هكذا نشأت قصة ميناء المساعدات في غزة

الإمارات أصرت على إرسال السفن قبل رمضان... و«الرصيف الأميركي» سيحتاج إلى 5 - 6 أسابيع ليبدأ العمل

طائرة تلقي مساعدات فوق شمال قطاع غزة اليوم الجمعة (أ.ب)
طائرة تلقي مساعدات فوق شمال قطاع غزة اليوم الجمعة (أ.ب)
TT

هكذا نشأت قصة ميناء المساعدات في غزة

طائرة تلقي مساعدات فوق شمال قطاع غزة اليوم الجمعة (أ.ب)
طائرة تلقي مساعدات فوق شمال قطاع غزة اليوم الجمعة (أ.ب)

مع بدء تجربة أولية لإدخال المساعدات الغذائية والإنسانية إلى قطاع غزة بحراً، عن طريق قبرص، اليوم الجمعة، وإطلاق السفينة الأولى يوم الأحد، كُشف النقاب في تل أبيب عن أن هذه هي البداية لمشروع تبنته الولايات المتحدة والرئيس جو بايدن، ويُتوقع أن يخرج إلى حيّز التنفيذ في غضون أسابيع قليلة. وجاء مشروع إدخال المساعدات بحراً في وقت تواجه فيه عمليات إدخال المساعدات براً وجواً عراقيل وصعوبات.

وقالت مصادر سياسية إسرائيلية إن «الأميركيين باتوا يائسين ومحبطين من سياسة الحكومة الإسرائيلية التي تحرجهم وتظهرهم مساندين لتجويع الفلسطينيين في غزة، فقرروا عدم الاكتفاء بالإعراب عن غضبهم بالكلام والتصريحات واللسعات بل بتبني خطة عملية يعلنها الرئيس بايدن بنفسه خلال خطابه للأمة حتى يظهروا مدى جدية الأمر».

طائرة بلجيكية تلقي مساعدات فوق قطاع غزة الخميس (وزارة الدفاع البلجيكية - إ.ب.أ)

وأضاف أحد هؤلاء المسؤولين، في حديث مع «القناة 13» للتلفزيون الإسرائيلي: «في هذه الخطوة الدرامية ينوون إدخال مساعدات إنسانية عبر البحر. رأينا كيف أدخلوا براً وجواً ولم ينجحوا. هم ليسوا راضين عن الأداء الإسرائيلي في هذا الموضوع. ولكن إقامة الميناء تحتاج لعدة أسابيع. ولهذا سيواصلون إدخال المواد عبر الجو والبر حالياً. وهم يفسرون الأمر بالقول إن الهدف هو إغراق غزة بالمساعدات الإنسانية حتى لا تبقى لديها احتياج لشيء. فالآن يسيطر على المساعدات أطراف مختلفة، ويستمر النقص وتتفاقم الأسعار. وعلينا أن نشير إلى أن الأميركيين يقولون صراحة إن هذا التوجه جاء نتيجة لإحباطهم من حكومة بنيامين نتنياهو التي لا تتعامل بجدية معهم. ونضيف شيئاً أخيراً: أقدام الجنود الأميركيين لن تطأ أرض غزة بل سينفذون المهمة فقط من سفنهم».

مساعدات بالمظلات تسقط فوق مناطق شمال قطاع غزة الخميس (أ.ف.ب)

وأفادت معلومات في تل أبيب بأن الفكرة وراء هذه الخطوة جاءت خلال حوارات بين مسؤولين من الإمارات وإسرائيل، في أعقاب انتشار أنباء عن موت مواطنين في غزة من الجوع، وقيام إسرائيل بقتل مواطنين وهم يهرعون إلى شاحنات المواد الغذائية لأخذ ما أمكن منها، وهو حادث أدى إلى مقتل بعضهم من التدافع والدهس. وكان العديد من الفرقاء يشاركون في هذه الحوارات، مثل مصر والولايات المتحدة وأطراف عربية وأجنبية أخرى. وخلال المداولات تبيّن أن العراقيل أمام وصول المساعدات تبدأ من عمليات التفتيش الإسرائيلية الطويلة والبطيئة، والتي يُعتقد أنها جزء من سياسة إسرائيل لاستخدام المساعدات أداة ضغط على قيادة «حماس» في المفاوضات. وتتواصل هذه المشكلة من خلال سرقة بعض شاحنات المساعدات بعد دخولها إلى غزة، حيث تسيطر عليها عصابات إجرام أو تجّار، ويُصار إلى بيعها بأسعار باهظة (أحياناً بعشرين ضعفاً من سعرها الحقيقي).

