هل يستطيع لبنان الاستغناء عن العمّال السوريين؟

دعوة لمقاربة وجودهم من منظور اقتصادي

من احتجاج نُظم أمام مقر الأمم المتحدة ضد النازحين السوريين (أرشيفية - أ.ب)
من احتجاج نُظم أمام مقر الأمم المتحدة ضد النازحين السوريين (أرشيفية - أ.ب)
TT

هل يستطيع لبنان الاستغناء عن العمّال السوريين؟

من احتجاج نُظم أمام مقر الأمم المتحدة ضد النازحين السوريين (أرشيفية - أ.ب)
من احتجاج نُظم أمام مقر الأمم المتحدة ضد النازحين السوريين (أرشيفية - أ.ب)

تُقارِبُ القوى والأحزاب اللبنانية ملفّ النزوح السوري بطريقة «خاطئة»، مستخدمة لغة المزايدة السياسية في ما بينها، ومطالبة بترحيل السوريين دون معايير مدروسة، متجاهلة حاجة لبنان إلى الآلاف منهم بصفتهم «يداً عاملة»، وفق ما ترى مصادر معنية بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي.

وشكّل إضراب العمّال السوريين لمدة 4 أيام خلال الأسبوع الماضي عيّنة من مدى الضرر الذي سيلحق بالقطاعات اللبنانية إذا ما جرى الاستغناء عن هؤلاء العمّال أو ترحيلهم عشوائياً، دون الأخذ في الحسبان مصلحة لبنان واللبنانيين، طبقاً للمصادر ذاتها.

وكانت العمالة السورية موجودة بكثافة في لبنان قبل الحرب في سوريا وبدء الهجرة إلى دول الجوار، وتحديداً في الزراعة وقطاع البناء، وكان عددها يتراوح بين 400 و700 ألف، وفق تقدير الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، الذي عدّ أن «ارتفاع هذا الرقم أو انخفاضه يختلف تبعاً للظروف ومواسم الزراعة ومشاريع البناء... وغيرها».

وقال شمس الدين لـ«الشرق الأوسط»: «عندما يكون هناك ازدهار في قطاع البناء أو في مواسم الحصاد يكثر العدد، وبعد الحرب السورية صار هناك نزوح لعائلات بكاملها، ولم يعد الأمر يقتصر على الأفراد، أي إن العمّال استقدموا عائلاتهم، وثمة عائلات نزحت لتنجو بحياتها».

أحد مخيمات النازحين السوريين في لبنان (أسوشييتد برس)

وتتباين الأرقام المتداولة عن عدد النازحين الذين بات وجودهم مرتبطاً بربّ. ويشير شمس الدين إلى «غياب الإحصاءات الدقيقة لعدد النازحين، لكن هذا الرقم لا يتعدى 1.7 مليون شخص»، لافتاً إلى أنه «في عام 2018، بلغ العدد 2.5 مليون شخص، لكن هناك نحو 400 ألف عادوا إلى سوريا في فترات مختلفة، و200 ألف عادوا في السنتين الأخيرتين، ونحو 150 ألفاً جرى توطينهم في دول أوروبية، خصوصاً فرنسا والسويد وألمانيا، نظراً إلى حاجة الاقتصاد إليهم».

مقاربة اقتصادية لا سياسية

ومنذ أن استفحلت حركة النزوح غير المضبوطة في عام 2012، ارتفع الرقم بشكل غير مسبوق، وغادرت أعداد منهم لبنان باتجاه أوروبا عبر الهجرة النظامية وغير النظامية.

وفق بيانات الأمم المتحدة... يبلغ عدد اللاجئين السوريين نحو 15 % من سكان لبنان (المركزية)

وقدّر محمد شمس الدين عدد العمال السوريين في لبنان بنحو مليون عامل في حدّ أقصى، ورأى أن «مقاربة المسألة على أساس وجود شرعي وغير شرعي هي مقاربة خاطئة؛ بل يجب أن تكون المقاربة اقتصادية، تراعي مصلحة البلد... فلو دخل عامل سوري بطريقة غير شرعية وكان الوضع الاقتصادي بحاجة إليه، فيجب تسوية وضعه القانوني ومنحه إقامة شرعية. أما إذا وجد نازح بطريقة شرعية وكان عمله يشكل منافسة لليد العاملة اللبنانية ولا يقدّم إضافة إلى الاقتصاد، فتجب إعادته إلى سوريا، كالذين يعملون في قطاعات المطاعم والفنادق والنقل، ويشكلون منافسة للبنانيين».

