«تعديلات» عسكرية لـ«حزب الله» جنوباً تحسباً لمعركة استنزاف طويلة

عدد قتلاه قارب 300 مقارنة بـ350 في حرب 2006

تتجه الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» لتصبح حرب استنزاف استعد لها الحزب بتعديلات في أدائه العسكري (أ.ف.ب)
تتجه الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» لتصبح حرب استنزاف استعد لها الحزب بتعديلات في أدائه العسكري (أ.ف.ب)
TT

«تعديلات» عسكرية لـ«حزب الله» جنوباً تحسباً لمعركة استنزاف طويلة

تتجه الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» لتصبح حرب استنزاف استعد لها الحزب بتعديلات في أدائه العسكري (أ.ف.ب)
تتجه الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» لتصبح حرب استنزاف استعد لها الحزب بتعديلات في أدائه العسكري (أ.ف.ب)

أقر نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم بـ«تغير أداء» مقاتلي الحزب على جبهة جنوب لبنان، معلناً إجراء «تعديلات كي يكون هناك إنجاز مهم».

ويقاتل الحزب إسرائيل على طول الحدود الجنوبية اللبنانية منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي بعد يوم واحد على انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في غزة. وأطلق الحزب عملية «دعم وإسناد المقاومة في غزة»، التي تحولت لاحقاً إلى حرب استنزاف تدور رحاها على طول خط الحدود اللبنانية الجنوبية، فتحولت القرى المتاخمة للحدود إلى منطقة حرب أدت إلى دمار هائل فيها، بالإضافة إلى خسائر كبيرة في الأرواح قارب عددها ما خسره الحزب في الحرب الشاملة التي خاضها مع إسرائيل في عام 2006.

ويأتي ذلك بعد انتقال الحزب مؤخراً من سياسة «ضبط النفس» التي اعتمدها لأشهر لعدم الانجرار إلى حرب موسعة تسعى فيها إسرائيل، إلى استراتيجية «الضغوط القصوى»، تزامناً مع سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح واستعداده لاقتحام المدينة.

وبينما تواصلت المواجهات جنوب البلاد، السبت، وإن بوتيرة أخف من الأيام الماضية، سأل الشيخ قاسم في كلمة له خلال احتفال في بيروت الجمعة: «ألم تُلاحظوا كيف تغيّر الأداء على الجبهة الجنوبية، وكيف استفاد الإخوة المجاهدون من الدروس والعبر، ومن الأمور التي استخدمت بشكل حديث، فعالجوا بعضها وكشفوا عن إمكانات معينة؟».

وأضاف قاسم: «في كل الحروب بالعالم، عندما تنتهي الحرب يدرسون الإيجابيات والسلبيات ويعالجون السلبيات للحرب المقبلة. نحن درسنا الإيجابيات والسلبيات منذ أول شهرين، وأجرينا التعديلات اللازمة حتى يكون هناك إنجاز مهم، وهذا ما حصل من قبل المجاهدين».

خسائر الحزب بين 2006 واليوم

وبينما أفاد مقربون من «حزب الله» بأن عدد المقاتلين الذين قضوا في الحرب المستمرة جنوباً منذ 8 أكتوبر الماضي قارب 300، أعلنت وزارة الصحة العامة في لبنان تسجيل 1413 إصابة، منها 351 حالة وفاة، نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان.

وبحسب الباحث في مؤسسة «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، قُتل في حرب يوليو (تموز) 2006، التي استمرت 33 يوماً، 1267 مدنياً و350 مقاتل من «حزب الله»، بالإضافة إلى عدد من عناصر الجيش اللبناني. أما في الحرب الراهنة، فقد قُتل 290 عنصراً من «حزب الله»، و57 مدنياً.

وأضاف شمس الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «تم أيضاً تسجيل سقوط 19 مقاتلاً من (حركة أمل) ومن الهيئة الصحية الإسلامية، و4 من كشافة الرسالة التابعة لـ(أمل)، و5 مقاتلين من (الجماعة الإسلامية)، و7 مسعفين للجماعة، وعنصر من الجيش اللبناني، وعنصر من (الحزب القومي السوري الاجتماعي)، إضافة إلى 8 سوريين و8 فلسطينيين».

ويعدّ كثيرون أنه لا تصح المقارنة بين المعركة الحالية التي يصر «حزب الله» على أنها معركة «مساندة ودعم» لقطاع غزة، والمحصورة عملياً في رقعة جغرافية محددة، رغم بعض التجاوزات، التي دخلت مؤخراً شهرها السابع، متحولة إلى حرب استنزاف، وحرب عام 2006 التي كانت «حرباً مفتوحة» دامت 33 يوماً وامتدّت إلى سائر الأراضي اللبنانية.

