لماذا تعد آيرلندا من أكثر الدول الداعمة للفلسطينيين في العالم؟

مظاهرة لدعم الفلسطينيين في آيرلندا (رويترز)
مظاهرة لدعم الفلسطينيين في آيرلندا (رويترز)
TT

لماذا تعد آيرلندا من أكثر الدول الداعمة للفلسطينيين في العالم؟

مظاهرة لدعم الفلسطينيين في آيرلندا (رويترز)
مظاهرة لدعم الفلسطينيين في آيرلندا (رويترز)

لطالما كانت آيرلندا من أكثر الدول المؤيدة لفلسطين في العالم، الأمر الذي أرجعه الكثيرون إلى تعرض الآيرلنديين في الماضي للقمع والاستعمار من قبل البريطانيين، ما جعلهم يشعرون بمعاناة الشعب الفلسطيني مع بطش الاحتلال الإسرائيلي.

وحتى عام 1921، كانت ما تعرف الآن بجمهورية آيرلندا مستعمرة بريطانية. ويقول العديد من الآيرلنديين إن تجربتهم مع الاحتلال البريطاني، فضلاً عن صراعهم الطائفي والمجاعة التي عانوا منها في القرن التاسع عشر، تمنحهم التعاطف مع النضال الفلسطيني، بحسب شبكة «إن بي آر» الأميركية.

وفي عام 1980، أصبحت آيرلندا أول عضو في الاتحاد الأوروبي يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية. وكانت أيضاً آخر دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تمنح الإذن، في عام 1993، لإسرائيل بفتح سفارة على أراضيها. وقد وجّه الساسة الآيرلنديون بعضاً من أشد الانتقادات الأوروبية لإسرائيل خلال الحرب المستمرة في غزة.

وأمس (الأحد)، انتقد رئيس الوزراء الآيرلندي ليو فاردكار، قيام الولايات المتحدة بإمداد إسرائيل بالأسلحة، وطالبها بإيقاف تلك الإمدادات.

والشهر الماضي، قال وزير الخارجية الآيرلندي، مايكل مارتن، إن العالم «مصدوم» من مستوى «اللاإنسانية» في غزة.

وانضمت آيرلندا أيضاً إلى إسبانيا في مطالبة الاتحاد الأوروبي بمراجعة اتفاقيته التجارية مع إسرائيل، بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.

وقالت السفيرة الفلسطينية لدى آيرلندا، جيلان وهبة عبد المجيد، في مقابلة مع «إن بي آر» في مكتبها: «أجد دائماً أبواباً مفتوحة وقلوباً مفتوحة لنا في آيرلندا. مسؤولو الحكومة الآيرلندية يستمعون لنا ولقضيتنا جيداً. إنهم على استعداد حقاً للمساعدة، ووزير الخارجية الآيرلندي يقوم سنوياً بزيارة فلسطين».

مظاهرة داعمة لفلسطين في دبلن (رويترز)

وتقول سيدة فلسطينية تدعى فاتن التميمي، هاجرت إلى آيرلندا في عام 1988، إنها منذ هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والقصف الإسرائيلي العنيف على غزة الذي أعقب ذلك، تلقت دعماً كبيراً من الشعب الآيرلندي.

وأوضحت قائلة: «حين أسير بالشارع وأنا أرتدي الشال الفلسطيني تطلق السيارات أبواقها تعبيراً عن دعمهم للقضية الفلسطينية، ويهتف البعض: (فلسطين حرة)».

وتقول كيرستن فاريلي، الناشطة في مجموعة «أمهات ضد الإبادة الجماعية»، التي تنظم مظاهرات أسبوعية خارج السفارة الإسرائيلية في دبلن: «كل الندوب التي تركها فينا الاحتلال البريطاني تنفتح عندما نرى ما يحدث للفلسطينيين».

معاناة مشتركة

قبل ما يزيد قليلاً عن قرن من الزمان، كانت آيرلندا وفلسطين تحت السيطرة البريطانية. وقد خدم العديد من نفس المسؤولين الاستعماريين البريطانيين في كلا المكانين، وتركوا انطباعاً سيئاً جداً لدى السكان المحليين.

ومن أبرز أولئك المسؤولين، رئيس الوزراء البريطاني السابق آرثر بلفور، صاحب «إعلان بلفور» عام 1917، وهو عبارة عن رسالة من 67 كلمة وجّهها إلى ليونيل روتشيلد، وهو بريطاني صهيوني بارز، يدعم فيها «إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين».

