ما مصير «استقرار» إدلب؟

بعد استخدام فصيل الجولاني العنف ضد المتظاهرين

 عناصر «هيئة تحرير الشام» تلاحق متظاهرين (موقع «المرصد السوري لحقوق الإنسان»)
عناصر «هيئة تحرير الشام» تلاحق متظاهرين (موقع «المرصد السوري لحقوق الإنسان»)
TT

ما مصير «استقرار» إدلب؟

 عناصر «هيئة تحرير الشام» تلاحق متظاهرين (موقع «المرصد السوري لحقوق الإنسان»)
عناصر «هيئة تحرير الشام» تلاحق متظاهرين (موقع «المرصد السوري لحقوق الإنسان»)

بتبرير «حفظ الاستقرار»، وبعد 3 أشهر على بدء المظاهرات المناهضة لهيمنة «هيئة تحرير الشام» على إدلب، في شمال غربي سوريا، استخدم الفصيل، أمس (الجمعة)، الرصاص والغاز المسيل للدموع لتفرقة المتظاهرين ضمن مواقع متعددة من المنطقة في الردّ الأمني الأعنف على مطالب الإفراج عن المعتقلين وكسر الهيمنة السياسية والاقتصادية.

«الهيئة»، وهي الفصيل المسيطر على منطقة إدلب منذ نحو 7 أعوام، استخدمت الرصاص خلال السنوات الماضية ضد المدنيين في حوادث متعددة، ولكن منذ بدء الاحتجاجات في فبراير (شباط) الماضي أعلنت عن رغبتها بالاستماع لمطالب السكان، ووعدت بتنفيذ الإصلاحات في المنطقة الخارجة عن سيطرة النظام السوري منذ عام 2015.

سوريون يتظاهرون في مدينة إدلب (أرشيفية - أ. ف. ب)

محمد كان أحد المتظاهرين الذين حاولوا الوصول إلى مدينة إدلب، وواجهوا حاجزاً يضم عشرات الأمنيين التابعين لـ«الهيئة»، قال لـ«الشرق الأوسط» إن العناصر استخدموا العصي والحجارة وجهزوا الرشاشات وأطلقوا الغاز المسيل للدموع لتفرقة المدنيين، مضيفاً: «خرجنا للمطالبة بحقوقنا، خرجنا ضد الظلم، نحن لا نريد الجولاني ولا مجلس الشورى، ولا الأمنيين التابعين له، نريد معتقلي الرأي».

عانى ياسر كسراً في اليد، وشعراً في القدم اليسرى نتيجة تعرضه للضرب المباشر من الأمنيين، وعدّ نفسه محظوظاً لأنه لم يتعرض للدهس من قبل المصفحات التي سارت بسرعة نحو جموع المتظاهرين. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن كثيرين تعرضوا للاعتقال، مضيفاً: «نحن لسنا على خط الجبهة، فليذهبوا إلى سراقب»، في إشارة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، الذي تقود الهيئة الفصائل المعارضة في محاربته على خطوط التماس في إدلب.

تهديد «الاستقرار»

لم تتضح بعد أعداد المصابين والمعتقلين، التي قُدرت بالعشرات، لكن «أبو محمد الجولاني»، زعيم «هيئة تحرير الشام»، كان قد حذّر في لقاء صدر قبل يومين من القبول باستمرار المظاهرات التي عدّها مهددة لـ«استقرار» المنطقة.

مظاهرة مسائية بمدينة إدلب تطالب بإسقاط الجولاني رداً على القمع (موقع «المرصد السوري لحقوق الإنسان»)

منذ أن سيطرت «الهيئة» على إدلب، ضمن تجمع من الفصائل عُرف باسم «جيش الفتح»، فرضت هيمنتها على المنطقة من خلال إبعاد حلفاء الأمس ومحاربتهم وتحجيمهم، لتصبح الفصيل الأقوى، وتفرض شروطها على المجتمع المحلي وملايين النازحين والمهجرين، الذين تجمعوا في الشمال الغربي نتيجة الحملات العسكرية للنظام السوري وحلفائه على محافظاتهم المختلفة.

وعلى الرغم من معاناة إدلب طيلة سنوات الحرب من القصف العشوائي، واضطرار سكانها للنزوح المتكرر مع كل حملة عسكرية جديدة، فإن إبعاد المنافسين من الفصائل، وانتشار الحواجز التابعة لفصيل واحد، منع انتشار الفوضى الأمنية والاقتتال الفصائلي وتكرار التفجيرات التي يعاني منها سكان منطقة ريف حلب شمالاً، التي تخضع لفصائل الجيش الوطني تحت الإدارة التركية.