وفي شهر مارس (آذار) الماضي، وفي اليوم الـ150 للحرب، نشر «حزب الله» ملخص عملياته ضد الجيش الإسرائيلي منذ 8 أكتوبر 2023. وذكر «الإعلام الحربي» في «حزب الله» في «إنفوغراف» أنه نفذ خلال هذه الفترة 1194 هجوماً ضد إسرائيل، لافتاً إلى أن الخسائر البشرية لدى إسرائيل بلغت أكثر من 2000 بين قتيل وجريح.

حرب استنزاف

ويشير رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية»، العميد المتقاعد الدكتور هشام جابر، إلى أنه «في عام 2006، لم يكن الطرف الأميركي يدعم الإسرائيلي بالاستمرار في الحرب، كما أن الأخير أيقن أنه لا يستطيع مواصلة الحرب لأنه غير قادر أصلاً على تحقيق الهدف الذي شن الحرب لأجله، ألا وهو كسر حزب الله»، لافتاً إلى أنه «في ذلك الوقت كان هناك 6 آلاف مقاتل محترف يخوضون الحرب، إضافة إلى 10 آلاف ينتمون له، أما حالياً فالأعداد أصبحت أكبر من ذلك بكثير، كما أنه، منذ ذلك الحين وحتى اليوم، تضاعفت قدرات (حزب الله) عشرات المرات، وإن كان الإسرائيلي أيضاً بنى على تجاربه السابقة وزادت قوته العسكرية».

ويعدّ جابر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحرب الدائرة حالياً هي حرب استنزاف. فـ(حزب الله) بدأ بالحرب وتورط فيها، ولم يعد يستطيع أن يتجاوب مع المطالب والشروط الإسرائيلية، لأن ذلك سيضره أمام جمهوره وأمام اللبنانيين، وبالتالي لا مصلحة له اليوم إلا بالاستمرار والصمود».

وأضاف جابر: «لكن، لا يجب أن ننسى أن الحزب لم يكشف إلا عن نسبة ضئيلة من الأسلحة التي يمتلكها، سواء أسلحة الدفاع الجوي أو الدفاع البحري، والصواريخ الدقيقة التي يرجح أن يبلغ عددها 10 آلاف»، موضحاً أن «قوات الرضوان لم تتحرك بعد، أضف إلى ذلك أنه في المقابل، لا مصلحة للإسرائيلي باجتياح بري للبنان، خصوصاً أن (حزب الله) اكتسب خبرات قتالية في حربه بسوريا، وهو يستطيع أن يصمد لأن بيئته مختلفة عن البيئة الإسرائيلية التي لا تتقبل الأعداد الكبيرة للنازحين وتعطيل كل جوانب الحياة في الشمال، إضافة لاستنفار الجيش الإسرائيلي منذ 7 أشهر».

آفاق المعركة

من جهتها، تقول الدبلوماسية السابقة في الأمم المتحدة بريجيت خير، إن «آفاق المعركة جنوباً بدأت تتضح مع فشل المبادرات الساعية للحد من العمليات العسكرية، وتراجع (حزب الله) إلى حدود الليطاني، وتطبيق مرحلي للقرار الأممي رقم 1701»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «فشل هذه المساعي ينذر باحتمال توسع رقعة القصف والغارات الإسرائيلية، والخطر المحدق بلبنان المشلول سيادياً والمكشوف أمنياً كما بات واضحاً من خلال فلتان الميليشيات مختلفة الانتماءات في الجنوب، بما يذكّر بسيناريو (فتح لاند) خلال الثمانينات، الذي سبب اجتياح لبنان سنة 1982».

وترى خير أن «إمكانية كبح جماح العناصر المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة المتهالكة لا تزال ممكنة، رغم صعوبتها، لقطع الطريق على أي عمل إسرائيلي سيستعمل هذه الهجمات من لبنان حجة لتوسيع الحرب»، مشددة على وجوب أن «تقابل الجهود الدولية والإقليمية من قبل حكومة تصريف الأعمال بمواقف أكثر رزانة وسيادية».


مقالات ذات صلة

السعودية ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

الخليج رجل يُلوّح بعَلم لبنان بمدينة صيدا في حين يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

السعودية ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

أعربت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة بوقف إطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي طفل يقف بالقرب من المراتب بينما يحزم النازحون أمتعتهم للعودة إلى قراهم بجنوب لبنان في ملجأ بصيدا (رويترز)

بري: نطوي مرحلة تاريخية كانت الأخطر على لبنان

قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إن الحرب مع إسرائيل مثّلت «مرحلة تاريخية كانت الأخطر» التي يمر بها لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)

دعم مصري للبنان... تحركات سياسية وإنسانية تعزز مسار التهدئة بالمنطقة

تحركات مصرية مكثفة سياسية وإنسانية لدعم لبنان في إطار علاقات توصف من الجانبين بـ«التاريخية» وسط اتصالات ومشاورات وزيارات لم تنقطع منذ بدء الحرب مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي النواب في جلسة تشريعية سابقة للبرلمان اللبناني (الوكالة الوطنية للإعلام)