ويُنظر إلى الوثيقة على أنها عامل أساسي ساهم في قيام دولة إسرائيل عام 1948، وهو ما أدى أيضاً إلى تهجير 750 ألف فلسطيني وإلى صراع مستمر منذ عقود بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن قبل إعلانه الشهير، عمل بلفور في ثمانينات القرن التاسع عشر سكرتيراً في مجلس الوزراء البريطاني لشؤون آيرلندا. وفي عام 1885، عارض الحكم الذاتي لآيرلندا، وساعد خلافه مع زملائه حول هذه القضية في النهاية على الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء في ذلك الوقت.

وفي عام 1887، أمر بلفور الشرطة بفتح النار على المتظاهرين في ميتشلستاون بآيرلندا، مما أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص، ليُعرف بلفور بعد ذلك بين الآيرلنديين بلقب «بلفور الدموي».

بالإضافة إلى ذلك، فقد عانى الشعبان مع مجموعة وحشية تابعة للشرطة البريطانية كانت تعرف باسم «the Black and Tans».

واشتهرت هذه المجموعة بقتل المدنيين الآيرلنديين في أوائل القرن العشرين. وبعد الاستقلال الآيرلندي، انتشرت في فلسطين تحت الانتداب البريطاني، حيث مارسوا السلطة الاستعمارية على السكان العرب هناك.

ويرى العديد من الآيرلنديين أيضاً أوجه تشابه بين الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وعقود من القتال الكاثوليكي - البروتستانتي في آيرلندا الشمالية، والذي انتهى باتفاق سلام عام 1998.

دعم بالفن والموسيقى

ظهر الدعم الآيرلندي لفلسطين جلياً في الفن والموسيقى، فلطالما أكدت فرقة الهيب هوب «نيكاب» دعمها للقضية الفلسطينية، وألفت فرقة الروك المستقلة «ذا شان فانز» أغاني عن القضية باللغة الآيرلندية.

وانسحبت جميع الفرق الآيرلندية من مهرجان الموسيقى والفنون «SXSW»، الذي يقام في أوستن بتكساس الأميركية، احتجاجاً على رعاية الحدث من قبل الجيش الأميركي وتضامناً مع فلسطين.

لوحة مؤيدة لفلسطين على «الجدار الدولي» الشهير في بلفاست (رويترز)

علاوة على ذلك، فقد أنشأ بعض أكثر الممثلين والكتّاب شهرة في آيرلندا، بمن في ذلك سالي روني وآنا بيرنز وسيوبهان ماكسويني، مجموعة تسمى «الفنانين الآيرلنديين من أجل فلسطين»، تجمع التبرعات لغزة، وتدعم أعمال الفنانين الفلسطينيين، وتقول إنها تعمل على تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين.

وقد انضم الرياضيون أيضاً لهذه الجهود الداعمة للقضية الفلسطينية. ففي الشهر الماضي، رفض المنتخب الآيرلندي مصافحة نظيره الإسرائيلي، قبل المباراة الأولى لتصفيات بطولة أوروبا لكرة السلة للسيدات 2025 في ريغا بدولة لاتفيا، بعد أن اتهم لاعب إسرائيلي الآيرلنديين بمعاداة السامية. ويخطط فريق كرة القدم النسائي البارز في دبلن لاستضافة مباراة ودية مع المنتخب الوطني الفلسطيني في شهر مايو (أيار)، لجمع التبرعات لغزة.

وفي بلفاست، عاصمة آيرلندا الشمالية، التي تظل جزءاً من المملكة المتحدة حالياً، يبدو دعم وتأييد الفلسطينيين أكثر وضوحاً، ويقارن العديد من الآيرلنديين هناك وضعهم تحت الحكم البريطاني بوضع الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي. وقد تحول «الجدار الدولي» الشهير في المدينة، والذي طالما تميز بلوحات جدارية حول قضايا حقوق الإنسان العالمية، هذا الشتاء، إلى لوحة جدارية كبيرة مخصصة فقط لدعم غزة والنضال الفلسطيني.


مقالات ذات صلة

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)

بوريل: لبنان على شفير الانهيار

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الأحد، من بيروت، بأن لبنان بات «على شفير الانهيار»، بعد شهرين من المواجهة المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أحد أفراد الدفاع المدني يسير بين أنقاض موقع دمرته غارة إسرائيلية ببيروت (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يهاجم أهدافاً في البقاع... ويطالب سكان قرى جنوبية بإخلائها

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن الجيش هاجم بنى عسكرية مجاورة لمعبر جوسية الحدودي شمال البقاع، التي قال إن «حزب الله» اللبناني يستخدمها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من المباني بعد قصف سابق على حمص (أرشيفية - رويترز)

