عفو عن الفارين من «التجنيد» شمال شرقي سوريا

اتهامات من عائلات كردية لـ«الإدارة الذاتية» باستمرار إغراء أطفالهم القصر

معسكر تدريبي لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي شرقي سوريا  (الشرق الأوسط)
معسكر تدريبي لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

عفو عن الفارين من «التجنيد» شمال شرقي سوريا

معسكر تدريبي لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي شرقي سوريا  (الشرق الأوسط)
معسكر تدريبي لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

أصدرت الإدارة الذاتية لإقليم شمال شرقي سوريا، عفواً عاماً لتسوية أوضاع الفارين والمتخلفين عن التجنيد في مناطق نفوذها شمال شرقي البلاد.

ويأتي صدور هذا العفو في وقت كشفت فيه شهادات عائلات تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، عن أن تجنيد الأطفال القاصرين، لا يزال مستمراً، على الرغم من توقيع القائد العام لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، مظلوم عبدي، على اتفاقيات حقوق الطفل العالمية، وافتتاح مكاتب خاصة بـ«حماية حقوق الطفل» ضمن مناطق نفوذها لمتابعة شكاوى ذوي الأطفال القصر المجندين.

وقالت «الإدارة الذاتية»، في بيان على موقعها الرسمي، الأربعاء، إن العفو «يشمل جميع الفارين عن واجب الدفاع الذاتي، شريطة عدم تورطهم بأعمال إرهابية أو جنائية»، ومنحت بموجب العفو مدة 45 يوماً للفرار الداخلي، و90 يوماً للفرار الخارجي، على أن تُراجَع مكاتب التجنيد ضمن هذه المدة، واحتساب مدة الخدمة التي قضاها الفار قبل فراره من الخدمة العسكرية، كما شملت العقوبات العسكرية الانضباطية.

أرشيفية لتخريج دورة عسكرية بمدينة الرقة شمالي سوريا (فيسبوك الإدارة الذاتية)

ويلزم قانون «واجب الدفاع الذاتي» كل أسرة، بتقديم جميع أفرادها الذكور لأداء الخدمة. وتُفرض الخدمة على الذكور الذين أتموا 18 عاماً، كما يحق للإناث الالتحاق طوعاً وفق ما يعرف بـ«خدمة غير إلزامية»، شريطة تجاوز الفتاة عمر 18 عاماً. في حين طالب القانون الشباب المهاجرين حاملي الإقامات والجنسيات الغربية والأوروبية، الذين تعود أصولهم إلى مناطق الإدارة الذاتية بدفع مبلغ مالي قدره 300 دولار أميركي (بدل الخدمة) في أول زيارة لمسقط رأسهم، على أن يُدفع مرة واحدة.

تجنيد قصّر

يروي ديندار خاشو، وهو خال طفلة تدعى سيميل زيدان إسماعيل (14 عاماً)، كيف اختفت منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي. وأكد في اتصال عبر خدمة واتساب لـ«الشرق الأوسط»، أن ابنة أخته سيميل وابنة أخيه ميراف التي تبلغ من العمر 15 عاماً، «اختطفتا معاً الساعة 6 مساءً، من أمام منزل جدهما في حي مساكن الرصافة بمدينة القامشلي»، وأنه في اليوم التالي مباشرة للاختفاء، اتصلت وحدات عسكرية تتبع قوات «قسد» بالعائلة وأخبروها بترتيب لقاء مع الفتاتين.

صورة وبطاقة عائلية للطفلة سيميل زيدان إسماعيل يقول أهلها إنها جُندت في صفوف «قسد»

بعد ذهاب الأسرتين للموعد، يضيف خاشو: «ذهبنا لمقر عسكري يخص وحدات نسائية؛ حيث أخبرنا المسؤولون هناك، أن الفتاتين لا ترغبان في العودة لمنزل العائلة. لكن البنتين، بحسب ديندار خاشو، كانتا صامتتين طوال الزيارة، وكأنهما خارج وعيهما أو أنهما قدمتا للقاء تحت التهديد. اللقاء استمر بحدود نصف ساعة لكن دون جدوى». وتابع أن ابنة أخيه ميراف عادت بالفعل بعد 70 يوماً، في 30 ديسمبر (كانون الأول) المنصرم، لكن مصير الفتاة الأخرى سيميل غير معروف ولم تلتقِ العائلة معها مرة ثانية.

