ينظر الفلسطيني طالب إدعيس بأسف إلى جبال غور الأردن الممتدة بمحاذاة منزله، حيث كان يصطحب قطيعه للرعي مجاناً حتى الشهر الماضي، قبل أن تعلنها السلطات الإسرائيلية أراضي دولة.
ويقول إدعيس، وهو يقف في مزرعته القريبة من قرية الجفتلك في الضفة الغربية المحتلة يطعم أغنامه علفاً مرتفع التكلفة: «هل ترون هذه الأحواض؟ نبيع بعض الأغنام لإطعام البقية، وفي غضون عام لن يتبقى لدينا أي أغنام».
في مارس (آذار) العام الماضي، أعلنت السلطات الإسرائيلية مصادرة 8 آلاف دونم من الأراضي المتاخمة لمنزل إدعيس وعَدّتها أراضي دولة، في خطوة أدت إلى تقييد وصول السكان الفلسطينيين، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».
وتشير منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية إلى تسجيل عدد قياسي من عمليات تحويل أراضٍ لأراضي دولة خلال عام 2024، بينما الحرب في قطاع غزة مستعرّة وتستقطب كل الاهتمام.
وبلغت مساحة الأراضي التي تحولت إلى أراضي دولة 10971 دونما، وهو رقم يمثّل أكثر من ضعف أعلى مصادرة حصلت في عام 1999 عندما تمت مصادرة 5200 دونم.
وفور إعلان الحكومة تحويل أراضي الجفتلك إلى أراضي دولة، تصبح مالكة لها.
في عام 2018، وجدت منظمة «السلام الآن» أن «99.76 في المائة من أراضي الدولة المخصصة لأي استخدام في الضفة الغربية المحتلة، تم تخصيصها لاحتياجات المستوطنات الإسرائيلية».
القانون في يد المستوطنين
تقع قطعة الأرض التي يعيش عليها إدعيس و50 من أقاربه منذ عام 1976، قبالة الأردن، أمام مستوطنة ماسوا الإسرائيلية وبالقرب من قاعدة آري العسكرية الإسرائيلية.
وقبل سريان أمر المصادرة، أخذ المستوطنون أغنام إدعيس، قائلين إنها دخلت منطقة محظورة، وأجبروا عائلته على دفع 150 ألف شيقل (نحو 39800 دولار) إلى المجلس الإقليمي لغور الأردن، وهو هيئة إدارية للمستوطنين، لاستعادتها.
وتندّد منظمات حقوقية بالاستخدام المتزايد لهذا التكتيك بوصفه وسيلة لإجبار الفلسطينيين على الهجرة وترك الأراضي التي يطمع فيها المستوطنون.
ولم ترد هيئة وزارة الدفاع الإسرائيلية المسؤولة عن الشؤون المدنية في الأراضي الفلسطينية (كوغات) على طلب «وكالة الصحافة الفرنسية» المتكرر التعليق رسمياً.
ولا يستغرب عامل البناء حمد بني عودة (55 عاماً) الذي يعيش في قرية الجفتلك على الجانب الآخر من القاعدة العسكرية، ما حصل مع إدعيس.
ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «القانون في يد المستوطن والدولة (إسرائيل) تقف إلى جانبه».
وبحسب عودة، فإن 27 منزلاً من أصل 40 منزلاً في منطقة الجفتلك تلقت إخطارات بالهدم من السلطات الإسرائيلية.
وتقع الجفتلك ضمن المنطقة «ج»، أي في الجزء الخاضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة في الضفة الغربية.
في شهر مارس، تم تحويل 206 دونمات من حدود القرية إلى المجلس الإقليمي لغور الأردن موقعاً أثرياً.
وتمثل هذه الأراضي جبلاً صخرياً يقع فيه سجن من زمن الانتداب البريطاني السابق ومبنى من العصر العثماني، وأصبح اليوم محظوراً على السكان الفلسطينيين الذين يعيشون بجوارها مباشرة الوصول إليها.
المجتمعات الضعيفة
ولا يبدي بني عودة الذي يقبع ابنه في سجن إسرائيلي بتهم غير واضحة، أي تفاؤل في المستقبل. ويقول: «أتوقع أن يتم تهجير سكان منطقة غور الأردن بأكملها».
بالنسبة لمدير مراقبة المستوطنات في منظمة «السلام الآن» يوناتان مزراحي، هناك عاملان رئيسيان يفسّران الاندفاع الحكومي الإسرائيلي نحو غور الأردن.
وبحسب مزراحي، فإن العامل الأول يتمثّل في الفكرة السائدة بين الإسرائيليين بأن «غور الأردن يجب أن يكون في أيدي إسرائيل مهما حدث»، بوصفه منطقة عازلة بين الضفة الغربية والأردن.
أما العامل الثاني فيكمن في الاعتقاد بأن المجتمعات «التي لا تملك سوى القليل من السلطة»، مثل الرعاة، منتشرة في الغور ومعرضة للخطر.
ويقول مزراحي: «في العام الماضي، شهدنا الكثير من التطورات، والكثير من القرارات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية بشأن الضفة الغربية بشكل عام».
وأضاف أن ذلك يشمل توسيع سلطة المجلس الإقليمي لغور الأردن، وإعلان أراضي الدولة، ولكن أيضاً زيادة في إنشاء البؤر الاستيطانية وتخصيص الأموال للمستوطنات التي تعد غير قانونية بموجب القانون الدولي.
ويعتقد إدعيس (65 عاماً) أن زيادة مصادرة الأراضي مرتبطة بالحرب في غزة.
ويقول: «لقد وجدوا في 7 أكتوبر (تشرين الأول) ذريعة لطرد الناس، حجة، لكن هنا لا توجد حرب! الحرب في غزة التي تبعد عنا 200 كيلومتر».