الغزيون يتراكضون غاضبين على «العالم» للحصول على سلّة غذاء

مزاحمات وتدافع وشجارات... واستياء كبير من «النفاق» الأميركي

جانب من عمليات إلقاء المساعدات جواً فوق غزة أمس (أ.ف.ب)
جانب من عمليات إلقاء المساعدات جواً فوق غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

الغزيون يتراكضون غاضبين على «العالم» للحصول على سلّة غذاء

جانب من عمليات إلقاء المساعدات جواً فوق غزة أمس (أ.ف.ب)
جانب من عمليات إلقاء المساعدات جواً فوق غزة أمس (أ.ف.ب)

لا يمكن وضع وصف لمشهد آلاف من الرجال والنساء والأطفال وهم يتراكضون في شوارع وطرقات ضيقة من أجل الوصول إلى مساعدات ملقاة من الجو، إلا باعتباره مشهداً مذلاً إلى حد كبير. فأبطاله جياع بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يلعنون «الاحتلال» وصمت «العالم» وكل ما أوصلهم إلى هذا الوضع.

يكفي أن تحلّق الطائرات، أيّ طائرات غير الطائرات الحربية الإسرائيلية، من أجل أن يتحوّل الكثير من الغزيين، خصوصاً في مناطق شمال القطاع، إلى صيادين ينتظرون الفريسة، ويبدأون بالتراكض نحو المنطقة التي يفترض أن ترمي الطائرات المساعدات فيها، آملين أن ينجحوا في صيد ما يسدّ رمقهم، وهي مهمة غالباً ما تكون عسيرة.

وبدأ سلاح الجو الأردني بفكرة إنزال المساعدات للمرة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكانت مساعدات طبية مخصصة للمستشفى الميداني في غزة، ثم قام لاحقاً بإنزال مساعدات غذائية للسكان حملت زجاجات مياه وعدة كيلوغرامات من الدقيق الأبيض (الطحين)، وكميات من الأرز، وبعض المعلبات، ثم سارعت دول أخرى لتنفيذ الفكرة نفسها، وتبعتها الولايات المتحدة التي سيّرت طائرات شحن كبيرة، لإسقاط المساعدات على مناطق متفرقة من القطاع، وخصوصاً في الشمال الذي يتعرض لحرب تجويع حقيقية أدت إلى وفاة بعض الأطفال جوعاً، لكن كل ذلك بدا كأنه «كلام فارغ»، كما قال علي مقداد (36 عاماً)، من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.

وأضاف مقداد لـ«الشرق الأوسط» بعد أن نجح في الحصول على سلّة غذائية صغيرة اكتشف أنها تحوي ألواحاً من الحلاوة والتمر: «لا أعرف إذا كانت هذه الكمية ستساعد أولادي على البقاء على قيد الحياة!»، وتابع: «يرمون 6 صناديق على مخيّم بأكمله؛ أي إنه فوق الطريقة التي حوّلتنا إلى متسولي طعام، عليك أن تبقى جائعاً!»، وزاد: «لا أعرف ماذا أقول! الذي كنت أشاهده في الأفلام أصبحت أعيشه. أشعر أني في حلم، في كابوس!».

غزيون يهرعون لجمع مساعدات انزلتها طائرات اميركية امام سواحل غزة يوم السبت (أ.ف.ب)

وحصل مخيم الشاطئ الثلاثاء على بضعة صناديق فعلاً بعد 3 أيام لم تدخله أي مساعدات.

وإذا كان حظ مقداد قليلاً، كان حظ نجاح أبو عليان (56 عاماً)، وهي نازحة من بيت لاهيا في مدرسة لـ«الأونروا» بمخيم الشاطئ، أفضل؛ فقد حصلت على نحو 4 كيلوغرامات من الدقيق، ومثلها من الأرز، وبعض المعلبات، لكنها أيضاً بالكاد تسد جوع عائلتها المكونة من 9 أفراد. قالت أبو عليان لـ«الشرق الأوسط»: «حصلنا مرة واحدة على هذه المساعدات، يا دوب تكفي. وهناك مئات الآلاف لم يحصلوا على شيء. إنها طريقة مذلة».

ورصد مراسل «الشرق الأوسط» الآلاف من المواطنين بينهم أطفال ونساء، وهم يتسابقون في شوارع مدينة غزة، من أجل الحصول على بعض ما تحتويه تلك الصناديق، وأدى ذلك لحصول شجارات تخللها شتائم وُجهت لقيادة «حماس» من جهة، وللاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى.

وقال جاسر اسليم (41 عاماً)، من سكان حي الشجاعية، ونازح إلى مجمع الشفاء الطبي: «قيادة (حماس) وخاصة يحيى السنوار هم من أوصلونا لهذه الحال»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ماذا كانوا يريدون؟! أطفالنا تجوع ولا أحد يسأل عنا. بالنسبة لي هم والاحتلال؛ يقتلوننا بطرق مختلفة»، لكن نهاد أبو سمرة النازح إلى المجمع ذاته، تدخل وقال: «إن الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول الوحيد عن هذه الأزمة»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنه (أي الاحتلال) «يريد أن نصل إلى هذه النقطة، ونهاجم بعضنا. إنه يتعمد تجويع السكان تطبيقاً لتهديداته التي كان يتوعد فيها بإعادة القطاع 50 عاماً إلى الوراء».

