غضب عارم في العراق بعد رفع أسعار وقود السيارات

الحكومة بررت القرار بتخفيف الزحام... وخبراء يقولون إن «الديون الخارجية هي السبب»

ازدحام وسط العاصمة العراقية بغداد (أ.ف.ب)
ازدحام وسط العاصمة العراقية بغداد (أ.ف.ب)
TT

غضب عارم في العراق بعد رفع أسعار وقود السيارات

ازدحام وسط العاصمة العراقية بغداد (أ.ف.ب)
ازدحام وسط العاصمة العراقية بغداد (أ.ف.ب)

رغم الرضا النسبي الذي تحصلت عليه حكومة محمد شياع السوداني، خلال السنة الأخيرة، خصوصاً بعد أن وظفت أكثر من 800 ألف موظف في القطاع العام، وحملتها المتواصلة لفك الاختناقات المرورية في العاصمة، فإن بوادر موجة غضب عارمة تلوح في الأفق جراء قرار زيادة أسعار وقود السيارات الذي أقره مجلس الوزراء، أول من أمس (الثلاثاء).

ورفعت الحكومة سعر اللتر الواحد من البنزين المحسن (عالي الأوكتان) من 650 ديناراً (نحو 50 سنتاً) إلى 850 ديناراً، وللبنزين الممتاز من 1000 دينار إلى 1250 ديناراً للتر الواحد، اعتباراً من 1 مايو (أيار) المقبل.

ورغم أن الحكومة أبقت أسعار الوقود العادي البالغة 450 دينار للتر الواحد، في محاولة لعدم التأثير على أصحاب سيارات الأجرة والمواطنين قليلي الدخل، لكن ذلك لم يحل دون تعرضها لموجة غضب عارمة.

ويلجأ عدد غير قليل من أصحاب سيارات الأجرة وغيرهم إلى التزود بالوقود المحسَّن بين فترة وأخرى، بالنظر لرداءة الوقود العادي وتأثيره السلبي على محركات السيارات.

وقبل ذلك بأيام، أثارت غرامات مالية فرضتها «كاميرات ذكية» على بعض التقاطعات المرورية في بغداد المزيد من مشاعر الغضب وعدم الرضا.

وغالباً ما يتسبب الغضب الشعبي بتراجع حظوظ رئيس الوزراء الانتخابية؛ ما يعني إمكانية تراجع السوداني عن قرار زيادة سعر الوقود، أو أن يواجه تداعياته المحتملة، بحسب مراقبين.

وقال قاسم السنجري، وهو صحافي ومدون، تعليقاً على قرار الرفع، إن «السوداني لم يرفع أسعار البنزين، إنما صب الوقود على حكومته وأحرقها».

وفي مقابل الأسباب التي قدمتها الحكومة لزيادة أسعار الوقود للمساهمة في فك الاختناقات المرورية الشديدة في بغداد إلى جانب إجراءات أخرى، رأى خبراء أن وراء القرار أسباباً «باطنية» تتعلق بالخسائر التي تتكبدها الدولة جراء دعم أسعار الوقود، إلى جانب اشتراطات وضغوط تمارسها مؤسسات مالية دولية للضغط على العراق ليتراجع عن دعم السلع والخدمات التي تثقل كاهل اقتصاده المثقل أصلاً، الذي ينوء بأحمال ديوان مالية خارجية وداخلية ضخمة تُقدَّر بأكثر من 70 مليار دولار، بحسب بعض المختصين.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي، إن «تكلفة استيراد البنزين المحسَّن عام 2022 تساوي 1700 دينار لكل لتر، وتعادل تكلفة استيراد البنزين العادي 900 دينار لكل لتر»، في إشارة إلى أن الدولة تخسر 1050 ديناراً عن كل لتر محسَّن، وتخسر 450 ديناراً عن كل لتر وقود عادي، حيث يُباع للمستهلك بـ450 ديناراً.

ويضيف المرسومي أن «أسعار البنزين ترتبط بدرجة كبيرة بأسعار النفط الخام؛ إذ بلغ سعر لتر البنزين المحسن عام 2021 نحو ألف دينار، ما أدى إلى تحمل العراق لخسارة سنوية مقدارها أكثر من مليار دولار لدعم سعر البنزين المحسن داخلياً».

