«المركزي» اللبناني يفتح كوة الإصلاحات المصرفية والنقدية

بعد إنجاز دستورية الموازنة وترقب مبادرات مالية للحكومة

مودعون لبنانيون خلال مشاركتهم الأسبوع الماضي في تحرك للمطالبة باستعادة أموالهم المحتجزة في المصارف (إ.ب.أ)
مودعون لبنانيون خلال مشاركتهم الأسبوع الماضي في تحرك للمطالبة باستعادة أموالهم المحتجزة في المصارف (إ.ب.أ)
TT

«المركزي» اللبناني يفتح كوة الإصلاحات المصرفية والنقدية

مودعون لبنانيون خلال مشاركتهم الأسبوع الماضي في تحرك للمطالبة باستعادة أموالهم المحتجزة في المصارف (إ.ب.أ)
مودعون لبنانيون خلال مشاركتهم الأسبوع الماضي في تحرك للمطالبة باستعادة أموالهم المحتجزة في المصارف (إ.ب.أ)

ضم البنك المركزي اللبناني شريحة الودائع «غير المؤهلة» للاسترداد التام، وفق التوصيف الحكومي الساري، إلى دائرة المستفيدين من حصص سحوبات شهرية بالدولار النقدي، بالتزامن مع إلزام البنوك العاملة باعتماد سعر الصرف الواقعي والمعلن على المنصة الإلكترونية في إعداد بيانات الميزانيات الدورية وتحويل حسابات الموجودات (الأصول) والمطلوبات (الخصوم) النقدية المحررة بالعملات الأجنبية والموجودات.

ويمثل اعتماد التدبيرين في تعميمين بتوقيع الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، وحملا الرقمين 166 و167 على التوالي، وصدرا معاً في يوم العطلة الأسبوعية، حسب مصادر معنيّة، خطوة مزدوجة ووقائية تتطلب مبادرات مكملة من قبل وزارة المال بعد نشر الموازنة العامة، ومهلة جديدة إلى حين إقدام الحكومة على إحالة مشروعات قوانين متكاملة للانتظام المالي ووضع ضوابط خاصة بإيفاء حقوق المودعين وسقوفها (كابيتال كونترول) ومقتضيات تصحيح أوضاع الجهاز المصرفي.

وبتلاقي المبادرات النقدية مع إقرار قانون الموازنة للعام الحالي في موعدها الدستوري، يتحدث مسؤول مصرفي كبير تواصلت معه «الشرق الأوسط»، عن إمكانية المضي في تحديد معالم خريطة الطريق التنفيذية والتشريعية لخطة الإنقاذ والتعافي المنشودة بعد التخبط الطويل وللعام الخامس على التوالي في مستنقع أزمات مالية ومصرفية، أفضت إلى تقلصات حادة للغاية في المداخيل والثروات والأنشطة الاقتصادية وانحدار أكثر حدة في الأوضاع المعيشية.

ورغم محدودية الأثر المرتقب لتمكين أصحاب الحسابات المكونة بعد انفجار الأزمات، وبمبلغ نقدي لا يتعدى 150 دولاراً شهرياً، فإن تحقيق المساواة النسبية بين المودعين، سينعكس حتماً، وفق المسؤول المصرفي، على كل المقاربات اللاحقة الخاصة بحقوق المودعين، ولو من دون التساوي حالياً في الحصص التي تبلغ 400 و300 دولار نقداً للمستفيدين من التعميم رقم 158 الساري المفعول.

وبرز حرص حاكم البنك المركزي بالإنابة وسيم منصوري، على استهلال التعميم الموقع من قبله بعبارة «دون المس بحق المودعين باستعادة ودائعهم». بينما ورد في المندرجات أن يسري مفعول التعميم بدءاً من الشهر الحالي، ولغاية منتصف العام مع قابلية للتجديد، وسنداً إلى التحقق من تطابق الشروط والمواصفات على المودعين الراغبين بالاستفادة من حصة واحدة لسحوبات شهرية بالدولار النقدي مهما تعدّدت حساباتهم في مصرف واحد أو أكثر، وبالأخص رفع السرية المصرفية لصالح المركزي ولجنة الرقابة على المصارف.

