لبنان يخسر 6.55 % من ناتجه المحلي بسبب «العنف»

البنك الدولي يزيله عن «شاشة» ترقُّباته المستقبلية بسبب حرب الجنوب و«عدم اليقين»

مقر البنك الدولي (رويترز)
مقر البنك الدولي (رويترز)
TT

لبنان يخسر 6.55 % من ناتجه المحلي بسبب «العنف»

مقر البنك الدولي (رويترز)
مقر البنك الدولي (رويترز)

 

تلقى لبنان صدمة سلبية جديدة تمثلت بإشهار البنك الدولي قراره بإزالة ترقُّباته الدورية الخاصة بالبلد ومؤشراته الاقتصادية لما بعد العام الحالي، بذريعة تعمّق حال «عدم اليقين»، المترجمة بالغموض الشديد الذي يكتنف النظرة المستقبلية، جراء «كثرة الأحداث الأمنية والسياسية التي تعصف بالبلاد».

وفي مؤشر متزامن لا يقل سلبية، تم إدراج لبنان في الترتيب الأقرب إقليمياً لمجموعة الدول التي تعاني المخاطر الحربية والعنفية، إذ حاز درجة «منخفضة» في المستويات المعتمدة في مؤشر السلام العالمي، وتم تصنيفه في المرتبة 134 عالمياً، خلف ليبيا وإيران، وقبل فلسطين والعراق وسوريا.

ويعكس القرار الأحدث للبنك الدولي، والذي يجمع لبنان، بالتماثل، مع سوريا، وجزئياً مع اليمن الذي ستحجب ترقُّباته بدءاً من العام 2026، مدى ارتفاع منسوب المخاطر وكثافة الضبابية التي تكتنف الأوضاع الداخلية، لا سيما التمادي في تأخير انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والذي يشرف على ختام العام الثاني بعد أشهر قليلة، والشكوك المستمرة حول فاعلية الحكومة المستقيلة قبل أكثر من عامين، واقتصار مهامها دستورياً على «تصريف الأعمال»، علماً بأن إدارة صندوق النقد الدولي اتخذت قراراً شبيهاً قبل نحو سنتين، قضى بحجب التوقعات الخاصة بلبنان في التقارير الدورية التي تتابع تطورات اقتصادات البلدان حول العالم.

فشل في عقد اتفاق مع صندوق النقد

وتعززت هذه الإرباكات في المشهد الداخلي، بإضافة غير عادية في مضمونها ومخاطرها، نجمت عن المخاوف المتصاعدة من توسّع المواجهات العسكرية المستمرة في الجنوب منذ اليوم الثاني لاندلاع حرب غزّة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، والمسبوقة أيضاً بالفشل المشهود في تحقيق أي تقدم يذكر لعقد اتفاق ناجز مع صندوق النقد بعد مضي سنتين وشهرين على عقد الاتفاق الأولي.

ومع تعمق حال الغموض غير البناء الذي يظلّل المسارات السياسية والاقتصادية على حد سواء، يبدي مرجع مالي في اتصال مع «الشرق الأوسط» مخاوفه من تقهقر أوسع نطاقاً تفرضه هذه العوامل الداخلية والخارجية التي اجتمعت في توقيت متزامن، معزّزة بخسائر مادية هائلة، تُراكمها المواجهات اليومية في الجنوب، فضلاً عن لوائح الخسائر البشرية من ضحايا وجرحى ونازحين.

ويشير المسؤول المالي إلى أن الخطر الداهم يمكن أن يتمدّد تلقائياً إلى الاستقرار النقدي الذي كابد البنك المركزي في تأسيسه وحفظ استدامته، من خلال سياسات نقدية صارمة اعتمدها الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، بعد تسلم مهامه قبل نحو السنة، وأن يصيب التوازن الشكلي في إدارة موارد ومصروفات المالية العامة المستند خصوصاً إلى الامتناع عن سداد مستحقات ديون الدولة، بحيث تعجز فعلياً عن الاستجابة المنشودة لمعالجة الخسائر اللاحقة بالأفراد والأسر والقطاعات كافة في نطاق المواجهات العسكرية.

