الترويج لموجات من التفاؤل يضع لبنان على «لائحة الانتظار»

جنود من الوحدة الفرنسية في «يونيفيل» يحتفلون بأعياد الميلاد في جنوب لبنان (أ.ب)
جنود من الوحدة الفرنسية في «يونيفيل» يحتفلون بأعياد الميلاد في جنوب لبنان (أ.ب)
TT

الترويج لموجات من التفاؤل يضع لبنان على «لائحة الانتظار»

جنود من الوحدة الفرنسية في «يونيفيل» يحتفلون بأعياد الميلاد في جنوب لبنان (أ.ب)
جنود من الوحدة الفرنسية في «يونيفيل» يحتفلون بأعياد الميلاد في جنوب لبنان (أ.ب)

يستعد اللبنانيون لاستقبال العام الجديد وسط ارتفاع منسوب المخاوف من أن يطل عليهم بمزيد من الأزمات، ويكون امتداداً للأزمات الموروثة عن سلفه الذي لم يبق منه سوى أيام، ما لم تَلُح في الأفق بوادر انفراج ليست مرئية حتى الساعة، رغم أن مصادر وزارية بدأت تروّج لموجات من التفاؤل بِرِهانها على عودة الموفد الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان إلى بيروت في محاولة لتثبيت الخيار الثالث لانتخاب رئيس للجمهورية، بالتلازم مع تأكيد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن انتخابه سيكون شغله الشاغل فور انتهاء عطلة الأعياد لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزُّم.

وكشفت المصادر الوزارية لـ«الشرق الأوسط» أن لودريان، وإن كان قد تعهّد بعودته إلى بيروت في الشهر المقبل، فإنه لا يزال يتريّث بطلب مواعيد للقائه الكتل النيابية لتحريك الملف الرئاسي على خلفية ترجيحه الخيار الثالث، وكذلك الأمر بالنسبة للموفد القطري.

وتوقفت المصادر نفسها أمام ما أخذت تروّج له جهات لبنانية رسمية نافذة بأن الوساطة التي تتولاها سلطنة عُمان بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران لا تزال قائمة ولم تتوقف رغم تبادلهما التهديدات التي بلغت ذروتها، وتتعلق بتأمين الحرية للملاحة البحرية في البحر الأحمر، وقالت إنها تتعامل معها من زاوية ما يترتب عليها من انفراج من شأنه أن يدفع باتجاه توفير بوادر حلحلة للأزمة اللبنانية لما لإيران من نفوذ في لبنان توظّفه لحماية مصالحها في المنطقة والإقرار بدورها.

لكن مصادر في المعارضة رأت أنه من السابق لأوانه ركوب موجات التفاؤل التي ستبقى عالقة على ما سيؤول إليه الوضع في غزة في ظل استمرار الحرب بين حركة «حماس» وإسرائيل، وما يمكن أن تحمله من تطورات انطلاقاً من ارتباطها بالجبهة الشمالية في جنوب لبنان مع مواصلة «حزب الله» مساندته لـ«حماس» التي أخذت وتيرتها تتصاعد يوماً بعد يوم.

لذلك فإن الترويج المفتعل لموجة التفاؤل يضع لبنان - كما تقول مصادر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط» - على لائحة الانتظار الذي من شأنه أن يزيد من أثقال الأزمات الملقاة على عاتق اللبنانيين، بخلاف ما تدعيه المصادر الوزارية بأنه يضع لبنان أمام مرحلة جديدة، ويفتح الباب لإعادة انتظام مؤسساته الدستورية، بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية. وسألت المصادر في المعارضة عن صحة ما يشاع ويتردد على أكثر من صعيد رسمي حول عزم مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوغشتاين التوجه إلى بيروت سعياً لوساطة بين لبنان وإسرائيل لإعادة تحديد الحدود البرية استكمالاً لمهمته السابقة التي أدت إلى ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

ومع أن جهات رسمية لبنانية رفيعة لم تؤكد حتى الساعة موعد عودته، فإن عدداً من السياسيين اللبنانيين نقلوا، عن لسان السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي تستعد لمغادرة لبنان، ما يؤكد عودة الموفد الأميركي للقيام بوساطة بتكليف من الرئيس جو بايدن لتحديد الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل لإعادة الاعتبار لتطبيق القرار 1701 تحسباً لقطع الطريق على احتمال لجوء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للاستفراد بلبنان باستهدافه الجنوب فور انتهاء الحرب في غزة.

