كيف هندست إدارة بايدن ضغوطها لحجب العضوية الكاملة في «الأمم المتحدة» عن فلسطين؟

تهديد بـ«الفيتو» واتصالات مع الدول المترددة… وغوتيريش يخشى «أي غلطة» في المنطقة

شاشة تظهر الممثل الخاص الفلسطيني زياد أبو عمرو يتحدث خلال جلسة مجلس الأمن الخميس (أ.ب)
شاشة تظهر الممثل الخاص الفلسطيني زياد أبو عمرو يتحدث خلال جلسة مجلس الأمن الخميس (أ.ب)
TT

كيف هندست إدارة بايدن ضغوطها لحجب العضوية الكاملة في «الأمم المتحدة» عن فلسطين؟

شاشة تظهر الممثل الخاص الفلسطيني زياد أبو عمرو يتحدث خلال جلسة مجلس الأمن الخميس (أ.ب)
شاشة تظهر الممثل الخاص الفلسطيني زياد أبو عمرو يتحدث خلال جلسة مجلس الأمن الخميس (أ.ب)

سعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشكل محموم، الخميس، إلى عرقلة مشروع قرار قدّمته الجزائر بدعم عربي في مجلس الأمن للاعتراف بالعضوية الكاملة لفلسطين في «الأمم المتحدة»، من خلال الضغط حيث يمكنها، على بقية الدول الـ15، إما للتصويت ضده أو الامتناع عن التصويت، لئلا تجهضه باستخدام حق النقض «الفيتو». بينما حذّر الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش من ارتكاب «أي غلطة» يمكن أن تعود بعواقب مدمرة على الشرق الأوسط والعالم.

وفي ضوء التعطيل المحتمل للجهد العربي الذي اكتسب كثيراً من الزخم خلال الآونة الأخيرة، خصوصاً في ظل استمرار حرب غزة، التي بدأت قبل 6 أشهر ونصف الشهر بعد هجمات «حماس» ضد المستوطنات والكيبوتسات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عملت الدبلوماسية الفلسطينية والعربية على خط موازٍ من أجل انتزاع مزيد من الاعترافات بدولة فلسطين، التي بلغت حتى الآن 138 من الدول الـ193 الأعضاء في الجمعية العامة للمنظمة الدولية. ويحتمل أن تتوجه المجموعة العربية إلى الجمعية العامة تأكيداً لهذا التوجه.

وتكثفت الاعتراضات الأميركية والإسرائيلية على إصدار توصية من مجلس الأمن بخصوص الطلب الفلسطيني المتجدد، الذي ورد في رسالة بعثها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الأمين العام للمنظمة الدولية، أنطونيو غوتيريش، في 2 أبريل (نيسان) الماضي، لتجديد النظر في الطلب المقدم في 23 سبتمبر (أيلول) 2011 إلى الأمين العام السابق بان كي - مون للحصول على العضوية الكاملة في «الأمم المتحدة».

وأحيل الطلب إلى رئيسة مجلس الأمن للشهر الحالي، المندوبة المالطية الدائمة، فانيسا فرازير، التي أحالته بدورها إلى لجنة قبول الأعضاء الجدد في المجلس. ولم تتمكن هذه اللجنة من الوصول إلى الإجماع الضروري من أجل دفع هذه العملية إلى الأمام.

سفير إسرائيل لدى «الأمم المتحدة» جلعاد إردان يصافح الممثل المناوب للولايات المتحدة روبرت وود في جلسة مجلس الأمن الخميس (رويترز)

وعلمت «الشرق الأوسط» أن الولايات المتحدة ضغطت منذ الأربعاء، لإرجاء موعد التصويت على مشروع القرار الجزائري الذي وضع بالحبر الأزرق، ما يعني أنه صار جاهزاً للتصويت عليه. وشارك في هذه الجهود الأميركية وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال محادثات أجراها مطلع الأسبوع مع نظيره المالطي إيان بورغ، الذي تتولى بلاده رئاسة مجلس الأمن للشهر الحالي، وكذلك في اتصالات أخرى أجراها نائب مستشار الأمن القومي الأميركي جون فاينر، بما في ذلك مع رئيس غويانا، عرفان علي، الذي تحتل بلاده مقعداً في مجلس الأمن.

وشملت الضغوط أيضاً كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية وسويسرا، التي لم تفصح ما إذا كانت ستؤيد مشروع القرار الذي ينص على الآتي: «إن مجلس الأمن، بعد درس طلب دولة فلسطين للقبول في (الأمم المتحدة)، يوصي الجمعية العامة بقبول عضوية دولة فلسطين في (الأمم المتحدة)».

