طلاب الجامعات في لبنان مثقلون بالانهيار المالي

كلفة التنقل وارتفاع الإيجارات يؤثران على مسيرتهم التعليمية

مبنى الجامعة اللبنانية كلية العلوم (متداولة)
مبنى الجامعة اللبنانية كلية العلوم (متداولة)
TT

طلاب الجامعات في لبنان مثقلون بالانهيار المالي

مبنى الجامعة اللبنانية كلية العلوم (متداولة)
مبنى الجامعة اللبنانية كلية العلوم (متداولة)

مع انهيار النظام المالي في لبنان في 2019، وفي ظل سعر الصرف الآخذ في التراجع للعملة المحلية وارتفاع أسعار المحروقات، يرزح كثير من طلبة الجامعات تحت وطأة عقبات متزايدة تؤثر على مسيرتهم التعليمية، ومنها القدرة على التنقل، بحسب تقرر أعدته «وكالة أنباء العالم العربي».

وتتجمع معظم الجامعات في المدن الرئيسية اللبنانية، وخاصة في العاصمة بيروت، مما يشكل صعوبة أمام الطلبة الذين يعيشون في مناطق بعيدة، مثل الجنوب وجبل لبنان.

ويضطر كثير من هؤلاء الطلبة إلى البحث عن سكن في المدن الرئيسية، أو التنقل بشكل شبه يومي، وهما خياران كلاهما مر في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

ووفقاً لوزارة التربية والتعليم العالي، يوجد في لبنان 36 جامعة خاصة، بينما تضم الجامعة اللبنانية، وهي الجامعة الحكومية الوحيدة في البلاد، 19 كلية. ويدرس في الجامعات اللبنانية ما يقرب من 90 ألف طالب.

جاد سماحة (19 عاماً)، طالب حقوق في جامعة الحكمة الخاصة في بيروت، لجأ في بداية العام الدراسي الحالي في سبتمبر (أيلول) إلى استئجار بيت مع أصدقائه في منطقة الطيونة التي تبعد نحو عشر دقائق عن جامعتهم.

وقال سماحة لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «سكني الأساسي في مدينة صيدا، وطيلة السنة الماضية كنت أستقل الحافلات الصغيرة، أو أستقل سيارة والدي حتى أتمكن من الوصول إلى الجامعة، لكن هذا النمط في الحياة كان متعباً».

وأضاف: «حين أتوجه في الثامنة صباحاً إلى بيروت أو مع مغادرتي لها في الخامسة مساء أواجه صعوبات كبيرة، فهذا وقت ذروة الازدحام للقادمين والمغادرين، وهو ما ينعكس في التأخر عن حضور المحاضرات في الجامعة، فضلاً عن التأخر مساء في العودة إلى المنزل، حيث كنت أقضي نحو ساعتين في الطريق في معظم الأيام، بينما الوقت الذي يستغرقه الطريق في الأحوال العادية لا يزيد على 40 دقيقة».

وأوضح سماحة أن أحد أسباب انتقاله للعيش في بيروت هو ارتفاع تكلفة النقل؛ إذ تبلغ أجرة الحافلة من صيدا إلى منطقة الكولا في بيروت 100 ألف ليرة لبنانية (دولارين تقريباً)، ويحتاج بعدها إلى أن يستقل سيارة أجرة مقابل 150 ألف ليرة للوصول إلى الجامعة.

أما ياسمين حمدان (21 عاماً)، الطالبة في كلية الفنون الجميلة بالجامعة اللبنانية، فإنها تعيش في جبل لبنان بمنطقة عاليه، وأخذت قراراً مع بداية العام الدراسي هذا العام بأن تعود إلى الإقامة في منطقتها بعد أن كانت تقيم في بيروت طوال السنة الدراسية.

وقالت ياسمين: «كنت أسكن مع اثنتين من زميلاتي في الجامعة في شقة مقسمة إلى 3 غرف، وكل واحدة كانت تدفع إيجاراً لغرفتها يصل إلى 100 دولار شهرياً».