ويعطي شمس الدين مثلاً على ذلك بالقول: «إذا دخل نازح قبل شهر أو شهرين بطريقة غير شرعية ويعمل في مجال صيانة المولدات الكهربائية، فهذا يحتاجه لبنان؛ لأنه يوجد أكثر من 10 آلاف مولد كهربائي، واليد العاملة اللبنانية لا تكفي، فقد نقع في مشكلة».

«فتح البحر»

وفي مواجهة الحملة اللبنانية ذات الخلفيات السياسية ضدّ اليد العاملة السورية، والادعاء بأن العامل السوري بات يشكل تهديداً للمؤسسات العاملة في الصناعات والمهن الحرفية، تقدّر منظمات الأمم المتحدة عدد العاملين السوريين المعرّفين لديها بـ450 ألفاً، وتشير إلى أن «اهتمامهم محصور في قطاعي البناء والزراعة»، وتعترف بأن الآلاف اختاروا «التحوّل إلى سوق العمل في التجارة والصناعات الحرفية لمواجهة الفقر وتقلّص قيمة المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة لهم».

ويقول شمس الدين إنه ما دامت اليد العاملة السورية باتت ضرورة، فلا يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها، فهناك «ضرورة للتعاطي مع السوريين في لبنان من منظار اقتصادي وليس على أساس شرعي أو غير شرعي». ويسأل: «لماذا استقطبت أوروبا 145 ألف نازح سوري؟ لأن الاقتصاد الأوروبي يحتاج إليهم، ولذلك يجب تنظيم الوجود السوري على أساس المعايير الاقتصادية وليس وفق أي معايير أخرى».

ولفت شمس الدين إلى أن «دعوة البعض إلى فتح البحر أمام هجرة السوريين إلى أوروبا ليست هي الحلّ؛ لأن أكثرية النازحين يتوجهون من الشمال عبر زوارق صغيرة، لا تعبر سوى مسافات قصيرة، أي إلى قبرص واليونان، وبالتالي نصبح أمام احتمال من اثنين: إما غرقهم، وإما بقاؤهم، وبالتالي ليس هذا هو الحلّ الأمثل لمعالجة مشكلة النزوح».


مقالات ذات صلة

مقتل 5 أشخاص خلال ساعات في جنوب لبنان

المشرق العربي مواطنون من جنوب لبنان أمام المنازل المدمر نتيجة القصف الإسرائيلي (إ.ب.أ)

مقتل 5 أشخاص خلال ساعات في جنوب لبنان

قُتل شخصان في قصف إسرائيلي استهدف دراجة نارية كانا يستقلانها في النبطية، في جنوب لبنان بعد ساعات على مقتل 3 أشخاص هم عنصر في «حزب الله» وشقيقتاه.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري نائب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم مستمعاً لكلمة نصر الله في الاحتفال التأبيني للقيادي محمد ناصر الذي اغتالته إسرائيل (رويترز)

تحليل إخباري «حزب الله» يعود إلى لغة التهديد: أزمة داخلية أم استثمار مسبق للحرب؟

عاد المسؤولون في «حزب الله» للغة التهديد والوعيد و«تخوين المعارضين» على خلفية مواقف عدة مرتبطة بالحرب الدائرة في الجنوب من جهة وبالاستحقاق الرئاسي من جهة أخرى.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي نساء وأطفال ورجل عجوز ضمن موجة النازحين السوريين الأخيرة إلى الأراضي اللبنانية (الشرق الأوسط)

تردُّد الوزراء يعوق تفعيل لجنة التنسيق اللبناني - السوري في ملف النازحين

رغم مرور نحو شهرين على توصية البرلمان بتفعيل عمل اللجنة الوزارية لوضع برنامج زمني وتفصيلي لإعادة النازحين، لم تفعّل حتى الساعة هذه اللجنة أو تشكَّل لجنة جديدة.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي صورة نشرها «المرصد السوري» للسيارة المستهدفة

مقتل رجل أعمال سوري بغارة إسرائيلية عند الحدود اللبنانية

قُتل شخصان في غارة إسرائيلية استهدفت سيارتهما مساء الاثنين على الحدود اللبنانية - السورية، وفق ما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لا تزال الكتل النيابية في البرلمان اللبناني عاجزة بتوازناتها الحالية عن انتخاب رئيس للجمهورية (أرشيفية - رويترز)

تحذيرات من تصفية لبنان سياسياً بتمدد الشغور في إدارات الدولة

يطرح انسداد الأفق لانتخاب رئيس للجمهورية، مع سقوط المبادرات تباعاً، أكثر من سؤال مع تعذر التوصل إلى هدنة في غزة يفترض أن تنسحب على الجنوب.

