حرب غزة تفاقم المعاناة النفسية للفلسطينيين من مختلف الأعمار

فلسطينية جريحة من عائلة بركة يحيط بها أطفالها عند وصولهم إلى مستشفى ناصر بخان يونس جنوب قطاع غزة عقب الغارات الجوية الإسرائيلية التي أصابت مبناهم (أ.ف.ب)
فلسطينية جريحة من عائلة بركة يحيط بها أطفالها عند وصولهم إلى مستشفى ناصر بخان يونس جنوب قطاع غزة عقب الغارات الجوية الإسرائيلية التي أصابت مبناهم (أ.ف.ب)
TT

حرب غزة تفاقم المعاناة النفسية للفلسطينيين من مختلف الأعمار

فلسطينية جريحة من عائلة بركة يحيط بها أطفالها عند وصولهم إلى مستشفى ناصر بخان يونس جنوب قطاع غزة عقب الغارات الجوية الإسرائيلية التي أصابت مبناهم (أ.ف.ب)
فلسطينية جريحة من عائلة بركة يحيط بها أطفالها عند وصولهم إلى مستشفى ناصر بخان يونس جنوب قطاع غزة عقب الغارات الجوية الإسرائيلية التي أصابت مبناهم (أ.ف.ب)

اعتاد الفلسطيني محمود أبو طه الظروف الصعبة في غزة، وعايش الحروب التي شهدها القطاع المحاصر سنوات طويلة، لكن ما يحدث منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي فاق تصوره، وجعله يعاني نفسياً بشدة هو وأطفاله، مع الترقب اليومي للغارات الإسرائيلية التي لا تتوقف.

ويوضح أبو طه الذي يسكن في رفح جنوب قطاع غزة أن الأهوال التي يعيشها حالياً بنفسه منذ ما يزيد على شهرين لا تماثل أي شيء مر على أجداده الفلسطينيين منذ عقود طويلة، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال: «(إحنا) اليوم (مرينا) بحرب صعبة جداً، لم تمر علينا من قبل، من 1948. حتى جدودنا لم يفكروا في هذا الموضوع، حتى جدودنا لم يمروا بهذه الأحداث التي مرت بنا اليوم. قبل ذلك، تم تهجيرهم من بيوتهم ومن بلادنا لكن (اللي صار) اليوم فوق الخيال، أصعب مما كنا نتصور».

وأضاف: «البراميل (المتفجرة) صارت تنزل والأحداث والقصف وفقدان كثير من أحبابنا. صار الأطفال لا ينامون، ونحن لا ننام. لا نرتاح في بيوتنا. الواحد يتوقع في أي لحظة أن ينزل عليه برميل من البراميل (المتفجرة). التفجير يصير اليوم في كل مكان».

ولا يشعر أبو طه بالأمان على الإطلاق وهو ما يسبب له قلقاً مستمراً مع عدم قدرته هو وأطفاله الصغار على النوم بانتظام بسبب الخوف الدائم من القصف الإسرائيلي الذي يتواصل ليل نهار؛ ما جعله يلجأ لشراء مهدئات.

وقال: «لا يوجد مكان آمن، ولا بيوت آمنة، ولا شوارع آمنة. لا يوجد أكل أو شرب، واليوم أصبحنا كلنا مرضى نفسيين. (بنروح) على الصيدليات نجيب (نشتري) مهدئات لأولادنا الصغار (علشان) يحاولوا يناموا ويرتاحوا. (إحنا) اليوم (مفيش) مجال للنوم والراحة في الليل أو النهار».

ويعتقد مروان الهمص مدير مستشفى «الشهيد أبو يوسف» النجار في رفح أن متابعة الأطفال لكل مشاهد الحرب والدمار بشكل مكثف تجعلهم يعانون تأثيرات ما بعد الصدمة؛ ما يتسبب في حدوث أمراض نفسية لهم فيما بعد.

