الخلافات الفلسطينية حول الحكومة المقبلة تساعد نتنياهو على المماطلة

الجميع يؤيد حكومة تكنوقراط وتباين حول رئيسها وصلاحياتها

إردوغان جمع بين الرئيس محمود عباس وهنيّة في يوليو الماضي قبل انطلاق حوار الفصائل الفلسطينية بالقاهرة (الرئاسة التركية)
إردوغان جمع بين الرئيس محمود عباس وهنيّة في يوليو الماضي قبل انطلاق حوار الفصائل الفلسطينية بالقاهرة (الرئاسة التركية)
TT

الخلافات الفلسطينية حول الحكومة المقبلة تساعد نتنياهو على المماطلة

إردوغان جمع بين الرئيس محمود عباس وهنيّة في يوليو الماضي قبل انطلاق حوار الفصائل الفلسطينية بالقاهرة (الرئاسة التركية)
إردوغان جمع بين الرئيس محمود عباس وهنيّة في يوليو الماضي قبل انطلاق حوار الفصائل الفلسطينية بالقاهرة (الرئاسة التركية)

في الوقت الذي يحتاج فيه الفلسطينيون عموماً وأهل غزة خصوصاً، إلى إنهاء الخلافات الداخلية والتفاهم الفلسطيني الداخلي على إدارة المفاوضات مع دول العالم لإنهاء الحرب الإسرائيلية في غزة، تتسرب كثير من المعلومات عن الصراعات بين الفصائل، التي تدار في صفوفها. والآمال التي بنيت على إجراء إصلاحات وتجديدات وتشكيل حكومة تكنوقراط تعد لانتخابات فلسطينية، وتضع القواعد لإعادة إعمار قطاع غزة والاستعداد لخطة تقيم سلاماً إقليمياً يتضمن إقامة دولة فلسطينية، تتبخر بتفاقم هذه التعقيدات الداخلية.

وبعد أن كانت أنباء قد انتشرت عن احتمال استقالة الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد أشتية في غضون أيام، لفتح المجال أمام تشكيل حكومة جديدة من كفاءات (تكنوقراط)، انتشرت أنباء أخرى عن خلافات حول نطاق عمل هذه الحكومة بأن يقتصر عملها على إعمار قطاع غزة وإدارة شؤونه، أو تكون حكومة شاملة للضفة الغربية والقطاع. كما دارت خلافات أخرى حول الشخصية التي ستتولى رئاستها، حيث ذكر اسم محمد مصطفى، رئيس الصندوق القومي الفلسطيني، بوصفه مرشح الرئيس محمود عباس، أو ناصر القدوة، ابن شقيقة الرئيس السابق ياسر عرفات، بوصفه مرشحاً توافق عليه «حماس» والتيار الإصلاحي في «فتح» الذي يقوده القيادي السابق محمد دحلان، ويوافق عليه الأسير مروان البرغوثي.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس (د.ب.أ)

فرصة لتأخير الحلول

وأكدت مصادر إسرائيلية أن هذه الخلافات الفلسطينية تخدم مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي يتهرب من حلول جذرية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويجد في الانشغال الفلسطيني بالخلافات فرصة لتأخير الحلول والبحث عن حلول صغيرة مؤقتة تجعله قادراً على مواصلة إدارة الصراع، وإبقاء فتيل الحرب مشتعلاً لأنه يرى فيه وسيلة لإطالة عمر حكومته.

وتسربت أنباء عن أن قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، الجيش والمخابرات، يخشون من أن تؤدي إطالة هذه الخلافات إلى توريط إسرائيل بوحل قطاع غزة، ما جعلهم يطلبون من نتنياهو التخلي عن فكرة محاربة وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، مؤكدين أن هذه الوكالة هي العنوان الأفضل والأكثر نجاعة لإدارة الشؤون المدنية المتعلقة بالخدمات والمساعدات.

