مخابئ «الحرس الثوري» في أحياء دمشق «الحصينة» هدف سهل لإسرائيل

استياء المدنيين من الوجود الإيراني الذي بات مصدر قلق دائم

إزالة الأنقاض في المنطقة التي استهدفت فيها غارات جوية إسرائيلية مبنى سكنياً في حي كفرسوسة بدمشق  (أ.ف.ب)
إزالة الأنقاض في المنطقة التي استهدفت فيها غارات جوية إسرائيلية مبنى سكنياً في حي كفرسوسة بدمشق (أ.ف.ب)
TT

مخابئ «الحرس الثوري» في أحياء دمشق «الحصينة» هدف سهل لإسرائيل

إزالة الأنقاض في المنطقة التي استهدفت فيها غارات جوية إسرائيلية مبنى سكنياً في حي كفرسوسة بدمشق  (أ.ف.ب)
إزالة الأنقاض في المنطقة التي استهدفت فيها غارات جوية إسرائيلية مبنى سكنياً في حي كفرسوسة بدمشق (أ.ف.ب)

بعد مرور عام تقريباً على استهداف مبنى خلف المدرسة الإيرانية في حي كفرسوسة بدمشق، أعادت إسرائيل استهداف مبنى في الموقع ذاته وبالطريقة ذاتها، ضمن سلسلة جديدة من عمليات اغتيال لقياديين إيرانيين وقياديين في «حزب الله» اللبناني بسوريا انطلقت مع بدء الحرب في غزة، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ومنذ بداية العام الحالي، شهدت سوريا 3 استهدافات إسرائيلية وقعت في حي المزة بدمشق، وفي منطقة الديماس بريف دمشق، والثالث في حي راقٍ وسط مدينة حمص، لتتحول الأحياء الراقية الواقعة تحت إشراف أمني دقيق إلى «هدف سهل للصواريخ الإسرائيلية».

إزالة سيارة متضررة من موقع ضربة صاروخية في دمشق الاثنين (إ.ب.أ)

وكان مصدر عسكري سوري قد أعلن، صباح الأربعاء، في بيان نقلته «وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)»، «شن العدو الإسرائيلي عدواناً جوياً بعدد من الصواريخ من اتجاه الجولان السوري المحتل، مستهدفاً أحد المباني السكنية في حي كفرسوسة بدمشق». وأسفر الهجوم عن مقتل «مواطنين وإصابة ثالث بجروح»، كما ألحق أضراراً مادية بالمبنى المستهدف وبعض الأبنية المجاورة.

«المرصد السوري لحقوق الإنسان» أكد مقتل 3 أشخاص في استهداف كفرسوسة، الأربعاء؛ اثنان منهم من جنسية غير سورية كانا داخل الشقة السكنية، مرجحاً أن يكونا إيرانيين.

وقال مدير «المرصد»، رامي عبد الرحمن، في تصريح للإعلام، إن مدنياً سورياً قُتِل في محيط المبنى جراء سقوط أجزاء من جدار الشقة على رأسه. وأكد أن الشقة مستخدَمة من قبل إيران عادّاً العملية الإسرائيلية كبيرة جداً وخطيرة لم تدمر المبنى بشكل كامل «ليس خوفاً على المدنيين»، بل لإرسال رسالة واضحة لإيران؛ بأن «العمليات الانتقائية باتت أيضاً في سوريا، وليس فقط في لبنان». ورأى أن العملية تأتي ضمن سلسلة عمليات اغتيال إسرائيلية لشخصيات إيرانية وأخرى من ميليشيات موالية.

لا قتلى إيرانيين

غير أن موقعاً إيرانياً نفى أن يكون الهجوم الإسرائيلي على دمشق قد أسفر عن مقتل أي إيراني. ونقلت «رويترز» عن شبكة أخبار الطلاب الإيرانية شبه الرسمية، أن «هجوماً إسرائيلياً على مبنى سكني في دمشق، اليوم (الأربعاء)، لم يسفر عن مقتل أي مواطنين أو مستشارين إيرانيين».