جلسة الصباح

وكان غوتيريش يتحدث في مستهل جلسة على مستوى وزاري عقدها مجلس الأمن، الخميس، في شأن «الحالة في الشرق الأوسط، بما في ذلك المسألة الفلسطينية»، فركّز على «الأخطار التي تشتد»، قائلاً إنه «يتعين ممارسة أقصى درجات ضبط النفس». وإذ كرر التنديد بـ«التصعيد الخطير» المتمثل في الهجوم الواسع من إيران ضد إسرائيل، وقبله الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق. ورأى أن «إنهاء الأعمال العدائية في غزة سيقلص بشكل كبير التوترات بأنحاء المنطقة»، جدّد مطالبته بالوقف الإنساني الفوري لإطلاق النار والإفراج الفوري عن جميع الرهائن المحتجزين في غزة. وأكد أن «تجنب تفشي المجاعة في غزة، ومنع حدوث وفيات يمكن تجنبها بسبب الأمراض، يتطلبان قفزة نوعية في المساعدات الإنسانية».

فلسطينيون يتجمهرون لتلقي مساعدات من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غزة مارس الماضي (رويترز)

وإذ وصف الوضع بأنه «جحيم» في غزة، كرر أن عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى (الأونروا) هو «العمود الفقري للعمليات الإنسانية» في القطاع. وشدّد أيضاً على أن المستوطنات في الضفة الغربية «غير قانونية»، مندداً بأعمال العنف ضد المدنيين هناك، داعياً إسرائيل إلى «القيام بخطوات فورية لإنهاء المستويات غير المسبوقة لعنف المستوطنين ومحاسبة الجناة».

وضع «الأونروا»

ووسط ترقب كبير لتقرير اللجنة المستقلة حول «الأونروا»، خلال الساعات القليلة المقبلة، عقد مجلس الأمن جلسة أخرى، مساء الأربعاء، للتركيز على عمل الوكالة، تحدث خلالها مفوضها العام فيليب لازاريني، الذي أشار إلى «مجاعة وشيكة من صنع البشر»، موضحاً أنه في شمال غزة «بدأ الرضع والأطفال الصغار يموتون بسبب سوء التغذية والجفاف».

وتطرق إلى ما تواجهه الوكالة من حملة لإبعادها عن الأرض الفلسطينية المحتلة، موضحاً أنه «في غزة، تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى إنهاء نشاطات الوكالة». وأكد أن «موظفينا ممنوعون من المشاركة في اجتماعات التنسيق بين إسرائيل والجهات الإنسانية. والأسوأ من ذلك، استهدفت منشآت الأونروا وموظفيها منذ بدء الحرب»، ما أدى إلى مقتل 178 موظفاً لدى «الأونروا» في غزة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وذكر أن الموظفين الأمميين الذي احتجزتهم اسرائيل «تحدثوا عن شهادات مروعة لسوء المعاملة والتعذيب في الاحتجاز».

مساعدات غذائية إلى غزة من «الأونروا» (رويترز)

ووجّه لازاريني نداء لأعضاء مجلس الأمن بأن «يعملوا أولاً بما يتوافق مع قرار الجمعية العامة رقم 302، الذي يُنشئ الأونروا»، وحضّ ثانياً على «التزام عملية سياسية حقيقية تكتمل بالتوصل إلى حل يحقق السلام للفلسطينيين والإسرائيليين»، وأكد ثالثاً «الإقرار بأن العملية السياسية وحدها لن تضمن السلام المستدام» لأن «الجروح العميقة في المنطقة لا يمكن أن تُداوى إلا بغرس التعاطف ورفض نزع الإنسانية».

تشييع جثمان شاب فلسطيني قُتل في هجوم المستوطنين على قرية المغير بالضفة الغربية 13 أبريل الحالي (رويترز)

وقال وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، إن «الأونروا» تتعرض «لهجوم سافر واستهداف مشين من الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني»، عادّاً أن هذا الاستهداف «جزء لا يتجزأ من المخطط الإسرائيلي الرامي لتصفية القضية الفلسطينية، وإفراغ المشروع الوطني الفلسطيني من محتواه، وهدم أركان ومقومات الدولة الفلسطينية».

