كشف تقرير دولي عن وجود «حاجة ملحّة» لتدخل حكومي يستهدف إصلاح أجهزة الجمارك والضرائب في لبنان، وإنقاذها من الحال التي انحدرت إليها بفعل الأزمات الحاضرة، مما أفضى إلى انحدار حاد في موارد الخزينة العامة.
وزارت لبنان بعثة خاصة من صندوق النقد الدولي بين 25 سبتمبر (أيلول) و6 أكتوبر (تشرين الأول) والتقت خلالها وزير المال يوسف الخليل ومديري الجمارك والإدارات المختصة بالضرائب، وخلصت إلى ضرورة القيام بسلسلة مبادرات عاجلة ومتدرجة من الأسهل إلى الأساسية لإحداث التغيير المنشود مع دعم مالي وتقني تتكفل به مؤسسات اقتصادية ومالية دولية، شرط توفر الإرادة الداخلية، مبيّنة أن الوضع القائم يتسبّب في انخفاض حاد في قدرات جباية الضرائب، مع تدهور نسبة الإيرادات الضريبيّة من الناتج المحلي الإجمالي من 21 في المائة في عام 2018 إلى 6.3 في المائة في عام 2022.
ويكتسب تقرير البعثة المنجز عقب مهمة خاصة وجولة بحث واستقصاءات دامت أسبوعين، بناء لطلب رسمي من قبل وزير المال يوسف الخليل، أهمية استثنائية لتزامنه مع استمرار مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للعام المقبل في سلسلة اجتماعات لجنة المال النيابية، ولا سيما لجهة ما أثارته من إشكاليات اتسمت بالحدة غالباً، وتساؤلات بشأن تدفق الإيرادات الحكومية عبر المنافذ الجمركية والضريبية.
وسلّط التقرير الضوء، حسب الملخص الذي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه أعدّتها دائرة الأبحاث في مجموعة «الاعتماد اللبناني»، على الحالة السيئة لإدارات الضرائب والجمارك في لبنان، لا سيّما على صعيد الكادر البشري، والذي يعاني من تجميد التوظيف ومن استقالة الموظفين الحاليين الذين انخفضت قيمة رواتبهم بشكل كبير على خلفيّة التدهور الكبير في سعر صرف العملة المحليّة.
وبما يخص الموارد البشريّة أيضاً، ظهر أن الوضع أكثر حرجاً في قسم تكنولوجيا المعلومات، حيث لا يوجد سوى موظّف واحد في مديريّة تكنولوجيا المعلومات في إدارة الجمارك اللبنانيّة، ولا يوجد أي موظّف في المديريات الأخرى للضرائب.
دعم مشروط
بناءً على ذلك، لفت التقرير إلى الحاجة الملحّة للإصلاح، مشيراً إلى أن كثيراً من المانحين الدوليين مثل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق النقد الدولي قد أعربوا عن استعدادهم للدعم المالي شريطة توافر إرادة لإحداث التغيير.
في التقرير، استعملت بعثة الصندوق النقد الدولي منهجيّة لتسليط الضوء على أولويات الإصلاح، تأخذ في الاعتبار النتائج التي سيحدثها هذا الإصلاح والتعقيد الفنّي المطلوب لتنفيذه. وبناءً على ذلك، قام صندوق النقد الدولي بتقسيم الإصلاحات إلى ثلاث فئات تتوزع بين المكاسب السريعة التي يمكن تحقيقها من خلال مبادرات سهلة نسبيّاً من شأنها أن تساعد في بناء الزخم للانتقال إلى حزمة المبادرات الأساسية التي تشكل الجزء الأكبر من برنامج الإصلاح، فضلاً عن إجراءات إضافية يجب دراستها بعناية قبل تنفيذها.
مكاسب سريعة
وفيما يتعلق بدائرة الضرائب، أشار التقرير إلى ثلاثة مكاسب سريعة، وهي الحاجة إلى البدء بتبادل البيانات مع إدارة الجمارك، ومعالجة التسّرب الضريبي من قبل كبار دافعي الضرائب، وإنتاج إحصاءات يمكن تحليلها لتعزيز تحصيل الضرائب.