وقال: «هناك حالات كثيرة تصل إلينا، وتصل إلى مراكز الرعاية الأولية وكذلك مراكز الدعم النفسي من آثار ما بعد الصدمة. أصبح غالبية الأطفال لديهم تبول لا إرادي من كثرة الخوف ومن كثرة المشاهد التي يرونها. يرون المشاهد على الطبيعة بعيداً عن أي منغص في التلفزيون. المشاهد التلفزيونية هي مشاهد حقيقية».

وأضاف: «يشاهد (الطفل) والده يستشهد، يشاهد إخوانه يستشهدون، يشاهد عائلته تستشهد، يشاهد الأشلاء، يشاهد البتر، يشاهد الحرق. هذا يؤثر على العامل النفسي. أغلب الإصابات التي تأتي هي إصابات ما بعد الصدمة. نجدها في المستشفيات، ولا يمكن التعامل معها».

ويمتد التأثير النفسي للحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي إلى الطواقم الطبية والعاملين في المجال الصحي الذين يعانون بشدة من مشاهد الدماء والأشلاء، وسط نقص واضح في المستلزمات الطبية اللازمة لعلاج عشرات الآلاف من المصابين والجرحى.

وقال الهمص: «أغلب الطواقم الطبية من الطبيب إلى عامل المستشفى لديهم أمراض. أكاد أجزم بأن لديهم بعض الأعراض من الصدمة النفسية، وأغلبهم يحتاج إلى علاج نفسي بعد هذه الحرب وترفيه عن أبناء شعبنا الأطفال، خصوصاً الطواقم الطبية التي تعمل في هذا المجال وهذا الميدان».


مقالات ذات صلة

«هيومن رايتس ووتش» تتهم إسرائيل بـ«تهجير قسري» للسكان في غزة

المشرق العربي فلسطينيون ينزحون من المناطق الشمالية لقطاع غزة وسط عملية عسكرية إسرائيلية (رويترز)

«هيومن رايتس ووتش» تتهم إسرائيل بـ«تهجير قسري» للسكان في غزة

أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» المدافعة عن حقوق الإنسان أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية في قطاع غزة ترقى إلى «جريمة حرب» تتمثل في «تهجير قسري».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي كرات اللهب تتصاعد من جراء غارات إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

«نار التفاوض» تشمل بيروت وتل أبيب

أشعلت محادثات التفاوض بين لبنان وإسرائيل، النيران المتبادلة مع «حزب الله» التي طالت الضاحية الجنوبية لبيروت وتل أبيب، حيث أعلن الحزب استهداف وزارة الدفاع.

نذير رضا (بيروت)
شؤون إقليمية طائرة مسيّرة (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض طائرة مسيّرة فوق إيلات

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (الأربعاء)، أن القوات البحرية اعترضت طائرة مسيّرة قادمة من جهة الشرق فوق منطقة إيلات.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي تصاعد الدخان من جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت مساء اليوم (رويترز)

غارات إسرئيلية عنيفة تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت

استهدفت غارات إسرائيلية الضاحية الجنوبية لبيروت، اليوم (الأربعاء)، بعد إنذارات إسرائيلية للسكان للإخلاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية جانب من الدمار من جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (د.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 6 جنود في جنوب لبنان

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (الأربعاء)، مقتل 6 من جنوده بالمعارك الدائرة في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«هيومن رايتس ووتش» تتهم إسرائيل بـ«تهجير قسري» للسكان في غزة

فلسطينيون ينزحون من المناطق الشمالية لقطاع غزة وسط عملية عسكرية إسرائيلية (رويترز)
فلسطينيون ينزحون من المناطق الشمالية لقطاع غزة وسط عملية عسكرية إسرائيلية (رويترز)
TT

«هيومن رايتس ووتش» تتهم إسرائيل بـ«تهجير قسري» للسكان في غزة

فلسطينيون ينزحون من المناطق الشمالية لقطاع غزة وسط عملية عسكرية إسرائيلية (رويترز)
فلسطينيون ينزحون من المناطق الشمالية لقطاع غزة وسط عملية عسكرية إسرائيلية (رويترز)

أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» المدافعة عن حقوق الإنسان، في تقرير، الخميس، أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية في قطاع غزة ترقى إلى «جريمة حرب» تتمثل في «تهجير قسري» في مناطق، وفي مناطق أخرى تصل إلى «تطهير عرقي».

