قصف إسرائيلي متواصل على غزة... والمجاعة «وشيكة»

فلسطينيون يعاينون دماراً في رفح (أ.ف.ب)
فلسطينيون يعاينون دماراً في رفح (أ.ف.ب)
TT

قصف إسرائيلي متواصل على غزة... والمجاعة «وشيكة»

فلسطينيون يعاينون دماراً في رفح (أ.ف.ب)
فلسطينيون يعاينون دماراً في رفح (أ.ف.ب)

تتواصل الحملة العسكرية الإسرائيلية، اليوم الجمعة، حاصدة عشرات القتلى في قطاع غزة المحاصر الذي يواجه سكانه «مجاعة وشيكة»، بحسب برنامج الأغذية العالمي.

أشارت وزارة الصحة التابعة لـ«حماس»، الجمعة، في بيان، إلى مقتل 71 شخصاً خلال 24 ساعة، لا سيما في غارات على رفح في أقصى جنوب القطاع التي تعدّها إسرائيل آخر معقل للحركة الإسلامية الفلسطينية وإلى حيث نزح 1.5 مليون فلسطيني هرباً من القتال.

وإلى جانب الحصيلة البشرية الهائلة والدمار الواسع، تسببت الحرب بين إسرائيل و«حماس» بكارثة إنسانية في القطاع المحاصر، حيث باتت غالبية السكان البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة مهددة بالمجاعة، بحسب الأمم المتحدة التي تندد بكون المساعدات غير كافية لسد الحاجات.

ولخّص صندوق الأغذية العالمي عبر منصة «إكس» الوضع بقوله: «ما من مكان آخر في العالم يواجه فيه هذا العدد الكبير من الناس خطر المجاعة الوشيك».

ومن جهة أخرى، أمرت محكمة العدل الدولية، الخميس، إسرائيل بـ«ضمان توفير مساعدة إنسانية عاجلة» لقطاع غزة من دون تأخير، مؤكدة أن «المجاعة وقعت».

وقالت المحكمة ومقرها في لاهاي إن «على إسرائيل اتخاذ كل الإجراءات الضرورية والفعالة لأن تضمن من دون تأخير... ومن دون عراقيل توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية (لغزة) التي هي بأمسّ الحاجة إليها». وأضافت أن «الفلسطينيين في غزة لم يعودوا يواجهون خطر المجاعة فحسب، بل المجاعة وقعت».

وبعد شكوى من جنوب أفريقيا أمرت المحكمة نفسها إسرائيل في حكم صدر منتصف يناير (كانون الثاني) ببذل كلّ ما في وسعها لمنع حصول أعمال «إبادة» خلال هجومها على غزة.

كذلك، قضت المحكمة بأنّه يتعيّن على إسرائيل السماح بدخول المساعدات إلى غزّة للتخفيف من حدّة الوضع الإنساني اليائس هناك.

وليل الخميس – الجمعة، رحبت حركة «حماس» بقرار المحكمة، وقالت إنه يجب أن يترافق مع «آلية تنفيذية يفرضها المجتمع الدولي تلزم الاحتلال (...) على تنفيذه فوراً كي لا يبقى القرار حبراً على ورق».

وأمام الوضع الإنساني الكارثي تنظم دول عدة عمليات إلقاء مساعدات من الجو أو ترسلها بحراً، لكن الجميع يشدد على أن هذه الطرق لا يمكن أن تحل مكان إيصال المساعدات براً.

فلسطينيون يمرون وسط الدمار في مخيم المغازي بقطاع غزة (أ.ف.ب)

«الدخول إلى رفح»

وأعلن الجيش الإسرائيلي الذي يتهم مقاتلي «حماس» بالاختباء في المستشفيات، مواصلة عملياته، الجمعة، في مجمع «الشفاء» الطبي بشمال القطاع، مؤكداً أنه «قضى على نحو 200 إرهابي» في القطاع منذ 18 مارس (آذار).

وقال الجيش إن القوات الإسرائيلية تتحقق من «عدم المساس بالمدنيين والمرضى والطواقم الطبية والمعدات».