محمد شقير (بيروت)

مقتل 5 أشخاص خلال ساعات في جنوب لبنان

مواطنون من جنوب لبنان أمام المنازل المدمر نتيجة القصف الإسرائيلي (إ.ب.أ)
مواطنون من جنوب لبنان أمام المنازل المدمر نتيجة القصف الإسرائيلي (إ.ب.أ)
TT

مقتل 5 أشخاص خلال ساعات في جنوب لبنان

مواطنون من جنوب لبنان أمام المنازل المدمر نتيجة القصف الإسرائيلي (إ.ب.أ)
مواطنون من جنوب لبنان أمام المنازل المدمر نتيجة القصف الإسرائيلي (إ.ب.أ)

قُتل شخصان في قصف إسرائيلي استهدف دراجة نارية كانا يستقلانها في منطقة النبطية، في جنوب لبنان، بعد ساعات على مقتل 3 أشخاص، هم عنصر في «حزب الله» وشقيقتاه في استهداف منزلهم في بنت جبيل.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن مسيرة إسرائيلية شنت غارة بصاروخ موجه مستهدفة دراجة نارية على طريق النبطية - الخردلي، كان يستقلها شخصان، وعندما حاول عدد من المواطنين الاقتراب منها تعرضت لغارة ثانية وبصاروخ موجه أدى إلى وقوع إصابات مؤكدة براكبيها»، وأفادت وسائل إعلام لبنانية في وقت لاحق بوفاة الشخصين وهما من الجنسية السورية، من دون أن يجري الإعلان عن هويتهما.

وكان جنوب لبنان قد شهد تصعيداً في المواجهات ليلاً، بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي، إثر مقتل 3 أشخاص من عائلة واحدة في بنت جبيل، بعد ساعات على اغتيال إسرائيل، رجل أعمال سوري مقرّب من الرئيس السوري بشار الأسد، ويخضع لعقوبات أميركية وأوروبية، بعد ظهر الاثنين جراء ضربة إسرائيلية استهدفت سيارته في منطقة حدودية قريبة من لبنان، وفق ما أفاد به «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، مشيراً إلى أن «مسيّرة إسرائيلية استهدفت سيارة كان تقل براء القاطرجي عند الحدود اللبنانية - السورية ما أدى إلى مقتله مع شخص آخر كان برفقته».

وكان القاطرجي، وهو رجل أعمال مقرب من الأسد، وفق «المرصد» «مسؤولاً في العامين الأخيرين عن تمويل فصيل المقاومة السورية لتحرير الجولان» الذي أسسه «حزب الله» اللبناني، وترأسه القيادي في الحزب سمير القنطار قبل مقتله في قصف إسرائيلي قرب دمشق نهاية عام 2015. ويتولى الفصيل تنفيذ عمليات ضد إسرائيل من جنوب سوريا.

ومساء الاثنين، أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بارتكاب «العدو الإسرائيلي مجزرة في حق المدنيين في مدينة بنت جبيل قُتل خلالها شقيقان من آل داغر (شقيق وشقيقته)، بينما أصيبت شقيقتهما الأخرى بجروح خطرة عندما استهدفت المقاتلات الحربية منزلهم بغارة وعلى دفعتين فدمرته في حي العويني في المدينة»، قبل أن يعلن عن مقتل الأخت الثانية. ولاحقاً، أعلن «حزب الله» مقتل «المجاهد عامر جميل داغر»، مشيراً إلى أنّه من مدينة بنت جبيل في جنوب لبنان.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أنّ مقاتلات تابعة لسلاح الجو «أغارت على مستودع أسلحة في منطقة بنت جبيل، بالإضافة إلى مبنى عسكري تابع لمنظمة (حزب الله) الإرهابية في منطقة كفركلا بجنوب لبنان».

وردّاً على الغارة التي استهدفت بنت جبيل، أطلق «حزب الله» صواريخ باتجاه مستعمرة كريات شمونة. وقال الحزب في بيان إنّه «ردّاً على اعتداءات العدو الإسرائيلي على القرى الجنوبية الصامدة والمنازل الآمنة خصوصاً المجزرة المروّعة التي أقدم عليها العدو في مدينة بنت جبيل»، فإنّ مقاتلي الحزب قصفوا بلدة كريات شمونة شمال إسرائيل «بعشرات الصواريخ».

وكان مدنيان قد قُتلا السبت بعد غارة إسرائيلية على قرية دير ميماس في جنوب لبنان، وفق ما أفادت به «الوكالة الوطنية»، في حين قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف عنصرين من «حزب الله» في المنطقة.

وردّاً على غارة السبت، أعلن «حزب الله» أنّه قصف شمال إسرائيل بعشرات صواريخ «الكاتيوشا»، وقد أعلن الجيش الإسرائيلي أنّ 4 جنود أصيبوا، أحدهم بجروح خطرة.