وما يعزز استعداد واشنطن لتوليها مهمة الوساطة، مبادرة أكثر من جهة غربية إلى إسداء نصائح لحكومة تصريف الأعمال بالطلب من «حزب الله» بعدم توسيعه رقعة المواجهة على امتداد الجبهة الشمالية، وصولاً للدخول في حرب مفتوحة تأتي استكمالاً لتلك الدائرة في غزة.

حتى أن هذه الجهات تحذّر، لما لديها من مخاوف، من قيام نتنياهو باستفراد لبنان فور انتهاء الحرب في غزة، وتدعو الحكومة إلى إعداد تصوّر يتعلق بتطبيق القرار 1701 لأن الظروف الدولية لا تسمح بتعديله، وأن هناك صعوبة في التوصل إلى قرار بديل، ومن ثم لا بد من توفير الظروف لإعادة تفعيله بما يمكّن الحكومة من بسط سلطتها في الجنوب لئلا يتفرّد الحزب بقرار السلم والحرب.

ويبقى السؤال: ما مدى صحة ما يتناقله عدد من السياسيين عن لسان السفيرة شيا بأن الموفد الأميركي كان قد ألمح في زيارته الأخيرة إلى استعداده للقيام بوساطة لتحديد الحدود على امتداد الجبهة الشمالية بين لبنان وإسرائيل بدءاً بحل الخلاف المتعلق بعدد من النقاط التي كان قد سبق للحكومة اللبنانية أن تحفّظت عليها، وطالبت إسرائيل بالانسحاب منها بوصفها تابعة لخط الانسحاب الذي لا يزال تثبيته عالقاً منذ صدور القرار 1701 في نهاية حرب يوليو(تموز) 2006، وهذا ما يفسّر عدم اعترافها بالخط الأزرق خطاً نهائياً لتحديد الحدود كبديل عن خط الانسحاب الشامل.

وينقل هؤلاء عن لسان شيا أن هناك إمكانية لإيجاد حل لاستمرار احتلال إسرائيل مزارع شبعا بوجود إمكانية لتوسيع مهمة القوات الدولية «يونيفيل» لتشملها إلى جانب تلال كفرشوبا والجزء اللبناني لبلدة الغجر، مع أن هناك من يتعاطى مع العرض الأميركي على أنه محاولة للضغط على «حزب الله» الذي يشترط أولاً وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، ولا يلتفت إلى ما يسمى بالعرض الأميركي الذي ينظر إليه، كما تقول مصادره، على أنه محاولة للإيقاع بين الحزب وأطراف لبنانية لا تتفق وإياه في مقاربتهما للوضع المشتعل في الجنوب على أساس أن الحزب لا يعترض على تطبيقه.

وعليه لا بد من السؤال عن موقف حكومة تصريف الأعمال، وما مدى صحة ما يقال إنها تعد العدة لوضع تصور شامل تحت عنوان التزامها بالقرار 1701 وتحميل إسرائيل مسؤولية إعاقة تطبيقه.

في ضوء كل ما يروّج له البعض من موجات تفاؤلية تفتقد إلى ما يدعمها من أدلة وبراهين فإن الهم الأبرز للحكومة يكمن حالياً، كما تقول مصادر وزارية، في استكمال ملء الشغور في المجلس العسكري الذي سيأخذ طريقه إلى التنفيذ، نقلاً عن رئيسها نجيب ميقاتي في أول جلسة يعقدها مجلس الوزراء فور انتهاء عطلة الأعياد.