أضافت: «عندما استأجرنا الشقة قبل عامين، كان الإيجار يشمل فاتورة الماء واشتراك مولد الكهرباء، لكن الأمور بدأت تتغير مع ارتفاع الأسعار والخدمات، فطلب صاحب الشقة زيادة إيجار الغرفة أو أن ندفع فواتير الماء والكهرباء».

أما حسن خليل البالغ من العمر 20 عاماً فأشار إلى وجود العديد من الطلاب الذين يفضلون السكن داخل السكن الجامعي، أو البحث عن شقق سكنية متوسطة التكلفة، توفيراً للوقت والمال.

وقال خليل، الذي يدرس الطب في الجامعة اللبنانية، وهي الجامعة الحكومية الوحيدة في لبنان، إن الاستقرار في شقة سكنية أفضل من إضاعة الوقت في الطرق للتنقل بين المنزل والجامعة.

وأضاف: «في هذه الحالة يمكن للطالب أن يحصل على سرير في غرفة ويدفع شهرياً 60 دولاراً، على أن يدفع أيضاً خدمات الماء والإنترنت، أو أن يقوم باستئجار السرير مقابل 130 دولاراً على أن يشمل ذلك باقي الخدمات».

وأشار إلى أن المشكلة تكون لدى الطلاب الذين لا يعملون وما زالوا يعتمدون على عائلاتهم في دفع تكاليف الإقامة والدراسة.

ومضى قائلاً: «في السابق اعتمد إخوتي على والدي في مصاريفهم، كون الأوضاع كانت مقبولة من حيث تكلفة المعيشة، ففي ذلك الوقت كان باستطاعتهم تأمين 300 دولار شهرياً مصروفاً شخصياً، أما الآن، فيمثل هذا المبلغ إيجار الشقة فقط، وتوفير بعض الخدمات فحسب ولعدة أيام فقط في الشهر».

ومع ذلك، رأت منى سليمان (23 عاماً) أن تكلفة السكن الجامعي في الجامعات الخاصة أكبر مقارنة بالجامعة الرسمية.

وقالت لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «نحن لا نبحث عن الجامعة المناسبة لطموحنا التعليمي فقط، بل لدينا اعتبارات أخرى مثل السكن والنقل والإنترنت والطعام، ثم تأتي الحصص الدراسية في المرتبة الثانية».

ورأى الناشط الحقوقي جمال غانم أن رجال الأعمال الذين يملكون العديد من الجامعات الخاصة قد يكون في صالحهم إضعاف الجامعة اللبنانية الرسمية.

وقال لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «مشكلة بناء الكليات في المناطق اللبنانية تعود لأسباب عديدة، منها حاجة الجامعة إلى تمويل للتمكن من افتتاح فروع جديدة، إضافة إلى سوء إدارة التنمية المستدامة في الأرياف، فتم إهمالها على حساب المدن».

وأضاف: «العديد من الجامعات الخاصة، التي يملكها رجال أعمال أو مؤسسات دينية، هم وشركاء مع وزراء وسياسيين ونواب، وقد تكون من مصلحتهم إضعاف الجامعة اللبنانية الرسمية، لافتتاح مؤسساتهم التعليمية».

وأشار غانم إلى أن الطلاب، بعد عام 2020 والتوجه نحو التعليم عن بعد بسبب الجائحة، وجد كثيرون منهم أنها وسيلة مناسبة لتوفير أقساط السكن والنقل.

وعدّ أن «الحل يكون بدعم السكن الجامعي، وتأمينه بأسعار مقبولة للطلاب، أو المساهمة في إنشاء خطوط نقل مخصصة لهم بأجرة متوسطة تساعدهم على التنقل، كما أنها ستشكل مردوداً مالياً للجامعة».

وأضاف: «إذا كان الحل الأمثل وهو بناء الكليات (في المناطق البعيدة) غير ممكن، فيجب البحث عن حلول بديلة منتجة».


