ألمانيا مستعدة لإشراك لبنان بتحقيقاتها في ملف رياض سلامة

القضاء اللبناني غير قادر على توفير تكاليف الدعوى

حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (رويترز)
حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (رويترز)
TT

ألمانيا مستعدة لإشراك لبنان بتحقيقاتها في ملف رياض سلامة

حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (رويترز)
حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (رويترز)

في حين يعجز القضاء اللبناني عن استئناف التحقيق في ملفّ حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، جرّاء دعاوى المخاصمة التي أقامها الأخير ضدّ الهيئات القضائية التي نظرت فيه، حافظت التحقيقات الأوروبية على وتيرتها السريعة، لا سيما لدى القضاء الألماني الذي أبلغ لبنان استعداده لتقديم المساعدة وتزويده بكل المستندات والأدلة التي تفعّل الإجراءات اللبنانية.

ويبدو أن التحقيق الألماني اقترب من نهايته، وبات مستعداً لإشراك لبنان فيه؛ نظراً للترابط بين الملفين. وكشف مصدر قضائي لبناني بارز لـ«الشرق الأوسط» أن «النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات التقى، في مكتبه في قصر العدل، وفداً ألمانياً يرأسه ضابط كبير نقل إليه استعداد القضاء الألماني للتعاون مع لبنان إذا أراد أن يقيم دعوى على سلامة ومقربين منه في ألمانيا، وذلك بناء على التقدّم الذي تحقق على صعيد التحقيقات الألمانية، وأن يكون القضاء اللبناني شريكاً في هذا الملف».

وأشار المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن القاضي عويدات «أحال الاقتراح الألماني على رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر، لاتخاذ المقتضى القانوني، لكون هيئة القضايا هي المرجع الذي يمثل الدولة اللبنانية والمخولة الادعاء باسمها».

لبنان غير مستعجل

ورغم التسهيلات المقدمة من الجانب الألماني، لا يبدو لبنان مستعجلاً لملاقاته في هذه الخطوة. وأوضح المصدر أن «العائق الذي يؤخر ادعاء القضاء اللبناني على سلامة في ألمانيا هو عدم القدرة على توفير الأتعاب المالية لمكتب محاماة يفترض تكليفه بهذه المهمة في ألمانيا»، لافتاً إلى أن لبنان «سيتواصل مع مكتب محاماة في ألمانيا، ويقترح عليه تأخير تسديد الأتعاب إلى حين انتهاء إجراءات المحاكمة واستعادة لبنان أموال سلامة المحتجزة في ألمانيا لصالح الدولة اللبنانية، التي تبلغ 140 مليون يورو، بالإضافة إلى عقارات ومنازل وشركات».

وفي 23 مايو (أيار)، أصدر القضاء الألماني مذكرة اعتقال بحق رياض سلامة، بعد تحقيقات أجراها وفد قضائي ألماني اشترك فيها مع محققين أوروبيين، وشملت سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، ومسؤولين في المصرف المركزي وأصحاب مصارف لبنانية ومديريها. وقد تبلغ لبنان شفهياً هذه المذكرة، وهي الثانية التي تصدر عن القضاء الأوروبي بعد مذكرة التوقيف الفرنسية التي صدرت في 16 مايو أيضاً.

وقال المصدر القضائي اللبناني إن الجانب الألماني «أبدى استعداده لتسليم لبنان المعلومات والوثائق والأدلة التي توصلت إليها التحقيقات الألمانية وكانت سبباً لإصدار مذكرة توقيف غيابية بحق سلامة»، لافتاً إلى أن «قاضي التحقيق الأول في بيروت بالتكليف، القاضي بلال حلاوي، اطّلع على أجواء زيارة الوفد الألماني، وسيدرس إمكانية إرسال استنابة قضائية إلى ألمانيا للاستحصال على المعلومات التي يحتاجها».

وعلى إثر تحوّل مذكرتي التوقيف الألمانية والفرنسية إلى مذكرتين دوليتين عممتا عبر الإنتربول، خضع رياض سلامة للاستجواب أمام المحامي العام التمييزي، القاضي عماد قبلان، وقرر الأخير تركه رهن التحقيق ومنعه من مغادرة الأراضي اللبنانية، وصادر جوازات سفره، وأخطر القضاءين الألماني والفرنسي بذلك، وطلب إرسال طلبات لاسترداده، إلّا أن لبنان لم يتلقّ طلباً بهذا الخصوص. وعزا المصدر القضائي سبب عدم إرسال هذه الطلبات لعلم القضاء الأوروبي أن «لبنان لا يسلّم أياً من مواطنيه إلى دولة أخرى، لأن صلاحية ملاحقته تعود للقضاء الوطني».

