هل يستطيع لبنان الاستغناء عن العمّال السوريين؟

دعوة لمقاربة وجودهم من منظور اقتصادي

من احتجاج نُظم أمام مقر الأمم المتحدة ضد النازحين السوريين (أرشيفية - أ.ب)
من احتجاج نُظم أمام مقر الأمم المتحدة ضد النازحين السوريين (أرشيفية - أ.ب)
TT
20

هل يستطيع لبنان الاستغناء عن العمّال السوريين؟

من احتجاج نُظم أمام مقر الأمم المتحدة ضد النازحين السوريين (أرشيفية - أ.ب)
من احتجاج نُظم أمام مقر الأمم المتحدة ضد النازحين السوريين (أرشيفية - أ.ب)

تُقارِبُ القوى والأحزاب اللبنانية ملفّ النزوح السوري بطريقة «خاطئة»، مستخدمة لغة المزايدة السياسية في ما بينها، ومطالبة بترحيل السوريين دون معايير مدروسة، متجاهلة حاجة لبنان إلى الآلاف منهم بصفتهم «يداً عاملة»، وفق ما ترى مصادر معنية بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي.

وشكّل إضراب العمّال السوريين لمدة 4 أيام خلال الأسبوع الماضي عيّنة من مدى الضرر الذي سيلحق بالقطاعات اللبنانية إذا ما جرى الاستغناء عن هؤلاء العمّال أو ترحيلهم عشوائياً، دون الأخذ في الحسبان مصلحة لبنان واللبنانيين، طبقاً للمصادر ذاتها.

وكانت العمالة السورية موجودة بكثافة في لبنان قبل الحرب في سوريا وبدء الهجرة إلى دول الجوار، وتحديداً في الزراعة وقطاع البناء، وكان عددها يتراوح بين 400 و700 ألف، وفق تقدير الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، الذي عدّ أن «ارتفاع هذا الرقم أو انخفاضه يختلف تبعاً للظروف ومواسم الزراعة ومشاريع البناء... وغيرها».

وقال شمس الدين لـ«الشرق الأوسط»: «عندما يكون هناك ازدهار في قطاع البناء أو في مواسم الحصاد يكثر العدد، وبعد الحرب السورية صار هناك نزوح لعائلات بكاملها، ولم يعد الأمر يقتصر على الأفراد، أي إن العمّال استقدموا عائلاتهم، وثمة عائلات نزحت لتنجو بحياتها».

أحد مخيمات النازحين السوريين في لبنان (أسوشييتد برس)
أحد مخيمات النازحين السوريين في لبنان (أسوشييتد برس)

وتتباين الأرقام المتداولة عن عدد النازحين الذين بات وجودهم مرتبطاً بربّ. ويشير شمس الدين إلى «غياب الإحصاءات الدقيقة لعدد النازحين، لكن هذا الرقم لا يتعدى 1.7 مليون شخص»، لافتاً إلى أنه «في عام 2018، بلغ العدد 2.5 مليون شخص، لكن هناك نحو 400 ألف عادوا إلى سوريا في فترات مختلفة، و200 ألف عادوا في السنتين الأخيرتين، ونحو 150 ألفاً جرى توطينهم في دول أوروبية، خصوصاً فرنسا والسويد وألمانيا، نظراً إلى حاجة الاقتصاد إليهم».

مقاربة اقتصادية لا سياسية

ومنذ أن استفحلت حركة النزوح غير المضبوطة في عام 2012، ارتفع الرقم بشكل غير مسبوق، وغادرت أعداد منهم لبنان باتجاه أوروبا عبر الهجرة النظامية وغير النظامية.