ساحة في بغداد (مواقع التواصل)

فواتير جديدة

وقال الباحث سليم سوزة، في تدوينة عبر «فيسبوك»، إن «زيادة أسعار البنزين في العراق (وربما قريباً زيادة أسعار فواتير الماء والكهرباء والمجاري والخدمات الأخرى حسبما سمعت) لها أسباب محلية داخلية وأخرى خارجية تتعلّق باشتراطات النقد الدولي وحجم الديون والمساعدات العالمية للعراق».

ويضيف سوزة إلى «الأسباب الداخلية لمثل هذه التغييرات، كقضية رفع أسعار البنزين حصراً إلى جانب تغيير ساعات العمل الصباحية للمؤسسات الحكومية، والحد من ازدحامات الطرق وفك الاختناقات المرورية اليومية في بغداد وبقية المحافظات العراقية، وهذا أمر مفهوم».

وتابع سوزة: «الأسباب الخارجية هي الأهم، حيث وصل حجم ديون العراق الحالية إلى 70 مليار دولار حسب تصريحات مستشاري الحكومة الحالية، وما لم يتخذ العراق خطوات واضحة في تحرير الاقتصاد ورفع يد الدولة عن دعم الخدمات في البلد، فلن تعطي هذه المؤسسات المالية الدولية قروضاً جديداً له».

وسمعت أصداء الرفع المفاجئ لأسعار الوقود في البرلمان العراقي، وقال عضو لجنة الخدمات أحمد مجيد، في تصريحات صحافية، إن «القرار يأتي من باب بحث الحكومة عن إيرادات لتعزيز خزينة الدولة»، ورأى أن «القرار أزعج الشارع العراقي».

وأضاف مجيد أن القرار عَدّ من يستخدم البنزين المحسن والممتاز هم فقط من أصحاب الدخل الجيد، وهذا خطأ.

وجهت عضوة لجنة النزاهة النيابية، سارة الصالحي، اليوم الأربعاء، كتاباً رسمياً إلى مجلس النواب تطالب فيه بتشكيل لجنة نيابية خاصة للتحقيق في أسباب رفع أسعار البنزين، وتأثيراته على المواطنين.

وتركز معظم الاتجاهات المعارضة لرفع أسعار الوقود إلى أن «الحكومة أخفقت في مجالات عديدة، ومنها عدم قدرتها على إعادة الحياة لدور قطاع النقل العام في حل مشكلة الاختناقات المرورية».

وكان رئيس الوزراء محمد السوداني أعلن، في وقت سابق، أن العراق سيوقف عمليات استيراد الوقود منتصف العام المقبل بعد استكمال بناء المصافي في بيجي وكربلاء ووصول إنتاجها إلى طاقته القصوى.

يُشار إلى أن العراق تقدم، في يناير (كانون الثاني) 2024، مرتبة واحدة في قائمة أرخص دول العالم بأسعار البنزين ليصل للمرتبة 13، بحسب بيانات موقع «غلوبال بترول بريس».


مقالات ذات صلة

القضاء الأميركي يمنح 3 من معتقلي «أبو غريب» السابقين 42 مليون دولار

الولايات المتحدة​ أحد المعتقلين يظهر داخل زنزانة انفرادية خارجية وهو يتحدث مع جندي في سجن أبو غريب بالعراق (أ.ب)

القضاء الأميركي يمنح 3 من معتقلي «أبو غريب» السابقين 42 مليون دولار

أصدرت هيئة محلفين أميركية، اليوم (الثلاثاء)، حكماً بمنح 42 مليون دولار لثلاثة معتقلين سابقين في سجن أبو غريب العراقي سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق د. جعفر الجوثري يحمل صور الأقمار الاصطناعية ويستكشف موقع معركة القادسية (أ.ب)

في العراق... صور الأقمار الاصطناعية تقود علماء الآثار إلى موقع معركة تاريخية

قادت صور الأقمار الاصطناعية التي تم رفع السرية عنها والتي تعود إلى سبعينات القرن العشرين فريقاً أثرياً بريطانياً - عراقياً إلى ما يعتقدون أنه موقع معركة قديمة.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الأعرجي مع قائد «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي (صفحة الأعرجي على إكس)