وقد يكون الجديد في تشكيل مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي الذي انتهت ولايته منذ فترة طويلة، وحالت الخلافات دون تحييده عن التجاذبات السياسية، وذلك بإصدار مرسوم عادي يوقّع عليه الرئيس ميقاتي ووزيرا الداخلية والمالية، إلا إذا ارتأى ميقاتي إصداره عن مجلس الوزراء كونه ينوب عن رئيس الجمهورية بغيابه الذي يفترض أن يحمل المرسوم توقيعه قبل نشره في الجريدة الرسمية ليصبح نافذاً.


مقالات ذات صلة

هرباً من الحرب... لبنانيون يلجأون إلى البحر والبر بديلاً عن رحلات جوية «خطرة ومكتظة»

المشرق العربي مسافرون قادمون من لبنان يسيرون عند معبر جديدة يابوس الحدودي في جنوب غربي سوريا (أ.ف.ب)

هرباً من الحرب... لبنانيون يلجأون إلى البحر والبر بديلاً عن رحلات جوية «خطرة ومكتظة»

وسط حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأجواء في لبنان، تبرُز مشكلة يواجهها الأشخاص الذين يبحثون عن سُبل لمغادرة البلاد هرباً من الحرب.

تمارا جمال الدين (بيروت)
تحليل إخباري نائب الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم خلال إلقاء كلمته في ذكرى «إسناد غزة» (إ.ب.أ)

تحليل إخباري خطاب نعيم قاسم... محاولة لرفع معنويات جمهوره و«فك» ضمني لوحدة الساحات

حمل الخطاب الثاني لنائب الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم عدداً من الرسائل، أبرزها فتح الطريق أمام وقف للنار يتخطى ضمناً مبدأ «وحدة الساحات» مع غزة.

كارولين عاكوم
المشرق العربي برّي متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

التباين يطغى على علاقة «حزب الله» - «التقدمي الاشتراكي»

مواقف رئيس الحزب «التقدّمي الاشتراكي»، وليد جنبلاط، الأخيرة، كشفت عن حجم التباين بينه وبين «حزب الله» في مقاربة الملفات الأساسية، وعلى رأسها ملف الحرب.

بولا أسطيح (بيروت)
شؤون إقليمية امرأة تلتقط صورة «سيلفي» بينما يسير المتظاهرون خلال تجمع لدعم الشعب الفلسطيني بالتزامن مع ذكرى 7 أكتوبر في أنقرة أول من أمس (إ.ب.أ)

تركيا ستجلي رعاياها من لبنان غداً عن طريق البحر

ستقوم تركيا بإجلاء نحو ألفَي مواطن تركي من لبنان عن طريق البحر غداً (الأربعاء)، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
خاص من داخل «سكاي بار» في وسط بيروت الذي يستقبل النازحين اللبنانيين (الشرق الأوسط) play-circle 00:55

خاص «سكاي بار» بيروت... من ملهى صاخب إلى مركز إيواء للنازحين

في ملهى «سكاي بار» الليلي وسط بيروت، ضيفة صغيرة، لا تشبه زوار الملهى التقليديين، لا عمراً ولا شكلاً.

لينا صالح (بيروت)

هرباً من الحرب... لبنانيون يلجأون إلى البحر والبر بديلاً عن رحلات جوية «خطرة ومكتظة»

مسافرون قادمون من لبنان يسيرون عند معبر جديدة يابوس الحدودي في جنوب غربي سوريا (أ.ف.ب)
مسافرون قادمون من لبنان يسيرون عند معبر جديدة يابوس الحدودي في جنوب غربي سوريا (أ.ف.ب)
TT

هرباً من الحرب... لبنانيون يلجأون إلى البحر والبر بديلاً عن رحلات جوية «خطرة ومكتظة»

مسافرون قادمون من لبنان يسيرون عند معبر جديدة يابوس الحدودي في جنوب غربي سوريا (أ.ف.ب)
مسافرون قادمون من لبنان يسيرون عند معبر جديدة يابوس الحدودي في جنوب غربي سوريا (أ.ف.ب)

يعيش اللبنانيون منذ أكثر من أسبوعين حالة من القلق النفسي والإحباط وسط تصاعد حدة القصف الإسرائيلي الذي طال مناطق عدة في البلاد، حيث لم تقتصر الضربات العنيفة على الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية فحسب، بل امتدت إلى بلدات وقرى مختلفة في جبل لبنان والبقاع والشمال.