هجوم إسرائيلي يستهدف معبراً بريف حمص عند الحدود السورية - اللبنانية

ذكرت «وكالة الأنباء السورية»، السبت، أن الطائرات الإسرائيلية شنّت هجوماً استهدف معبر جوسية بمنطقة القصير في ريف حمص عند الحدود السورية - اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر الدفاع المدني يبحثون عن ضحايا بعد قصف إسرائيلي على مدينة بعلبك في 14 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

لبنان: مقتل 24 وإصابة 45 في غارات إسرائيلية على بعلبك الهرمل

أفادت وزارة الصحة اللبنانية اليوم (السبت)، بأن الغارات الإسرائيلية على بعلبك الهرمل اليوم، قتلت 24 وأصابت 45 آخرين في حصيلة غير نهائية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

لبنان أمام «حوار روما المتوسطي»: نتطلع إلى دعمكم لبناء دولة قوية

وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني في مؤتمر «حوار روما المتوسطي»... (إ ب أ)
وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني في مؤتمر «حوار روما المتوسطي»... (إ ب أ)
TT

لبنان أمام «حوار روما المتوسطي»: نتطلع إلى دعمكم لبناء دولة قوية

وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني في مؤتمر «حوار روما المتوسطي»... (إ ب أ)
وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني في مؤتمر «حوار روما المتوسطي»... (إ ب أ)

جدّد وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بوحبيب، التأكيد أن بلاده مستعدة للوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في القرار «1701»، مشدداً على أنه «لن يكون هناك سلاح دون موافقة الحكومة اللبنانية، ولا سلطة غير سلطة الحكومة اللبنانية».

وأثنى بوحبيب، في كلمة ألقاها خلال افتتاح مؤتمر «حوار روما المتوسطي»، على عمل قوات الـ«يونيفيل» في جنوب لبنان. وقال: «اللبنانيون ممتنون لأن 17 دولة أوروبية تشكل جزءاً لا يتجزأ وأساسياً في الـ(يونيفيل). وفي هذا الصدد، يدين لبنان بشدة أي هجوم عليها، ويدعو جميع الأطراف إلى احترام سلامة وأمن القوات ومقراتها. علاوة على ذلك، يدين لبنان الهجمات الأخيرة على الكتيبة الإيطالية، ويأسف لمثل هذه الأعمال العدائية غير المبررة».

وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب (رويترز)

وشدد على أن اللبنانيين يتطلعون إلى دولة قوية تدافع عن حقوقهم وسيادتهم وسلامة أراضيهم، مضيفاً: «كانت القناعة السائدة بين صناع القرار السياسي في مرحلة ما بعد الاستقلال هي أن قوة لبنان تكمن في ضعفه: إذا لم يكن لبنان يشكل تهديداً لجيرانه، فلن يهددنا أحد. وبالتالي، كان للفشل في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة في إقامة الدولة الفلسطينية آثار سلبية على لبنان بدءاً من منتصف الستينات. ومنذ ذلك الحين لم تتحقق جهودنا لبناء مؤسسات عسكرية وأمنية قوية».

وقال: «لكي يحدث ذلك، نحتاج إلى دعمكم لبناء قوات مسلحة وأمنية للدفاع عن أراضينا وحمايتها. تتطلب التحديات السائدة بذل جهود وطنية ودولية جماعية لبناء أجهزة أمنية لبنانية قوية. هدفنا الأساسي هو تمكين السلطة الوطنية الشرعية، باعتبارها الضامن للأمن والسلام. وفي هذا السياق، فإن التنفيذ المتوازي والكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (1701) هو بوابة الاستقرار».

وجدد التأكيد على أن «لبنان مستعد للوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في القرار المذكور أعلاه. وهذا يعني حرفياً: (لن يكون هناك سلاح دون موافقة الحكومة اللبنانية، ولا سلطة غير سلطة الحكومة اللبنانية). ويتطلب تحقيق هذا الهدف شرطين ضروريين، هما وقف فوري لإطلاق النار، وانتشار قوات مسلحة لبنانية إضافية جنوب نهر الليطاني»، مؤكداً أنه «وبمجرد تحقيق ما سبق، وبالتعاون مع قوات الـ(يونيفيل)، فسيكون لبنان قادراً على بسط سلطته على أراضيه».

وختم بوحبيب: «نجدد التزام لبنان بالسلام والأمن في منطقتنا، وندعو إلى العودة الآمنة للنازحين إلى قراهم وبلداتهم. ومع ذلك، فإن الأمن والسلام الدائمين والمستدامين على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية يتطلبان إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية. وإلا، فإن الاحتلال المستمر سيولد مقاومة وصراعات محتملة في المستقبل».