وفي غياب حكومة فلسطينية سيضطر الجيش الإسرائيلي إلى إدارة الشؤون المدنية، كما كان الأمر قبل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وهو ما يعده الجيش عبئاً ثقيلاً ليس فقط من الناحية الإدارية، بل أيضاً من الناحيتين العسكرية والقانونية، ويجعل إسرائيل مسؤولة من جديد عن الضوائق في قطاع غزة، بما في ذلك الجوع وانتشار الأمراض والتدهور الاقتصادي والبيئي.

رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية (د.ب.أ)

«السلطة المتجددة»

يُذكر أن الولايات المتحدة هي التي كانت قد فتحت هذا الملف منذ شهور عدة، عندما حاولت استرضاء الحكومة الإسرائيلية الرافضة لأن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة شؤون قطاع غزة. فطرحت فكرة «السلطة الفلسطينية المتجددة»، من دون أن تحدد ما هو المقصود بذلك، وراحت تفاوض الرئيس عباس حول صيغة ممكنة لهذا التجديد.

ومع أن حكومة أشتية أقرت سلسلة تغييرات وتجديدات في عملها، وحظيت بتقدير إيجابي من الأميركيين، فإن إسرائيل لم تكتفِ بذلك، وقالت إنها تريد حكومة تُحدث تغييرات في مناهج التعليم وفي الخطاب السيسي والديني، وتثقيف الفلسطينيين بغرس مفاهيم عقائدية جديدة تضع حداً للتطرف والإرهاب والتحريض على إسرائيل واليهود، وراحت تتحدث عن قيادات محلية من العشائر والقبائل.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ)

مماطلات نتنياهو

وبدا أن الخلافات الفلسطينية الداخلية تصب في صالح مماطلات نتنياهو وتهربه من التعاطي مع خطة الرئيس بايدن، المبنية على المقترحات العربية ومبادرة السلام العربية، التي تتحدث عن سلام إقليمي شامل بين إسرائيل والدول العربية شرط الموافقة على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، مع تعديلات طفيفة.

وأجمع المراقبون في تل أبيب وواشنطن على أن نتنياهو ليس هو العنوان لهذه المهمة، إذ إنه يتباهى علناً بأنه كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي منع قيام دولة فلسطينية طيلة فترة حكمه، منذ 2009. لذلك، هددت واشنطن بالاعتراف بشكل أحادي بدولة فلسطينية تكون كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وصعق نتنياهو، ومرر قراراً في الكنيست (البرلمان) يرفض هذا الاعتراف بأكثرية 99 مقابل 9 أصوات في الكنيست؛ ولهذا، تواصل الإدارة الأميركية جهودها لتشكيل حكومة تكنوقراط، لتسحب البساط من تحت أقدام نتنياهو من جهة ولممارسة الضغوط على الفصائل الفلسطينية من جهة ثانية.


مقالات ذات صلة

مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية

خاص مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية play-circle 06:14

مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية

«هذه ليست غزة. إنه مخيم اليرموك»... لا تكفي قراءة اللافتة مراراً عند مدخل المخيم الفلسطيني المحاذي لدمشق لترسخ هذه الحقيقة في ذهن الزائر.

بيسان الشيخ (مخيم اليرموك (دمشق))
شؤون إقليمية فلسطينيون يفرون من مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة (أرشيفية)

«هدنة غزة»... مساعٍ إلى «حل وسط» لإبرام الاتفاق

جهود مكثفة للوسطاء لتقريب وجهات النظر خلال مفاوضات الهدنة بقطاع غزة، في ظل حديث إعلامي عن «شروط جديدة» أخرت إعلان الاتفاق.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلاً مصاباً في غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط غزة (رويترز)

بينهم 7 أطفال.. مقتل 12 شخصاً من عائلة واحدة في غارة إسرائيلية على غزة

أعلن الدفاع المدني في قطاع غزة مقتل12 شخصاً من عائلة واحدة، بينهم 7 أطفال، في غارة إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج مندوب فلسطين رياض منصور يتحدث خلال اجتماع لمجلس الأمن في مقر الأمم المتحدة (أ.ب)

السعودية ترحب بقرار أممي حول التزامات إسرائيل

رحّبت السعودية بقرار للأمم المتحدة يطلب رأي محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل تجاه الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص منازل فلسطينية تتعرض لأضرار بالغة خلال قصف إسرائيلي في بيت لاهيا (رويترز)