وعندما ضغط الأميركيون على إسرائيل، وافقت الأخيرة على إدخال المساعدات من شمال قطاع غزة، لكن نشطاء اليمين المتطرف في إسرائيل منعوا دخول شاحنات المساعدات. وعندما تم إدخال بعضها، كان في انتظارها عصابات قد وصلت إلى الشمال، رغم أن إسرائيل تمنع دخول المدنيين أبناء غزة من الجنوب إلى الشمال. وإزاء هذا الوضع المأساوي جاءت فكرة الإنزال الجوي، الذي بدأه الأردن من خلال إنزال أدوية وأدوات طبية للمستشفيات الميدانية الأردنية والمستشفيات الميدانية التي أقامتها الإمارات. وتوسع التحرك الأردني الجوي ليشمل مصر والإمارات، وانضمت إليه الولايات المتحدة وفرنسا. لكن قسماً من المساعدات التي أُلقيت سقط في البحر ولم يصل إلى المواطنين.

نازحون ينتظرون الحصول على مساعدات غذائية في رفح بجنوب قطاع غزة الخميس (إ.ب.أ)

وهنا جاءت فكرة إقامة محطة لاستقبال المساعدات في ميناء قبرصي بتمويل إماراتي وبإشراف إسرائيلي. وأكدت مصادر في تل أبيب أن مسؤولين اثنين من إسرائيل زارا أبوظبي في الأيام الأخيرة، هما اللواء غسان عليان، رئيس الإدارة المدنية في الجيش الإسرائيلي ومنسق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية (يُعد المسؤول الأول عن إدخال المساعدات لغزة)، وقد زار الإمارات مرتين في أسبوع واحد، واللواء آفي غيل، السكرتير العسكري لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

وبحسب المعلومات ذاتها، أصرت الإمارات على أن يتم إدخال المساعدات قبل رمضان، بحيث ترسل أبوظبي سفينة محملة بالمواد الغذائية إلى قبرص. وهناك يفحصها رجال أمن إسرائيليون، ثم يسمحون لها بالإبحار. ويُفترض أن ترافقها سفن حربية إسرائيلية في رحلتها نحو قطاع غزة، حيث يتم تنزيل البضائع إلى قوارب صغيرة وتوزيعها في غزة. وهذه العملية ستتكرر في الأسابيع التالية، وستشمل لاحقاً بضائع أخرى. وقد بدأت طواقم عمل إسرائيلية تتدرب على الموضوع، على أن يبدأ التنفيذ يوم الأحد. وسيسعى فلسطينيون في غزة إلى توزيع المساعدات من خلال تجاوز العصابات وأي قوة أخرى تسعى للسيطرة عليها.

شاحنة مساعدات لدى دخولها مدينة غزة يوم الأربعاء الماضي 6 مارس الحالي (أ.ف.ب)

لكن هذا الحل يأتي بوصفه مخرجاً مؤقتاً. وسيكون الحل الأكبر في الميناء الأميركي الذي يبدأ العمل على إقامته فوراً، ويُقدّر خبراء أنه يحتاج إلى 5 - 6 أسابيع حتى يبدأ العمل كرصيف ثم يتحول إلى ميناء. وتقول مصادر إسرائيلية إن الأميركيين يريدون العمل بأيديهم، بحيث لا تستطيع إسرائيل أن تمنع أو تعرقل.