وفق بيانات الأمم المتحدة... يبلغ عدد اللاجئين السوريين نحو 15 % من سكان لبنان (المركزية)
وفق بيانات الأمم المتحدة... يبلغ عدد اللاجئين السوريين نحو 15 % من سكان لبنان (المركزية)

وقدّر محمد شمس الدين عدد العمال السوريين في لبنان بنحو مليون عامل في حدّ أقصى، ورأى أن «مقاربة المسألة على أساس وجود شرعي وغير شرعي هي مقاربة خاطئة؛ بل يجب أن تكون المقاربة اقتصادية، تراعي مصلحة البلد... فلو دخل عامل سوري بطريقة غير شرعية وكان الوضع الاقتصادي بحاجة إليه، فيجب تسوية وضعه القانوني ومنحه إقامة شرعية. أما إذا وجد نازح بطريقة شرعية وكان عمله يشكل منافسة لليد العاملة اللبنانية ولا يقدّم إضافة إلى الاقتصاد، فتجب إعادته إلى سوريا، كالذين يعملون في قطاعات المطاعم والفنادق والنقل، ويشكلون منافسة للبنانيين».

ويعطي شمس الدين مثلاً على ذلك بالقول: «إذا دخل نازح قبل شهر أو شهرين بطريقة غير شرعية ويعمل في مجال صيانة المولدات الكهربائية، فهذا يحتاجه لبنان؛ لأنه يوجد أكثر من 10 آلاف مولد كهربائي، واليد العاملة اللبنانية لا تكفي، فقد نقع في مشكلة».

«فتح البحر»

وفي مواجهة الحملة اللبنانية ذات الخلفيات السياسية ضدّ اليد العاملة السورية، والادعاء بأن العامل السوري بات يشكل تهديداً للمؤسسات العاملة في الصناعات والمهن الحرفية، تقدّر منظمات الأمم المتحدة عدد العاملين السوريين المعرّفين لديها بـ450 ألفاً، وتشير إلى أن «اهتمامهم محصور في قطاعي البناء والزراعة»، وتعترف بأن الآلاف اختاروا «التحوّل إلى سوق العمل في التجارة والصناعات الحرفية لمواجهة الفقر وتقلّص قيمة المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة لهم».

ويقول شمس الدين إنه ما دامت اليد العاملة السورية باتت ضرورة، فلا يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها، فهناك «ضرورة للتعاطي مع السوريين في لبنان من منظار اقتصادي وليس على أساس شرعي أو غير شرعي». ويسأل: «لماذا استقطبت أوروبا 145 ألف نازح سوري؟ لأن الاقتصاد الأوروبي يحتاج إليهم، ولذلك يجب تنظيم الوجود السوري على أساس المعايير الاقتصادية وليس وفق أي معايير أخرى».

ولفت شمس الدين إلى أن «دعوة البعض إلى فتح البحر أمام هجرة السوريين إلى أوروبا ليست هي الحلّ؛ لأن أكثرية النازحين يتوجهون من الشمال عبر زوارق صغيرة، لا تعبر سوى مسافات قصيرة، أي إلى قبرص واليونان، وبالتالي نصبح أمام احتمال من اثنين: إما غرقهم، وإما بقاؤهم، وبالتالي ليس هذا هو الحلّ الأمثل لمعالجة مشكلة النزوح».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تتهم «حزب الله» بـ«استغلال البنى التحتية المدنية» بجنوب لبنان

المشرق العربي مواطن لبناني يتفقد أحد المواقع التي استُهدفت في جنوب لبنان مارس الماضي (أ.ف.ب)

إسرائيل تتهم «حزب الله» بـ«استغلال البنى التحتية المدنية» بجنوب لبنان

كثّفت إسرائيل من وتيرة استهدافاتها للبيوت الجاهزة في جنوب لبنان، بذريعة «استغلال (حزب الله) بنى تحتية مدنية»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام خلال جلسة مجلس الوزراء (الرئاسة اللبنانية)