 


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ «جولة ثالثة» من القصف على الضاحية الجنوبية لبيروت

المشرق العربي أعمدة دخان تظهر في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت عقب غارات إسرائيلية (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ «جولة ثالثة» من القصف على الضاحية الجنوبية لبيروت

قال الجيش الإسرائيلي، الجمعة، إن طائراته الحربية نفذت جولة ثالثة من القصف على أهداف لـ«حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي أحد عمال البلدية ينتشل العلم اللبناني من بين الأنقاض في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

مسعفة تبحث عن والدها بين الأنقاض بعد غارة إسرائيلية على شرق لبنان

على خطى والدها علي، انضمت سوزان كركبا إلى صفوف الدفاع المدني في لبنان، لكنها لم تكن لتصدّق أنّها ستُضطر يوماً إلى البحث عن جثته بين أنقاض مركز لجهاز الإسعاف.

«الشرق الأوسط» (دورس)
المشرق العربي بري خلال لقائه السفيرة الأميركية الخميس (مجلس النواب)

بري لـ«الشرق الأوسط»: الورقة الأميركية لا تتضمن حرية حركة لإسرائيل... ولا قوات «أطلسية»

بري تعليقاً على استهداف مسقط رأسه ومناطق نفوذه: ضغط نتنياهو «ما بيمشيش معنا».

ثائر عباس (بيروت)
المشرق العربي سكان ورجال أمن يعاينون الأضرار بعد غارة إسرائيلية على حي المزة في دمشق أمس (أ.ف.ب)

إسرائيل تصعّد حربها ضد لبنان... وتضرب دمشق

شنت إسرائيل «أوسع محاولة توغل» في لبنان، في تصعيد لحربها في هذا البلد، وضربت موقعين في العاصمة السورية دمشق، متسببة في مقتل 20 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت - دمشق)
المشرق العربي عناصر من القوة البحرية التابعة لـ«اليونيفيل» في البحر الأبيض المتوسط (د.ب.أ)

ألمانيا تنفي اتهامات بتورط جنودها في قتال لصالح إسرائيل

نفت الحكومة الألمانية صحة تقارير تتهم الجنود الألمان المشاركين في مهمة الأمم المتحدة بلبنان «يونيفيل» بالتعاون مع إسرائيل.


«حرب التسريبات» الصوتية تفاقم مخاوف الأوساط السياسية في العراق

القضاء العراقي طالب الأشخاص الذين يشعرون أنهم عرضة لعملية «تنصت» باللجوء إلى القضاء لإنصافهم (أ.ف.ب)
القضاء العراقي طالب الأشخاص الذين يشعرون أنهم عرضة لعملية «تنصت» باللجوء إلى القضاء لإنصافهم (أ.ف.ب)
TT

«حرب التسريبات» الصوتية تفاقم مخاوف الأوساط السياسية في العراق

القضاء العراقي طالب الأشخاص الذين يشعرون أنهم عرضة لعملية «تنصت» باللجوء إلى القضاء لإنصافهم (أ.ف.ب)
القضاء العراقي طالب الأشخاص الذين يشعرون أنهم عرضة لعملية «تنصت» باللجوء إلى القضاء لإنصافهم (أ.ف.ب)

أكدت مصادر نيابية متطابقة قيام القضاء العراقي بإرسال كتب رسمية إلى البرلمان، وجميع مؤسسات الدولة، تشجع وتطالب الأشخاص، الذين يشعرون أنهم عرضة لعملية «تنصت» على اتصالاتهم الخاصة، باللجوء إلى القضاء ورفع شكوى ضد الجهات والأشخاص المتورطين في ذلك.

ومنذ التسريب الصوتي الشهير لزعيم ائتلاف «دولة القانون»، نوري المالكي، منتصف يوليو (تموز) 2020، والقضية تثير مزيداً من القلق ومخاوف جدية لدى الشخصيات والأحزاب السياسية. ووقتذاك وصف المالكي في التسريب المنسوب إليه الحشد الشعبي بـ«أمة الجبناء»، ومقتدى الصدر بـ«الخائن»، وهدد بقتاله بالسلاح.

التسريب الصوتي لنوري المالكي أثار مزيداً من القلق ومخاوف السياسيين (غيتي)

ومع أن التحقيق المزعوم الذي أعلنته السلطات حينها لم يثبت، أو ينفي صحة التسجيل الصوتي للمالكي، أو الجهة التي قامت به، ولم يعلن أيضاً عن أي نتيجة تذكر، فإنه ومنذ ذلك الوقت بات المتخاصمون، سواء على المستوى السياسي أو الوظيفي، ينظرون إلى التسجيلات الصوتية بوصفها سلاحاً فتاكاً للإيقاع بالخصوم، وأداة لإخراجهم من حلبة العمل السياسي والإداري.