مقالات ذات صلة

الاقتصاد اللبناني «المنهك» ينزلق إلى هاوية الركود الشامل

المشرق العربي معبر جوسيه بين لبنان وسوريا إثر استهدافه بقصف إسرائيلي في 25 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

الاقتصاد اللبناني «المنهك» ينزلق إلى هاوية الركود الشامل

يعكس التباين في تقديرات الخسائر الاقتصادية للحرب حقيقة عمق حال «عدم اليقين» وصعوبات التحقّق من مستويات التدهور اللاحقة بالمؤشرات الأساسية والمرافق الإنتاجية.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي «مصرف لبنان المركزي»... (أرشيفية - رويترز)

لبنان يواجه حزمة استحقاقات مالية «داهمة»

يشهد لبنان زحمة استحقاقات مالية مهمة ومتزامنة خلال الشهر الحالي؛ تبدأ بشروع الحكومة في مناقشة مشروع قانون الموازنة للعام المقبل.

علي زين الدين
المشرق العربي حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (رويترز)

رياض سلامة... من جوائز التكريم إلى أروقة المحاكم

يشكّل سلامة منذ ثلاثة أعوام محور تحقيقات محلية وأوروبية تشتبه في أنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية بشكل غير قانوني، وأساء استخدام أموال عامة على نطاق واسع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الحاكم السابق للمصرف المركزي في لبنان رياض سلامة (رويترز)

توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بعد استجوابه

أوقف القضاء اللبناني، اليوم (الثلاثاء)، الحاكم السابق للمصرف المركزي رياض سلامة، بعد استجوابه بشأن قضية اختلاس أموال.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة عامة لمعمل الجية الحراري المتوقف عن العمل (إ.ب.أ)

​مخرج سياسي لبناني لاستئناف إنتاج الكهرباء بالحد الأدنى

أثمرت الاتصالات بين المؤسسات العامة في لبنان مخرجاً لإعادة التغذية الكهربائية بالحد الأدنى لتشغيل المرافق الحيوية بعد يومين من العتمة الشاملة

«الشرق الأوسط» (بيروت)

الخروقات الإسرائيلية متواصلة لوقف النار في لبنان

آلية للجيش اللبناني في بلدة الخيام الجنوبية (أ.ف.ب)
آلية للجيش اللبناني في بلدة الخيام الجنوبية (أ.ف.ب)
TT

الخروقات الإسرائيلية متواصلة لوقف النار في لبنان

آلية للجيش اللبناني في بلدة الخيام الجنوبية (أ.ف.ب)
آلية للجيش اللبناني في بلدة الخيام الجنوبية (أ.ف.ب)

واصلت القوات الإسرائيلية خروقاتها لوقف إطلاق النار، بتقدمها المستمر نحو قرى لم تكن موجودة فيها عند وقف إطلاق النار قبل نحو شهر، ما أثار مخاوف السكان المحليين ودفع بالعديد منهم للنزوح خارج المنطقة.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية بأن «العدو الإسرائيلي يقوم بتفتيش المنازل في بلدة الطيبة، حارة مشروع الطيبة، وإضرام النار فيها». وسجلت حركة نزوح من بلدة القنطرة في جنوب لبنان بعد توغل إسرائيلي واقتحام وحرق بيوت، ولفتت الوكالة إلى أن التوغل الإسرائيلي في محيط القنطرة تزامن مع تمشيط كثيف لأحياء في الطيبة والقنطرة وعدشيت القصير ودير سريان.

وأعلنت الوكالة أيضاً أن جنوداً إسرائيليين أقدموا على تخريب وسرقة محتويات ميناء الصيادين في الناقورة، في القطاع الغربي، وكان عدد من الصيادين قد توجهوا، السبت، إلى الميناء لإخراج مراكبهم وأغراضهم، بالتنسيق مع قوات «اليونيفيل»، لكن قبل انتهاء المهلة المعطاة لهم، بدأ الجنود بإطلاق النار باتجاه الميناء، ما أجبرهم على الانسحاب.