خاص «هدنة غزة»: «شروط جديدة» تؤخر إعلان الصفقة المرتقبة

مصادر مصرية وفلسطينية، تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، تشير إلى «شروط جديدة طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وأخرى من (حماس)».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«هدنة غزة»: حديث عن أيام حاسمة لـ«صفقة جزئية»

فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على مواطنين لهم قضوا بغارة إسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (رويترز)
فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على مواطنين لهم قضوا بغارة إسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: حديث عن أيام حاسمة لـ«صفقة جزئية»

فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على مواطنين لهم قضوا بغارة إسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (رويترز)
فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على مواطنين لهم قضوا بغارة إسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (رويترز)

تتواصل مساعي الوسطاء في المفاوضات الرامية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لسد «فجوات»، وسط حديث إسرائيلي عن «أيام حاسمة» لعقد صفقة جزئية.

وأفاد مصدر فلسطيني تحدث لـ«الشرق الأوسط» بأن «الفجوات لا تزال مستمرة على طاولة المفاوضات بسبب طرح رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو عراقيل جديدة، بطلب جديد خاص بالرهائن، يتمثل في إطلاق سراح 11 رهينة من عمر الشباب مع القائمة المتفق عليها والتي تضم 23 آخرين»، وسط تحفُّظ من «حماس» ومطالبتها بإعادة الحديث بشأن مقابلهم من الأسرى الفلسطينيين، الذي حددته بنحو 200 إلى 300 عن كل أسير بما يصل إجمالاً إلى 3 آلاف، وهو ما يلاقي رفضاً إسرائيلياً.

ويتوقع المصدر أن الصفقة الجزئية تنتظر «الحسم» هذا الأسبوع بين لقاءات بالقاهرة والدوحة، لسد الفجوات، وإنهاء عراقيل نتنياهو باتفاق يحدث قبل بدء الرئيس الأميركي المنتخب ولايته في 20 يناير (كانون الثاني) على أن يُعْلَن ويُنَفَّذ على الأرجح، بداية العام المقبل.

فلسطينيون يتفقدون الأضرار في موقع غارة إسرائيلية بدير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)

وكشفت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، الأحد، أن إسرائيل قدمت قائمة تضم 34 محتجزاً تطالب بالإفراج عنهم في المرحلة الأولى من الاتفاق، بما في ذلك 11 اسماً لا تنطبق عليهم معايير «حماس» للاتفاق.

ونقلت الصحيفة عن مصادر، لم تسمِّها، أن المناقشات تركز على شروط الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من ممر فيلادلفيا وكذلك «القائمة الإنسانية» التي تعطي الأولوية لإطلاق سراح الذين تتعرض حياتهم لخطر واضح وفوري، لافتة إلى بعض الأسماء الواردة في القائمة الإسرائيلية التي تضم محتجزين تعدهم «حماس» جنوداً، بينما تقول الأخيرة إنَّها ستفرج فقط عن المرضى وكبار السن والأطفال.

ووفق المصادر، ستشمل المرحلة الأولى من الصفقة إطلاق سراح 250 أسيراً فلسطينياً، ليس بينهم القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي الذي يرفض الاحتلال الإفراج عنه، مقابل إطلاق سراح محتجزين إسرائيليين.

وتطالب «حماس» بضمانات لإنهاء الحرب في حال تم التوصل إلى صفقة مستدامة، لكن الإصرار الإسرائيلي على القضاء على حكم الحركة في غزة قد يعرقل هذه المطالب، ما يجعل المرحلة الثانية من الصفقة التي تشمل إطلاق سراح الجنود وبقية الرهائن أكثر تعقيداً، بينما تركز المرحلة الثالثة على إعادة الجثث، وفق المصادر نفسها.

