تجدد صراع «الأخوة الأعداء» في البصرة وبغداد من دون خسائر بشرية

قبل موعد إجراء الانتخابات المحلية بأسبوعين

رئيس اللجنة الأمنية العليا لانتخابات مجالس المحافظات الفريق أول الركن قيس المحمداوي في البصرة (واع)
رئيس اللجنة الأمنية العليا لانتخابات مجالس المحافظات الفريق أول الركن قيس المحمداوي في البصرة (واع)
TT

تجدد صراع «الأخوة الأعداء» في البصرة وبغداد من دون خسائر بشرية

رئيس اللجنة الأمنية العليا لانتخابات مجالس المحافظات الفريق أول الركن قيس المحمداوي في البصرة (واع)
رئيس اللجنة الأمنية العليا لانتخابات مجالس المحافظات الفريق أول الركن قيس المحمداوي في البصرة (واع)

شهدت محافظة البصرة الجنوبية الغنية بالنفط، فجر الأحد، وقوع ما لا يقل عن هجومين على مقرات ومواقع لـ«حزب الدعوة» وائتلاف «دولة القانون» اللذين يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ما خلق أجواء من القلق والتوتر في المحافظة قبيل أسبوعين من موعد إجراء الانتخابات المحلية في 18 من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وتحدث مصدر مقرب من ائتلاف «دولة القانون» لـ«الشرق الأوسط» عن اعتداءات وقعت على مكتبين لـ«الدعوة» و«دولة القانون» في مدينتي الصدر والحسينية في بغداد.

وطبقاً للأنباء الواردة من البصرة، فإن الهجوم الأول الذي وقع في البصرة استعملت فيه قاذفة من نوع «آر بي جي 7»، واستهدف المبنى الرئيسي لائتلاف «دولة القانون» و«حزب الدعوة» بالقرب من جسر الجمعيات وسط البصرة. فيما استهدف الهجوم الثاني، الذي استعملت فيها قنابل يدوية، مكتباً لـ«الدعوة» قريباً من سكة القطار في منطقة المعقل وسط المحافظة. ولحسن الحظ، فإن الهجومين لم يوقعا خسائر بالأرواح.

وأصدر «ائتلاف القانون» في البصرة بياناً استنكر فيه بشدة «الاعتداءات التي طالت مبنى مقره الرئيسي في محافظة البصرة بقذيفة صاروخية، فضلاً عن استهداف مكتب مرشحيه للانتخابات المحلية من قبل أشخاص خارجين عن القانون». وأضاف أن «هذه الممارسات الخارجة عن القانون لا تزيدنا إلا إصراراً على مواصلة مشروعنا السياسي».

من جانبها، أرسلت الحكومة الاتحادية في بغداد، اليوم الأحد، وفداً عسكرياً رفيع المستوى على خلفية الأحداث برئاسة نائب قائد العمليات المشتركة الفريق أول الركن قيس المحمداوي، إلى البصرة، يرافقه أعضاء في مفوضية الانتخابات وضباط في هيئات ركن القيادة، وقالت إن الزيارة «تأتي للاطلاع على الأوضاع الأمنية في المحافظة وانتشار وتوزيع القطعات ضمن قاطع المسؤولية ومناقشة الخطط الأمنية الخاصة بالانتخابات المحلية لعام 2023»، من دون أن يشير بيان الزيارة الصادر إلى تفاصيل الهجمات على مقرات «الدعوة» و«دولة القانون».

وفيما تصر المصادر القريبة من «حزب الدعوة» و«ائتلاف القانون» على اتهام أتباع التيار الصدري بالتورط في الهجمات والاعتداءات الأخيرة، ينفى الصدريون ذلك، ويتهمون خصومهم بالسعي لتشويه سمعتهم رغم عدم مشاركتهم في الانتخابات.

وتشوب العلاقة بين «دولة القانون» من جهة، والصدر وأتباعه من جهة أخرى، توتر شديد منذ عام 2008، حين قاد المالكي الذي كان يشغل منصب رئاسة الوزراء عملية «صولة الفرسان» ضد «جيش المهدي» وقتذاك التابع لتيار الصدر في البصرة، واعتقل الكثير من قيادته وعناصره، وظلت العلاقة متوترة بين الطرفين من ذلك التاريخ، وكان أحد أسباب إيعاز الصدر لكتلته (72 مقعداً) بالاستقالة من البرلمان عام 2022، رفضه التحالف مع غريمه المالكي لتشكيل الحكومة. ويعتقد كثير من المراقبين المحليين أن الأحداث الأخيرة تشير إلى حرب «الأخوة الأعداء» المستترة والقابلة لانفجار في أي لحظة.