أضرار في القطاع السياحي

وتتلاقى هذه المخاوف مع تحليلات بعثة صندوق النقد التي أشارت إلى المخاطر العالية المرتبطة بالصراع، لا سيما لجهة إنتاج قدر كبير من عدم اليقين للآفاق الاقتصادية.

وإضافة إلى الأضرار التي يمكن أن تتفاقم في القطاع السياحي الحيوي، فإن التداعيات السلبية الناجمة عن الصراع في غزة، وتزايد القتال على الحدود الجنوبية للبنان، تؤدي حكماً إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الضعيف أساساً، حيث نتج عن ذلك نزوح داخلي لعدد كبير من الأشخاص، كما تسبب بأضرار في البنية التحتية والزراعة والتجارة في الجنوب.

وفي الوقائع المستجدة، قدّر «معهد الاقتصاد والسلام» في تقريره الثامن عشر من مؤشّر السلام العالمي، الأثر الاقتصادي للعنف في لبنان عند مستوى 8.36 مليار دولار، والتكلفة الاقتصاديّة للعنف بما يوازي 6.55 في المائة من الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد، وهو ما دفع إلى تصنيف لبنان في مرتبة متأخرة دولياً وإقليمياً، علماً بأن احتساب المؤشّر يجري استناداً إلى 23 عنصراً كميّاً ونوعيّاً، مدرجة ضمن ثلاثة عوامل رئيسيّة، تشمل مستوى الأمن الاجتماعي والأمان، ومدى استمرار الصراعات الداخليّة والدوليّة، ودرجة العسكرة.

من جهته، توقّع البنك الدولي في أحدث تقاريره عن «الآفاق الاقتصاديّة العالميّة»، والصادر بتاريخ 11 يونيو (حزيران) الحالي، أن يسجل لبنان نموّاً بنسبة 0.5 في المائة خلال العام الحالي، مع الإشارة إلى أنّه قد تمّت إزالة التوقّعات لما بعد العام 2024، نتيجة درجة عدم اليقين الكبيرة. كذلك، فإنّ النظرة المستقبليّة غامضة نتيجة كثرة التحدّيات الأمنيّة والسياسيّة والماليّة التي تعصف بالبلاد.

ومن المتوقّع أن تبقى نسبة تضخّم الأسعار في لبنان مرتفعة ومعدّلات الاستثمار خجولة، بينما يتوقّع التقرير استمرار التعافي في القطاع السياحي رغم درجات عدم اليقين المرتفعة، وخاصّةً كون السياحة رهينة التوتّرات الخارجيّة والمحليّة.


مقالات ذات صلة

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الاقتصاد الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

في ظل الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاس.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد الليرة السورية (رويترز)

الليرة السورية ترتفع بشكل ملحوظ بعد تراجع حاد

قال عاملون بالصرافة في دمشق، اليوم (السبت)، إن الليرة السورية ارتفعت إلى ما بين 11500 و12500 مقابل الدولار، بحسب «رويترز».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الاقتصاد رئيس الوزراء الفرنسي المعين فرنسيس بايرو وسلفه المنتهية ولايته ميشال بارنييه خلال حفل التسليم (د.ب.أ)

بعد ساعات على تعيين بايرو... «موديز» تخفّض تصنيف فرنسا بشكل مفاجئ

خفّضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف فرنسا بشكل غير متوقع يوم الجمعة، ما أضاف ضغوطاً على رئيس الوزراء الجديد للبلاد.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد منشأة لويندل باسل لتكرير النفط في هيوستن بولاية تكساس الأميركية (رويترز)

النفط يسجل أول مكاسب أسبوعية منذ نهاية نوفمبر

ارتفعت أسعار النفط قليلاً يوم الجمعة متجهة صوب تسجيل أول مكاسب أسبوعية منذ نهاية نوفمبر الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)

تأييد استمرار خفض الفائدة يتزايد داخل «المركزي الأوروبي» حال استقرار التضخم

أيد أربعة من صناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي يوم الجمعة المزيد من خفض أسعار الفائدة؛ شريطة أن يستقر التضخم عند المستهدف.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)