وقال المندوب البديل للبعثة الأميركية الدائمة لدى «الأمم المتحدة»، روبرت وود، إن الكونغرس الأميركي أوقف تقديم مساهمات إضافية للوكالة في أعقاب «الادعاءات الخطيرة» بشأن المشاركة المزعومة لعدد من موظفيها في هجمات «حماس» ضد إسرائيل، وحضّ «الأونروا ومنظومة (الأمم المتحدة) الأوسع على اتخاذ الخطوات اللازمة كافة لتعزيز حياد المنظمة وتحسين استدامة الأونروا». إلا أنه أكد أن الولايات المتحدة تعترف بـ«الدور الذي لا غنى عنه» للوكالة في غزة.

وأشار إلى أن واشنطن تتطلع إلى التوصيات النهائية لمجموعة المراجعة المستقلة بشأن «الأونروا»، وستواصل العمل مع الوكالة وغيرها «لتنفيذ إصلاحات لـ(الأونروا) لتبقى عاملة طالما كانت هناك حاجة إليها».

الموقف الفلسطيني

وقال الممثل الخاص للرئيس الفلسطيني، زياد أبو عمر، إن الأونروا «ليست مجرد مشروع إنساني، إنما هي شاهد تاريخي على التزام المجتمع الدولي، بل واجبه تجاه اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا من ديارهم بسبب نكبة عام 1948».

طفلة فلسطينية نازحة تتناول الطعام من علبة في مخيم للنازحين برفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وذكر بأن الحملات الإسرائيلية على «الأونروا ليست جديدة»، داعياً إلى الضغط على إسرائيل لكي «تتوقف فوراً عن عرقلة عمليات (الأونروا) وانتهاك ولايتها».

أما المندوب الإسرائيلي جلعاد إردان فعدّ أن «الأمم المتحدة» «مسؤولة بشكل مباشر عن إدامة» الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، عادّاً أن «أحد الأسلحة التي صنعتها لإطالة أمد هذا الصراع هي (الأونروا)».

وخاطب وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أعضاء المجلس بأن «(الأونروا) تستحق دعمكم، لأنها الوحيدة القادرة على تقديم المساعدة الحقيقية للفلسطينيين الجائعين في غزة، وتوفير الخدمات الحيوية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس» في غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، والأردن، ولبنان، وسوريا.

وأكد دبلوماسيون لـ«الشرق الأوسط» أن الطلب الفلسطيني سيحصل للمرة الأولى على الأصوات التسعة المطلوبة لإحالة الطلب على الجمعية العامة. غير أن الفيتو الأميركي سيعطل هذه المحاولة على الأرجح.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث أميركا على عدم استخدام القوة ضد الاحتجاجات المناهضة لترمب

الولايات المتحدة​ مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك (رويترز)

الأمم المتحدة تحث أميركا على عدم استخدام القوة ضد الاحتجاجات المناهضة لترمب

حثت الأمم المتحدة السلطات الأميركية على احترام الحق في التجمع السلمي والامتناع عن استخدام القوة العسكرية في مواجهة الاحتجاجات ضد الرئيس دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
العالم الخطة الجديدة لعام 2025 البالغة كلفتها 29 مليار دولار (رويترز)

الأمم المتحدة تعلن تقليصاً كبيراً لبرنامج مساعداتها بسبب نقص التمويل

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أنها ستقلص بشكل كبير برنامجها للمساعدات الإنسانية في العالم هذا العام بسبب «أسوأ الاقتطاعات المالية التي أصابت القطاع الإنساني».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
العالم العربي 7 ملايين يمني مهددون بالحرمان من الرعاية المنقذة للحياة (الأمم المتحدة)

​نقص الدعم يهدد بإغلاق مئات المنشآت الطبية في اليمن

حذّرت الأمم المتحدة من أن نقص التمويل في اليمن قد يؤدي إلى إغلاق 771 مركزاً صحياً إضافياً وحرمان ما يقرب من 7 ملايين شخص من الحصول على الرعاية.

محمد ناصر (تعز)
شؤون إقليمية جلسة مجلس الأمن الدولي في نيويورك (أ.ف.ب)

واشنطن لمجلس الأمن: العواقب ستكون وخيمة على إيران إذا استهدفت أميركيين

أبلغت الولايات المتحدة مجلس الأمن، الجمعة، أنها ستواصل «السعي إلى حل دبلوماسي يضمن عدم حصول إيران على سلاح نووي أو تشكيل تهديد للاستقرار في الشرق الأوسط».

