مآسي غزة لا تكبح خلافات «فتح» و«حماس»

«قوة أمنية» من رام الله في غزة تؤجج الاتهامات... وحكومة مصطفى تبدأ مهامها

يتفقدون منازل دمرتها الطائرات الإسرائيلية في منطقة المغازي وسط قطاع غزة (وفا)
يتفقدون منازل دمرتها الطائرات الإسرائيلية في منطقة المغازي وسط قطاع غزة (وفا)
TT

مآسي غزة لا تكبح خلافات «فتح» و«حماس»

يتفقدون منازل دمرتها الطائرات الإسرائيلية في منطقة المغازي وسط قطاع غزة (وفا)
يتفقدون منازل دمرتها الطائرات الإسرائيلية في منطقة المغازي وسط قطاع غزة (وفا)

لم تستطع الحرب الدامية في قطاع غزة ولا مآسيها الكبيرة، كبح الخلافات بين حركتي «فتح» و«حماس»؛ بل لم تمنع الحرب الكلامية والاتهامات المستمرة، والتي تأخذ منحى تصاعدي مع مضي الوقت، ما يشير إلى خلافات أوسع محتملة بعد انتهاء الحرب، والوصول إلى نقطة يجب التعامل فيها مع حكم غزة وإعمارها.

واتهمت وزارة الداخلية التابعة لـ«حماس» السلطة الفلسطينية، بإرسال قوة أمنية إلى غزة بالتنسيق مع إسرائيل، مؤكدة أنها اعتقلت عدداً من أفرادها، قبل أن تنفي السلطة الفلسطينية الحادثة.

وقال مسؤول كبير في وزارة الداخلية التابعة لـ«حماس»، إن الأجهزة الأمنية في غزة اعتقلت قوة أمنية جرى تنسيق أعمالها بشكل كامل مع الاحتلال، تسللت مع دخول شاحنات «الهلال الأحمر المصري» عبر معبر رفح البري، جنوبي القطاع، ثم تسللت إلى منطقة شمال غزة.

أرشيفية لشاحنات مساعدات خلال اصطفافها عند معبر رفح قبل عبورها لغزة (أ.ب)

وأضاف المسؤول أن «اللواء ماجد فرج (رئيس المخابرات الفلسطينية) أدار عمل القوة بطريقة أمنية مخادعة، وضلل فيها الفصائل والعشائر الفلسطينية». وحسب المسؤول، فإنّ الجانب المصري أبلغ هيئة المعابر بعدم علمه بالقوة الأمنية التي تسلمت الشاحنات المصرية، وأخلى المسؤولية الكاملة عنها.

وأعلنت وزارة الداخلية لاحقاً اعتقال 10 من أفراد القوة التي وصلت «بهدف إحداث حالة من البلبلة والفوضى في صفوف الجبهة الداخلية» في غزة.

وقالت «الداخلية» إنها تلقت توجيهات من الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة: «بالتعامل مع أي قوة أمنية لا تدخل غزة عبر مقاومتها التي تدافع عن الوطن ودفعت الغالي والنفيس من أجله، معاملة قوات الاحتلال»، وأنه «سيتم الضرب بيد من حديد على كل من تسوّل له نفسه أن يلعب في مربع لا يخدم سوى الاحتلال، وقد أعذر من أنذر».

اتهام «حماس» للسلطة الفلسطينية بالتعاون مع الاحتلال، لخلق بلبلة في غزة، هو أقوى اتهام منذ بداية الحرب، بعدما ظلت الخلافات مرتكزة على جوانب أخرى متعلقة بالمصالحة.

وردت السلطة بالتأكيد على أن بيان «ما تسمى (وزارة داخلية حماس) حول دخول المساعدات إلى قطاع غزة، لا أساس له من الصحة».

وأكد مصدر رسمي فلسطيني: «سنستمر في تقديم كل ما يلزم لإغاثة شعبنا، ولن ننجر خلف حملات إعلامية مسعورة تغطي على معاناة شعبنا في قطاع غزة، وما يتعرض له من قتل وتهجير وتجويع».

وأضاف: «نؤكد العهد مجدداً لشعبنا، ونقول لأبواق (حماس) ومن يروج لها، إن معاناة شعبنا ودمه النازف والتدمير الشامل للقطاع أكبر من المزايدات، وأكبر من المشاريع الحزبية الضيقة. ونناشد شعبنا الاستمرار بالتلاحم والتراحم كما عهدناكم دائماً».