مساعدات تُلقى بالمظلات فوق غزة أمس (الجيش الأردني - أ.ف.ب)

وإذا كان الغزيون يرون في المساعدات أسلوباً مذلاً لكنه ضروري لسد رمق جوعهم، فإنهم قابلوا المساعدات الأميركية بكثير من الغضب والسخرية.

وقالت المواطنة رفيقة أبو ريالة (61 عاماً) لـ«الشرق الأوسط»: «عندما يتوقفون عن إعطاء الإسرائيليين قنابل، عندها يمكنهم أن يجلبوا لنا مساعدات».

وقال خميس أحمد (26 عاماً) لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المساعدات الأميركية ذر للرماد في العيون. أكذوبة سمجة. يقتلوننا بالصواريخ ويجوعوننا ثم يطعموننا. الدولة الأكثر شراً ونفاقاً في العالم».

وكان ثلاثة مسؤولين أميركيين قالوا إن طائرات شحن عسكرية أميركية من طراز «C-130» أسقطت يوم السبت 66 حزمة تحتوي على نحو 38.000 وجبة على غزة بمشاركة قوات أردنية في العملية. وقال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، إن عمليات الإسقاط الجوي تهدف إلى توصيل المساعدات الإنسانية الطارئة بطريقة آمنة للأشخاص في الميدان.

وجاءت فكرة إسقاط الغذاء من الجو، بعد أن أصبح توزيع المساعدات داخل غزة أكثر صعوبة، بسبب انهيار الأمن.

وقال مواطنون نجحوا وفشلوا على حد سواء في الحصول على المساعدات: «كل شيء انهار هنا. الأمن، حقوق الإنسان، الكرامة، وحتى الحياة بصورتها المعروفة. كل شيء ينهار يوماً بعد يوم!».


مقالات ذات صلة

بعد جباليا وبيت لاهيا... إسرائيل تركّز على تدمير بيت حانون

المشرق العربي فلسطينية تبكي قريباً لها قتل بغارة إسرائيلية في دير البلح السبت (أ.ف.ب)

بعد جباليا وبيت لاهيا... إسرائيل تركّز على تدمير بيت حانون

تهدف العملية التي تطال كل مناطق شمال قطاع غزة إلى بسط سيطرة إسرائيل أمنياً بشكل كامل عليها، وإقامة مناطق عازلة، ومنع أي هجمات مستقبلية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية أرشيفية لبقايا صاروخ بالستي قال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق من اليمن وسقط بالقرب من مستوطنة تسور هداسا (إعلام إسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن

قال الجيش الإسرائيلي في ساعة مبكرة من صباح اليوم (السبت)، إن الدفاعات الجوية الإسرائيلية اعترضت صاروخاً أطلق من اليمن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي أضرار كبيرة لحقت ببرج المراقبة في مطار صنعاء بعد الغارات الإسرائيلية (إ.ب.أ)

الحوثيون يستهدفون إسرائيل بباليستي ومسيّرة

أعلن الجيش الإسرائيلي، فجر الجمعة، اعتراض صاروخ باليستي أُطْلِق من اليمن قبل دخوله إلى وسط البلاد. وأفاد الإسعاف الإسرائيلي بإصابة 18 شخصاً خلال التدافع وهم في

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي مسعفون بالقرب من مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

غزة: غارة إسرائيلية تُخرج «مستشفى كمال عدوان» عن الخدمة

أعلنت منظمة الصحة العالمية أنّ العملية العسكرية التي شنّتها إسرائيل قرب مستشفى كمال عدوان أدّت إلى خروج آخر مرفق صحي رئيس شمالي القطاع عن الخدمة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الخليج حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان في غزة يتفقد الأضرار (رويترز)

السعودية تدين حرق إسرائيل مستشفى في غزة

دانت السعودية حرق قوات الاحتلال الإسرائيلية مستشفى في قطاع غزة، وإجبار المرضى والكوادر الطبية على إخلائه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

تجدد المعارك في شمال سوريا بين القوات الموالية لتركيا والأكراد

مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة يقفون حراساً في ساحة النعيم في الرقة (أ.ب)
مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة يقفون حراساً في ساحة النعيم في الرقة (أ.ب)
TT

تجدد المعارك في شمال سوريا بين القوات الموالية لتركيا والأكراد

مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة يقفون حراساً في ساحة النعيم في الرقة (أ.ب)
مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة يقفون حراساً في ساحة النعيم في الرقة (أ.ب)

تبادلت القوات الموالية لتركيا والميليشيات الكردية مجدداً إطلاق النار في سوريا.

وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» اليوم (السبت)، بأن «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بقيادة الأكراد أطلقت صواريخ على مواقع «الجيش الوطني السوري» المدعوم من تركيا، بالقرب من سد تشرين خلال المساء.

وردَّ الجيش الوطني بقصف مكثف على الأهداف الكردية، بالقرب من بلدة كوباني الحدودية.

وقالت قوات «قسد» نفسها إن معارك كثيفة وقعت على كثير من الجبهات، وإن 17 من أعضاء «الجيش الوطني» قُتلوا. وتردد أن من بين القتلى قائداً واحداً على الأقل.

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» -ومقره المملكة المتحدة- إن كثيراً من المدنيين أصيبوا أيضاً في هجمات «الجيش الوطني»، حسبما نقلت «وكالة الأنباء الألمانية».

ويتقدم حالياً «الجيش الوطني» إلى المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا. وتواجه تركيا اتهامات بمحاولة استغلال الفراغ في السلطة بسوريا، لسحق المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال البلاد.