وقال التقرير: «جمعت (هيومن رايتس ووتش) أدلة على أن المسؤولين الإسرائيليين يرتكبون جريمة حرب تتمثل في التهجير القسري».

وأضاف التقرير، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية: «تبدو تصرفات إسرائيل وكأنها تتفق مع تعريف التطهير العرقي» في المناطق التي لن يتمكن الفلسطينيون من العودة إليها.

وبحسب الباحثة في المنظمة نادية هاردمان، فإن نتائج التقرير تستند إلى مقابلات مع نازحين من غزة وصور الأقمار الاصطناعية والتقارير العامة التي قدمت حتى أغسطس (آب) 2024.

وفي وقت تقول إسرائيل إن النزوح هدفه تأمين المدنيين أو لأسباب عسكرية ملحة، رأت هاردمان أن «إسرائيل لا تستطيع الاعتماد ببساطة على وجود المجموعات المسلحة لتبرير نزوح المدنيين».

وأضافت: «يتعيّن على إسرائيل أن تثبت في كل حالة أن نزوح المدنيين هو الخيار الوحيد»، وذلك للامتثال الكامل للقانون الدولي الإنساني.

وقال المتحدث باسم قسم الشرق الأوسط في «هيومن رايتس ووتش» أحمد بن شمسي: «هذا الإجراء يحوّل أجزاء كبيرة من غزة إلى مناطق غير صالحة للسكن بشكل منهجي... وفي بعض الحالات بشكل دائم، وهو ما يرقى إلى مستوى التطهير العرقي».

وأشار التقرير إلى محور «فيلادلفيا» الذي يمتدّ على طول الحدود مع مصر، ومحور «نتساريم» الذي يقطع غزة بين الشرق والغرب، والمناطق حولهما التي «دمّرها الجيش الإسرائيلي ووسّعها وأزالها» لإنشاء مناطق عازلة وممرات أمنية.

ويتمسّك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن القوات الإسرائيلية يجب أن تحتفظ بالسيطرة على محور «فيلادلفيا» لضمان عدم تهريب الرهائن خارج غزة.

وقالت هاردمان إن القوات الإسرائيلية حوّلت محور «نتساريم» بين مدينة غزة وواديها إلى منطقة عازلة بعرض 4 كيلومترات خالية في الغالب من المباني.

ولم يأتِ التقرير على ذكر التطورات التي وقعت في الحرب منذ أغسطس (آب)، لا سيما العملية العسكرية الإسرائيلية المكثفة في شمال قطاع غزة التي بدأت مطلع أكتوبر (تشرين الأول).

وقالت المتحدثة باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لويز ووتريدج، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن العملية العسكرية في شمال قطاع غزة أجبرت ما لا يقلّ عن 100 ألف شخص على النزوح من أقصى الشمال إلى مدينة غزة والمناطق المحيطة بها.

ورأى تقرير «هيومن رايتس ووتش» أن «تصرفات السلطات الإسرائيلية في غزة هي تصرفات مجموعة عرقية أو دينية واحدة لإخراج الفلسطينيين أو مجموعة عرقية أو دينية أخرى من مناطق داخل غزة بوسائل عنيفة».

وأشار التقرير إلى الطبيعة المنظمة للنزوح ونية القوات الإسرائيلية ضمان «بقاء المناطق المتضررة بشكل دائم. لذلك تمّ تفريغ غزة من سكانها وتطهيرها من الفلسطينيين».

ووفقاً للأمم المتحدة، نزح 1.9 مليون شخص من أصل 2.4 مليون نسمة منذ أكتوبر 2024.