ونقلت نيريا كراوس، مراسلة «القناة 13» الإسرائيلية في الولايات المتحدة، عن خبير سياسي أميركي كبير قوله إن الرئيس بايدن قرر أن يعلن بنفسه عن المشروع، ضمن خطابه إلى الأمة، لكي يخاطب قسماً كبيراً من ناخبيه الغاضبين من تأييده المطلق لإسرائيل. وعندما سألته: لماذا يعتقد بأن هذه الخطة ستنجح، ما دامت «حماس» تريد السيطرة على المساعدات والتحكم في توزيعها، وعصابات الإجرام تحاول اقتسام الغنائم مع «حماس»، فأجاب: «هدفنا ليس إدخال سفينة واحدة بل إغراق غزة بالمساعدات الإنسانية حتى لا يبقى لديها احتياج لشيء، ولا تعود فائدة من المتاجرة بالمواد».

وفي هذا الإطار، قال المراسل العسكري للقناة نفسها، إلون بن ديفيد، إن المسؤولين في إسرائيل فوجئوا من هذه الخطوة الأميركية. وقال: «فوجئوا تماماً. فالأميركيون لم يلمّحوا لإسرائيل حتى بهذه الخطوة. ويقولون عندنا باستغراب: «ما الفرق في إدخال المواد من البحر أو البر أو الجو. فـ(حماس) ستسرق هذه المواد بكل الأحوال وتتحكم في توزيعها».


مقالات ذات صلة

مصر: «حماس» ستطلق سراح 33 محتجزاً مقابل 1890 فلسطينياً في المرحلة الأولى

العالم العربي طفل يحمل العلم الفلسطيني فوق كومة من الأنقاض في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

مصر: «حماس» ستطلق سراح 33 محتجزاً مقابل 1890 فلسطينياً في المرحلة الأولى

أعلنت وزارة الخارجية المصرية، السبت، أن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ستشهد إطلاق حركة «حماس» سراح 33 محتجزاً إسرائيلياً مقابل 1890 فلسطينياً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية فتى يركض رافعاً علماً فلسطينياً في مخيم للنازحين بالبريج وسط قطاع غزة الجمعة (أ.ف.ب)

بدء الانسحاب الإسرائيلي... وأمن «حماس» يستعد للانتشار في غزة

تستعد إسرائيل وحركة «حماس» لبدء تنفيذ اتفاق وقف النار في غزة وتبادل الأسرى الذي يسري مفعوله، صباح الأحد.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز)

عباس يؤكد استعداد السلطة الفلسطينية للاضطلاع بمسؤولياتها الكاملة في غزة

أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، السبت، على ضرورة تولي دولة فلسطين مسؤولياتها الكاملة في غزة، وعلى وجوب انسحاب إسرائيل الكامل من القطاع.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
خاص أفراد عائلة أسير فلسطيني تنتظر في مخيم دير البلح لإطلاق سراحه بموجب اتفاق غزة السبت (أ.ف.ب)

خاص «الشرق الأوسط» ترصد الساعات التالية لبدء اتفاق غزة

اتفقت كافة الأطراف على أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً بالتوقيت المحلي لقطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: سنتابع تنفيذ اتفاق غزة

أكدت تركيا أنها ستتابع تنفيذ جميع مراحل وقف إطلاق النار في غزة، والعمل على استدامته، معربة عن الأمل بالبدء في تطبيق حل الدولتين.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

والدة أوستن تايس في دمشق على أمل العثور على ابنها

والدة أوستن تايس في دمشق السبت (رويترز)
والدة أوستن تايس في دمشق السبت (رويترز)
TT

والدة أوستن تايس في دمشق على أمل العثور على ابنها

والدة أوستن تايس في دمشق السبت (رويترز)
والدة أوستن تايس في دمشق السبت (رويترز)

وصلت والدة الصحافي الأميركي أوستن تايس، الذي تم اختطافه أثناء رحلة صحافية إلى سوريا في أغسطس (آب) 2012، إلى دمشق السبت لتعزيز جهود البحث عن ابنها، وقالت إنها تأمل أن تتمكن من العودة به إلى وطنها، بحسب ما أوردت وكالة «رويترز».

