أقلام الريحاني وجبران ونعيمة تزيّن «الحي السوري» في مانهاتن

«شعراء في الحديقة» أول نصب تذكاري عربي على أرض عامة أميركية

مجسم للنصب التذكاري العربي الرئيسي في نيويورك
مجسم للنصب التذكاري العربي الرئيسي في نيويورك
TT

أقلام الريحاني وجبران ونعيمة تزيّن «الحي السوري» في مانهاتن

مجسم للنصب التذكاري العربي الرئيسي في نيويورك
مجسم للنصب التذكاري العربي الرئيسي في نيويورك

إلى مسافة خطوات فحسب من المكان الذي كانه شارع واشنطن في «الحي السوري» عند الطرف الغربي السفلي من ضاحية مانهاتن في نيويورك، تعيد حفنة من اللبنانيين والأميركيين كلاً من جبران خليل جبران وأمين الريحاني وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي وأمثالهم من المهجريين الكبار، إلى مدينة العالم.

كيف ذلك؟

بعد جهود ومفاوضات من «جمعية شارع واشنطن التاريخي» استمرت لأكثر من عقد انتهت أخيراً بتوفير مبلغ مالي كبير، وافقت مدينة نيويورك على إقامة أول نصب تذكاري عربي على أرض عامة أميركية باسم «القلم: شعراء في الحديقة» للحي الذي درج اللبنانيون والعرب والأميركيون على تسميته «ليتل سوريا» (سوريا الصغرى)، تكريماً للشعراء والكتاب من «الشتات السوري» في ساحة إليزابيث بيرغر، القريبة من شارع واشنطن. يقع تحديداً بين اثنتين من الوجهات الأكثر ارتياداً في الضاحية الشهيرة: النصب التذكاري لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) وشارع وول ستريت. سيجذب انتباه الملايين من سكان نيويورك والزوار الذين يعبرون المنطقة كل عام.

وكان هذا الإنجاز العربي مدعاة للاحتفال الذي استضافه القائم بأعمال البعثة اللبنانية لدى الأمم المتحدة هادي هاشم الذي فتح الأبواب للعشرات من أبناء الجاليات اللبنانية والسورية والعربية.

جانب من خلفية المقاعد الخاصة بالنصب التذكاري العربي الأول في مانهاتن

لماذا «الحي السوري»

وما كان ذلك ليكون أيضاً لولا الحنين إلى الذخائر الأدبية والشعرية التي أنتجها الريحاني وجبران ونعيمة وأبو ماضي وكذلك نسيب عريضة ورشيد أيوب وعبد المسيح حداد وندرة حداد وأمين مشرق وآخرون منذ أن نزلوا إلى المكان الذي كان موطناً للمجتمع الأول والأكبر للناطقين باللغة العربية في الولايات المتحدة. هناك كان «الحي السوري»، الذي أنشأه مهاجرون معظمهم من لبنان وبعضهم من سوريا في الثمانينات من القرن التاسع عشر. لم تكن استقرت بعد خرائط العالمين القديم والجديد، ليس فقط في سوريا التي كانت جغرافيتها تشمل سوريا الحالية إلى لبنان وبعض الأردن ولبنان وفلسطين والعراق، بل أيضاً في أوروبا. أجداد اللبنانيين هاجروا إلى أميركا، لا فرق إن حطوا رحالهم و«كشّاتهم» وأقلامهم في الولايات المتحدة أو البرازيل أو الأرجنتين، وهلم جراً في القارة المترامية الأطراف.

عرض تجريدي للنص العربي

الحنين إياه إلى مؤسسي «الرابطة القلمية»، كان الدافع الذي أدى إلى إنشاء «جمعية شارع واشنطن التاريخي» قبل زهاء عشر سنين (2013)، في سعي إلى تخليد هؤلاء العظماء في هذا المكان: «الحي السوري» الذي كان، طبقاً لمؤلفة كتاب «غرباء في الغرب: مستعمرة نيويورك السورية، 1880 - 1900» (2015) للباحثة والكاتبة ليندا جاكوبس، مركزاً حيوياً للتجارة والدين والأدب والحياة الاجتماعية. وفي عزّ ازدهارها في العقد الأول من القرن العشرين، كان «الحي السوري» لنحو 2000 مواطن، أكثرهم لبنانيون. بقيت قصتهم «منسية إلى حد كبير» حتى الاحتفال عام 2011 بالذكرى المئوية لنشر كتاب «خالد» لأمين الريحاني، الذي عاش في شارع واشنطن. وكان «خالد» الكتاب الأول باللغة الإنجليزية لأميركي عربي.