وتسببت الأحداث الأخيرة في ظهور موجة من النزوح الداخلي. تتحدث الأرقام عن نحو مليون و200 ألف نازح لبناني، حملوا أحلامهم وآمالهم وبضعة أمتعة في سياراتهم، ولجأوا إلى منازل مستأجرة بعضها بمبالغ ضخمة، أو إلى مراكز إيواء عادةً ما تكون عبارة عن مدارس رسمية فتحت أبوابها لاستقبالهم.

ووسط حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأجواء في لبنان، تبرُز مشكلة يواجهها الأشخاص الذين يبحثون عن سُبل لمغادرة البلاد هرباً من الحرب، حيث أوقفت جميع شركات الطيران الأجنبية رحلاتها التجارية إلى مطار رفيق الحريري الدولي، ولا يمكن لأي مسافر الآن حجز تذاكر إلا عبر شركة «طيران الشرق الأوسط» اللبنانية، وهي الوحيدة التي لا تزال تسيّر رحلات من وإلى بيروت.

«لا ضمانات»

يعود سبب امتناع شركات الطيران من الهبوط في بيروت للقصف الكثيف الذي يصيب أحياناً أهدافاً قريبة جداً من المطار، حيث إن الطريق من وإلى المطار يعد غير آمن بحد ذاته.

وقال وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، الثلاثاء، إن السلطات تلقت خلال اتصالاتها الدولية «تطمينات» بخصوص عدم استهداف إسرائيل مطار بيروت، لكنها لا ترقى إلى «ضمانات»، على وقع تواصُل شَنّ غارات كثيفة في محيط المرفق الجوي منذ الأسبوع الماضي.

وكثّفت إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول) الماضي غاراتها الجوية، خصوصاً على ضاحية بيروت الجنوبية التي يقع مطار رفيق الحريري، الوحيد في البلاد، عند أطرافها. وشنّت إسرائيل غارات في جنوب البلاد وشرقها، استهدفت إحداها منطقة المصنع الحدودية؛ ما أدى إلى قطع المعبر البري الرئيسي بين لبنان وسوريا. وأكد حمية أن الحكومة اللبنانية «تسعى إلى أن تُبقي المرافق العامة براً وبحراً وجواً سالكة، وأولها مطار رفيق الحريري الدولي»، بوابة لبنان جواً إلى العالم.

مسافرون ينتظرون رحلاتهم الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي (أ.ف.ب)

وفي خضم حالة الخوف والهلع المنتشرة بين اللبنانيين، يلجأ كثير من الأشخاص مؤخراً إلى البر والبحر للوصول إلى بلدان مجاورة، إمّا للاستقرار فيها مؤقتاً، وإما للسفر عبرها إلى وجهات أخرى.

ووفقاً لمعلومات نشرتها قناة محلية، الثلاثاء، عَبَرَ نحو 60 ألف لبناني نقطة المصنع الحدودية مع سوريا منذ 23 سبتمبر، أي تاريخ بداية تصعيد إسرائيل القصف الجوي على مناطق لبنانية عدة، بعدما كانت الضربات تقتصر تقريباً على بلدات جنوبية حدودية منذ بداية حرب غزة قبل عام.

الهرب براً

بعد فشل الشاب اللبناني الثلاثيني وئام في الحصول على تذاكر سفر خلال مدة زمنية قريبة لعائلته المكونة من 3 أفراد بسبب زيادة الطلب على الرحلات الجوية، وعدم قدرة «طيران الشرق الأوسط» على تسيير مزيد من الرحلات اليومية، لجأ إلى أحد مكاتب السفر في جبل لبنان لتأمين مقاعد على متن حافلة، والسفر براً إلى الأردن.

ويقول وئام في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لم تتحمل زوجتي أصوات القصف التي نسمعها كل ليلة، حيث يشتد الضرب في ساعات الفجر، ووسط حالة الرعب من المستقبل وما قد ينتظرنا من مآسٍ، قررنا السفر إلى الأردن لمحاولة إيجاد مكان آمن لنا ولطفلتنا البالغة من العمر بضعة أشهر فقط».