وبرأي الخبير المختص بالشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، فإن «حماس» لو قدمت تنازلات أكثر إزاء هذه الضغوط الإسرائيلية، وقبلت بالانسحاب الرمزي الإسرائيلي وعدد الرهائن المطلوب، يمكن أن نرى اتفاقاً، لكن هذا غير مطروح من الحركة حالياً.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه كلما اقترب الاتفاق من مراحله الأخيرة اعتدنا أن نرى مثل تلك الضغوط الإسرائيلية لتعظيم المكاسب، متوقعاً أن تبذل القاهرة والدوحة جهوداً مكثفة لإنهاء أي فجوات أو شروط جديدة.

ووسط حالة الضبابية بشأن مخرجات المحادثات المستمرة في الدوحة، منذ الأسبوع الماضي، لا يزال التفاؤل يجد مكاناً بوسائل الإعلام الإسرائيلية، ونقلت «هيئة البث»، السبت عن مصدر مشارك في المفاوضات الجارية بشأن الصفقة قوله إن «المحادثات تسير في الاتجاه الصحيح»، على الرغم من مغادرة رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ويليام بيرنز قطر، الخميس، موضحاً أن مغادرة بيرنز لا تعني بالضرورة أن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود.

وكان بيرنز قد التقى رئيس وزراء قطر في الدوحة لمناقشة اتفاق لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وفقاً لما نقلته وكالة «رويترز» بهدف تضييق الفجوات المتبقية بين إسرائيل و«حماس».

وكشف مسؤولون إسرائيليون مطَّلعون على المفاوضات أن «العملية في مراحلها النهائية، وأن الاتجاه إيجابي، لكن الأمور لا تزال غير محسومة»، مؤكدين أنه «لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، وأنه سيجري تحديد المسار النهائي خلال أسبوع».

قضايا عالقة

رغم التقدم في المحادثات، فإن هناك قضايا خلافية لا تزال تعوق التوصل إلى اتفاق نهائي، وتشمل هذه القضايا: الوجود في محور «فيلادلفيا وبقطاع غزة، وعودة السكان إلى شمال القطاع، وآلية الإفراج عن الرهائن وعددهم، وإدارة المعابر الحدودية، وفق (هيئة البث)».

وإزاء التسريبات الإسرائيلية بشأن مدة الأسبوع والتقدم بالمحادثات، يرى عكاشة، أن «هناك ألغاماً كثيرة حالياً أمام الاتفاق، وبخلاف أن وسائل إعلام بإسرائيل تروج للتقدم فهناك أخرى تتحدث عن فشله»، معتقداً أن «المشكلة في حل تلك العراقيل أنها قد تقود إلى محاولة الذهاب لاتفاق هش غير منضبط بإطار ملزم، ويخرج في سياق عام، ومن ثم سيشهد خروقات كما رأينا في اتفاق الحرب بلبنان».

وبتقدير عكاشة، فإن هذا الاتفاق المحتمل لن يحدث قريباً، في ظل مخاوف نتنياهو بانهيار حكومته، واعتقاد «حماس» أن أي تنازل جديد سيكون بمثابة انتحار آيديولوجي، خصوصاً وهي لا تمتلك ما تخسره، وأفضل لها أن تذهب لتموت وهي تناضل كما تقول.

وبالمقابل، يتوقع الرقب أن تثمر جهود الوسطاء تجاوُزَ الخلافات، وإنضاج اتفاق يُنهي الفجوات التي تواجهه بحلول وسط في أقرب وقت، متوقعاً أن يحدث ذلك قبلة مهلة ترمب.

«تصريحات متناقضة»

توعد ترمب في منشور على منصة «تروث سوشيال» أوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي بـ«مشكلة خطيرة» في الشرق الأوسط ما لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في قطاع غزة قبل تنصيبه في 20 يناير المقبل.

لكن عكاشة يستبعد أن يكون هناك تأثير لمهلة ترمب في مسار عقد الاتفاق، وأرجع ذلك إلى أن تصريحه السابق بشأن المهلة إنشائي ومتناقض مع مساعيه لإبرام السلام بالمنطقة، متسائلاً: «كيف سيحقق السلام وهو يتوعد بإشعال المنطقة إن لم تتم الصفقة؟»، قبل أن يجيب: «قد لا نرى هذا الاتفاق بنسبة 60 أو 70 في المائة وننتظر لما بعد وصول ترمب».