ورغم خلو البيان الرسمي من الإشارة إلى الجهة المتورطة بأحداث البصرة وبغداد، يقول مصدر ائتلاف «دولة القانون»، إن «قناعتنا المؤكدة أن الصدريين من يقف وراء هذه الاعتداءات، أنهم يعلنون معارضتهم وكرههم لنا، ويبدو أنهم يرغبون بإثارة المشكلات ضدنا للتأثير على حظوظنا الانتخابية». ويضيف: «ليس لدينا عداء مع أحد في البصرة، ومعظم القوى المشاركة في الانتخابات هم حلفاء وأصدقاء لنا وليس من مصلحة أحد، عدا الصدريين، إثارة المشكلات قبل أسبوعين من موعد الانتخابات، إنهم يسعون إلى عرقلتها، لكنهم لا يستطيعون إيقافها».

لكن مصدراً قيادياً في التيار الصدري يرفض اتهامات «دولة القانون» جملةً وتفصيلاً، ويقول: «ليست لدينا أوامر من أي نوع باستهداف المقرات الحزبية لأي طرف، نحن لا نشارك في الانتخابات وزاهدون في حكوماتهم المحلية، لكنهم يريدون كسب تعاطف أتباعهم عبر اختراع وفبركة هذا النوع من الأعمال».


مقالات ذات صلة

مدرب العراق: مباراة السعودية لن تكون سهلة

الرياضة كاساس (الشرق الأوسط)

مدرب العراق: مباراة السعودية لن تكون سهلة

قال الإسباني خيسوس كاساس، مدرب العراق، إنه سيحلل الأخطاء التي أدت لهزيمة فريقه 2 - صفر أمام البحرين، اليوم الأربعاء، قبل مواجهة السعودية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
رياضة عالمية فرحة لاعبي البحرين بالفوز على العراق (خليجي 26)

«خليجي 26»: البحرين تهزم العراق… وتبلغ نصف النهائي

حجزت البحرين المقعد الأول في الدور قبل النهائي ببطولة كأس الخليج لكرة القدم (خليجي 26) المقامة في الكويت، بعدما تغلبت 2 - صفر على العراق، اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
المشرق العربي قوات سورية تعبر الحدود إلى العراق من بوابات معبر القائم يوم 7 ديسمبر الحالي (رويترز)

العراق: جنود سوريون رفضوا العودة إلى بلادهم

قالت مصادر أمنية موثوقة إن عدداً من الجنود السوريين الموجودين داخل الأراضي العراقية رفضوا العودة إلى بلادهم، وقد يعاملون بصفة «لاجئين».

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي وكيل وزير الداخلية التركي منير أوغلو لدى استقباله وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري (موقع وزارة الداخلية)

تعاون أمني عراقي ـ تركي لتطويق تداعيات أحداث سوريا

وصل وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، إلى أنقرة على رأس وفد أمني رفيع المُستوى، تلبيةً لدعوة رسميَّة تلقاها من نظيره التركيّ، علي يرلي قاي.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي احتفال قومي كردي في أربيل (أ.ف.ب)

معركة «محاكم» و«تغريدات» بين هوشيار زيباري ومحمد الحلبوسي

يبدو أن الخلافات السياسية القديمة - الجديدة بين «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، وحزب «تقدُّم»، تقف وراء «المعركة» بين هوشيار زيباري ومحمد الحلبوسي.

فاضل النشمي (بغداد)

«حزب الله» يطالب باستراتيجية دفاعية تبرّر احتفاظه بسلاحه

عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون في بلدة الخيام الجنوبية بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي (رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون في بلدة الخيام الجنوبية بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي (رويترز)
TT

«حزب الله» يطالب باستراتيجية دفاعية تبرّر احتفاظه بسلاحه

عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون في بلدة الخيام الجنوبية بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي (رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون في بلدة الخيام الجنوبية بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي (رويترز)

تحول «حزب الله» بعد الحرب الأخيرة ونتائجها التدميرية إلى خطاب مؤيد لـ«الاستراتيجية الدفاعية»، داعياً إلى اعتمادها لحماية لبنان، وهي المرّة الأولى التي يطالب بهذه الاستراتيجية «محاولاً بذلك إيجاد الوسيلة التي تبقي سلاحه جزءاً من تلك معادلة»، كما تقول مصادر لبنانية على خصومة معه، ويقول الحزب في خطابه الجديد إن الجيش اللبناني «ليس قادراً على الدفاع عن لبنان لوحده».

وتضاربت القراءات حول أبعاد موقف الحزب الجديد، بين مَن دعا إلى «استيعابه وتفّهم تراجعه التدريجي»، ومَن يعتقد أنه «كان ولا يزال جزءاً من الجمهورية الإسلامية في إيران، وبالتالي لا يمكن أن يكون جزءاً من الدولة اللبنانية».

وقال نائب رئيس المجلس السياسي في «حزب الله»، الوزير السابق محمود قماطي: «سنكون في أقصى درجات التعاون والانفتاح سياسياً، نحن نعدّ أن الوطن بحاجة إلى التفاهم والحوار السياسي والتعاون بين كل الأطراف اللبنانيين للوصول إلى نتائج، وكل الأمور خاضعة للحوار، ونحن حاضرون لنتحاور حولها لنبني هذا البلد ما بعد العدوان الإسرائيلي». وأضاف قماطي: «إذا كنّا شركاء حقيقيين في الوطن، فعلينا أن نبني استراتيجية دفاعية تدافع عن هذا الوطن، فالجيش وحده لا يستطيع أن يواجه العدو، وكُلنا يعلم ذلك، وليته يستطيع، فنحن لسنا ضد أن يكون قادراً على المواجهة وحده، ولذلك هناك شراكة ضرورية حتمية وطنية لا بُد منها بين المقاومة والجيش لندافع عن وطننا».