ويضيف: «حجزنا مقاعد على متن حافلة تُقل اللبنانيين من بيروت إلى عمّان، حيث يسلك السائق طريق الشمال - من طرابلس - بعدما تَعَرَّضَ الطريق الرئيسي إلى سوريا (المصنع) للقصف».

وعن أسعار التذكرة وصعوبة الرحلة، يوضح الشاب الذي يعمل عن بُعد خبيراً مالياً في إحدى الشركات الأجنبية: «طلب المكتب منا مبلغاً قدره 200 دولار للشخص الواحد لتوصيلنا إلى عمّان، وقضينا نحو 15 ساعة على الطريق. ومع التوقف في كثير من النقاط للاستراحة، إلا أن الرحلة أرهقتنا بالفعل، خصوصاً مع وجود ابنتنا التي تحتاج إلى رعاية كبيرة بسبب سنها الصغيرة».

وفي هذا السياق، تشرح خبيرة الحجوزات سارة البنا، التي تعمل في شركة «نخال» للسياحة والسفر اللبنانية، أن إقبال الناس على الرحلات البرية، من لبنان إلى سوريا والأردن ازداد كثيراً وسط الأوضاع الصعبة.

وتوضح لـ«الشرق الأوسط» أنهم يتلقون يومياً عشرات الاتصالات من عائلات تطلب المغادرة «بأي وسيلة».

وتتابع: «نُسيّر أسبوعياً أكثر من 3 حافلات - بسعة 40 شخصاً للواحدة - من بيروت إلى عمّان عبر شمال لبنان بعد تعرُّض طريق المصنع للقصف، وتتراوح أسعار التذاكر بين 150 و250 دولاراً للشخص الواحد، فالسعر يحدده الطلب على كل رحلة وفقاً لموعدها وساعة الانطلاق... وما إلى ذلك».

وتضيف البنا: «يحتاج الطريق البري من 15 إلى 18 ساعة عبر طرابلس، ومن ثم حمص السورية وصولاً إلى عمّان، ولكن هناك أكثر من محطة للاستراحة، بسبب وجود كثير من كبار السن والصغار على متن الحافلات».

إعلان أصدرته إحدى وكالات السفر اللبنانية للترويج لرحلات برية من بيروت إلى عمَّان

من جهتها، تصف لارا، المسؤولة عن الحجوزات في مكتب سفريات «يلا ترافيل» في بيروت الإقبال الكثيف على الرحلات البرية عبر الحافلات إلى عمان، وتقول: «نتلقى يومياً المئات من الرسائل عبر (واتساب) للاستفسار عن الرحلات، حيث قررت عائلات كثيرة السفر معاً، والهرب من لبنان وسط الأوضاع الصعبة».

وتضيف: «حافلاتنا تسير يومياً عبر الطريق الشمالي وصولاً إلى طرابلس ومن ثم سوريا والأردن، وتكون المقاعد محجوزة بشكل كامل».

وعن الحالة النفسية للعائلات، تقول لارا إن معظم المسافرين تظهر عليهم ملامح الحزن عند صعودهم على متن الحافلات، وتستطرد: «الركاب نازحون من الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، ولكنهم أيضاً سكان مناطق جبلية وشمالية في لبنان تعد آمنة نوعاً ما، والكل يحلم بليلة نوم هادئة واحدة بعيدة عن أصوات القصف، في بلدان أخرى للأسف».

«برايفت تاكسي»

لا تقتصر الرحلات البرية من لبنان إلى سوريا والأردن على الحافلات الكبيرة، حيث تظهر أيضاً شركات نقل تتيح سيارات أجرة خاصة، معروفة بـ«برايفت تاكسي»، لنقل الأشخاص إلى الوجهة التي يريدونها، ولكن بأسعار مرتفعة.

وتكلفة سيارة الأجرة الخاصة التي يمكنها نقل 6 مسافرين حداً أقصى مع أمتعتهم، تتراوح بين ألف و100 دولار، وألف و500 دولار للرحلة، وفقاً لسائق سيارة أجرة رفض الكشف عن اسمه.