تضم المنطقة المستهدَفة بنايات سكنية ومدارس ومراكز ثقافية إيرانية، وهي قريبة من مجمع كبير يخضع لحراسة مشددة تستخدمه أجهزة أمنية. وتعرضت المنطقة لهجوم إسرائيلي في فبراير (شباط) 2023 أسفر عن مقتل خبراء عسكريين إيرانيين.

موقع «صوت العاصمة» نقل عن مصادر قولها إنّ «إسرائيل استهدفت بـ3 صواريخ دقيقة طابقين يضمان 3 شقق في حي كفرسوسة». وأفاد بمقتل 3 أشخاص وإصابة 8 آخرين، ووقوع أضرار مادية في المبنى جراء الهجوم.

وقال الموقع إن المبنى المستهدَف استخدمه قياديون في «الحـرس الثـوري» مقراً للإقامة، ونفت مصادره «مقتل أو إصابة أي من قيادي (الحرس الثوري) جراء الهجوم»، مشيرة إلى أنّ الشقق المستهدفة كانت مؤجَّرة لعائلات قياديين إيرانيين وقد جرى إفراغها قبل نهاية عام 2023، وأن الهجوم استهدف شقتين: الأولى في الدور الرابع من المبنى، وكانت مأهولة من قبل قيادي إيراني ومرافقته خلال اليومين الماضيين، والثانية في الدور الثاني مخصصة لإقامة عناصر الحراسة والضيوف بشكل مؤقت.

مصادر سورية متابعة في دمشق أوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن القيادات الإيرانية واللبنانية التابعة لـ«حزب الله» تختار مكاتب عملها اللوجيستي والإعلامي ضمن الأحياء السكنية الحديثة الراقية في المدن السورية، لسهولة السيطرة عليها أمنياً، من حيث اتساع الشوارع وانخفاض الكثافة السكنية وتوفر المقرات الأمنية والمؤسسات الحكومية والبعثات الدبلوماسية التي تنتشر في محيطها الحواجز ونقاط التفتيش والحراسة.

سيارة دمرها انفجار يوليو الماضي في السيدة زينب قرب دمشق التي تعج بوجود عناصر الميليشيات (رويترز)

في المقابل، تتركز الميليشيات الإيرانية وتنشط في الأحياء الشعبية المكتظة ذات الغالبية الشيعية، كمنطقة السيدة زينب، جنوب العاصمة، وحارة الجورة والعمارة وحي الأمين في دمشق القديمة قريباً من الجامع الأموي، وفي حي زين العابدين على سفح قاسيون.

أضافت المصادر أن تلك الأحياء التي يقصدها الحجاج الشيعة بكثافة لا توجد فيها مكاتب ومقرات مهمة للقيادات الذين قد يزورونها بشكل مفاجئ وسري، بينما تتركز تحركاتهم تحت أسماء مستعارة بين المكاتب في شقق الأحياء الراقية، وهي غالباً شقق مملوكة لأشخاص مرتبطين بإيران و«حزب الله».

سيارات الإسعاف والإطفاء بالقرب من الموقع المتضرّر جراء غارة إسرائيلية في حي المزة فيلات بدمشق (رويترز)

ورأت المصادر المطلعة أن استهداف إسرائيل لقياديين إيرانيين لا بد أنه يتم عبر خرق أمني، ورصد تحركاتهم شديدة السرية، مذكرةً بعملية اغتيال القيادي البارز في «حزب الله»، عماد مغنية، الذي قُتِل في تفجير سيارته أمام شقة كان يستخدمها في حي كفرسوسة عام 2008، مضيفة أن عدد الذين كانوا يعرفون عماد مغنية محدود جداً، وشكَّل اغتياله «خرقاً خطيراً» وقع في حي كفرسوسة الذي يُعدّ مربعاً أمنياً حصيناً.

هذا الحي الذي أُنشئ في الثمانينات من القرن الماضي يُعدّ من أرقى الأحياء الحديثة في دمشق، من حيث التخطيط العمراني، وقد استقطبت عقاراته التي تُعد الأعلى سعراً في العاصمة السورية، الأثرياء الراغبين في شقق حديثة واسعة هادئة، كذلك كبار المسؤولين السوريين والمستشارين الإيرانيين، لسهولة ضبطه والسيطرة عليه أمنياً، حيث توجد فيه أكبر المقرات الأمنية والحكومية، بينها قيادة المخابرات العامة، ومقر رئاسة الوزراء، ووزارة الخارجية، وعدد من المكاتب والمقرات اللوجيستية والإعلامية الإيرانية بالإضافة لشقق سكنية.

