جدد «اجتماع باريس» بشأن غزة، بمشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزراء خارجية المملكة العربية السعودية ومصر وقطر والأردن، الحديث عن دفع مسار مفاوضات «الهدنة في غزة»، خصوصاً أنه عُقد غداة موافقة إسرائيل على العودة لطاولة التفاوض من جديد.
ووفق خبراء في الشأن العربي تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، فإن «الاجتماع يأتي ضمن محاولة إحداث ضغوط تؤدي إلى وقف فوري للحرب في غزة، وإعادة الاعتبار للمسار التفاوضي».
وقالت الرئاسة الفرنسية إن ماكرون يناقش، مساء الجمعة، مع وزراء خارجية السعودية ومصر وقطر والأردن، الحرب في غزة. بينما أكدت وزارة الخارجية المصرية أن الاجتماع جاء «بدعوة من ماكرون بهدف التنسيق مع الوزراء العرب للدفع نحو وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وجهود دعم تنفيذ حل الدولتين». وأوضحت وزارتا الخارجية في السعودية والأردن، الجمعة، أن اللقاء «يجمع بين ماكرون ووفد اللجنة الوزارية المكلف من القمة العربية - الإسلامية بشأن غزة».
وتشكلت اللجنة الوزارية عقب قمة الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبدأت أولى جولاتها من الصين، ومرت بمحطات كثيرة أبرزها بريطانيا وروسيا.
ومنذ نهاية يناير (كانون الثاني)، عُقدت جولات مفاوضات غير مباشرة في باريس والقاهرة والدوحة، بشأن التوصل إلى هدنة في غزة تتضمن تبادل الأسرى، لم تسفر حتى الآن عن اتفاق مماثل لهدنة جرت أواخر العام الماضي، وشهدت تبادل عدد من الأسرى.
ويشار إلى أن «اجتماع باريس»، الجمعة، جاء عقب إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الموافقة على العودة للمفاوضات، بعد تلويح رئيس هيئة الاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، مساء الأربعاء، بإمكانية الانسحاب من الوساطة رداً على ما وصفه بـ«الإساءات».
تلويح رشوان بـ«الانسحاب» جاء في سياق توتر بين القاهرة وتل أبيب عقب سيطرة الأخيرة على معبر رفح من الجانب الفلسطيني في 7 مايو (أيار) الحالي، ورفض القاهرة التنسيق معها في إدارة المعبر، ثم إعلانها الانضمام لجنوب أفريقيا في دعواها أمام محكمة العدل الدولية.
ويتزامن مع «اجتماع باريس» لقاء يجمع مدير «سي آي إيه» وليام بيرنز، ورئيس الموساد ديفيد برنيا، مع رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في محاولة لإحياء محادثات الهدنة، وفق ما ذكر موقع «أكسيوس» الأميركي.
ورأى الكاتب والباحث السعودي، عماد المديفر، أن «لقاء باريس يأتي في إطار جهود وفد اللجنة الوزارية برئاسة وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، لوقف الحرب والدفع باتجاه مسار واضح وجذري»، متوقعاً أن «يقدم الوزراء العرب (في باريس) عوامل (تسهم في) دفع مفاوضات الهدنة بغزة»، معتقداً أن «هناك بعض الزخم (الجمعة) نحو التوصل إلى اتفاق هدنة كخطوة أولى باتجاه وقف طويل الأمد لإطلاق النار». ويستبعد المديفر أن «تكون هناك مبادرة للتوصل إلى اتفاق هدنة من ماكرون، بل سيطالبه أعضاء اللجنة الوزارية بدور متوازن يسهم في تحقيق الهدنة ووقف كامل لإطلاق النار».
أما الكاتب والباحث السعودي، حسن المصطفى، فأكد «أهمية هذا الاجتماع، ضمن محاولة إحداث تنسيق وضغوط حقيقية تؤدي إلى وقف فوري للحرب في غزة، وإعادة الاعتبار للمسار التفاوضي، الذي يتعرض لامتحان صعب، ووضع خريطة طريق ومسار موثوق للسلام في الشرق الأوسط».
وبحسب المصطفى، فإن الجهد الفرنسي «رغم أهميته الرمزية والسياسية» فإنه «لا يمتلك أدوات عملية يفرضها على أرض الواقع»، بينما «تسعى السعودية لتنشيط العمل الدبلوماسي، ومراكمة رأي عام دولي واسع يسمح بأن يشكل شبكة أمان لأي مسار تفاوضي موثوق مستقبلاً».
في حين يعتقد المحلل السياسي المقيم في فرنسا، نزار الجليدي، أن «يكون ملف غزة قد أوكل لماكرون بعد التخلي الأميركي عنه، وأن فرنسا سوف تسعى للعب دور مهم بالمفاوضات في ظل ثقل السعودية الكبير، والقاهرة، وستكون فرصة للجميع»، مرجحاً أن «يشهد الاجتماع مبادرة لرأب الصدع في المفاوضات والوصول إلى حلول، خصوصاً أن الحكومة الإسرائيلية حالياً في تناقضات كبيرة».
وكانت حركة «حماس» وافقت أخيراً على مقترح هدنة عرضه الوسطاء، لكنّ إسرائيل قالت إن هذا الاقتراح «بعيد جداً عن مطالبها»، وكررت معارضتها وقفاً نهائياً لإطلاق النار.
في السياق، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، أن محطة باريس «ستسهم إلى حد ما في دفع الجهود المصرية - الأميركية - القطرية للتوصل إلى هدنة وإطلاق سراح الرهائن من دون أن تكون ملموسة وحاسمة في إنهاء الوضع بغزة».
أيضاً ذكر المحلل السياسي الأردني، منذر الحوارات، أن العودة لمحطة باريس «تعني محاولة الذهاب لحل وسط في مسار تفاوضي جديد في ظل التوترات الأخيرة مع إسرائيل».
إلى ذلك تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي جو بايدن، مساء الجمعة، تم خلاله تناول تطورات الأوضاع في قطاع غزة، حيث أعرب الرئيس الأميركي عن بالغ تقديره للجهود والوساطة المصرية المكثفة والدؤوبة والمستمرة للتوصل إلى وقف إطلاق للنار واتفاق للهدنة في القطاع، وتم الاتفاق على ضرورة تكثيف الجهود الدولية لإنجاح مسار التفاوض وتحقيق انفراجة تنهي المأساة الإنسانية الممتدة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
ووفق بيان للرئاسة المصرية، فقد بحث الرئيسان الموقف الإنساني الصعب للفلسطينيين في قطاع غزة، وانعدام سبل الحياة بالقطاع، وعدم توافر الوقود اللازم للمستشفيات والمخابز. واتفق الرئيسان في هذا الصدد على دفع كميات من المساعدات الإنسانية والوقود، لتسليمها إلى الأمم المتحدة بمعبر كرم أبو سالم، وذلك بصورة مؤقتة، لحين التوصل إلى آلية قانونية لإعادة تشغيل معبر رفح من الجانب الفلسطيني. كما تضمن الاتصال تأكيد ضرورة تضافر المساعي المختلفة لإنفاذ حل الدولتين وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، فضلاً عن تأكيد الرئيسين رفضهما جميع محاولات تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، ودعمهما لكل السبل الهادفة لمنع تفاقم وتوسع الصراع.