شؤون إقليمية مبنى متضرر تعرَّض لغارات جوية إسرائيلية بشمال طهران (إ.ب.أ) play-circle

مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة: الضربات ضد إيران قد تستغرق أياماً أو أسابيع

أعلن مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون أن العملية العسكرية ضد إيران لن تكون قصيرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

لبنان يتحصّن لتحييده عن الحرب ويستعين بالأميركي برّاك للجم إسرائيل

عناصر من «حزب الله» خلال عرض عسكري عام 2023 (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «حزب الله» خلال عرض عسكري عام 2023 (أرشيفية - أ.ب)
TT

لبنان يتحصّن لتحييده عن الحرب ويستعين بالأميركي برّاك للجم إسرائيل

عناصر من «حزب الله» خلال عرض عسكري عام 2023 (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «حزب الله» خلال عرض عسكري عام 2023 (أرشيفية - أ.ب)

تحييد لبنان عن الحرب المشتعلة بين إيران وإسرائيل يتصدر جدول أعمال المرحلة السياسية الراهنة، ويحظى برعاية رؤساء: الجمهورية العماد جوزيف عون، والمجلس النيابي نبيه بري، والحكومة نواف سلام؛ سعياً إلى إقامة شبكة أمان سياسية تحميه من ارتداداتها على الداخل، وتنأى به عن الانخراط فيها، آخذاً بالنصائح الدولية والعربية التي أُسديت إليه بضرورة التزامه وقف النار، وقطع الطريق على من يحاول استدراجه إلى الدخول في مواجهة، من شأنها أن توفر الذرائع لإسرائيل لتوسيع اعتداءاتها التي لن تقتصر على الجنوب ويمكن أن تمتد إلى أمكنة تُدرجها في بنك أهدافها.

فاطمئنان لبنان الرسمي بعدم تورط «حزب الله» في الحرب أو إسناده إيران، ووقوفه خلف الدولة بالتزامه وقف النار، يدفعانه إلى الالتفات إلى الساحة الفلسطينية لضبط أداء الفصائل ومنعها من استخدام لبنان منصة لإطلاق الصواريخ بهدف تسجيل موقف، على غرار إطلاق حركة «حماس» سابقاً عدداً من الصواريخ من بعض البلدات الواقعة في شمال الليطاني وتطل على جنوبه.

الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت في 5 يونيو 2025 (أ.ب)

وعلمت «الشرق الأوسط» أن مروحة الاتصالات، التي تولاها بشكل أساسي الرئيس عون، لتحييد لبنان وعدم الزجّ به في الحرب، تتلازم مع انصراف القيادات الأمنية الرسمية إلى الاتصال بالفصائل والمجموعات الفلسطينية على اختلافها، وإبلاغها رسالة سياسية واضحة تحت عنوان تحذيرها من اللعب بالنار، لما يترتب عليه من موقف لبناني رسمي يتجاوز الإنذار باتخاذ تدابير رادعة، استبقها بزنار من الإجراءات المشددة حول المخيمات، خصوصاً عين الحلوة.

اتصالات مع فصائل مسلحة

وقالت مصادر لبنانية رسمية إن الاتصالات تشمل حركتَيْ «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، إضافة إلى الجناح العسكري لـ«الجماعة الإسلامية»، من دون أن تستثني بعض الفصائل والمجموعات الفلسطينية المتشددة بوصفها من أصحاب السوابق في إطلاق الصواريخ.

وأكدت أنه «لا مجال للتهاون مع من يحاول استغلال الحرب بين إيران وإسرائيل لتسجيل المواقف الارتجالية والعشوائية، فيما بادر لبنان الرسمي إلى إدانة العدوان الإسرائيلي على نحو لا يمكن لأحد المزايدة عليه شعبوياً، أخذاً في الحسبان التحذيرات التي بعثت بها إسرائيل، من خلال الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية ولجنة الرقابة المشرفة على تطبيق وقف النار، بردّها القاسي ودون حدود في حال استُخدمت أراضيه لإطلاق الصواريخ تضامناً مع إيران».

عناصر من «حزب الله» خلال عرض عسكري عام 2023 (أرشيفية - أ.ب)

اهتمام بالحياد

في هذا السياق، يراهن لبنان، كما تقول المصادر، على «المباحثات التي سيجريها السفير الأميركي لدى تركيا، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى سوريا، توماس برّاك، في زيارته المرتقبة إلى بيروت في الساعات المقبلة، واجتماعه بالرؤساء الثلاثة، وذلك للاستعانة به للجم إسرائيل وكبح جماحها في تهديدها بتوسيع اعتداءاتها بتوجيه ضربات هي الأقسى للبنان، متذرعةً بإطلاق الصواريخ عليها، مع أن لبنان لا يترك وسيلة إلا ويستخدمها للسيطرة على الوضع؛ لقطع الطريق على استخدام أراضيه لضرب استقراره».