أشخاص يتفقدون الأضرار التي لحقت بمبنى استهدف بغارة جوية إسرائيلية في منطقة كفرسوسة جنوب العاصمة السورية دمشق (أ.ف.ب)

أما المدرسة الإيرانية التي يقع خلفها المبنى الذي جرى استهدافه الأربعاء، وهو الموقع ذاته الذي شهد، قبل عام تماماً، استهدافاً مماثلاً لاجتماع ضم وفداً من «الحرس الثوري» عُقِد في شقة سكنية بالطابق الأرضي من بناء مملوك لعائلة ثرية مرتبطة بإيران و«حزب الله»، وقُتِل فيه 5 أشخاص بينهم مسؤول في «الحرس الثوري الإيراني».

مناطق مفضلة للقيادات الإيرانية

وبحسب المصادر المتابعة بدمشق، فإنه بالإضافة لأحياء المزة فيلات شرقية وفيلات غربية وكفرسوسة، شكلت منطقتا الصبورة والديماس في ريف دمشق الغربي «مقصداً للقيادات الإيرانية لعقد الاجتماعات مع كبار المسؤولين السوريين»؛ كونها تمتد على مساحات واسعة مكشوفة، وقريبة من القطعات العسكرية المختصة بتأمين العاصمة.

وقالت المصادر إن الاستهدافات الإسرائيلية توجه رسائل لإيران بأنها «مخترَقة أمنياً»، وكل الإجراءات الأمنية المشددة لقياديها عند التنقل وتبديل الأماكن في سوريا، ليست كافية.

أرشيفية لدمار خلَّفه قصف إسرائيلي طال حي كفرسوسة جنوب غربي دمشق فبراير الماضي (أ.ف.ب)

وأظهرت صور ومقاطع مصورة للموقع المستهدَف، تداوَلَها ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي، الأربعاء، آثار إصابة صاروخية موجهة لطابقين يتوسطان مبنى من عدة طبقات، في هجوم يُعدّ الثالث من نوعه، منذ بداية العام الحالي، من حيث طريقة الاستهداف والموقع والهدف؛ ففي العاشر من الشهر الحالي، استهدف هجوم إسرائيلي فيلا في مزرعة بالقرب من قرى الأسد في منطقة الديماس بريف دمشق، أسفر عن مقتل شخصين وإصابة عدّة أشخاص. ولم تُعلن أي تفاصيل عن هذا الهجوم.

كما استهدفت إسرائيل قبل نحو شهر اجتماعاً لقيادات في «الحرس الثوري الإيراني»، بصواريخ موجهة لمكان الاجتماع في مبنى من 4 طوابق في حي المزة فيلات غربية بدمشق، وقضى في الهجوم 5 قياديين في «الحرس الثوري»، هم: حجت الله أوميدوار وعلي آغا زاده وحسين محمدي وسعيد كريمي ومحمد أمين صمدي.

ويعد حي المزة فيلات غربية من الأحياء الأمنية الحصينة في دمشق، بوصفه حياً حديثاً يقطنه مسؤولون أمنيون سوريون وغير سوريين، بالإضافة إلى وجود عدد من السفارات ومقار تابعة للأمم المتحدة.

قوات الأمن السورية تتجمع بالقرب من أنقاض مبنى دمرته غارات جوية إسرائيلية في حمص (أ.ب)

وفي السادس من الشهر الحالي، استهدفت إسرائيل مبنى في شارع الحمرا وسط مدينة حمص، ويُعدّ أيضاً من الأحياء الراقية في المدينة، وقُتِل في الهجوم 9 أشخاص وأصيب 13 آخرون، بينهم 3 من «حزب الله» اللبناني، بينهم قيادي.