كما لوحظ أنه وبخلاف مرحلة سابقة، تم إقرار التدبيرين بحصيلة مشاورات طويلة مع جمعية المصارف، وتم تتويجها باجتماع موسع قبيل صدور التعميمين. كما جرى الاتفاق على تحمل الأعباء المترتبة مناصفة لجهة ضخ المبالغ المطلوبة، وبحيث يستوفي المركزي حصته من قيود التوظيفات الإلزامية للبنوك لديه. مع التنويه بمراعاة ضرورات الشمولية عبر إلقاء عقوبات مالية على المصارف التي ترفض التطبيق.

وبتصنيف التعميم الجديد كبديل موضعي للتعميم 151 الذي يعطي لأصحاب ودائع الدولار إمكانية إجراء تحويل شهري منها بقيمة 1600 دولار، تحتسب على سعر 15 ألف ليرة (السعر الفعلي نحو 89 ألفاً) والمستمرة مفاعيله رغم انتهاء مهلته بنهاية العام الماضي، برزت مشكلة ضخ سيولة إضافية وضرورية لصالح كل شرائح المودعين، لا سيما بينهم من يعتمد على حصيلة مدخرات التقاعد ونهاية الخدمة، فيما تلوح موجة غلاء جديدة لا تقل نسبتها عن 20 في المائة ربطاً بحزمات رفع بدلات الضرائب والرسوم وأكلاف الخدمات العامة، والارتفاعات الموازية المرتبطة بأسباب غير محلية، خصوصاً بينها أكلاف الاستيراد ومعوقات سلال الإمداد ورسوم الشحن البحري.

ولذا، يؤكد المسؤول المصرفي على مسؤولية الحكومة عبر وزارة المال لجهة رفد المبادرة النقدية بتدابير سريعة تفضي خصوصاً إلى تحديد سعر صرف جديد لدولار المودعين، وبما يخفّف من نسبة الاقتطاع الهائلة التي تتعدى 83 في المائة على تنفيذ السحوبات المتاحة وفقاً للتعميم العالق.

وتنحو الترجيحات إلى اعتماد سعر تصريف يقارب 30 ألف ليرة للسحوبات الإضافية، أو ما يوازي 350 دولاراً من القيد الحسابي، مما يؤمن سيولة إضافية للاحتياجات المالية الملحة للأسر ويحول في الوقت عينه دون أي تعاظم غير مرغوب للكتلة النقدية بالليرة التي يحرص البنك المركزي على تقليصها عبر تعاون مستمر مع وزارة المال، كونها تشكل السلاح الفعال للمضاربين في أسواق القطع وتضر بالاستقرار النقدي الساري للشهر الثامن على التوالي.

وفي سياق متصل بسعر الصرف، أصدر مدير عام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي، مذكرة توجب تحديد سعر صرف الدولار الأميركي الذي على أساسه تحتسب اشتراكات المضمونين الذين يتقاضون أجورهم بشكل كلي أو جزئي بعملة أجنبية، بحسب السعر الرسمي الأعلى المعتمد من قبل مصرف لبنان حالياً، أي 89.5 ألف ليرة، بدءاً من أول الشهر الحالي.

وحسب نص المذكرة، فإن هذه الخطوة تأتي انسجاماً مع توجّهات وقرارات السلطات السياسية والمالية كافّة في البلاد (مجلس النواب، مجلس الوزراء، المصرف المركزي)، لجهة توحيد سعر صرف الدولار الأميركي في جميع المعاملات التي من شأنها تحقيق نوع من التكافل والتعاون بين أصحاب العمل والضمان الذي يصبّ في مصلحة العمّال المضمونين، ويحسّن من مستوى معيشتهم ويحفظ حقوقهم على المدى الطويل، بالإضافة إلى تأثيرها المباشر والسريع على التقديمات الصحيّة التي يوفّرها الصندوق.


مقالات ذات صلة

ارتفاع عدد الموقوفين في عراضة مسلّحة في بيروت إلى 5

المشرق العربي عناصر من الجيش اللبناني (أرشيفية - رويترز)

ارتفاع عدد الموقوفين في عراضة مسلّحة في بيروت إلى 5

ارتفع عدد الموقوفين في حادثة الظهور المسلح خلال مَسيرة عاشورائية في منطقة زقاق البلاط - وسط بيروت، إلى 5.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي المبعوث الأميركي توم برّاك خلال لقائه رئيس الحكومة نواف سلام يوم الاثنين (أ.ب)