مستشار الأمن القومي العراقي يكرر رفض بلده استهداف دول الجوار عبر أراضيه وأجوائه

أعاد مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، الثلاثاء، التذكير بموقف بلده الثابت برفض استخدام أراضيه وأجوائه لاستهداف دول الجوار.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مركب سياحي في البصرة (أ.ف.ب)

بغداد ترفض طلباً كردياً بتأجيل التعداد السكاني في المناطق «المتنازع عليها»

رفضت الحكومة المركزية في بغداد طلباً لحكومة إقليم كردستان بتأجيل إجراء التعداد السكاني في المناطق «المتنازع عليها» إلى موعد لاحق.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي وزيرة الهجرة العراقية إيفان فائق مع السفير اللبناني في بغداد (موقع الوزارة)

تضارب في الأرقام الرسمية للنازحين اللبنانيين إلى العراق

تضاربت الأرقام الرسمية بشأن أعداد النازحين اللبنانيين الذين وفدوا إلى العراق هرباً من الحرب الدائرة في بلادهم، وتراوحت بين 18 و36 ألفاً.

فاضل النشمي (بغداد)

الأمم المتحدة تندد بـ«أعمال تذكّر بأخطر الجرائم الدولية» في قطاع غزة

فلسطينيون يتجمعون على أنقاض مبنى دمرته غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتجمعون على أنقاض مبنى دمرته غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة تندد بـ«أعمال تذكّر بأخطر الجرائم الدولية» في قطاع غزة

فلسطينيون يتجمعون على أنقاض مبنى دمرته غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتجمعون على أنقاض مبنى دمرته غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

ندّدت مسؤولة أممية رفيعة، اليوم (الثلاثاء)، بـ«وحشية يومية» تواجه سكان قطاع غزة المحاصر، الذي تقصفه إسرائيل، واصفة ما يجري هناك بـ«أعمال تذكّر بأخطر الجرائم الدولية».

وتحدثت جويس مسويا التي تتولى بالوكالة رئاسة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في مداخلة أمام مجلس الأمن الدولي، عن أن مدنيين طردوا من منازلهم و«اضطروا لمشاهدة أفراد أسرهم يُقتلون ويُحرقون ويُدفنون أحياء» في غزة التي وصفتها بأنها «أرض أنقاض قاحلة»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتساءلت: «ما الاحتياطات التي تم اتخاذها، إذا كان أكثر من 70 في المائة من مساكن المدنيين إما متضررة أو مدمرة؟». وتابعت: «نحن نشهد أعمالاً تذكرنا بأخطر الجرائم الدولية».

وشدّدت على أن «الوحشية اليومية التي نشهدها في غزة لا حدود لها».

تأتي تصريحات مسويا في خضم حملة إسرائيلية في شمال غزة وصفتها بأنها «نسخة مكثّفة ومتطرّفة ومتسارعة من أهوال العام الماضي».

انصب التركيز في الاجتماع الذي تحدثت فيه مسويا على تقرير أعد بدعم من الأمم المتحدة صدر مؤخراً، وحذّر من أن «احتمال حدوث المجاعة وشيك وكبير بسبب التدهور السريع للوضع في قطاع غزة».

وتُمنع المساعدات على نحو روتيني من دخول القطاع، وقد اتّهمت منظمة أوكسفام الخيرية الدولية لمكافحة الفقر إسرائيل في نهاية الأسبوع باستخدام «التجويع كسلاح حرب».

وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن شهر أكتوبر (تشرين الأول) شهد دخول الكمية الأقل من المساعدات إلى غزة هذا العام، على الرغم من إعلان إسرائيل الثلاثاء فتح معبر جديد لدخول المساعدات إلى القطاع.

وتسبب هجوم «حماس» غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بمقتل 1206 أشخاص غالبيتهم مدنيون، حسب إحصاء لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» يستند إلى أرقام إسرائيلية رسمية تشمل رهائن ماتوا أو قتِلوا في الأسر في غزة.

وخلال الهجوم، خطف المسلحون 251 شخصاً، لا يزال 97 منهم في غزة، بينهم 34 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم ماتوا.

وتردّ إسرائيل مذّاك بقصف مدمّر وعمليات برّية في قطاع غزة ما أسفر عن مقتل 43665 شخصاً، غالبيتهم مدنيون، وفقاً لأرقام وزارة الصحة التابعة لحركة «حماس» في قطاع غزة.