شهادات مدنيين

مصادر أهلية في المنطقة قالت إنه سُمِع دوي 3 انفجارات متتالية، وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من موقع الانفجار. كما أشارت المصادر إلى حالة الهلع التي أصابت تلاميذ المدارس القريبة من الموقع، لا سيما روضة الأطفال، وأضافت أن الوجود الإيراني في دمشق بات مصدر ذعر وقلق دائم للمدنيين السوريين الذين تتنامى لديهم مشاعر الرفض تجاه إيران، بوصفها دولة «احتلال». كما لفتت إلى أن الاستفزازات والإساءة إلى الرموز التاريخية الإسلامية من الأمويين عبر مقاطع فيديو يجري تسريبها بين فترة وأخرى «أسهمت في تأجيج مشاعر الكراهية لإيران». جاءت الاستهدافات الإسرائيلية لمقراتهم داخل المناطق السكنية لتزيد العداء لوجودهم بينهم، الذي تحول إلى مشكلة أمنية ومصدر قلق دائم.

ويعزف كثير من السوريين عن الذهاب إلى دمشق القديمة وزيارة الجامع الأموي، تجنباً للاستفزازات الدينية من قبل عناصر «الحرس الثوري»، كما أن بعض سكان الأحياء التي يُشتبه بتردد قيادات إيرانية عليها، باتوا يفكرون في تغيير مكان سكنهم لانعدام إحساسهم بالأمان.

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

المشرق العربي الدخان يتصاعد في جنوب لبنان إثر قصف إسرائيلي استهدف المنطقة (رويترز)

إسرائيل تتوعّد بتغيير الواقع الأمني عند الحدود... و«حزب الله» مستعد للمواجهة

يواصل المسؤولون الإسرائيليون تهديداتهم، متوعدين «بتغيير الواقع الأمني على الجبهة الشمالية»، وفق الجنرال أوري غوردين، الذي قال: «إن الهجوم سيكون حاسماً وقاطعاً».

كارولين عاكوم (بيروت)
شؤون إقليمية أعمدة دخان تتصاعد من موقع استهدفه قصف إسرائيلي في قرية طير حرفا الحدودية جنوب لبنان في 24 يوليو 2024 - وسط اشتباكات حدودية مستمرة بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي «حزب الله» (أ.ف.ب)

«حزب الله» يطلق صواريخ على طائرات حربية إسرائيلية ويستهدف موقعين إسرائيليين 

أعلن «حزب الله» في 3 بيانات منفصلة، الجمعة، أن عناصره أطلقوا صواريخ مضادة للطائرات على طائرات حربية إسرائيلية داخل الأجواء اللبنانية، واستهدفوا مواقع إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ هادي مطر الشاب الأميركي اللبناني المتهم بمحاولة قتل الكاتب سلمان رشدي خلال جلسة سابقة أمام المحكمة في نيويورك (أ.ب)

محكمة أميركية توجه تهمة «الإرهاب باسم حزب الله» إلى مهاجم سلمان رشدي

وجّهت وزارة العدل الأميركية، الأربعاء، تهمة «الإرهاب باسم حزب الله اللبناني» إلى الشاب الأميركي من أصول لبنانية، هادي مطر، الذي حاول قتل الكاتب سلمان رشدي.

إيلي يوسف (واشنطن)

مقتل 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على شمال رفح

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على رفح في غزة (د.ب.أ)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على رفح في غزة (د.ب.أ)
TT

مقتل 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على شمال رفح

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على رفح في غزة (د.ب.أ)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على رفح في غزة (د.ب.أ)

قُتل خمسة فلسطينيين وأصيب آخرون، اليوم (السبت)، في قصف إسرائيلي استهدف شمال مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

ونقلت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) عن مصادر محلية قولها إن «طائرات الاحتلال الحربية قصفت منزلاً مأهولاً بالسكان لعائلة المصري في منطقة مصبح بشمال مدينة رفح، ما أدى لمقتل خمسة مواطنين وإصابة العشرات».

وتشن إسرائيل حرباً شاملة ضد قطاع غزة عقب الهجوم الذي شنته الفصائل الفلسطينية المسلحة، وفي مقدمتها حركة «حماس»، على القواعد والمستوطنات الإسرائيلية فيما يعرف بغلاف غزة يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.