في وسط قطاع غزة، قال الجيش الإسرائيلي إنه «دمر صواريخ كثيرة معدة للإطلاق باتجاه إسرائيل»، وقضى على «إرهابيين».

وتتواصل عمليات أيضاً في خان يونس في جنوب قطاع غزة في منطقتي الأمل والقرارة، حيث قتل مقاتلون فلسطينيون، على ما أضاف الجيش.

ونقل جرحى عدة بسيارات إسعاف إلى المستشفى الأوروبي في خان يونس، وفق مشاهد صورتها «وكالة الصحافة الفرنسية». وبين المصابين أطفال يعالجون على أرض المستشفى.

والخميس، أعاد رئيس الوزراء الإسرائلي بنيامين نتنياهو تأكيد عزمه على شن هجوم بري على رفح رغم الضغوط الدولية، ولا سيما من الولايات المتحدة لعدم تنفيذ عملية واسعة النطاق.

وقال لعائلات جنود رهائن في قطاع غزة: «نمسك بشمال قطاع غزة، فضلاً عن خان يونس (جنوب)، لقد قسمنا قطاع غزة إلى شطرين ونستعد لدخول رفح».


مقالات ذات صلة

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

شبح هجوم إسرائيلي يخيّم على بغداد

يخيّم شبح هجوم إسرائيلي واسع على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شن ضربات جوية على البلاد.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

قالت صحيفة «تليغراف» البريطانية إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يفكر في فرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البريطاني كريم خان

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

قالت كارولين ليفيت، التي أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أنها ستكون متحدثةً باسم البيت الأبيض، لموقع «أكسيوس»، إن ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات

المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

أطفال لبنان عرضة للقتل والصدمات النفسية

طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)
طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)
TT

أطفال لبنان عرضة للقتل والصدمات النفسية

طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)
طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)

أصبح خبر مقتل أطفال في لبنان بشكل يومي في غارات تنفذها إسرائيل بحجة أنها تستهدف عناصر ومقرات وأماكن وجود «حزب الله»، خبراً عادياً يمر مرور الكرام، حتى بعد تحذير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من أن أكثر من ثلاثة أطفال يقتلون يومياً، ومن أن أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان، في غضون شهرين نتيجة الحرب المستمرة منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

وتتعاطى إسرائيل مع مقتل الأطفال والمدنيين على أنه «خسائر جانبية»، فتراها في حال حصلت على معلومات عن وجود شخصية معينة من «حزب الله»، في مبنى معين، تُقدم على نسف المبنى كله، غير آبهة بالمدنيين والأطفال الموجودين فيه.

اضطرابات نفسية

وفي مواقف أدلى بها مؤخراً، استهجن المتحدث باسم «اليونيسف»، جيمس إلدر، من أنه «رغم مقتل أكثر من 200 طفل في لبنان في أقل من شهرين، فإن اتجاهاً مقلقاً يبرز ويظهر أنه يجري التعامل دون مبالاة مع هذه الوفيات من جانب هؤلاء القادرين على وقف هذا العنف».

وبحسب المنظمة الدولية فإن «مئات الآلاف من الأطفال أصبحوا بلا مأوى في لبنان، كما أن علامات الاضطراب النفسي أصبحت مقلقة وواضحة بشكل متزايد».

وتشير الدكتورة باسكال مراد، اختصاصية علم النفس والاجتماع، إلى أن «مغادرة مئات الآلاف من الأطفال منازلهم، وتهجير وتشريد قسم كبير منهم؛ يجعلهم يفتقدون للأمان. كما أن فقدانهم أفراداً من عائلاتهم أمام أعينهم، ومعايشتهم الخطر والدمار والقتل اليومي؛ يترك لا شك تداعيات نفسية كبيرة عليهم يفترض الالتفات لمعالجتها بأقرب وقت».