صور وزعها الجيش الإسرائيلي لما قال إنه «بنية تحتية عسكرية لـ(حزب الله)» تم العثور عليها جنوب لبنان

وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيليّ، أفيخاي أدرعي، تدمير مسار نفق تحت الأرض تابع لوحدة «الرضوان» في «حزب الله» وبنية تحتية هجومية أخرى، في جنوب لبنان. وكتب عبر «إكس»: «خلال نشاط لإزالة التهديدات نفذته قوات اللواء 300 في جنوب لبنان، دُمّر مسار نفق تحت أرضي بطول 100 متر يقود إلى موقع مكوث تابع لوحدة (الرضوان). وقامت القوات بدراسة وتحييد المسار من العبوات الناسفة والتهديدات وعثرت داخله على وسائل قتالية عديدة شملت بنادق ورشاشات وصواريخ مضادة للدروع وأنظمة مراقبة ومعدات عسكرية أخرى. تمت مصادرة جميع الوسائل وتدميرها، إلى جانب مسار النفق الذي تم العثور عليه. كما تم العثور - قرب النفق - على مستودع لصواريخ مضادة للدبابات وموقع رشاش ثقيل كان موجهاً نحو مواقع الجيش الإسرائيليّ».

وأضاف: «المسار تحت الأرض قاد إلى مقر قيادة تابع لـ«حزب الله»؛ حيث عُثر فيه على منصات إطلاق قذائف صاروخية استخدمت لإطلاق قذائف نحو الأراضي الإسرائيلية خلال السنة المنصرمة، بالإضافة إلى عدد كبير من العبوات الناسفة.

وختم: «تواصل قوات اللواء 300 إزالة التهديدات في جنوب لبنان، وفقاً للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان، مع الحفاظ على شروط وقف إطلاق النار».

إلى ذلك، أثار النائب قبلان قبلان، عضو كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، موضوع «الاعتداءات المستمرة للعدو الإسرائيلي على قرى وبلدات الجنوب والخروقات المتكررة تحت عين الدولة اللبنانية واللجنة الخماسية دون حسيب أو رقيب». وقال: «الخروقات الإسرائيلية المستمرة بعد وقف إطلاق النار والتعديات المستمرة على قرى وبلدات الجنوب وعلى باقي المناطق اللبنانية؛ هذا الأمر يستلزم رفع الصوت من كل المؤسسات ومن كل الجهات المعنية في لبنان وإقامة حملة دولية عالمية لإلزام إسرائيل تطبيق قرار وقف إطلاق النار ووقف تعدياتها والإسراع بالانسحاب من الجنوب، ومسؤولية الدولة اللبنانية ومسؤولية اللجنة المعنية بتطبيق وقف إطلاق النار بأن ترعى هذا الأمر وأن تضع حداً للانتهاكات الإسرائيلية المتكررة».

وطالب قبلان الجهات المعنية اللبنانية برفع الصوت قائلاً: «الصوت اللبناني خافت ويجب أن يرتفع في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن وأمام كل العواصم العالمية المعنية بهذا الأمر من أجل وضع حد لكل هذه التجاوزات الإسرائيلية على مستوى الساحة الجنوبية وعلى مستوى لبنان، وإسرائيل تحاول أن تتنصل من الالتزام بحماية الأراضي اللبنانية وتحاول أن تتنصل من كثير من الأمور، والمطلوب أن نواجه هذه المحاولات بموقف وطني لبناني واحد وبموقف دبلوماسي لبناني يتحرك بشكل أسرع وبصوت أعلى على مستوى الساحة الدولية؛ لأن إسرائيل تجاوزت كل الحدود وتجاوزت الاتفاق وتجاوزت اللجنة الخماسية وهي لا تقيم وزناً أو قيمة أو اعتباراً لأحد».