لبنان يواجه حزمة استحقاقات مالية «داهمة»

«مشروع الموازنة» و«اللائحة الرمادية» و«سعر صرف الودائع»

«مصرف لبنان المركزي»... (أرشيفية - رويترز)
«مصرف لبنان المركزي»... (أرشيفية - رويترز)
TT

لبنان يواجه حزمة استحقاقات مالية «داهمة»

«مصرف لبنان المركزي»... (أرشيفية - رويترز)
«مصرف لبنان المركزي»... (أرشيفية - رويترز)

يشهد لبنان زحمة استحقاقات مالية مهمة ومتزامنة خلال الشهر الحالي، تبدأ بشروع الحكومة في مناقشة مشروع قانون الموازنة للعام المقبل، التي خُصصت لها جلسة بعد ظهر الثلاثاء، بعد إحالة المشروع قبل أيام من قبل وزارة المال، ولا تنتهي بانتظار قلق للغاية من صدور قرار «مجموعة العمل المالي الدولية (فاتف)» الذي يقضي بضم البلد إلى قائمة الدول غير المتعاونة كفاية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فضلاً عن اليوميات القضائية المرتقبة لقضية توقيف الحاكم السابق لـ«البنك المركزي» رياض سلامة.

رياض سلامة قبيل مغادرته مكتبه في «مصرف لبنان» يوم 31 يوليو 2023 بعد 30 عاماً من توليه المنصب (رويترز)

ويُبنى على كيفية إدارة هذه القضايا ومآلاتها لدى السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وفق مسؤول مالي معني، لكشف مدى التغيير المنهجي وحدوده في معالجة الأزمات المتفاقمة اقتصادياً واجتماعياً، عشية مرور السنة الخامسة على انفجار الأزمات المالية والنقدية والاجتماعية، وما أنتجته من انكماش حاد في الناتج المحلي، وتبديد الثروات والاحتياطات، وارتفاعات قياسية في نسب التضخم ومعدلات الفقر، ووسط انغماس إضافي في حال «عدم اليقين» ربطاً بالمخاوف من توسع الحرب المستمرة على الحدود الجنوبية.

تجاهل الإصلاحات

وباستثناء إيجابية التوجه لالتزام الحكومة بإحالة مشروع الموازنة في موعده الدستوري قبل بدء الدورة الخريفية لمجلس النواب في الشهر المقبل، لمس المسؤول المعني «استمرار تجاهل الإصلاحات الهيكلية في إدارة المالية العامة، والاطمئنان الوهمي إلى التوازن الرقمي بين الإنفاق والواردات بالاعتماد على عزل الإنفاق الاستثماري وموجبات الدين العام، وبما يشمل خصوصاً مستحقات سندات الدين الدولية التي تعدّت مع فوائدها المعلقة حاجز 40 مليار دولار، بعدما أقدمت الحكومة السابقة في ربيع عام 2020 على إشهار عجز الدولة عن دفع أقساط الديون العامة».

حقائق

5 مليارات دولار

وفرة في أموال الدولة لدى «مصرف لبنان»

ورغم تحقيق وفرة في حساب الدولة لدى «البنك المركزي» بما يتعدى 5 مليارات دولار، موزعة بالليرة وبالدولار المحلي (المصرفي) والدولار النقدي (الفريش)، فإن أرقام مشروع الموازنة لحظت عجزاً بنحو 200 مليون دولار؛ أي بنسبة 4 في المائة، محتسبة على نفقات تبلغ نحو 4.78 مليار دولار، ومن دون احتساب خدمة الدين العام، مما سيثير تلقائياً إشكالات إضافية في المناقشات النيابية اللاحقة لإقرار المشروع في مجلس الوزراء، لا سيما في ظل الهواجس المتصاعدة من إمكانية إقدام حملة سندات «اليوروبوندز» الأجانب على مقاضاة الدولة لدى المحاكم الأميركية وفق مندرجات عقود الاستدانة، بعد مرور مهلة 5 سنوات على تعليق دفع الأصول والفوائد في الربيع المقبل.