تركيا افتتحت سفارتها في دمشق بعد إغلاقها 12 عاماً

رفع علم تركيا على مبنى سفارتها في دمشق بعد إغلاقها 12 عاماً (من البث الحي للقنوات التركية)
رفع علم تركيا على مبنى سفارتها في دمشق بعد إغلاقها 12 عاماً (من البث الحي للقنوات التركية)
TT

تركيا افتتحت سفارتها في دمشق بعد إغلاقها 12 عاماً

رفع علم تركيا على مبنى سفارتها في دمشق بعد إغلاقها 12 عاماً (من البث الحي للقنوات التركية)
رفع علم تركيا على مبنى سفارتها في دمشق بعد إغلاقها 12 عاماً (من البث الحي للقنوات التركية)

رفعت تركيا علمها على مقر سفارتها في دمشق، السبت، إيذاناً بعودتها لممارسة عملها في سوريا بعد 12 عاماً من إغلاقها.

وبذلك تكون تركيا أول دولة تفتح سفارتها في ظل الإدارة الجديدة للبلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وأعلنت تركيا، التي تعد الداعم الأكبر للإدارة السورية الجديدة، تعيين سفيرها السابق لدى موريتانيا، برهان كور أوغلو (62 عاماً)، قائماً بالأعمال مؤقتاً لسفارتها في دمشق، لحين تعيين سفير جديد.

أحد عناصر «هيئة تحرير الشام» أمام السفارة التركية في دمشق بينما توافد ممثلو وسائل الإعلام لنقل لحظة افتتاح السفارة (رويترز)

وعمل كور أوغلو، الذي أعلن تعيينه مساء الخميس، في السابق عضواً في هيئة التدريس في جامعة مرمرة بإسطنبول، وكلية ميدلبري الأميركية، والجامعة الأردنية، وجامعتي «بهشة شهير»، وبن خلدون في إسطنبول، وعمل أخيراً أستاذاً في معهد أبحاث الشرق الأوسط والدول الإسلامية بجامعة مرمرة. كما شغل لفترة منصب رئيس مجلس إدارة تلفزيون «الجزيرة تورك».

وجاء تعيين كور أوغلو قائماً مؤقتاً بالأعمال في دمشق بعد ساعات قليلة من زيارة وفد تركي برئاسة رئيس المخابرات، إيراهيم كالين، لدمشق ولقاء القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، ورئيس حكومة «الإنقاذ» المؤقتة، محمد البشير، كأول وفد رسمي يزور سوريا بعد سقوط الأسد، وأول وفد يزور دمشق منذ 13 عاماً.

شابتان سوريتان تحتفلان أمام سفارة تركيا في دمشق (رويترز)

وكان آخر سفير لتركيا لدى سوريا هو عمر أونهون، وقررت تركيا سحبه من سوريا في مارس (آذار) عام 2012، في حين واصلت القنصلية العامة لسوريا في إسطنبول أنشطتها.

وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في كلمة خلال مؤتمر لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم في أرضروم (شمال شرقي تركيا)، السبت، إن البسمة عادت إلى وجوه السوريين في حلب وحمص ودمشق بعد سنوات طويلة من القهر في ظل نظام الأسد الذي انهار خلال أيام قليلة، وباتوا ينظرون إلى مستقبلهم بأمل، بعد 13 عاماً من الحرب.

إردوغان متحدثاً أمام مؤتمر لحزبه في شمال شرقي تركيا السبت (الرئاسة التركية)

وعد إردوغان أن التطورات الأخيرة أظهرت مدى صحة نهج حكومته في التعامل مع الأزمة السورية، رغم استفزازات أحزاب المعارضة، قائلاً إن «تركيا تحظى بالتقدير باعتبارها جزيرة استقرار في خضم هذه الاضطرابات، وتبرز كدولة رئيسية في المنطقة، لقد نجحنا في إدارة كل هذه العمليات المثيرة للجدل بسياسات متوازنة ومعتدلة وعادلة، ونواصل للقيام بذلك».

وقال إردوغان: «بالإضافة إلى تجاربنا الخاصة، سنضع خططاً بتوجيه من عقل الدولة التركية، التي لديها تقليد يعود إلى أكثر من 2200 عام، نبذل قصارى جهدنا ونتخذ خطواتنا وفقاً لذلك».