ولفتت المصادر إلى أن الاهتمام الرسمي اللبناني بعدم توريط البلد في هذه الحرب، «يترافق مع تحصين الساحة الداخلية؛ باتخاذه الإجراءات الاحتياطية الاستباقية للحؤول دون حصول اختراقات من شأنها أن تعيد لبنان ساحةً لتبادل الرسائل، التي يراد منها تصفية الحسابات، وإقحامه مجدداً في صراع المحاور». وقالت إن «الحرب تدخل حالياً مرحلة من الاستنزاف مفتوحة على أكثر من احتمال ما لم تتحرك الوسائط الدولية لوقفها».

ورأت أن «السيطرة على الوضع الداخلي، والإطباق على المجموعات الفلسطينية المتطرفة والمتشددة، يتيحان للبنان توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي عبر أصدقائه بوجود قرار قاطع لديه بتحييده عن الحرب، وهذا ما يشجع الولايات المتحدة ودول (الاتحاد الأوروبي) للضغط على إسرائيل لمنعها من استهداف لبنان، ما دام ينأى بنفسه عن التدخل فيها ويطبّق سيطرته الميدانية على الأرض».

زيارة برّاك إلى بيروت

وكشفت المصادر عن أن تحييد لبنان عن الحرب سيحضر بامتياز على جدول أعمال لقاءات السفير براك في زيارته الموعودة إلى بيروت. وقالت إن الجانب اللبناني أُبلغ بموعد وصوله، «وهو يتحفّظ عن الكشف عنه لأسباب أمنية». وقالت إن محادثاته كانت «محصورة في ملف العلاقات اللبنانية - السورية، وسحب سلاح (حزب الله)، وجمع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، شرطاً لحصره بيد الدولة، لكن اندلاع الحرب أضاف بنداً جديداً إلى محادثاته».

عناصر من «يونيفيل» على الحدود بين لبنان وإسرائيل (أرشيفية - د.ب.أ)

ولفتت إلى أن «تكليف برّاك ملف العلاقات اللبنانية - السورية يعني حكماً أنه ينوب عن نائبة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، بعد أن أُعفيت من تكليفها متابعة الاتصالات لتطبيق اتفاق وقف النار الذي التزم به لبنان، فيما امتنعت إسرائيل عن تطبيقه باستمرار احتلالها عدداً من التلال الواقعة على الحافة الأمامية للبلدات الحدودية قبالة إسرائيل».

وسألت المصادر عمّا إذا كان برّاك سيتولى الملف اللبناني - الإسرائيلي في ضوء الصعوبات التي تعترض «لجنة الرقابة الدولية» المشرفة على تطبيق وقف النار، الذي لا يزال تطبيقه معلقاً على رفض إسرائيل التقيُّد به أو انسحابها من الجنوب تمهيداً للشروع في تنفيذ القرار «1701». وقالت: «هل من باب الصدفة أن يتلازم مجيء برّاك إلى بيروت مع انعقاد (اللجنة) في اجتماع تستضيفه (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان - يونيفيل) في مقرها ببلدة الناقورة الحدودية، ويحصر اهتمامه بمحاصرة إسرائيل ومنعها من مواصلة حربها التدميرية؟».

لبنان لن ينخرط في الحرب

فاجتماع «لجنة الرقابة»، بعد طول انقطاع، لن يقتصر على تقييم الوضع في الجنوب فحسب، وإنما لإعلام أعضائها، بعد أن تواصل لبنان مع الدول المنتمين إليها بأنه «ليس في وارد الانخراط في الحرب، وأن حكومته، من خلال أجندتها الأمنية والعسكرية، ماضية في ضبط الوضع، ولن تتهاون حيال من يحاول توريطه فيها، وأنها اتخذت الإجراءات والتدابير الاحترازية للإمساك بالوضع والسيطرة عليه».

وهذا ما يضع إسرائيل، كما تقول مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، «أمام اختبار النيات للتأكد من مدى استعدادها للتجاوب بعدم استدراج (حزب الله) لخرق وقف النار للضغط على لبنان للتسليم بشروطها، رغم أنه لن يُستدرج للوقوع في الفخ الإسرائيلي، وهذا ما تبلّغناه من الجانب اللبناني، ويبقى على برّاك أن يوسع دائرة اهتمامه بالتدخل لديها لمنعها من شمول لبنان بالحرب؟».