تفرض «الهيئة» الضرائب والقوانين على السكان الذين يعاني أكثر من 90 بالمائة منهم من الفقر، وهو ما أثار ضدها اتهامات بالفساد والاستغلال، وكانت من أسباب انطلاق الاحتجاجات، التي طالبت بانتخابات محلية وتداول السلطة، مع الإفراج عن المعتقلين في سجونها، من معارضي الرأي والعسكريين التابعين لفصائل منافسة، خاصة بعد أن تبين تعرض البعض في السجون للتعذيب حتى القتل.

عناصر "هيئة تحرير الشام" تغلق طريقا مؤدية إلى مركز مدينة إدلب الجمعة (موقع "المرصد السوري لحقوق الانسان)

بدأت المظاهرات بشكل خجول في مناطق متفرقة خلال الأسبوع الأخير من فبراير (شباط) الماضي، لكن سرعان ما ازدادت أعداد المتظاهرين، في حين بدأت «الهيئة» تلبية بعض المطالب بالإفراج عن المعتقلين وعقد اجتماعات مع الوجهاء وشرائح مختلفة من المجتمع للاستماع للمطالب، لكن المظاهرات استمرت للمطالبة بـ«تبييض السجون».

في 14 مايو (أيار) الحالي، اتجهت عناصر الأمن لفضّ خيمة اعتصام أمام «المحكمة العسكرية» في مدينة إدلب، وبعد تحطيم الخيمة والاعتداء على المدنيين ظهر «الجولاني» في لقاء مصور مع وجهاء من المنطقة لاتهام المدنيين بافتعال شجار استدعى التدخل الأمني.

«الجولاني» قال في لقائه إن هناك «خطوطاً حمراء ستتحرك السلطة لمواجهتها»، واصفاً استمرار المظاهرات والاعتصامات رغم العمل على تلبية المطالب بـ«تعطيل المصالح العامة»، واتهم المتظاهرين بمحاولة «تصفية حسابات ومحاولات تشفي» من الفصيل، الذي عدّد إنجازاته في المنطقة، من تحجيم بقية الفصائل وفرض الهيمنة كدلالة على الاستقرار، رغم تراجع مساحات المناطق الخارجة عن سيطرة النظام خلال مراحل الاقتتال الداخلي في الأعوام السابقة.

«الإفلاس» في التعامل مع المتظاهرين

الباحث في مركز «جسور» للدراسات، وائل علوان، وصف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أسلوب التعامل الأمني لـ«هيئة تحرير الشام» مع المتظاهرين بأنه دلالة على «الإفلاس» في تقديم الإصلاحات الحقيقية للمتظاهرين، وقال إن الفصيل مضطر للتنازل وتقديم بعض المكتسبات والمناورة للحفاظ على تماسكه وسيطرته بشكل كامل بعد الأزمات المتتالية الذي تعرض لها، «لكن هذا التنازل إلى الآن لا تبدو الهيئة مستعدة له».

سوريون يتطاهرون ضد الرئيس السوري بشار الأسد وضد زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني بإدلب (أرشيفية - د. ب. أ)

«الهيئة» التي نشأت بعد تحولات عدة لـ«جبهة النصرة»، الفصيل الذي ارتبط بـ«القاعدة» منذ الإعلان عن تشكيله عام 2012 ونال صفة «الإرهاب» في القوائم الدولية منذ ذلك الحين، واجهت خلال الأشهر الماضية محاولات انشقاق داخلية، وأطلقت حملات اعتقال واسعة، فيما عُرف بقضية «العمالة» التي طالت شخصيات في الصفوف الأولى من القيادة.

برأي علوان، فإن انطلاق المظاهرات بالتزامن مع فترة الخلل الداخلي الذي تعانيه «الهيئة» سمح باستغلال بعض القوى المجتمعية والسياسية والفصائل المنحلة، التي قضت عليها للمشاركة بالضغط الخارجي عليها، إلا أن جهودها خلال الأشهر الماضية أحدثت تقدماً في استعادة تماسكها الداخلي، على الرغم من وجود شخصيات مؤثرة هامة، ما زالت تحرض على الانشقاق في صفوفها.

المكتسبات التي قدّمتها «الهيئة» للمجتمع من تخفيف الضغط الأمني والضرائب وحالة المركزية الأمنية الشديدة كانت حسب وصف علوان سبلاً لمواجهة التحديات الخارجية لكسب الوقت ومحاولة تحييد الخصوم، ويتوقع المحلل السياسي أن يلجأ الفصيل للاتكال على تقوية «حكومة الإنقاذ»، التي مكّنتها «هيئة تحرير الشام» من الهيمنة على الحكم والإدارة في المنطقة كـ«واجهة مدنية» للفصيل منذ عام 2017، كإحدى الوسائل للاستمرار بالتحكم بالمشهد العام في إدلب، إن استمرت في استخدام الحلّ الأمني بدل بدء الإصلاحات الأمنية والاقتصادية الحقيقية لصالح السكان.