كان تايس، الذي عمل صحافياً مستقلاً لصالح صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «مكلاتشي»، من أوائل الصحافيين الأميركيين الذين دخلوا سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية.

ووصلت والدته، ديبرا تايس، إلى العاصمة السورية من لبنان برفقة نزار زكا، رئيس منظمة «مساعدة الرهائن حول العالم»، وهي منظمة تعمل على البحث عن أوستن وتعتقد أنه لا يزال في سوريا.

ديبرا تايس أمام صورة لابنها الصحافي أوستن تايس الذي اختطف أثناء تغطيته الأحداث في سوريا عام 2012 (رويترز)

وقالت ديبرا تايس لوكالة «رويترز» في العاصمة السورية: «سيكون من الرائع أن أحتضن أوستن وأنا هنا. سيكون ذلك الأفضل». وكانت قد زارت دمشق آخر مرة في عام 2015 للقاء السلطات السورية بشأن ابنها، قبل أن يتوقفوا عن منحها تأشيرات.

وأتاح إسقاط نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) على يد المتمردين السوريين لها فرصة الزيارة مرة أخرى من منزلها في تكساس.

وأضافت: «أشعر بقوة أن أوستن هنا، وأعتقد أنه يعلم أنني هنا... أنا هنا».

تأمل ديبرا تايس ونزار زكا في لقاء السلطات السورية الجديدة، بمَن فيهم رئيس الإدارة الجديدة أحمد الشراع، للحصول على معلومات حول أوستن. كما يأملون أن يتبنى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي سيتم تنصيبه يوم الاثنين، هذه القضية.

أوستن تايس (صحافيون بلا حدود)

ابنها، الذي يبلغ الآن 43 عاماً، تم أسره في أغسطس 2012 أثناء سفره عبر ضاحية داريا في دمشق. ذكرت وكالة «رويترز» لأول مرة في ديسمبر أن تايس، وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأميركية، تمكن في عام 2013 من الفرار من زنزانته وشوهد وهو ينتقل بين المنازل في شوارع حي المزة الراقي في دمشق. وأعيد القبض عليه بعد هروبه بفترة قصيرة، على الأرجح من قبل قوات تتبع مباشرة لنظام الأسد، وفقاً لما قاله مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون.

زارت ديبرا تايس سوريا في عامي 2012 و2015 للقاء السلطات السورية، التي لم تؤكد قط أن تايس كان في عهدتها، بحسب تصريحاتها وتصريحات نزار زكا.

ديبرا تايس تتحدث عقب وصولها إلى العاصمة السورية السبت (رويترز)

وانتقدت ديبرا إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، جو بايدن، قائلة إنهم لم يتفاوضوا بشكل كافٍ لإطلاق سراح ابنها، حتى في الأشهر الأخيرة. ونقلت «رويترز» عنها قولها: «شعرنا بالتأكيد أن الرئيس بايدن كان في وضع جيد جداً ليبذل كل ما يمكنه لإعادة أوستن إلى الوطن، أليس كذلك؟ أعني، هذا كان في نهاية مسيرته. كان يمكن أن يكون أمراً رائعاً بالنسبة له. لذا كان لدينا توقع. لقد عفا عن ابنه، أليس كذلك؟ أين ابني إذن؟».

وأشارت ديبرا تايس إلى أن «عقلها كان يدور» وهي تقود سيارتها عبر الحدود اللبنانية إلى سوريا، وأجهشت بالبكاء وهي تتحدث عن عشرات الآلاف الذين لديهم أحباء محتجزون في نظام السجون سيئ السمعة في عهد الأسد، والذين لا يزال مصيرهم مجهولاً. وقالت: «لدي الكثير من القواسم المشتركة مع العديد من الأمهات والعائلات السورية، وفقط التفكير في كيف يؤثر هذا عليهم - هل لديهم نفس الأمل الذي أملكه، بأنهم سيفتحون الباب ويرون أحباءهم؟».