لذلك، يرجّح، وفقاً للمسؤول المالي، أن يخضع مشروع الموازنة لعمليات تمحيص وتدقيق واسعة النطاق لدى لجنة المال النيابية واللجان المشتركة، طبقاً لخلاصاتها في تفنيد وتعديلات موازنة العام الحالي، لا سيما لجهة الإمعان في تغييب الرؤيتين الاقتصادية والاجتماعية لمشروع الموازنة، وتدني نسبة الاعتمادات المخصصة للنفقات الاستثمارية، فضلاً عن الخلل المتعلق بإعادة هيكلة القطاع العام وسلسلة الرواتب، والتمادي في تجاهل موجبات الشروع في التفاوض مع الدائنين بالدولار بعد تآكل وعدم معالجة فئة الديون المتوجبة بالليرة، ومعظمها يعود إلى «البنك المركزي» والمصارف وصندوق الضمان الاجتماعي وصناديق نقابية ومهنية.

إشكالية سعر الصرف

وبالترابط مع بنود الموازنة العامة، تبرز إشكالية سعر الصرف المعتمدة على سحوبات المودعين غير المستفيدين من الحصص الشهرية المتاحة بمعدل 400 دولار و330 و150 دولاراً وفق تعاميم خاصة صادرة عن «البنك المركزي». فالسحوبات الدولارية من الودائع، لا تزال تخضع لسعر صرف يبلغ 15 ألف ليرة لكل دولار، بينما يتكبد المودعون انفسهم سداد كامل الرسوم والضرائب وبدلات الخدمات العامة المختلفة بالسعر الساري البالغ 89.5 ألف ليرة للدولار الواحد.

وتمثل هذه الالتباسات منذ اعتماد الحاكم السابق، رياض سلامة، السعر الرسمي السابق لليرة في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، فجوة إضافية في الجهود المنشودة لإعادة الانتظام المالي والمصرفي، بوصفها تكريساً غير مشروع للظلم اللاحق بالمودعين، خصوصاً لعشرات الآلاف من المتقاعدين الذين يعانون أساساً من هشاشة مداخيلهم، بعد اضمحلال شبه تام وبنسبة 98 في المائة لتعويضاتهم المحررة بالليرة، والمخاوف الكامنة من الاقتطاعات الكبيرة التي تقترحها المقاربات الحكومية لفئة المدخرات التي جرى تحويلها للدولار بعد انفجار الأزمات، عبر تصنيفها ضمن خانة «غير المؤهلة للسداد»، وبواقع 36 في المائة فقط بالتقسيط على 11 سنة لمبلغ مائة ألف دولار.

 

القائمة الرمادية

ويشير المسؤول المالي المعني إلى استحقاق لا يقل وزناً وأهمية خلال الشهر الحالي؛ لبُعده الدولي المؤثر في مجمل كيانات القطاع المالي وعملياته اليومية عبر الحدود. فرغم الجهود المضنية التي بذلتها السلطة النقدية في عواصم القرار المالي الدولية، فإن الاحتمال يظل مرتفعاً في مسألة إدراج لبنان أواخر الشهر الحالي من قبل «مجموعة العمل المالي الدولية (فاتف)» ضمن اللائحة الرمادية للدول التي تعاني قصوراً ملحوظاً في مكافحة الجرائم المالية.

وأفلحت المهمة الشائكة التي قادها حاكم «البنك المركزي» بالإنابة، الدكتور وسيم منصوري، في تحييد القنوات المالية للقطاع المالي والتحويلات من لبنان وإليه عن تداعيات القرار المحتمل لخفض تصنيفه في مجال مكافحة غسل الأموال، وربما تعديله إيجاباً في الأيام المقبلة، بعد جولة اجتماعات ومشاورات ختمها للتو في لندن مع رؤساء ومديرين في بنوك مراسلة لـ«المركزي» ولبنوك لبنانية، والمسبوقة بجولة مماثلة أجراها قبل نحو شهر في واشنطن، وشملت مسؤولين كباراً في وزارة الخزانة الأميركية و«صندوق النقد» و«البنك» الدوليين.