فلسطينيون يتجمعون للحصول على مساعدات في جباليا بشمال قطاع غزة (رويترز)

الخلاف بين «فتح» و«حماس» حول تنظيم المساعدات لسكان شمال قطاع غزة الذين يعانون من مجاعة حقيقية، يأخذ شكل الخلاف على الحكم والسيادة إلى حد ما؛ لكنه ليس الخلاف الأول من نوعه حلال الحرب الحالية، وقبله تفجرت خلافات كثيرة متعلقة بالمصالحة وتشكيل حكومة فلسطينية، وإعادة تشكيل منظمة التحرير، وحكم قطاع غزة.

وإذا كان الطرفان قد حافظا على «ضبط نفس» اضطراري مع بداية الحرب، فإن تشكيل الحكومة الفلسطينية التي تسلَّمت مهمتها، الاثنين: «كشف المستور»، وفضح النيات، بعد اتهام «حماس» للرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه منفصل عن الواقع، بعد قرار تكليفه الدكتور محمد مصطفى بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة. وردَّت عليها «فتح» بالقول: «إن من تسبب في إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وتسبب في وقوع النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني؛ خصوصاً في قطاع غزة، لا يحق له إملاء الأولويات الوطنية»، معتبرة أن «المفصول الحقيقي عن الواقع وعن الشعب الفلسطيني هو قيادة حركة (حماس) التي لم تشعر حتى هذه اللحظة بحجم الكارثة التي يعيشها شعبنا المظلوم في قطاع غزة، وفي بقية الأراضي الفلسطينية».

الخلاف على حكومة مصطفى خلاف على القضايا الأوسع المتعلقة بالمصالحة، وحكم قطاع غزة، وإدارة عملية الإعمار.

وكانت «حماس» تتوقع أن يتم التشاور معها حول مسألة تشكيل الحكومة؛ لكنها فوجئت بقرار عباس الذي تجاهلها إلى حد بعيد.

عملياً، العلاقة بين «فتح» و«حماس» لم تتحسن مع الحرب. ويمكن رصد هجمات متبادلة على مواقع التواصل الاجتماعي بين الطرفين، حول كل شيء: «سبب الحرب»، و«المسؤول عن الدمار»، و«وضع الناس»، و«التعاون مع الاحتلال»، و«المجاعة»، و«المساعدات الإنسانية»، و«التحويلات المالية»، و«التآمر»، و«تجار الحروب».

وعلى الرغم من الرفض الحمساوي لحكومة مصطفى، تسلَّم مصطفى مهامه رسمياً، الاثنين، خلال مراسم التسليم والتسلُّم من محمد أشتية، بمكتب رئيس الوزراء في رام الله.

وسلَّم أشتية، مصطفى، عدداً من الملفات للمتابعة والمراكمة عليها، مثل خطة إعادة إعمار وإنعاش غزة، وخطة الإصلاح، وخطة الطوارئ.

وقال أشتية لمصطفى: «نسلمك اليوم 3 وثائق أعدتها الحكومة: الوثيقة الأولى هي خطة الإصلاح التي تم تقديمها إلى العالم، وهي خطة متكاملة تم اعتمادها من المانحين وتم التطوير عليها، والوثيقة الثانية هي خطة الطوارئ للحكومة لعام 2024، والورقة الثالثة هي العبر والدروس فيما يتعلق بقطاع غزة، حول الإغاثة وإعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي».

ورد مصطفى بالقول إن حكومته ستكون وفية للشعب الفلسطيني، وستقدم كل ما تستطيع.

وحذرت «فتح» من عرقلة عمل الحكومة في قطاع غزة، وقالت إن من يعرقل عملها سيتحمل مسؤوليته أمام الشعب الذي لا يجد رغيف خبز وشربة ماء، وليس لديه وقت للمناكفات السياسية.


