توترات القاهرة وتل أبيب... «حزمة ضغوط» ترجح عودة مفاوضات «هدنة غزة»

خبراء رأوا أن تحركات مصر جزء من جهود دفع إسرائيل لطاولة المحادثات

جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على غزة (أ.ف.ب)
جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على غزة (أ.ف.ب)
TT

توترات القاهرة وتل أبيب... «حزمة ضغوط» ترجح عودة مفاوضات «هدنة غزة»

جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على غزة (أ.ف.ب)
جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على غزة (أ.ف.ب)

لحظات صمت توصف في نطاق التفاوض بـ«الجمود»، تمر بها محادثات الهدنة في غزة، على وقع توترات بين تل أبيب والقاهرة (الوسيط المباشر)، حَرّكتها العملية الإسرائيلية في رفح.

وتخيم سيناريوهات عديدة على مفاوضات الهدنة، بعد مغادرة وفدي حركة «حماس» وإسرائيل لمشاورات القاهرة مؤخراً، وبدء تل أبيب، عملية عسكرية في رفح.

لكن الضغوط هي نافذة «إنقاذ» المفاوضات في الوقت الحالي، سواء عبر الطرف الأميركي، أو من خلال استمرار الاحتجاجات الإسرائيلية ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

متطوعون في موقع تعرض لغارة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

والأربعاء، أفادت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، بأن مسؤولين إسرائيليين حذَّروا من أن مصر قد تنسحب من جهود الوساطة، وتنهار المحادثات أو ينخفض التعاون، عقب سيطرة تل أبيب على الجانب الفلسطيني من معبر رفح في 7 مايو (أيار) الجاري.

وتأتي تلك المخاوف، غداة اتهام وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس لمصر بإغلاق معبر رفح، قائلاً إن الأخيرة «تملك المفتاح لمنع حدوث أزمة إنسانية في غزة»، قبل أن يرد وزير الخارجية المصري سامح شكري بقوة منتقداً هذه التصريحات، ومؤكداً رفض بلاده القاطع «سياسة لي الحقائق والتنصل من المسؤولية التي تتبعها تل أبيب»، متهماً إسرائيل بأنها «المسؤولة الوحيدة عن الكارثة الإنسانية في غزة».

خطة إسرائيلية

اللواء نصر سالم المستشار بـ«أكاديمية ناصر العسكرية» ورئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بمصر، يرى في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن إسرائيل «تتحرك إعلامياً في اتجاه الزعم بأن مصر طرف غير محايد (في المفاوضات) في إطار الرد على لهجة أكثر خشونة من مصر».

وعقب تصعيد إسرائيل برفح، رفضت مصر التنسيق مع تل أبيب أو تلقي اتصالات، وأبلغت الأطراف كافة، مسؤولية الإسرائيليين عن التدهور الحالي. قبل أن تعلن قبل أيام، عزمها «دعم جنوب أفريقيا في دعواها ضد جرائم الجيش الإسرائيلي بغزة بمحكمة العدل الدولية»، وفق بيان للخارجية المصرية.

دبابة إسرائيلية قرب الحدود مع قطاع غزة الأربعاء (رويترز)

وفي هذا الصدد، يستبعد سالم إمكانية انسحاب مصر من دور الوساطة، مؤكداً أن القاهرة «تتجرع مرارة الصبر من أجل الأشقاء بفلسطين، ولا غنى عن دورها، وإسرائيل تتحجج بمثل هذه الأمور، وهي ترى دور مصر وضغوطها».

ويمضي قائلاً: «ستعود المفاوضات الفترة المقبلة... وإن عادت (المفاوضات) عاد أمل الهدنة». لكنه يرى في الوقت ذاته، أن «رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاول إطالة أمد المعركة لنهاية العام؛ أملاً في عودة دونالد ترمب للرئاسة الأميركية العام المقبل، أو استنزاف قدرات (حماس)».

ويستبعد الدكتور خالد عكاشة، المدير العام لـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، انسحاب مصر من الوساطة، قائلاً: «أشك في انسحاب مصر... الوسطاء لا ينسحبون».

وبالعودة لجولة القاهرة الأخيرة في مسار التفاوض، يرى خالد عكاشة، أن «حماس» «كان لديها اعتراضات على بعض البنود وتراجعت، لكن الجانب الإسرائيلي في اللحظات الأخيرة راوغ بعد الحصول على الموافقات كافة، ووضع جميع الضمانات أمام الطرفين، إذ رأى أن مصلحته في استمرار القتال».

دخان يتصاعد في وقت سابق بعد الغارات الإسرائيلية على رفح بالقرب من الحدود الفلسطينية - المصرية (أ.ف.ب)

المقترح المصري للهدنة، وفق عكاشة، كان على «بعد مسافة أمتار قليلة من الخروج للنور وسط زخم دولي وأميركي، باعتبار أن المقترح كان أكثر نضوجاً، وكان يمثل حصاداً لجولات سابقة ويشتمل على مراحل عدة منها اليوم التالي للحرب وتبادل المحتجزين والأسرى».

