يرى مراقبون أن نشاط رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يثير الانقسام داخل التحالف الحاكم «الإطار التنسيقي»، بشأن مستقبله السياسي، ويدفعهم الآن إلى إجراء تعديل على قانون الانتخابات يُعيق مشاركته في الاقتراع المقبل.
ووصل السوداني إلى منصبه أواخر عام 2022 بعد جدل سياسي ونتائج انتخابات برلمانية مختلَفٌ على مخرجاتها على صعيد تشكيل الحكومة، لكنه وبعد مرور أكثر من عام بدأ «يزعج حلفاءه قبل خصومه»، على حد تعبير مصادر من الإطار.
ويعد منصب رئيس الوزراء في العراق هو الموقع التنفيذي الأول بعد انتقال البلاد من النظام الرئاسي الذي كان عليه منذ تأسيس الجمهورية بعد 14 يوليو (تموز) عام 1958 على يد الثنائي العسكري عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، إلى النظام الجديد الذي وضع أسسه الثنائي الأميركي جي غارنر وبول بريمر، بعد احتلال العراق عام 2003.
وحسب التقسيمات الطائفية التي أطلق عليها الآباء المؤسسون للنظام الحالي «الديمقراطية التوافقية» التي لم تكن سوى محاصصة عرقية طائفية شملت أعلى ثلاثة مناصب في الدولة (رئاسة الجمهورية، والوزراء، والبرلمان) لتصل إلى أدنى المناصب في السلم الإداري للدولة (رئاسات الأقسام والشُّعب في دوائر الدولة)، فإن منصب رئيس الوزراء يتولاه الشيعة لأنهم الأغلبية السكانية، فيما يتقاسم كل من الكرد والسنة منصبَي رئيس الجمهورية، الذي صار من حصة الكرد، ومنصب رئيس البرلمان، من حصة السنة.
الآباء «المسنّون»
ورغم أن النظام السياسي الجديد حديث التشكل، فإن غالبية من تولى المناصب العليا، ممن يوصفون بـ«الآباء المؤسسين»، هم من كبار السن.
وتقترب أعمار القادة الشيعة الذين تولوا منصب رئاسة الوزراء -بدءاً من إياد علاوي، وإبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، وحيدر العبادي، وعادل عبد المهدي- من العقد السابع، باستثناء رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي الذي دخل عقده السادس، ويشذ عن القادة لأنه وصل إلى المنصب في وضع استثائي نتيجة تصاعد حركات الاحتجاج وتفاقم الصراع بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري.
وحسب المصادر، فإن «فيتو» داخلياً وخارجياً أعاق وصول قيادات شيعية مسنة لتولي المنصب ثانية بعد أن كانت قد طرحت عدة أسماء من بينهم رئيسا الوزراء السابقان نوري المالكي وحيدر العبادي.
ونتيجة الانسداد السياسي، فضَّل «الإطار التنسيقي» تقديم سياسيين من الجيل الثاني لمنصب رئيس الوزراء، ومن بين 14 اسماً جرى تداولهم لتولي الموقع، وبعد سلسلة مناقشات حادة وتوافقات، انتهى الأمر إلى اختيار السوداني الذي كان قد استقال من حزب الدعوة – تنظيم العراق عام 2018 وشكّل تياراً سياسياً أطلق عليه «تيار الفراتين».
تحجيم «الفراتين»
وجاءت الشعبية المتنامية للسوداني في الشارع العراقي بعد سلسلة إجراءات اتخذتها حكومته على أصعدة مختلفة من بينها مشاريع فك الاختناقات في العاصمة العراقية بغداد، والبدء بإكمال مئات المشاريع المتلكئة من سنوات سابقة، فضلاً عن إجراءات بدت جادة في محاربة الفساد.
ومع أن قوى «الإطار التنسيقي» التي يُفترض أنها ليست مؤيدة للسوداني فقط، بل داعمة له، بدأت تستفيد مما يحصل بوصفه إنجازاً للحكومة، إلا أنها في المقابل بدأت تتخذ مزيداً من الممارسات والإجراءات على صعيد عزل النجاح عن رئيس الحكومة بوصفه إنجازاً شخصياً له، على حد تعبير سياسيين مقربين من السوداني.
كان النائب محمد الصيهود، وهو ابن عم رئيس الحكومة، قد ذكر في تصريح سابق، أن قيادات في الإطار التنسيقي طلبت منه أن يبلغ (ابن عمه)، أن «يبطئ قليلاً لأن ما يفعله بات يشكل إحراجاً لهم».
وأشار نائب رئيس الوزراء الأسبق بهاء الأعرجي، في لقاء تلفزيوني، الثلاثاء، إلى أن قيادات في «الإطار التنسيقي» أبلغت السوداني دعمها له لتولي المنصب لدورة ثانية شريطة عدم مشاركته في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ولم يصدر أي رد فعل من السوداني، لكنَّ الأوساط المقربة منه بدأت تدرك أن هناك مساعي لتحجيم دوره وتحجيم تشكيله السياسي (تيار الفراتين) حتى لا يكسب الشارع في حال حصلت انتخابات.
وترى المصادر أن «القصة التي قصمت ظهر العلاقة بينه وبين القوى التي باتت تعبّر عن القلق منه، هي الدعوة التي تبناها بعض قوى (الإطار التنسيقي) وفي المقدمة منها (دولة القانون) بزعامة نوري المالكي، والمتمثلة في تعديل قانون الانتخابات».
ويشمل التعديل أهم فقرتين، وكلتاهما تستهدف السوداني في الصميم، وهما العودة إلى الدوائر المتعددة لكي لا يكتسح السوداني الأصوات في حال شارك في الانتخابات وفق نظام الدائرة الواحدة، كما يفرض على «أي مسؤول في الدولة من مستوى مدير عام فما فوق، في حال أراد المشاركة في الانتخابات، الاستقالة من منصبه قبل 6 أشهر من بدء الانتخابات».