وتالياً، تشمل المبادرات الأساسيّة معالجة مسألة استقالة الموظّفين وتوظيف أشخاص جدد، وخاصّة في دوائر تكنولوجيا المعلومات والتدقيق والتحصيل برواتب تتماشى مع أسعار السوق، وتحسين ظروف العمل، حيث إن المكاتب تعاني من انقطاع الكهرباء ومن نقص في الإمدادات وتجديد الهيكل التنظيمي الحالي الذي يقسّم مديريات الضرائب من خلال إنشاء إدارة ضريبية شبه مستقلة.
أما التدابير المضافة، فتشمل إعادة إطلاق مكتب كبار دافعي الضرائب، مع العلم بأنّ المعايير الحالية قد تآكلت بسبب التضخم، وتوسيعه ليشمل ضريبة القيمة المضافة أيضاً، وإنشاء مكتب إدارة الإصلاح لتنسيق الإصلاحات بين الإدارات المختلفة، ودمج دوائر الامتثال بين دائرتي الإيرادات وضريبة القيمة المضافة.
ودعت بعثة الصندوق إلى وضع استراتيجيّة امتثال خاصّة بالأزمة، ومعالجة التراكم في مكننة تقديم طلبات ضريبة الدخل الفردي مع التركيز على السنوات الأخيرة، وتحقيق استقرار في عمليّات تكنولوجيا المعلومات، واستئناف التبادل الدولي لضريبة الدخل الفردي، إضافة إلى أولويات القضاء على ازدواجية الوظائف من خلال حصر العمليّات في الإدارة المركزيّة، واستبدال نظام (SIGTAS) المعمول به، بواسطة نظام جديد لتكنولوجيا المعلومات يشمل الضرائب المباشرة وغير المباشرة.
وبما يتعلق بإدارة الجمارك، فإنّ المكاسب السريعة تتمحور حول تحقيق الاستقرار في دائرة تكنولوجيا المعلومات من خلال معالجة مشاكل التوظيف والتطبيق الصحيح للنظام الآلي للبيانات الجمركية (ASYCUDA) لمكافحة التلاعب في تقييم البضائع في الجمارك.
وعلق التقرير بالقول إنّ الأموال التي يستوجبها تحقيق الاستقرار في عمليات تكنولوجيا المعلومات يمكن توفيرها بسهولة، مشيراً في هذا الصدد إلى أن المجلس الأعلى للجمارك يدفع حاليّاً بدل إيجار بقيمة 340 ألف دولار، في حين لا يزال مبنى الجمارك المنشأ حديثاً في مرفأ بيروت شاغراً بسبب عدم وتوفير ما قيمته حوالي 30 ألف دولار من أثاث ومفروشات مكتبيّة وتوصيلات لشبكة الإنترنت لتجهيزه بالكامل.
مراجعة الرسوم
وتشمل المبادرات الأساسيّة إجراء مراجعة لرسوم الخدمات الجمركية، حيث إن كثيراً من الرسوم إما مجانيّة وإما بتكلفة أقل بكثير من تلك المطلوبة لتلبية هذه الرسوم، وتحديث قانون الجمارك ليتوافق مع المعايير الدولية، وإنشاء مكتب لإدارة الإصلاح ووحدة لإدارة المخاطر، وتعزيز عمليّات المراجعة التي تلي التخليص الجمركي.
وبخصوص التدابير المضافة، فهي توصي بحلّ مشاكل التوظيف، كما هي الحال مع إدارة الضرائب، وتحديث تنفيذ التعريفة الإلكترونية المستند حالياً إلى إصدار عام 2017، ليتحول إلى إصدار عام 2022، بينما توجب الأولويات إنشاء هيكل تنظيمي جديد، ونقل إدارة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بنظام (ASYCUDA) التي تعمل حاليا تحت إشراف اللجنة العليا للجمارك إلى مدير عام الجمارك لتحسين الكفاءة وبعض الإصلاحات على جبهة الموارد البشرية.