وعن الظروف الحالية، يقول عكاشة إن الجانب المصري «مستمر حتى اللحظة في الوساطة، ويجري اتصالات رغم تحفظاته على الأداء الإسرائيلي».

ويتوقع عكاشة عودة المفاوضات، ويقول: «ستعود المفاوضات... وهذا يرجع لأمرين مرتبطين بإسرائيل، الأول حجم الرفض الدولي لعملية موسعة في رفح، والثاني فاتورة داخلية محتملة جراء خسارة مزيد من أرواح المحتجزين».

النائب مجدي عاشور، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، يؤكد أن «مصر لا يمكن أن تتراجع عن دعم القضية الفلسطينية، وسوف تواصل مسار التفاوض رغم العقبات التي تضعها إسرائيل».

ومفاوضات الهدنة، وفق عاشور، «ستعود من جديد، في ظل التحركات المصرية واتصالات وزير الخارجية سامح شكري مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن للضغط على إسرائيل للعودة بمرونة للتفاوض وتقديم تنازلات».

وبخلاف عامل الضغط الأميركي المدفوع من مصر، يرى عاشور، أن «المظاهرات المستمرة لأهالي المحتجزين، في تل أبيب، هي مسار ضغط على الحكومة الإسرائيلية؛ ومهما طال الوقت، ستحاول إسرائيل التهدئة عبر العودة للتفاوض».

وفي محاولة لتفسير التحركات الإسرائيلية في رفح رغم هذه الضغوط، يقول عاشور: «إسرائيل لا تريد أن تجلس لمفاوضات وهي تستشعر أنها لم تحقق أي نصر». ويوضح: «المناورة الإسرائيلية واستمرار استفزاز الجانب المصري، لن يستمرا كثيراً... وكلها تحركات استعراضية لنتنياهو وحكومته لتفادي أي إقالة».

وبالإضافة إلى ذلك، يرى النائب المصري أن «مسار المفاوضات خط استراتيجي مصري، فيه حفاظ على الأمن القومي المصري، ولذلك، فإن استمراره جزء من الثوابت المصرية، ولا يعني توقفه أو جموده انتهاء ذلك المسار الاستراتيجي».


مقالات ذات صلة

ثلاثة شروط للحرب الإسرائيلية على لبنان... آخرها سياسي

المشرق العربي جنود من الجيش اللبناني يتفقدون حطام سيارة بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية برج الملوك على مسافة نحو 18 كيلومتراً من مدينة النبطية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

ثلاثة شروط للحرب الإسرائيلية على لبنان... آخرها سياسي

قبل أن ينهي رئيس الوزراء الإسرائيلي زيارته لواشنطن أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن الجيش أبلغ القيادة السياسية «باكتمال الاستعدادات لإجراء مناورة برية كبيرة».

يوسف دياب
المشرق العربي الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة (وكالة الأنباء الفلسطينية- وفا)

الرئاسة الفلسطينية: الإدارة الأميركية تتحمل مسؤولية المجازر اليومية بحق شعبنا

أعلن الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن «الضوء الأخضر الذي حصل عليه بنيامين نتنياهو من الإدارة الأميركية جعله يستمر في عدوانه».

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
الولايات المتحدة​ طفل فلسطيني يعاني من سوء التغذية يتم حمله أثناء تلقيه العلاج في مستشفى ميداني تابع لهيئة الخدمات الطبية الدولية في دير البلح في جنوب قطاع غزة (رويترز)

آسيان تعبر عن قلقها إزاء العدد المروع للقتلى في غزة

قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة «تعمل يومياً بشكل حثيث» من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (فينتيان)
المشرق العربي أطفال فلسطينيون يركبون على ظهر عربة وهم يحملون أمتعتهم في غزة (أ.ف.ب)

غزة: تحذير من انتشار فيروس شلل الأطفال بين النازحين

حذرت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، السبت، من انتشار فيروس شلل الأطفال وغيره من الأمراض بين جموع النازحين في القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي تصاعد الدخان خلال غارة إسرائيلية على دير البلح في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

غزة: مقتل 30 فلسطينياً بهجوم إسرائيلي على مدرسة تؤوي نازحين

قالت وزارة الصحة في قطاع غزة إن ما لا يقل عن 30 فلسطينياً قُتلوا، السبت، في قصف إسرائيلي استهدف مدرسة تؤوي نازحين غرب مدينة دير البلح.

«الشرق الأوسط» (غزة)

ثلاثة شروط للحرب الإسرائيلية على لبنان... آخرها سياسي

جنود من الجيش اللبناني يتفقدون حطام سيارة بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية برج الملوك على مسافة نحو 18 كيلومتراً من مدينة النبطية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني يتفقدون حطام سيارة بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية برج الملوك على مسافة نحو 18 كيلومتراً من مدينة النبطية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

ثلاثة شروط للحرب الإسرائيلية على لبنان... آخرها سياسي

جنود من الجيش اللبناني يتفقدون حطام سيارة بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية برج الملوك على مسافة نحو 18 كيلومتراً من مدينة النبطية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني يتفقدون حطام سيارة بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية برج الملوك على مسافة نحو 18 كيلومتراً من مدينة النبطية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

قبل أن ينهي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارته إلى واشنطن، وإعلانه أمام الكونغرس الأميركي أن حكومته عازمة على إنهاء التهديدات الأمنية التي يمثلها «حزب الله» على الجبهة الشمالية، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن الجيش الإسرائيلي أبلغ القيادة السياسية «باكتمال الاستعدادات لإجراء مناورة برية كبيرة، وهو يَعِد قبل هذه المناورة بتنفيذ عملية جوية قوية في لبنان».