برّاك يضع لبنان أمام معادلة جديدة لتطبيق وقف إطلاق النار

يقف لبنان أمام معادلة جديدة لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وهذا ما تصدّر لقاءات رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة بالمبعوث الأميركي توم برّاك في بيروت.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي وزير الصناعة السابق والنائب اللبناني الحالي جورج بوشكيان (الوكالة الوطنية)

لبنان: الحجار يطلب رفع الحصانة النيابية عن وزير الصناعة السابق لملاحقته

وجّه القضاء اللبناني كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، طلب فيه رفع الحصانة البرلمانية عن وزير الصناعة السابق (النائب الحالي) جورج بوشكيان.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع المبعوث الأميركي توم براك (إ.ب.أ)

الرد اللبناني يفتح سجالاً بين سلام وجعجع... ورئيس الحكومة: لا وجود لما يسمى «ترويكا»

ترتفع الأصوات في لبنان المنتقدة لطريقة مناقشة الورقة التي قدّمها المبعوث الأميركي توم برّاك إلى المسؤولين في بيروت والتي تتمحور حول نزع سلاح حزب الله.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حزب «القوات» سمير جعجع (حزب القوات)

جعجع ينتقد مسار البحث اللبناني بـ«الورقة الأميركية»

انتقد رئيس حزب «القوات اللبنانية» مسار مباحثات الورقة الأميركية وما سمّاه «اختصار الترويكا للمؤسسات اللبنانية» داعياً الحكومة لتقديم رد وطني موحد

«الشرق الأوسط» (بيروت)

بغداد وأربيل تتبادلان ورقتين لـ«حل مستدام»

رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ورئيس الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني في أربيل (أرشيفية - إعلام حكومي)
رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ورئيس الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني في أربيل (أرشيفية - إعلام حكومي)
TT

بغداد وأربيل تتبادلان ورقتين لـ«حل مستدام»

رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ورئيس الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني في أربيل (أرشيفية - إعلام حكومي)
رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ورئيس الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني في أربيل (أرشيفية - إعلام حكومي)

تبادلت بغداد، العاصمة الاتحادية، وأربيل، عاصمة إقليم كردستان الشمالي، ورقتين لحل مشكلات مزمنة تتعلَّق بموارد وأموال النفط ورواتب موظفي الإقليم، التي غالباً ما يتأخر دفعها إلى مستحقيها منذ نحو 15 عاماً نتيجة صراع سياسي حول النفوذ والصلاحيات.

يوم الأربعاء، وصل مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، إلى محافظة أربيل مكلفاً من رئيس الوزراء محمد السوداني لـ«عقد سلسلة من اللقاءات، السياسية والأمنية مع القيادات في إقليم كردستان»، طبقاً لبيان صادر عن المستشارية.

وتقول مصادر مطلعة إن لقاءات الأعرجي «ستُركز على قضايا أمنية بشكل أساسي، وكذلك على مضمون ورقتي الاتفاق والسعي لحل المشكلات بين الجانبين».

ومنذ سنوات تتبادل بغداد وأربيل زيارات سياسية وفنية ومالية لحل القضايا، من دون أن تسفر عن حلول مستدامة بين الجانبين.

وأعلن بيان صادر عن اجتماع مجلس الوزراء الاتحادي، الثلاثاء، أنه «ناقش ورقتين، الأولى مقدمة من الجهات الاتحادية المعنية، والثانية من حكومة إقليم كردستان العراق، تخصان موضوع تسليم إيرادات الإقليم النفطية وغير النفطية وملف رواتب موظفيه وتوطينها».

وتحدّث البيان الحكومي عن قيام السوداني بالتوجيه لتشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التخطيط محمد تميم، وعضوية وزراء؛ الإعمار والإسكان، والتعليم العالي، والعدل، والصحة، لمناقشة الورقتين مع جميع الجهات المعنية في الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم «على أن تُقدم اللجنة توصياتها إلى مجلس الوزراء، ليتمّ اتخاذ القرار المناسب بشأنها، في أقرب وقت ممكن».

وطبقاً لمسودة الورقتين التي نشرتهما شبكة «رووداو» الإخبارية الكردية، فإن الورقتين تتفقان على تسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية (السيادية) إلى الحكومة الاتحادية، بيد أنهما تختلفان حول مقدار تلك الإيرادات.

مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي ووزير داخلية كردستان ريبر أحمد في أربيل (واع)

اتفاق الورقتين

تنص ورقة حكومة كردستان على تسليم النفط عبر شركة تسويق النفط «سومو» الاتحادية، أو من خلال الشركات العاملة داخل الإقليم، على أن تُستثنى الكميات المستهلكة محلياً، والمقدرة بـ65 ألف برميل يومياً.