الحكومة اللبنانية «تقارب» ملف سلاح «حزب الله» من دون قرارات

برز ملف سلاح «حزب الله» وتطبيق القرار الدولي «1701» في صلب النقاشات خلال جلسة مجلس الوزراء اللبناني التي عُقدت الخميس.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مرفأ بيروت بعد الانفجار عام 2020 (أرشيفية - أ.ب)

«الاستجواب دون توقيف» يسهّل مثول السياسيين أمام المحقق بانفجار مرفأ بيروت

حدد المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، يوم الجمعة 25 أبريل الحالي، موعداً لاستجواب رئيس الحكومة السابق، حسّان دياب، بوصفه مدعى عليه.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي خطة لبنانية - سورية أوّلية لإعادة النازحين تدريجياً

خطة لبنانية - سورية أوّلية لإعادة النازحين تدريجياً

يضع لبنان خطة مع الجانب السوري لتنظيم عودة تدريجية للنازحين على مراحل، وستكون «أكبر وأكثر تنظيماً مما كانت عليه في السابق»، حسبما قال متري لـ«الشرق الأوسط».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام إلى جانب طيار مدني يتبع شركة «طيران الشرق الأوسط» (رئاسة الحكومة)

الحكومة اللبنانية تطبق ازدواجية «الأمن والإنماء» في مطار بيروت ومحيطه

أطلق رئيس الحكومة نواف سلام مشروع إعادة تأهيل طريق مطار بيروت الدولي، في خطوة وصفها بـ«الرمزية والوطنية»

«الشرق الأوسط» (بيروت)

الجيش الإسرائيلي يقتل شابين فلسطينيين في الضفة

القوات الإسرائيلية تحاصر مقلعاً قرب قرية قباطية بالضفة الغربية (أ.ب)
القوات الإسرائيلية تحاصر مقلعاً قرب قرية قباطية بالضفة الغربية (أ.ب)
TT
20

الجيش الإسرائيلي يقتل شابين فلسطينيين في الضفة

القوات الإسرائيلية تحاصر مقلعاً قرب قرية قباطية بالضفة الغربية (أ.ب)
القوات الإسرائيلية تحاصر مقلعاً قرب قرية قباطية بالضفة الغربية (أ.ب)

كشف مسؤولون فلسطينيون، اليوم (الجمعة)، عن أن جنوداً إسرائيليين أطلقوا النار على 3 فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.

وقالت وزارة الصحة في رام الله إن شابين يبلغان 17و19 عاماً قُتلا بالقرب من بلدة أوصرين جنوب نابلس، شمال الضفة الغربية، مساء الخميس.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بأن اثنين من الأشخاص الثلاثة، الذين قيل إنهم قاموا بالرشق بالحجارة، «تمت تصفيتهم»، بينما أُصيب الشخص الثالث بجروح.

ووفقاً لوسائل الإعلام الفلسطينية، فإن الشخص الثالث، وهو شاب يبلغ من العمر 20 عاماً، أُصيب بطلق ناري في الركبة. وبرر الجيش الإسرائيلي إطلاق النار مدعياً أن الثلاثة «شكَّلوا خطراً على المركبات المارة».

ويستخدم المستوطنون الإسرائيليون الطرق في تلك المنطقة.

من جانبها، ذكرت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) أن الشابين قُتلا خلال عملية عسكرية إسرائيلية في أوصرين. وأضافت أن القوات الإسرائيلية اقتحمت البلدة «وسط إطلاق نار كثيف، مما أدى إلى اندلاع مواجهات مع سكان المنطقة».

ومنذ 21 يناير (كانون الثاني) الماضي، يشنُّ الجيش الإسرائيلي عمليةً عسكريةً واسعة النطاق شمال الضفة الغربية، شملت مدينة جنين، مستهدفاً أحياء سكنية بالكامل، ثم توسَّعت عملياته العسكرية في طولكرم وطوباس شمال الضفة الغربية مخلفاً قتلى وجرحى. وتسبب ذلك أيضاً في اعتقال العشرات، ونزوح نحو 50 ألف فلسطيني.