ورغم اختلاف التفسيرات حول أبعاد هذه المناورة وتوقيتها، فإنها أجمعت على أن تل أبيب ماضية بخطط الهجوم الواسع على لبنان، ما لم يخضع «حزب الله» لشرط الانسحاب من منطقة جنوب الليطاني. وقدّم الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خليل الحلو، قراءته لهذه المناورة، مشيراً إلى أن «ثلاث وحدات عسكرية جديدة انتقلت في الأسابيع الماضية إلى الجبهة الشمالية ووُضعت بحال استنفار استعداداً لعملية عسكرية كبيرة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الوحدات «بحاجة إلى التدريب على العمل مع بعضها وتوزيع المهام على الجبهة». وقال: «عندما يعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيقوم بمناورة فيمكن أن تكون مجرّد تمرين، لكن يمكن أن تمهّد لهجوم عسكري يحمل عنصر المفاجأة ونصبح أمام عملية كبيرة على الأرض»، مذكراً بأنه «منذ انتهاء حرب تموز في عام 2006، وإسرائيل تستعدّ لحرب جديدة وطويلة مع (حزب الله)، لكن هذه الحرب تحتاج إلى اجتماع ثلاثة مقومات: الأول الاستعداد اللوجستي والثاني العسكري والأمني والثالث الاستعداد السياسي، وأكثر ما نخشاه أن تكون إسرائيل أنجزت الاستعداد السياسي بعد زيارة نتنياهو إلى واشنطن».

وسبق الإعلان عن هذه المناورة، زيارة قام بها قائد الجبهة الشمالية إلى الحدود مع لبنان، حيث ذكّر بأن الغارة على ميناء الحديدة في اليمن وتدميره، هي رسالة واضحة إلى إيران و«حزب الله» بأن سلاح الجو الإسرائيلي قادر على أن يطال كل الأهداف. ولفت العميد خليل الحلو إلى أن إسرائيل «عازمة على إبعاد (حزب الله) عن الحدود الشمالية بأي ثمن، بما في ذلك العمل العسكري الذي يضعه نتنياهو على الطاولة، والذي أكد عليه في كلمته أمام الكونغرس الأميركي»، لافتاً إلى أنه «رغم الاستعدادات للوحدات البرية، فإن سلاح الجو الإسرائيلي هو الذي يلعب دوراً حاسماً في الحرب».

الإعلان عن هذه المناورة، يأتي بعد أقلّ من شهرين على مناورة كبيرة وواسعة أجراها الجيش الإسرائيلي في 28 مايو (أيار) الماضي، لاختبار مدى استعداد قواته وأجهزته لنشوب حرب شاملة على الجبهة الشمالية للبلاد، وقالت هيئة البث الإسرائيلية حينها، إنّ المناورة «نُفذت بشكل مفاجئ؛ إذ إن الهدف منها تعزيز جاهزية الجيش الإسرائيلي، لمختلف السيناريوهات على الجبهة الشمالية مع لبنان».

ووضع مدير «معهد المشرق للدراسات الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، المناورة الجديدة في سياق «الضغط على لبنان، خصوصاً أنها تأتي بالتزامن مع زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة ولقاءاته مع كبار القادة في الإدارة الأميركية ولدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي». وأكد نادر لـ«الشرق الأوسط»، أن «تل أبيب مصرّة على إزالة التهديد على الجبهة الشمالية سواء بالعمل الدبلوماسي أو بالخيار العسكري الذي استكملت الاستعدادات له، في حين يصرّ (حزب الله) على العودة إلى ما كان عليه الوضع في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2023؛ أي قبل عملية (طوفان الأقصى)، ويبدو أن الجيش الإسرائيلي ذاهب باتجاه تنفيذ تهديدات نتنياهو بخلاف ما يُحكى عن خلاف ما بين رئيس الحكومة والقيادة العسكرية».

ورغم الجهود التي بذلتها وتبذلها الإدارة الأميركية ودول القرار، لمنع فتح جبهات جديدة خصوصاً مع لبنان، يشدد الدكتور سامي نادر على أن إسرائيل «مصممة على تغيير قواعد الاشتباك، وما زاد من هذا الإصرار ما كشفه (حزب الله) في الأيام والأسابيع الأخيرة عن بناء قدرات جوية كبيرة تهدد أمن إسرائيل، وإن كانت هذه القدرات لا تقاس بما تمتلكه تلّ أبيب من سلاح نوعي وكمّي لا يقارن بما لدى الحزب وكل محور الممانعة».