وناشد خاشو سلطات الإدارة الذاتية والقيادة العامة لقوات «قسد»، «الخيرين في الجهتين»، لإعادة الطفلة سيميل وجميع القصر إلى أهاليهم، فمكان هؤلاء مقاعد الدراسة، وتخرجهم أطباء ومعلمين ومهندسين أفضل من تخرجهم في جهات مسلحة وكتيبة عسكرية».

مصاب بالربو

يذكر أن منصات التواصل الاجتماعي شهدت في السنوات الأخيرة، العديد من شكاوى أهالي مناطق شمال شرقي سوريا، الذين تحدثوا عن تفاصيل كيفية إغراء بعض الجهات العسكرية، لبناتهم وأبنائهم القُصّر، للانضمام إلى التجنيد العسكري وحمل السلاح.

ومن بين هذه الحالات، الطفل محمد بوزان (14 عاماً) الذي اختفى منذ 11 يونيو (حزيران) العام الماضي، وتقول والدته عليا أحمد، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إن ابنها مختفٍ منذ 6 أشهر، وبعد البحث الحثيث عنه «اتضح أنه انتسب لمنظمة الشبيبة الثورية بالقامشلي شمال شرقي سوريا»، مشددة على أنه يعاني من متاعب الربو ولا يستطيع القتال. وقد راسلت مكتب حقوق الطفل، وكتبت خطاباً شخصياً لمظلوم عبدي القائد العام للقوات، لكن الطفل لا يزال بعيداً عن بيته ولم تتم إعادته.

الشبيبة الثورية في مناطق «قسد» شمال شرقي سوريا (أرشيفية - المرصد السوري)

وتكررت شكاوى عوائل أطفال مختفين، موجهين الاتهام لـ«حركة الشبيبة الثورية» الفرع الشبابي لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» الذي يعد إحدى أبرز الجهات السياسية التي تدير الإدارة الذاتية. وقد أوضحت والدة الفتاة المختفية بيال، وكانت في سن 13 عاماً عند اختفائها، أن القائمين على «الشبيبة»، جندوا ابنتها قبل 8 أشهر. وبعد أن ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر اختفاء الفتاة، «أرسلوا لنا مقطع فيديو مسجلاً تظهر فيه بيال وهي تزعم أنها انضمت إلى الشبيبة من تلقاء نفسها وبرضاها». وقد فسّرت والدتها الأمر بأنه نوع من الضغط على العائلة كي تكفّ عن المطالبة بإعادة ابنتها إلى المنزل. وتابعت: «لم يكن هناك أي خلافات عائلية في البيت، ولم تفصح ابنتنا سابقاً عن نيتها الانضمام لهذه الشبيبة».

تجنيد 829 قاصراً عام 2023

في إحاطته لمجلس الأمن نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن 2990 طفلاً تم تجنيدهم من قبل 30 فصيلاً عسكرياً في سوريا، تتراوح أعمارهم بين 9 و17 عاماً، يتوزعون على 2860 ذكراً و130 أنثى، بينهم 829 طفلاً جُندوا على يد قوات «قسد» والقوات الأخرى الخاضعة للإدارة الذاتية.

تجدر الإشارة إلى أن سوريا صُنفت من بين أكثر الدول خطورة على الأطفال، بحسب تقارير دولية صدرت عن منظمة «أنقذوا الأطفال» و«اليونيسيف»، إلى جانب أفغانستان والعراق والكونغو ونيجيريا ومالي، وأن طفلاً واحداً من بين كل 5 أطفال جُندوا للقتال وحملوا السلاح في مناطق النزاعات.


مقالات ذات صلة

ارتفاع حصيلة الغارات الإسرائيلية على تدمر إلى 79 قتيلاً موالياً لإيران

المشرق العربي دخان الغارات في تدمر (متداولة)

ارتفاع حصيلة الغارات الإسرائيلية على تدمر إلى 79 قتيلاً موالياً لإيران

طائرات إسرائيلية استهدفت ثلاثة مواقع في تدمر، من بينها موقع اجتماع لفصائل إيرانية مع قياديين من حركة «النجباء» العراقية وقيادي من «حزب الله» اللبناني.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال مؤتمر صحافي في ختام مشاركته بقمة الـ20 بالبرازيل ليل الثلاثاء - الأربعاء (الرئاسة التركية)

تركيا تؤكد استعدادها لمرحلة «ما بعد أميركا في سوريا»

أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن تركيا مستعدة للوضع الجديد الذي سيخلقه الانسحاب الأميركي من سوريا، وعازمة على جعل قضية الإرهاب هناك شيئاً من الماضي.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية صورة جوية للقصف التركي على مواقع «قسد» في شمال سوريا (وزارة الدفاع التركية)

تركيا تصعد هجماتها على «قسد» شمال وشرق سوريا

واصلت القوات التركية تصعيد ضرباتها لمواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال وشرق سوريا، وسط حديث متصاعد في أنقرة عن احتمالات القيام بعملية عسكرية جديدة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية روسيا ترى أن العقبة الأساسية للتطبيع بين أنقرة ودمشق هي وجود القوات التركية في شمال سوريا (وزارة الدفاع التركية)

أنقرة: دمشق ليست لديها إرادة للتطبيع... وروسيا على الحياد

حمّلت تركيا دمشق المسؤولية عن جمود مسار تطبيع العلاقات، ورأت أن ذلك دفع روسيا إلى عدم التحرك والبقاء على الحياد، وأكدت أنها جاهزة لعملية عسكرية ضد «قسد».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

الجيش الإسرائيلي يجدد الغارات على ضاحية بيروت بعد إنذارات بالإخلاء

تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)
تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)
TT

الجيش الإسرائيلي يجدد الغارات على ضاحية بيروت بعد إنذارات بالإخلاء

تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)
تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)

تجدَّدت الغارات الإسرائيلية، صباح الجمعة، على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات وجَّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء 3 مواقع، في خضم المواجهة المفتوحة بين «حزب الله» والدولة العبرية منذ شهرين.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية بشنِّ «الطيران الحربي المعادي» غارتين على الأقل على منطقة الكفاءات في الحدث، مشيرة إلى «تصاعد الدخان بشكل كثيف من محيط الجامعة اللبنانية».

وأظهر البث المباشر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» سحب دخان تتصاعد إثر 3 غارات على ضاحية بيروت الجنوبية، معقل «حزب الله».

وأعلن الجيش الإسرائيلي، في وقت لاحق، أن مقاتلاته الحربية «أتمّت جولة جديدة من الضربات» على ضاحية بيروت الجنوبية.

تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)

وجاءت الغارات (الجمعة) غداة شنّ إسرائيل سلسلة غارات كثيفة استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية، وجنوب لبنان وشرقه.

ووجَّه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إنذار إخلاء إلى سكان بلدات الطيبة وعدشيت القصير ودير سريان، وكذلك إلى سكان بلدتَي برج الشمالي ومعشوق في جنوب لبنان.

وقال أدرعي في حسابه على منصة «إكس»: «يجب عليكم الإخلاء دون تأخير... يحظر عليكم التوجه جنوباً. أي تحرك نحو الجنوب قد يشكل خطراً على حياتكم».

وطالب متحدث الجيش الإسرائيلي أيضاً بإخلاء بعض المباني في منطقتَي الحدث وحارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، وحذَّر من أن الجيش «سيعمل ضدها على المدى الزمني القريب».

وأحصت وزارة الصحة اللبنانية مقتل 52 شخصاً على الأقل، الخميس، جراء الغارات الإسرائيلية، منهم 40 في منطقة بعلبك (شرق) في ضربات لم تسبقها إنذارات.

وأصدر الجيش الإسرائيلي، صباح الجمع، إنذارات جديدة للسكان بإخلاء مبنى في مدينة صور الساحلية في الجنوب، كان قد شمله إنذار مماثل، الخميس، ومنطقتين في محيطها، بينهما مخيم البرج الشمالي المكتظ للاجئين الفلسطينيين.

سحابة من الدخان ترتفع في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت جراء غارات إسرائيلية (رويترز)

وارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان منذ إنهاء المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، زيارته إلى بيروت، الأربعاء، في إطار وساطة يتولاها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل.

وبعد تبادل القصف مع «حزب الله» مدة عام تقريباً، بدأت إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول)، حملةً جويةً واسعةً تستهدف خصوصاً معاقل الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها. وأعلنت منذ نهاية الشهر نفسه بدء عمليات توغل بري في جنوب لبنان. وأحصى لبنان مقتل 3583 شخصاً على الأقل بنيران إسرائيلية منذ بدء «حزب الله» وإسرائيل تبادل القصف في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على وقع الحرب في غزة.