاثي إلى قم وسهّل أمورهم هناك.

صفي الدين متحدثاً خلال تشييع عنصرين من الحزب قتلا بتفجيرات أجهزة الاتصالات منتصف الشهر الجاري (أ.ف.ب)

كُتب لهؤلاء الثلاثة أن يكونوا من أبرز قادة «حزب الله» أوائل التسعينات. فأصبح نصر الله أميناً عاماً، وصفي الدين مديراً تنفيذياً للحزب بالمقياس المؤسساتي، وبمثابة رئيس حكومة «حزب الله»، أما فاروق فأصبح قائداً عملياً لمنطقة الجنوب ذات الأهمية الكبيرة لدى قيادة الحزب وموقع قوته العسكرية الكبرى.

إدارة استثمارات الحزب

وإضافة إلى الشؤون اليومية للحزب، يدير المجلس التنفيذي الذي ترأسه صفي الدين أيضاً مجموعة استثمارات هائلة الحجم، تهدف إلى تأمين الاستقلالية المالية للتنظيم وتمويل جسده الهائل الذي لا يخضع لتمويل «الأموال الشرعية» المرصودة أساساً للعمل العسكري.

وفيما يقدر البعض هذا الرقم بمليارات الدولارات، تشكك أوساط مطلعة على أوضاع الحزب في هذا رغم اعترافها بضخامة حجم استثمارات الحزب والتي تنتشر في لبنان والعالم العربي وأفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية. وكان المجلس التنفيذي يضم تحت إدارته العمل العسكري، قبل أن يتم إنشاء «المجلس الجهادي» وفصل صلاحياته عن المجلس التنفيذي.

صفي الدين خلال جنازة قيادي من الحزب في يونيو الماضي (غيتي)

انبهار بولاية الفقيه

أثرت السنوات التي قضاها صفي الدين بقم في أفكاره السياسية، فهو مثلاً من الداعمين لفكرة ولاية الفقيه، بالرغم من أن الكثير من شيعة لبنان لا يؤمنون بها. ففي إحدى كتاباته يتطرق صفي الدين من بعيد إلى تجربة رجال الدين الشيعة في قم وأهميتها مقارنة بتجربة النجف، وتأثيرها على الفكر السياسي لدى الشيعة بلبنان، فيقول إن «الساحة الإسلامية الشيعية اللبنانية كان الغالب عليها الانحياز الكبير لمنتجات الفكر الآتي من النجف ولتجربته في كثير من الأحيان بينما غاب عنها إلى حد كبير الخصوصيات القمية إلا في بعض الحالات النادرة، وبشكل مفاجئ وخلافاً للتوقعات المعيشة في عموم الساحة الإسلامية أطل فجر الانتصار للثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني ليحقق حلماً كبيراً للنهج الإسلامي المتحرر معلناً نجاحاً باهراً وصاعقاً».

ويرى أن «نظرية ولاية الفقيه من أهم النظريات التي أخرجها الإمام الخميني من الأدلة الشرعية والعقلية لتكون مشروعاً كاملاً يعالج أهم المشكلات التي واجهت الحركات الإسلامية والتي أدت إلى حالة التشرذم».