رجل يخلي طفله من مكان قريب من موقع استهداف إسرائيلي لمنطقة رأس النبع في بيروت (رويترز)

وتشدد باسكال مراد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «من أبرز التحديات عند الأطفال راهناً هي تعليمهم كيفية إدارة انفعالاتهم الصعبة، مثل الخوف والقلق والغضب. فهذه الإدارة إذا لم تتحقق، فسيعاني الأطفال في المستقبل من مشاكل نفسية إذا لم تعالج الصدمات التي يعايشونها»، لافتة إلى أنه «لا يجب أن ننسى أيضاً الآثار الصحية للحرب على الأطفال، خصوصاً التلوث الناتج عن التفجيرات والأسلحة المستعملة، إضافة إلى أنهم سيكونون أكثر عرضة للأمراض والفيروسات في مراكز الإيواء».

ويعاني آلاف النازحين الموجودون في مراكز الإيواء، والعدد الأكبر منهم من الأطفال، من البرد وغياب مستلزمات التدفئة مع حلول فصل الشتاء، كما يفتقرون للملابس الملائمة بعد هربهم من منازلهم من دون التمكن من جمع أغراضهم.

التعليم بطعم الحرب

كما أنه رغم الخطة التي وضعتها وزارة التربية بدعم من «اليونيسف» لإعادة نحو 387 ألف طفل في لبنان تدريجياً إلى 326 مدرسة رسمية، لم يتم استخدامها لإيواء النازحين ابتداء من مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فإن العام الدراسي لا يسير بشكل طبيعي عند كل طلاب لبنان، بحيث يدرس قسم كبير منهم على وقع الغارات وخرق الطيران الإسرائيلي لجدار الصوت في كل المحافظات كما يجري التدريس على وقع هدير الطائرات المسيرة التي تملأ الأجواء اللبنانية.

وتقول إحدى معلمات صفوف الروضة في مدرسة تقع بمنطقة الحازمية المتاخمة للضاحية الجنوبية لبيروت، التي تتعرض لقصف دائم: «نقول للأطفال إن دوي الانفجارات هو صوت رعد نتيجة حلول فصل الشتاء، ونعمد لوضع أغانٍ تهدئ من روعهم. القسم الأكبر منهم اعتاد الوضع، في حين بعضهم الآخر يجهش بالبكاء كل مرة».

وتشير المعلمة الأربعينية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة الأكبر نواجهها مع الأهالي الذين يتهافتون عند كل غارة لسحب أبنائهم من الصفوف، ما يجعل الوضع التعليمي غير طبيعي على الإطلاق».

وتشدد الناشطة السياسية والدكتورة في علم النفس بالجامعة اللبنانية في بيروت، منى فياض، على أنه «أياً كانت الظروف، لا يمكن وقف التعليم ويفترض على وزارة التربية أن تؤمن التعليم للجميع حتى ولو في خيم».

وعدّت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض التلاميذ الذين لا يستطيعون التوجه إلى المدرسة نتيجة الحرب لا شك سيتأثرون نفسياً إذا رأوا تلاميذ آخرين يداومون بشكل يومي، لكن هذه التأثيرات محصورة بأعمار كبيرة معينة بحيث سيشعر هؤلاء بعقدة نقص وإهمال، وانعدام العناية، لكن الخطورة الحقيقية هي على مستقبل الأجيال، ففي العالم العربي نحو 75 مليون أمّي نتيجة الحروب واللجوء، وكل حرب جديدة ترفع الأعداد مئات الآلاف. من هنا الخطورة على مستقبل العالم العربي ومستقبل لبنان الذي كانت لديه نسبة كبيرة من المتعلمين منتشرة في كل أنحاء العالم بمستويات وخبرات ممتازة».

أطفال فروا من القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان يحضرون ورشة رسم داخل أحد مراكز الإيواء في بيروت (أ.ف.ب)

وتتحدث منى فياض عن «خشية حقيقية من أن يؤدي التسرب المدرسي إلى الانحراف»، مشددة على وجوب القيام بـ«حملات على المؤثرين للضغط والتصدي لسيناريو مثل هذا، وتأمين التعليم للجميع أياً كانت الظروف القائمة».