ويوضح: «هناك طلب على هذا النوع من الرحلات من قِبل العائلات التي تضم أطفالاً صغاراً، أو مرضى كباراً بالسن، حيث إن السيارة الخاصة أكثر راحةً وخصوصية مقارنةً بالحافلات، ويمكن للمسافرين تحديد مدة الاستراحات والأماكن التي يرغبون في التوقف عندها».

ولم يكن لخالة فاطمة، شابة لبنانية من سكان العاصمة بيروت، مَفَرٌّ إلا اللجوء إلى سيارة أجرة خاصة للنزوح إلى سوريا، وذلك بسبب وضعها الصحي الصعب. وتشرح: «خالتي تعاني شللاً نصفياً، وتحتاج إلى رعاية طبية دائمة وأدوية كثيرة. وخوفاً من الحرب وانقطاع الأدوية في لبنان، لجأت إلى سوريا عبر سيارة أجرة، ومن هناك ستقرر وجهتها التالية».

السفر بحراً

للبنانيين الراغبين في السفر بحراً وجهتان أساسيتان: قبرص وتركيا. وعن هذه الرحلات، توضح البنا من شركة «نخال»: «الوجهة الأكثر رواجاً اليوم عبر البحر هي منطقة ميرسين في تركيا، حيث تحتاج الرحلة لنحو 18 ساعة. أما قبرص، التي يلجأ إليها الكثيرون أيضاً، فتحتاج لـ7 ساعات تقريباً فقط».

لبنانيون يفرون من القصف الإسرائيلي على متن قارب متجه إلى قبرص (رويترز)

وتشرح الخبيرة: «تتنوع الرحلات البحرية، وهناك في لبنان عدد من السفن التي تنقل الناس إلى وجهات بعيدة، فالقوارب الصغيرة التي يمكنها ضمّ نحو 10 أشخاص هي الأكثر تكلفةً - نحو 3 آلاف دولار على الشخص الواحد».

وتقول البنا: «نقطة التجمع الأساسية لهذه الرحلات هي مرفأ ضبية في بيروت، وعلى اللبنانيين المسافرين إلى قبرص الحصول على تأشيرة كالعادة، وهي تحتاج إلى نحو 8 أيام عمل، أو إبراز تأشيرة (شينغن) صالحة».

ولكن كحال النقل البري، هناك دائماً خيارات أقل تكلفةً، وهي البواخر الكبيرة التي تنطلق من ميناء طرابلس في شمال البلاد، ووجهتها الأساسية منطقة تاشوجو بالقرب من ميرسين في تركيا.

ويوضح أحمد الموظف في إحدى شركات السفر بلبنان والمشارك في تنظيم الرحلات هذه: «تبدأ الرحلة من مرفأ طرابلس في شمال لبنان، وتبلغ التكلفة 350 دولاراً للشخص الواحد، والآن لدينا نحو 3 رحلات أسبوعياً يمكنها نقل 400 مسافر في كل مرة. ولكن هناك خطط لرفع عدد الرحلات إلى 5 بسبب الضغط».

مجموعة من اللبنانيين يفرون من البلاد على متن قارب متجه إلى قبرص من ميناء ضبية (رويترز)

«طائرات خاصة»

تتحدث سارة البنا من شركة «نخال» عن حلول إضافية للخروج من لبنان، ولكنها لا تناسب إلا «الطبقة الثرية» على حد تعبيرها.

وتشرح: «هناك طائرات خاصة صغيرة توصلك من مطار بيروت الدولي إلى أنطاليا أو إسطنبول في تركيا، بشكل مريح وسريع».

وعن تكلفة هذه الرحلات، تقول: «الرحلة الجوية الخاصة (سعة 4 أشخاص) إلى إسطنبول، تبلغ تكلفتها نحو 28 ألفاً و500 دولار، أما الرحلة إلى مدينة أنطاليا فتُكَلف المسافرين نحو 18 ألف دولار».

وعن الإقبال على هذه الرحلات، تقول البنا: «الطلب ضعيف، ولكنه ليس منعدماً».