نماذج للموزاييك الزجاجي الذي سيزين النصب التذكاري في مانهاتن

الشغف بالفكرة وبالإنجاز الذي بات الآن على وشك الانتهاء، بعد توفير تمويل من منحة كبيرة قدمتها مؤسسة «ميلون» الخيرية الأميركية، كثّف الاستعدادات للكشف عن تفاصيل النصب التذكاري الذي سينجز تماماً عام 2025، متضمناً مقتطفات من كتابات تسعة شعراء، وعمل صممته الفنانة المغربية الفرنسية سارة أوهادو، مع مقعدين حجريين طويلين في الحديقة يضاف إليهما ظهران يعرضان لمقتطفات من أعمال الكتّاب بتصميم تجريدي ابتكرته الفنانة أوهادو. وتتكون المقاعد من فسيفساء زجاجية أنيقة ذات ألوان مشبعة عميقة على خلفية ذهبية، بما يعزز جمال المساحات الخضراء في الحديقة. أما محور العمل الفني فهو عبارة عن منحوتة ستوضع على الهضبة المركزية للحديقة، وهي عرض تجريدي للنص العربي.

مانح مجهول

ومع ذلك، تستوجب الشروط التي وضعتها مدينة نيويورك إنشاء صندوق حفظ بقيمة 200 ألف دولار أميركي لصيانة العمل الفني، وهذا ما دفع مانحاً مجهولاً إلى التزام مطابقة مائة في المائة من كل دولار يجمع، حتى أول مائة ألف دولار.

أوضحت جاكوبس أن تطبيق الواقع المعزز سيسمح للزائر بتوجيه هاتفه إلى أي جزء من العمل الفني وقراءة الترجمات باللغتين العربية والإنجليزية، أو السيرة الذاتية للكاتب، أو مقالات حول النتاج الأدبي للمجتمع العربي في «الحي السوري»، مضيفة في الاحتفال أن هناك تطبيقاً إضافياً صار موجوداً بالفعل، وهو يأخذ الزائر في جولة افتراضية في الحي التاريخي.

وخلال الاحتفال الذي أقيم احتفاء بالإنجاز الثقافي العربي، أعاد القائم بأعمال القنصلية اللبنانية العامة في نيويورك مجدي رمضان إلى الذاكرة كيف أن معظم الأشخاص الذين غادروا لبنان منذ عام 1860 وركبوا البحر إلى «العالم الجديد»، لافتاً إلى أنهم في تلك السنين «لم يعرفوا أنهم انطلقوا في رحلة وليس مجرد سفرة. رحلة من شأنها أن تغير حياتهم وحياة عائلاتهم في الوطن». ربما لم يدركوا «مدى إثراء هذه الرحلات لثقافة الولايات المتحدة وتاريخها، وإضافة قيمة لاقتصادها».

في وقت طارت فيه شهرة «الرابطة القلمية» وشعرائها وأدبائها إلى كل أنحاء المعمورة، بقيت بعض السرديات الأخرى غير مسجلة كيفية وصول اللبنانيين إلى هذا الحي، حيث بنوا سبل عيشهم وإنشائهم للأعمال التجارية وغيرها من النشاطات. تسعى «جمعية شارع واشنطن التاريخي» إلى «الحفاظ على تراث هؤلاء، وسرد قصصهم ليس فقط لأنهم لبنانيون، بل أيضاً لأنها قصة هذه المدينة العظيمة وأجزاء لا تتجزأ من تاريخ هذه الأمة»، وفقاً لرمضان، وهو عضو في مجلس أمنائها.


مقالات ذات صلة

دراسة: الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد أفضل من البشر

تكنولوجيا غالبية القُرَّاء يرون أن الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد شعر أفضل من البشر (رويترز)

دراسة: الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد أفضل من البشر

أكدت دراسة جديدة أن قصائد الشعر التي تكتب بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي أفضل من تلك التي يكتبها البشر.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
ثقافة وفنون «اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر» عنوان لافت لمختارات نقلها عن الأردية المترجم هاني السعيد للشاعر الباكستاني أفضال أحمد سيد الذي يُعد أحد رواد قصيدة النثر في باكستان.

رشا أحمد (القاهرة)
يوميات الشرق الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة (صور الفنانة)

جاهدة وهبة «تعيش مع الضوء» وتجول العواصم بصوتها دعماً للبنان

كان لا بد أن تعود الأغنية لتنبض في حنجرة جاهدة وهبة بعد صمت صدمة الحرب. وها هي الفنانة اللبنانية تحمل أغنيتها وتجول العواصم الأوروبية والعربية رافعةً صوت وطنها.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون الشعر حين يتحول إلى فعل مقاومة

الشعر حين يتحول إلى فعل مقاومة

يحتضن الشاعر المصري كريم عبد السلام، فلسطين، في ديوانه الذي وسمه باسمها «أكتب فلسطين - متجاهلاً ما بعد الحداثة»، ويكشف أقنعة المواقف والسياسات المتخاذلة.....

