عكس مشهد استعدادات الأسر في العاصمة السورية دمشق ومحيطها لعيد الفطر، حقيقة الوضع المعيشي المزري الذي تعيشه الأغلبية العظمى. الصائمون الذين أنهكهم شهر رمضان بتكاليفه، يجدون أنفسهم في مأزق مالي أكبر سببه تكاليف العيد التي باتت خيالية جعلت الفرحة بعيدة المنال وأدت إلى ركود غير مسبوق في الأسواق.
في المنازل، وفي الشوارع، وأماكن العمل، الشكوى الأكثر شيوعاً على ألسنة الناس، هي عجزهم عن تأمين تكاليف العيد. «من الصعب على موظفي الحكومة التعامل مع أسعار هذا الموسم»، تقول نسرين ربة المنزل التي اعتادت صنع حلويات: «العيد في المنزل».
وتضيف: «الأسعار هذه السنة نار. راتب الشهر يطير إذا عملت 2 كيلو معمول عجوة فقط. لن حلو عيد في المنزل هذا الموسم ولن نشتري من السوق».
يذكر أن صحيفة «قاسيون» المحلية، قدرت مطلع العام الحالي متوسط تكاليف المعيشة في الشهر لأسرة من 5 أفراد، بأكثر من 12 مليون ليرة أي ما يعادل 850 دولاراً، في حين لا يتجاوز مرتب موظف في الدرجة الأولى بالحكومة 450 ألف ليرة.
وعلى الرغم من أن وضع أصحاب المهن الحرة، أفضل نوعاً ما من موظفي الحكومة، لأنهم يرفعون أجرة عملهم باستمرار كلما تدهور سعر صرف الليرة، فإن أبو مزيد، رب الأسرة المؤلفة من 4 أفراد ويعمل في صناعة أبواب ونوافذ الألومنيوم ويُعد من ميسوري الحال، غير راضٍ عن التحضيرات للعيد. ويؤكد الرجل أنه في ظل الغلاء الحاد، فإن متطلبات شهر رمضان أنهكت الأسر وجاءت متطلبات العيد لتزيد الطين بلّة مع الارتفاع الكبير في الأسعار.
وقرر أبو مزيد الاكتفاء بتحضيرات بسيطة «لمجرد إدخال الفرحة على قلوب أفراد العائلة»، فالتحضيرات التقليدية تتطلب مبالغ كبيرة لا يقدر عليها. «اشتريت للصغار ملابس وأحذية بأسعار مقبولة وبعض الحلو من أصناف شعبية».
حركة مارة للفرجة
خلال جولتنا في حي الميدان و«عاصم» جنوب دمشق، رصدنا حركة مارة مقبولة، إلا أن الإقبال على الشراء كان ضعيفاً جداً. ورغم ذلك، ينهمك أصحاب محال الحلويات في حي الميدان الذي يتميز تاريخياً بأشهرها، في عرض كميات كبيرة منها. يقول لنا صاحب محل أثناء قيام عماله بتصنيع معمول التمر: «أعمل في المهنة منذ سنوات ولم يمر علينا ركود كهذا. في السنوات القليلة الماضية ورغم ظروف الحرب، كانت هناك حركة والإقبال على شراء الحلوات كبير. أما في هذا الموسم فالبيع شبه معدوم».
الركود المخيم على محال الحلويات ينسحب على محال بيع الألبسة الجاهزة التي ارتفعت أسعارها أكثر من مائة في المائة مقارنة بالعام الماضي، حيث تتراوح تكلفة كسوة الطفل (بنطال وكنزة ربيعية وحذاء) في «سوق عاصم» بمنطقة «نهر عيشة» إلى الجنوب الغربي من حي الميدان، ما بين 500 و750 ألف ليرة.
تعليق خبير
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب حسن حزوري، وصف وفقاً لـصحيفة «الوطن» المقربة من الحكومة، هذه الأسعار بأنها لا تتناسب مطلقاً مع مستوى الدخل، ورأى أن الحكومة غير قادرة على أن تتدخل في هذا الواقع إلا بزيادة الدخل الفردي.
كما نقلت الصحيفة عن نائب رئيس جمعية حماية المستهلك ماهر الأزعط، أن الجمعية أجرت استبياناً لأسواق الصالحية وشارع الحمراء وباب توما والحميدية، إضافة إلى الأسواق الشعبية، فتبين أن معظم الإقبال كان على الألبسة الولادية، لأن العائلة مجبرة على شراء ملابس لأطفالها، مشيراً إلى أن الإقبال على الألبسة ذات الجودة العالية تراجع، مشيراً إلى أن القوة الشرائية أصبحت شبه معدومة.
ولفت الأزعط إلى وجود ركود مخيف في أسواق القصاع وباب توما، والمحال الشعبية في سوقي الحميدية والحريقة، بسبب الارتفاع الكبير للأسعار. وأعاد ارتفاع أسعار ألبسة الأطفال إلى أن أغلب أصحاب المعامل لم يقوموا بتقديم بيانات تكلفة لتلك الألبسة، فقاموا بالتسعير وفقاً لأهوائهم.
في المقابل، عزا تجار ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع أجور الشحن وأسعار المازوت، ورفع أسعار الكهرباء، وكذلك الرفع المستمر لبدلات إيجار المحلات، والضرائب الحكومية.
الحرمان من فرحة العيد في هذا العام، لم يقتصر على الفقراء، بل شمل العائلات التي تقطن في الأحياء الراقية (المزة، تنظيم كفر سوسة، قرى الأسد) بسبب المخاوف من هجمات باتت تشنها إسرائيل بين فترة وأخرى على تلك الأحياء وتستهدف فيها مقار القادة العسكريين الإيرانيين، كان آخرها الأسبوع الماضي، واستهدفت مبنى القنصلية الإيرانية على أوتوستراد المزة.
يقول لنا مهندس يقطن في «تنظيم كفر سوسة» الذي استهدفت فيه إسرائيل لمرتين مباني يستخدمها إيرانيون: «لا يوجد فرح. بل خوف ورعب من ضربات قد تحصل في أي وقت. بتنا نتوقع الموت في أي لحظة بسبب وجود الإيرانيين بين المدنيين». ويشدد على أنه يجب على السلطات المعنية «إيجاد حل بأسرع وقت» للتغلغل العسكري الإيراني في الأحياء السكنية المدنية، «فليس من المعقول أن نبقى في حالة رعب».
الحرب الدامية في قطاع غزة ومشاهد قتل الفلسطينيين وتجويعهم، خيمت أيضاً على فرحة العيد في دمشق ومحيطها. تقول لاجئة فلسطينية من سكان مخيم خان الشيح بريف دمشق الجنوبي الغربي لنا: «معقول نعيّد وأهل غزة يقتلون. ما حدا معيَد. يحرم علينا العيد والناس عم تقتل».