التمديد لقائد الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة «محسوم»

يعقد البرلمان اللبناني جلسة تشريعية الخميس لإقرار اقتراحات قوانين تكتسب صفة «تشريع الضرورة» أبرزها قانون التمديد مرّة ثانية لقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي تصاعد السحب الدخانية نتيجة القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز) play-circle 00:25

الجيش الإسرائيلي: قصفنا 25 هدفاً للمجلس التنفيذي ﻟ«حزب الله» خلال ساعة واحدة

قال الجيش الإسرائيلي، الاثنين)، إن قواته الجوية نفذت خلال الساعة الماضية ضربات على ما يقرب من 25 هدفاً تابعاً للمجلس التنفيذي لجماعة «حزب الله» في لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«حماس»: ملتزمون بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في غزة

فلسطينيون ينعون أقاربهم الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون ينعون أقاربهم الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة (أ.ف.ب)
TT

«حماس»: ملتزمون بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في غزة

فلسطينيون ينعون أقاربهم الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون ينعون أقاربهم الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة (أ.ف.ب)

قالت حركة (حماس) اليوم الأربعاء إنها ملتزمة بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في قطاع غزة حيث تخوض قتالاً مع القوات الإسرائيلية منذ أكثر من عام. وأضافت «حماس» في بيان صدر بعد موافقة إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية على وقف إطلاق النار في لبنان «نعرب عن التزامنا بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في غزة، ومعنيون بوقف العدوان على شعبنا، ضمن محددات وقف العدوان على غزة التي توافقنا عليها وطنياً؛ وهي وقف إطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال، وعودة النازحين، وإنجاز صفقة تبادل للأسرى حقيقية وكاملة»، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء. وقالت «ندعو الدول العربية والإسلامية الشقيقة وقوى العالم الحر إلى حراك جاد وضاغط على واشنطن والاحتلال الصهيوني لوقف عدوانه الوحشي على شعبنا الفلسطيني، وإنهاء حرب الإبادة المتواصلة في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أكد مصدر قيادي في «حماس» أن الحركة الفلسطينية «جاهزة» لإبرام اتفاق مع إسرائيل بشأن هدنة في قطاع غزة، بعد بدء سريان وقف إطلاق النار بين الدولة العبرية و«حزب الله» في لبنان.

وقال القيادي، الذي طلب عدم كشف اسمه، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن وقف إطلاق النار في لبنان «انتصار وإنجاز كبير للمقاومة»، مشدداً على أن الحركة أبلغت «الوسطاء في مصر وقطر وتركيا أن (حماس) جاهزة لاتفاق وقف إطلاق النار وصفقة جادة لتبادل الأسرى، إذا التزم الاحتلال، لكن الاحتلال يعطل ويتهرب من الوصول لاتفاق ويواصل حرب الإبادة».

واندلعت الحرب في قطاع غزة، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، على أثر هجوم غير مسبوق لحركة «حماس» على جنوب إسرائيل. وأسفر الهجوم عن مقتل 1207 أشخاص؛ معظمهم مدنيون، وفق تعداد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، استناداً إلى أرقام إسرائيلية رسمية. وتشمل هذه الحصيلة رهائن قتلوا أو لقوا حتفهم أثناء الاحتجاز في القطاع الفلسطيني. وخُطف أثناء الهجوم 251 شخصاً من داخل الدولة العبرية. ولا يزال 97 من هؤلاء محتجَزين في القطاع، بينهم 34 شخصاً أعلن الجيش الإسرائيلي أنهم قُتلوا. وتوصلت إسرائيل و«حماس» إلى هدنة وحيدة في حرب غزة، وذلك لمدة أسبوع في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أتاحت الإفراج عن أكثر من 100 رهينة، مقابل أسرى في السجون الإسرائيلية. وأكد المصدر القيادي أن المسؤولين في الحركة «معنيون وحريصون على الوقف الفوري والدائم للعدوان وحرب الإبادة» في غزة، مشدداً على أن «المقاومة ستتواصل ما دام العدوان مستمراً». وفتح «حزب الله» جبهة «إسناد» لغزة، غداة اندلاع الحرب في القطاع. وبعد نحو عام من تبادل القصف عبر الحدود، كثّفت إسرائيل ضرباتها الجوية ضد «الحزب»، وبدأت عمليات برية في جنوب لبنان، ابتداء من أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي. وقال المصدر القيادي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن في (حماس) سعداء لاتفاق وقف العدوان وحرب الإبادة في لبنان؛ لأن (حزب الله) دائماً وقف إلى جانب شعبنا وفلسطين والمقاومة، وقدّم تضحيات كبيرة».