جمال القصاص
ثقافة وفنون قصيدتان

قصيدتان

متحف العائلة رغم رحيلها لم تخسر الفتاة غرفتها في بيت العائلة المزدحم لم تسمح الأم أن يتوارث الباقون مكانها، حولت غرفتها إلى متحف: احتفظت بالبوسترات…


رؤساء وزراء سابقون يدخلون على خط التصعيد الإسرائيلي ضد العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
TT

رؤساء وزراء سابقون يدخلون على خط التصعيد الإسرائيلي ضد العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)

بينما يحاول رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ووزير خارجيته فؤاد حسين، العمل للحيلولة دون توجيه ضربة إسرائيلية إلى العراق، تتناقض مواقف القوى السياسية العراقية. ففي وقت أعلن البرلمان العراقي أنه سوف يعقد الاثنين جلسة مغلقة لمناقشة التهديدات الإسرائيلية، خرقت بعض الفصائل المسلحة الموالية لإيران جدار الصمت الذي التزمت به طوال الأيام الماضية باستئنافها التهديد ضد إسرائيل بالتزامن مع دخول رئيسَي الحكومة السابقين حيدر العبادي وعادل عبد المهدي على خط التصعيد.

السوداني خلال كلمة له في الذكرى المئوية لتأسيس وزارة الخارجية قال إن «العراق دعا مبكراً إلى تكثيف الجهود لإنهاء الحرب في فلسطين ولبنان وحماية المدنيين، والعمل على عدم اتساع نطاق الحرب»، مشيراً إلى أن «الكيان الصهيوني هدد العراق بذرائع واهية تكشف عن نياته العدوانية؛ ما استلزم منا التأكيد على عدم جعل العراق منطلقاً لأي هجوم». وفي مسعى منه لتجنيب العراق المواجهة المحتملة مع إسرائيل، أكد السوداني أنه وجّه «وزارة الخارجية بمتابعة ملف التهديد الصهيوني بالمحافل الدولية لمنع محاولات الكيان إشعال الحرب في المنطقة بشكل أكبر».

عين العاصفة

وبينما خرقت الفصائل المسلّحة جدار الصمت طوال الأيام الماضية بعد تهديدات إسرائيلية بدت جادة هذه المرة لتوجيه ضربة ضد العراق، فقد دخل رؤساء وزراء سابقون على خط التعبير عن المخاوف من إمكانية حصول هذه الضربة والمآلات التي يمكن أن تنتهي إليها.

وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي إن «اللحظة الإقليمية والدولية لحظة تحوّلية خطيرة وخطرة، وعراقنا في عين العاصفة».

صورة للأمين العام السابق لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل مرفوعة في أحد شوارع بغداد (أ.ف.ب)

وقال العبادي في تدوينة له على منصة «إكس» إن «العراق قادر على الخروج منها أقوى وأكثر تماسكاً، ولقد برهن العراقيون على قدرتهم وشجاعتهم في مواجهة التحديات الوجودية في الماضي القريب، ويمكنهم فعل ذلك مرة أخرى». غير أن العبادي حذّر مما أسماه «ثلاث خطايا وهي: الانقسام السياسي على مستوى السياسات والقرارات الوطنية. والسماح للمغامرين بقيادة السياسات والقرارات الوطنية. والانحياز الجبهوي في السياسات والقرارات الوطنية لصالح أحد المحاور المتصارعة بالضد من المصلحة الوطنية العراقية». وأضاف العبادي: «رسالتي للسّاسة: علينا رفض الروح الانهزامية، وعلينا بوحدة الصف وعقلانية السياسة وواقعية القرار».

من جهته، قال رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي في تدوينة له إن «العراق والمنطقة - كانا وما زالا - في صلب (بلفور) و(سايكس - بيكو)»، مبيناً أن «ترتيبات وجودية وسيادية ومستقبلية ندفع عالياً أثمانها، فلا انهزام، ولا هروب من مواجهتها، ولا وقوف على التل»، على حد قوله.

إلى ذلك، حددت الفصائل المسلحة طبيعة الرد المحتمل في حال وجهت إسرائيل ضربات إلى العراق جرى تداول العديد من الأهداف المفترضة لها داخل العراق. وقال مصدر لأحد الفصائل المسلحة في تصريحات صحافية إن الفصائل تؤكد أن «التهديد الصهيوني باستهداف بغداد ليس مفاجئاً، وهو متوقع منذ أشهر، ونحن في جهوزية تامة لأي سيناريو من الآن». وأضاف: «طبيعة الرد على أي عدوان يطال بغداد ستحددها تنسيقية فصائل المقاومة، ولكن في كل الأحوال سيكون هناك رد مضاعف، لكن طبيعة الأهداف التي سيتم توجيه الضربات إليها ستختلف حتماً».

وأشار المصدر إلى أن «الرد لن يطال الكيان بل حلفاءه، وهذه رسالة قلناها من قبل ونكررها؛ لأنه لن يكون بمقدور المحتل ضرب بغداد دون دعم معلوماتي وفني من أميركا وغيرها، ومستعدون لنقل المعركة إلى مستويات أكبر». وبيّن أنه «إذا لم تنتهِ حرب الإبادة في فلسطين ولبنان ستبقى مسيّراتنا تضرب الكيان المحتل، ولن نتراجع عن موقفنا المبدئي مهما كانت الضغوط والتضحيات».