مقالات ذات صلة

محادثات «حماس» و«فتح» بالقاهرة إلى «مشاورات أوسع» بشأن «لجنة إدارة غزة»

العالم العربي فلسطينيون يشاهدون الدخان يتصاعد بعد الضربات الإسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)

محادثات «حماس» و«فتح» بالقاهرة إلى «مشاورات أوسع» بشأن «لجنة إدارة غزة»

مشاورات موسعة تتجه لها محادثات حركتي «حماس» و«فتح» بالقاهرة، بعد اتفاق أولي على تشكيل لجنة إدارة لقطاع غزة، واختلاف بشأن وضع إطار مؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي نازحة فلسطينية فرّت من جباليا تجلس وسط الأنقاض في مدينة غزة (رويترز)

محادثات «فتح» و«حماس» تسابق «الإملاءات» والانتخابات الأميركية

واصلت محادثات حركتي «حماس» و«فتح» بالقاهرة مناقشة تفاصيل إعلان إنشاء لجنة مجتمعية لإدارة قطاع غزة، ستصدر بمرسوم من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الموجود بمصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا فلسطينيون يسيرون بين أنقاض منازل مدمّرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

«حماس» و«فتح» في القاهرة... و«اقتراب» من اتفاق بشأن «إدارة غزة»

محادثات جديدة تجمع حركتي «حماس» و«فتح» في القاهرة، بعد أخرى قبل نحو 3 أسابيع، تتناول ملف «إدارة قطاع غزة»، عشية زيارة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي اجتماع سابق للفصائل الفلسطينية في الصين انتهى بتوقيع إعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية (أرشيفية - رويترز)

القاهرة: «فتح» و«حماس» أبدتا مرونةً تجاه إنشاء لجنة لإدارة شؤون قطاع غزة

قال مصدر أمني مصري إن حركتي «فتح» و«حماس» أبدتا، خلال اجتماع في القاهرة، مرونةً إزاء إنشاء لجنة لإدارة شؤون قطاع غزة ستصدر بمرسوم من الرئيس الفلسطيني.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي صورة أرشيفية لمحاكمة مروان البرغوثي في إسرائيل (رويترز)

القيادي في «فتح» مروان البرغوثي يتعرض «لاعتداء خطير» في السجن

تعرّض القيادي في حركة «فتح» مروان البرغوثي «لاعتداء وحشي وخطير» من جانب إدارة السجون الإسرائيلية في سبتمبر (أيلول)، وفق ما ذكرت منظمات غير حكومية.

«الشرق الأوسط» (رام الله)

جمال مصطفى: نعم... رفض صدام اغتيال الخميني وعدّه ضيفاً

TT

جمال مصطفى: نعم... رفض صدام اغتيال الخميني وعدّه ضيفاً

خرجَ الدكتور جمال مصطفى السلطان، صهرُ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وسكرتيره الثاني، عن صمته وروَى لـ«الشرق الأوسط» وقائعَ عاشها في المعتقل وإلى جانب عمّه الرئيس.

أكَّدَ جمال مصطفى أنَّ صدام حسين رفض اقتراحاً باغتيال الإمام الخميني في أثناء وجوده في العراق وعده ضيفاً. كمَا أكَّد زيارةَ مسؤول في المخابرات العراقية للخميني خلال وجوده في فرنسا.

ونقل جمال عن صدام قوله في مجلس الوزراء إنَّه عاتب رئيس الأركان الفريق أول الركن نزار الخزرجي على «ما فعله في حلبجة من دون الرجوع إلى القيادة». ودافعَ عن خاله علي حسن المجيد عاّداً أنَّه «لُقّب ظلماً بالكيماوي». كما نقل عن صدام أنَّ الزعيم عبد الكريم قاسم «كان نزيهاً لكن الحزب كلفنا باغتياله».

وقالَ جمال إنَّه عرف بإعدام صدام خلال وجوده في المعتقل، مشيراً إلى أنَّ أعضاء القيادة أدُّوا لدى بلوغِهم النَّبأ صلاةَ الغائب وشاركهم فيها عضو القيادة طارق عزيز. وأكَّدَ أنَّ صدام تعرَّض للإيذاء وكانَ يعرف أنَّه سيُعدم، مشيراً إلى أنَّ أعضاءَ القيادة «مشوا إلى المشنقة ولم يرفَّ لهم جَفن». وأضاف: «كانت خسارة عظيمة (...) حاول الجميع ضبطَ مشاعرهم أمام الخسارة. ولكن حقيقة، نحن الرجال، نخجل من أن نبكيَ رغم أنَّه أمرٌ طبيعي. وعندما يريد أحدٌ أن يقومَ بهذا الموضوع يعزل نفسَه في جانب ما حتى لا يُشاهد».