في المقابل، تشترط ورقة الحكومة الاتحادية تسليم الكمية الكاملة المنتجة من الإقليم، والمقدّرة بـ282 ألف برميل يومياً، وتسليم 236 ألف برميل منها إلى شركة «سومو»، مع إبقاء الكمية المتبقية للاستهلاك المحلي، وتحمّل حكومة الإقليم تكلفة النقل والتوزيع.

وينص الاتفاق على ضرورة تسليم 50 في المائة من الإيرادات (الضرائب والرسوم الجمركية والضرائب الداخلية) غير النفطية، لكن الحكومة الاتحادية حدّدت سقفاً لا يقل عن 200 مليار دينار شهرياً، وهو ما يُعادل 4.7 تريليون دينار سنوياً.

وبشأن «معضلة» رواتب الموظفين في كردستان المزمنة، فإن أربيل تطالب في مسودتها بصرف رواتب شهري مايو (أيار) ويونيو (حزيران) 2025 بشكل استثنائي، استناداً إلى قرار المحكمة الاتحادية رقم «269/اتحادية/2023»، الذي ينص على عدم جواز ربط صرف الرواتب بأي خلاف سياسي أو إداري بين الطرفين.

في حين تضع الحكومة الاتحادية آلية تنفيذ مشروطة، تتضمن استلام الموافقات الرسمية من الإقليم على الاتفاق، وتسلُّم النفط والإيرادات حسب الجداول المتفق عليها، وتشكيل لجان مشتركة فنية وقانونية لمتابعة التطبيق، إضافة إلى تشكيل لجنة بين بغداد وأربيل لاستكمال توطين رواتب الموظفين وفقاً لقانون المحكمة الاتحادية، وخلال 90 يوماً، وبعدها تكون التمويل للرواتب الموطّنة حصراً.

رئيس الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني مستقبلاً رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني في أربيل (شبكة رووداو)

حلول ترقيعية

بدوره، يقول كفاح محمود، المستشار الإعلامي لزعيم الحزب «الديمقراطي»، مسعود بارزاني: «لست متشائماً ولا متفائلاً بشكل كامل بشأن اتفاق الورقتين».

ويعتقد محمود في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن اللجنة الوزارية التي شكلها رئيس الوزراء محمد السوداني، وفي حال نجاحها المفترض، فإن «حلولها للمشكلات ستكون ترقيعية كما حدث في السنوات السابقة، لأن الخلافات تتعلق بالعقائد السياسية التي تتعامل مع مفهوم الدولة الديمقراطية والفيدرالية».

ويعتقد محمود أن «قوى سياسية في بغداد لا تؤمن مطلقاً بالنظام الفيدرالي والديمقراطي، وتؤمن فقط بأن الغالبية من طائفة واحدة، وتسعى لإدارة نظام حكم شمولي بأكسسوارات ديمقراطية».

ويُشير إلى أن الخلافات سياسية في جوهرها، ولا تتعلق بمسألة النفط والرواتب، فبعض القوى في بغداد «تسعى بشدة إلى تجريد الإقليم من صلاحياته لحين إلغاء نظامه السياسي».

وبشأن زيارة مبعوث رئيس الوزراء إلى أربيل، يعتقد محمود أن الأعرجي «المقبول كردياً» سيناقش «أهم ملفين أمنيين، يتعلق الأول بالاتفاقية الأمنية بين بغداد وطهران وأربيل المتعلقة بوجود المعارضة الإيرانية، ووجودها قرب الحدود العراقية الإيرانية في كردستان».

وإلى جانب ذلك، «سيناقش الأعرجي ملف حزب (العمال الكردستاني) التركي، خصوصاً أنه من نقاط الخلاف بين أنقرة وبغداد، لأن بعض الأذرع التابعة لحزب (العمال) الموجودة في مناطق سنجار ومخمور رفضت بيان عبد الله أوجلان بنزع أسلحة الحزب العمالي».

ويشير محمود إلى أن تلك الأجنحة «واجهة من واجهات (العمال)، وتتقاضى معاشاتها وأسلحتها وتدريباتها من قبل قيادة الحشد الشعبي، وهي واحدة من العقد الخلافية بين أنقرة وبغداد».