وينظر معظم المراقبين إلى العام الحالي، بوصفه أكثر الأعوام التي اشتعلت فيها «حرب التسريبات» الصوتية، خاصة بعد أن بدأ بفضيحة «التنصت»، التي يديرها مسؤول كبير في مكتب رئيس الوزراء، محمد السوداني، وشملت التنصت على معظم زعماء ورؤساء الكتل السياسية، لا سيما داخل قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، وهو ما أحدث فجوة كبيرة في العلاقة بين السوداني وبعض قيادات الإطار، ما زالت قائمة بحسب مصادر مطلعة.

اشتعلت «حرب التسريبات» الصوتية بعد فضيحة «التنصت» التي يديرها مسؤول كبير في مكتب محمد السوداني (د.ب.أ)

والأسبوع الماضي، تحدثت مصادر قضائية عن ارتفاع عدد الدعاوى المقدمة للقضاء بشأن فضيحة «التنصت»، ضد المتورطين فيها بالمكتب الحكومي، وأكدت ارتفاع عدد الشكاوى إلى 80 دعوى، قدمت للقضاء من قبل نواب وسياسيين وشخصيات مختلفة.

ويعتقد مصدر مسؤول في قوى «الإطار التنسيقي» أن معظم التسريبات الصوتية، التي ظهرت للعلن، تستند إلى «أساس لا أخلاقي وغير مدفوعة بالرغبة في إحقاق الحق، أو بناء حكم رشيد».

ويقول المصدر، الذي فضل عدم الإشارة إلى اسمه لـ«الشرق الأوسط»، إن معظم التسريبات الصوتية، التي ظهرت للعلن خلال السنوات والشهور الأخيرة «صحيحة تقريباً، لكن الجهات التي قامت بذلك تستهدف الإطاحة بهذا السياسي، أو ذلك الموظف المسؤول للحلول محله، أو ابتزازه وإخراجه من مكانته الوظيفية».

في المقابل، والكلام للمصدر ذاته، فإن «الاستهتار وعدم الخشية من المساءلة يدفعان كثيراً من المسؤولين والسياسيين إلى عدم توخي الحذر في الاتصالات الهاتفية، التي يقومون بإجرائها، وقد وصل الأمر ببعض المسؤولين إلى طلب دفع الرشوة عبر الجوال».

ويؤكد المصدر ذاته أن «الكثير من القيادات السياسية أوشكت على التخلي عن هواتفها الخاصة، خشية عمليات التنصت، ولا تستخدمها إلا في نطاق ضيق جداً، ومن جوالات بديلة في بعض الأحيان». مضيفاً: «المؤسف هو أن غياب الردع والمحاسبة يؤدي غالباً إلى تنامي فضائح التسجيلات الصوتية، التي قد تؤدي في مرحلة من المراحل إلى تقويض العملية السياسية برمتها».

بدوره، حذر القيادي في «ائتلاف النصر»، عقيل الرديني، الجمعة، من افتعال أزمات مختلفة في العراق خلال المرحلة المقبلة مع قرب انتخابات مجلس النواب. وقال في تصريحات صحافية: «هناك من يفتعل الأزمات السياسية بهدف الإساءة، ولهذا برزت قضية ما تسمى التسريبات، التي تقف خلفها جهات سياسية داخلية تريد الابتزاز». مضيفاً أن «هناك خوفاً من تزايد هذه الأزمات بشكل كبير خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً مع قرب انتخابات مجلس النواب».

وخلال الشهرين الأخيرين تفجرت ثلاث فضائح «تسريب» رئيسية، أدت الأولى إلى اعتقال عضو مجلس محافظة ذي قار الجنوبية، على خلفية عمليات ابتزاز قام بها عبر تسجيلات صوتية. وقبل أسبوعين انتشر تسريب صوتي لرئيس هيئة الضرائب، علي علاوي، وهو يتحدث عن رغبته في الحصول على مبالغ مالية ضخمة من أحد الأشخاص، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء إلى سحب يده من المنصب وإحالته إلى التحقيق.

وما زال التسريب الصوتي المنسوب لرئيس هيئة المستشارين في مجلس الوزراء، عبد الكريم الفيصل، يحظى بمزيد من الاهتمام الشعبي والرسمي، ويعرض حكومة رئيس الوزراء لانتقادات شديدة، رغم نفيها صحة التسجيل الصوتي المنسوب إليه.