في الوقت الذي يحتاج فيه الفلسطينيون عموماً وأهل غزة خصوصاً، إلى إنهاء الخلافات الداخلية والتفاهم الفلسطيني الداخلي على إدارة المفاوضات مع دول العالم لإنهاء الحرب الإسرائيلية في غزة، تتسرب كثير من المعلومات عن الصراعات بين الفصائل، التي تدار في صفوفها. والآمال التي بنيت على إجراء إصلاحات وتجديدات وتشكيل حكومة تكنوقراط تعد لانتخابات فلسطينية، وتضع القواعد لإعادة إعمار قطاع غزة والاستعداد لخطة تقيم سلاماً إقليمياً يتضمن إقامة دولة فلسطينية، تتبخر بتفاقم هذه التعقيدات الداخلية.
وبعد أن كانت أنباء قد انتشرت عن احتمال استقالة الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد أشتية في غضون أيام، لفتح المجال أمام تشكيل حكومة جديدة من كفاءات (تكنوقراط)، انتشرت أنباء أخرى عن خلافات حول نطاق عمل هذه الحكومة بأن يقتصر عملها على إعمار قطاع غزة وإدارة شؤونه، أو تكون حكومة شاملة للضفة الغربية والقطاع. كما دارت خلافات أخرى حول الشخصية التي ستتولى رئاستها، حيث ذكر اسم محمد مصطفى، رئيس الصندوق القومي الفلسطيني، بوصفه مرشح الرئيس محمود عباس، أو ناصر القدوة، ابن شقيقة الرئيس السابق ياسر عرفات، بوصفه مرشحاً توافق عليه «حماس» والتيار الإصلاحي في «فتح» الذي يقوده القيادي السابق محمد دحلان، ويوافق عليه الأسير مروان البرغوثي.
فرصة لتأخير الحلول
وأكدت مصادر إسرائيلية أن هذه الخلافات الفلسطينية تخدم مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي يتهرب من حلول جذرية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويجد في الانشغال الفلسطيني بالخلافات فرصة لتأخير الحلول والبحث عن حلول صغيرة مؤقتة تجعله قادراً على مواصلة إدارة الصراع، وإبقاء فتيل الحرب مشتعلاً لأنه يرى فيه وسيلة لإطالة عمر حكومته.
وتسربت أنباء عن أن قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، الجيش والمخابرات، يخشون من أن تؤدي إطالة هذه الخلافات إلى توريط إسرائيل بوحل قطاع غزة، ما جعلهم يطلبون من نتنياهو التخلي عن فكرة محاربة وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، مؤكدين أن هذه الوكالة هي العنوان الأفضل والأكثر نجاعة لإدارة الشؤون المدنية المتعلقة بالخدمات والمساعدات.
وفي غياب حكومة فلسطينية سيضطر الجيش الإسرائيلي إلى إدارة الشؤون المدنية، كما كان الأمر قبل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وهو ما يعده الجيش عبئاً ثقيلاً ليس فقط من الناحية الإدارية، بل أيضاً من الناحيتين العسكرية والقانونية، ويجعل إسرائيل مسؤولة من جديد عن الضوائق في قطاع غزة، بما في ذلك الجوع وانتشار الأمراض والتدهور الاقتصادي والبيئي.
«السلطة المتجددة»
يُذكر أن الولايات المتحدة هي التي كانت قد فتحت هذا الملف منذ شهور عدة، عندما حاولت استرضاء الحكومة الإسرائيلية الرافضة لأن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة شؤون قطاع غزة. فطرحت فكرة «السلطة الفلسطينية المتجددة»، من دون أن تحدد ما هو المقصود بذلك، وراحت تفاوض الرئيس عباس حول صيغة ممكنة لهذا التجديد.
ومع أن حكومة أشتية أقرت سلسلة تغييرات وتجديدات في عملها، وحظيت بتقدير إيجابي من الأميركيين، فإن إسرائيل لم تكتفِ بذلك، وقالت إنها تريد حكومة تُحدث تغييرات في مناهج التعليم وفي الخطاب السيسي والديني، وتثقيف الفلسطينيين بغرس مفاهيم عقائدية جديدة تضع حداً للتطرف والإرهاب والتحريض على إسرائيل واليهود، وراحت تتحدث عن قيادات محلية من العشائر والقبائل.
مماطلات نتنياهو
وبدا أن الخلافات الفلسطينية الداخلية تصب في صالح مماطلات نتنياهو وتهربه من التعاطي مع خطة الرئيس بايدن، المبنية على المقترحات العربية ومبادرة السلام العربية، التي تتحدث عن سلام إقليمي شامل بين إسرائيل والدول العربية شرط الموافقة على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، مع تعديلات طفيفة.
وأجمع المراقبون في تل أبيب وواشنطن على أن نتنياهو ليس هو العنوان لهذه المهمة، إذ إنه يتباهى علناً بأنه كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي منع قيام دولة فلسطينية طيلة فترة حكمه، منذ 2009. لذلك، هددت واشنطن بالاعتراف بشكل أحادي بدولة فلسطينية تكون كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وصعق نتنياهو، ومرر قراراً في الكنيست (البرلمان) يرفض هذا الاعتراف بأكثرية 99 مقابل 9 أصوات في الكنيست؛ ولهذا، تواصل الإدارة الأميركية جهودها لتشكيل حكومة تكنوقراط، لتسحب البساط من تحت أقدام نتنياهو من جهة ولممارسة الضغوط على الفصائل الفلسطينية من جهة ثانية.