منطقة إدلب التي تسيطر عليها «الهيئة» تضم نحو 3.42 مليون شخص، بينهم 2.33 مليون نازح ومهجر قسري، و2.87 مليون بحاجة للمساعدة الإنسانية، وفقاً لإحصائيات «الأمم المتحدة»، وهو ما قد يدفع تركيا للضغط لمنع توسع المواجهات، حسب رأي علوان، تفادياً لحدوث أي كوارث إنسانية أو موجات نزوح جديدة. أما النظام السوري وحلفاؤه على الطرف الآخر، فقال المحلل إنهم قد يستثمرون الضعف في المنطقة على المدى البعيد، نافياً احتمال التقدم العسكري لاستغلال الفوضى.


مقالات ذات صلة

خلال موسم الحج... «اعتدال» و«تلغرام» يُزيلان أكثر من مليونَي محتوى متطرف

الخليج «اعتدال» و«تلغرام» يتعاونان منذ عام 2022 على الوقاية ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف (الشرق الأوسط)

خلال موسم الحج... «اعتدال» و«تلغرام» يُزيلان أكثر من مليونَي محتوى متطرف

نجحت شراكة «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)»، ومنصة «تلغرام» خلال موسم الحج للعام الحالي، في إزالة أكثر من مليونَي محتوى متطرف.

غازي الحارثي (الرياض)
المشرق العربي محتجون قطعوا الجمعة الماضي الطريق الدولية عند معبر أبو الزندين قرب مدينة الباب شرق حلب تعبيراً عن رفضهم فتحه (متداولة)

صحيفة سورية تؤكد الاجتماع السوري - التركي في العراق قريباً

نقلت صحيفة قريبة من دوائر القرار في دمشق، أن «اجتماعاً سورياً - تركياً مرتقباً ستشهده العاصمة العراقية بغداد».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي احتجاجات للمعلمين أمام مبنى رئاسة «حكومة الإنقاذ» في مدينة إدلب (أرشيفية - المرصد السوري)

الجولاني يتهم «الإخوان المسلمين» بتأجيج الأوضاع في مناطق نفوذه

يعدّ الجولاني أن الاحتجاجات في مناطق نفوذه بإدلب تهدف إلى الدفع بالمنطقة نحو مزيد من الانفلات الأمني وتحويلها إلى مناطق شبيهة بمناطق سيطرة القوات التركية

المشرق العربي وليد عبد الباقي الذي دفع للمهربين كي يعود إلى إدلب من لبنان (أ.ب)

نزوح سوري معاكس من لبنان لشمال سوريا

لأكثر من عقد، وعبر تدفق مستمر من السوريين الحدود، فر الكثيرون من بلادهم التي مزقتها الحرب باتجاه لبنان، ومع تصاعد في المشاعر المعادية للاجئين خلال الشهرين…

«الشرق الأوسط» (إدلب)
المشرق العربي صورة متداولة لميسرة الجبوري المعروف باسم أبو ماريا القحطاني (يمين) مع زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني (يسار)

مقتل أبو ماريا القحطاني: اغتيال أم تصفية؟

انتشر عناصر أمن ملثمون يحملون السلاح تابعون لـ«هيئة تحرير الشام»، الجمعة، في المدن الرئيسية ضمن منطقة إدلب في اليوم التالي لاغتيال «أبو ماريا القحطاني».

«الشرق الأوسط» (إدلب)

العراق يحقق في اختفاء 50 ألف باكستاني

إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)
إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)
TT

العراق يحقق في اختفاء 50 ألف باكستاني

إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)
إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)

أعلن العراق، أمس الجمعة، فتح تحقيق في اختفاء آلاف الباكستانيين، كانوا قد دخلوا البلاد لزيارة المراقد الدينية خلال شهر محرم.

ونقلت صحيفة «الأمة» الباكستانية عن وزير الشؤون الدينية، شودري حسين، أن 50 ألف مواطن باكستاني اختفوا في العراق خلال السنوات الماضية.

وأعرب وزير العمل العراقي، أحمد الأسدي، عن قلقه واستنكاره لتزايد عدد العمالة غير القانونية في البلاد، مؤكداً أن وزارته ستحقق في اختفاء آلاف الباكستانيين في العراق، وأن هذا الأمر «سيكون محل اهتمام للتحقق واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحقهم».

وأعلنت الشرطة العراقية اعتقال العشرات من الباكستانيين، يبدو أنهم من الذين تسربوا خلال زيارتهم المراقد الدينية.