مقالات ذات صلة

قلق دولي من التصعيد في لبنان وحض للأطراف على ضبط النفس

المشرق العربي مبانٍ مدمرة جراء غارة إسرائيلية على بلدة تولين جنوب لبنان (إ.ب.أ) play-circle

قلق دولي من التصعيد في لبنان وحض للأطراف على ضبط النفس

أعرب العديد من الدول عن قلقها من التصعيد في لبنان خوفاً من الإنجرار إلى دوامة العنف مجدداً، بعدما شن الجيش الإسرائيلي سلسلة غارات على عدة بلدات في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي علم كندا (رويترز)

كندا تقدم 29.7 مليون دولار مساعدات إنسانية للبنان

أعلنت وزارة الخارجية الكندية، اليوم (الجمعة)، تقديم 29.7 مليون دولار للبنان لتوفير مساعدات حيوية منها الغذاء والخدمات الطبية والصحية والمأوى ومياه الشرب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام (إ.ب.أ)

سلام: لا شطب للودائع والبدء بالإصلاح المالي في إعادة التفاوض مع «صندوق النقد»

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أنه على تواصل شبه يومي مع البنك الدولي في سبيل إقرار تخصيص مبلغ أولي قيمته 250 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (رويترز)

القضاء اللبناني يختم التحقيق في ملفّ رياض سلامة

أفاد مصدر قضائي مطلع بأن القاضي حلاوي «ختم التحقيق في ملفّ سلامة ورفيقَيه، وأحاله إلى النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم لإبداء مطالعته».

يوسف دياب (بيروت)
تحليل إخباري قوات سورية في بلدة حوش السيد علي قرب الحدود اللبنانية السورية أمس (أ.ب)

تحليل إخباري هل يحل تطبيق القرار 1680 أزمة الحدود اللبنانية السورية؟

بعد المواجهات المسلّحة التي اندلعت على الحدود الشرقية للبنان، وُضع القرار 1680 مجدداً على طاولة البحث.

بولا أسطيح (بيروت)

«حماس» تعلن مقتل القيادي السياسي صلاح البردويل في غارة إسرائيلية

دخان يتصاعد عقب غارة إسرائيلية على غزة (إ.ب.أ)
دخان يتصاعد عقب غارة إسرائيلية على غزة (إ.ب.أ)
TT

«حماس» تعلن مقتل القيادي السياسي صلاح البردويل في غارة إسرائيلية

دخان يتصاعد عقب غارة إسرائيلية على غزة (إ.ب.أ)
دخان يتصاعد عقب غارة إسرائيلية على غزة (إ.ب.أ)

أعلنت حركة «حماس» ووسائل إعلام فلسطينية، مقتل صلاح البردويل أحد الكوادر السياسية للحركة في غارة جوية إسرائيلية على خان يونس بجنوب قطاع غزة.

وذكرت وسائل إعلام مؤيدة لـ«حماس» أن البردويل، العضو بالمكتب السياسي للحركة، وزوجته قتلا في الغارة الإسرائيلية.

واستأنفت إسرائيل غاراتها المكثفة على غزة يوم الثلاثاء الماضي واتهمت «حماس» بالتخلي عن اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في 19 يناير (كانون الثاني).

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مراراً إن الهدف الرئيسي من الحرب هو القضاء على «حماس» ككيان عسكري وحاكم. وأضاف أن هدف الحملة الجديدة هو إجبار الحركة على تسليم بقية الرهائن الذين تحتجزهم.

وذكر مسؤولون في قطاع الصحة الفلسطيني أن ما لا يقل عن 400 شخص، تمثل النساء والأطفال أكثر من نصفهم، قتلوا في غارات الثلاثاء.