عناصر من «حزب الله» في صورة تعود إلى 22 أكتوبر 2023 في جنوب لبنان (أ.ب)

موقف قماطي يعبّر عن إصرار الحزب على الاحتفاظ بسلاحه، غير أن السياسي اللبناني توفيق سلطان، عدَّ أن «(حزب الله) لم يعد قادراً على الاستمرار في السياسة التي انتهجها في السابق التي أوصلته إلى كارثة خسر فيها قائده (حسن نصر الله)، وأدت إلى تدمير البلد وخصوصاً بيئته الحاضنة»، وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «القاعدة الشرعية تقول إنه (لا يمكن تغيير الأحكام بتغير الأزمان)، لذلك بات مطلوباً من الحزب أن يقدّم رؤية معقولة وموزونة وأكثر جدّية ومختلفة كلياً عن الأداء السابق»، ورأى سلطان أنه «من الحكمة أن نترك الحزب يتدرّج بخطط التراجع، وأن نساعده في اتخاذ الموقف المقبول والمعقول بدلاً من إحراجه وإخراجه».

كلام قماطي يدلّ على أن الحزب «لا يزال يعيش حالة إنكار لما حصل خلال الحرب وبعدها»، وفق تعبير الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خالد حمادة، لأنه «لم يأخذ بعين الاعتبار الالتزامات التي يفرضها قرار وقف إطلاق النار، وتكلم بوضوح عن تطبيق القرار 1791 والقرارين 1559 و1680 بمعنى أنه لا وجود لأي سلاح خارج المؤسسات الشرعية اللبنانية».

وقال حمادة لـ«الشرق الأوسط»: «يتجاهل (حزب الله) كل ذلك ليقول لجمهوره إنه لم يخسر الحرب، لكن من جهة أخرى، تصدر تصريحات من الأمين العام للحزب ومن نواب ومسؤولين يتعاملون مع القرار 1701 بنوع من التشكيك. إن القرار ينص على نزع السلاح في جنوب الليطاني وليس في شماله أو أي منطقة أخرى». وشدد حمادة على أنه «من واجب الدولة وحدها وضع الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان، وهذه الاستراتيجية يجب أن تقترحها الوزارات المعنية أي: الدفاع والخارجية والداخلية والصحة العامة، ويتم إقرارها في مجلس الوزراء، ولا يمكن أن يشارك بها أي مكون من خارج الدولة بهذه الاستراتيجية الدفاعية»، مشيراً إلى أن الحزب «وإن كان مشاركاً في الحكومة أو في المجلس النيابي يمكنه أن يناقش الاستراتيجية التي تضعها الدولة، لكن لا يحق له أن يصنف نفسه شريكاً للدولة اللبنانية بأجهزتها وقواتها المسلحة على قدم المساواة».

ولا تزال تداعيات الحرب الأخيرة تلقي بثقلها على الحزب، وقاعدته التي بدأت تتململ، وخصوصاً أن نتائج الحرب خالفت كلّ أدبياته التي تقول إن «المقاومة تحمي لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية»، ولفت السياسي اللبناني توفيق سلطان إلى أنه «لا يمكن التعامل مع الحزب إلّا في إطار الاستيعاب، وهو حزب لبناني، ومقاتلوه لبنانيون بخلاف منظمة (التحرير) التي ركب مقاتلوها وقادته البواخر ورحلوا إلى تونس». وقال: «ما شاهدناه من دمار في مناطق الجنوب اللبناني والضاحية يشبه مأساة غزّة». ودعا كل الأطراف اللبنانية إلى مساعدة الرئيس نبيه برّي (رئيس مجلس النواب) الذي يحمل عبئاً كبيراً، ويقع على عاتقه اليوم حماية البيئة الشيعية التي دمّرت مقدراتها، كما دُمر الجنوب الذي بناه برّي من أموال الدولة على مدى عقود طويلة.

جندي أمام أسلحة يقول الجيش الإسرائيلي إنه عثر عليها خلال عملياته العسكرية في جنوب لبنان (رويترز)

وسبق لـ«حزب الله» أن رفض كلّ الطروحات السابقة للاستراتيجية الدفاعية التي قدّمت في جلسات الحوار الوطني ما بين أعوام 2006 و2012 التي كانت تقوم على مبدأ استيعاب سلاحه ضمن مكون شرعي ينضوي تحت وزارة الدفاع الوطني ويأخذ أوامره وتعليماته من الجيش اللبناني، متمسكاً فقط بما يسمّى معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي فرضها على البيانات الوزارية.

وذكّر العميد خالد حمادة أن «حزب الله» لم يوافق على هذا الطرح، ولم يتقدم بأي تصور للاستراتيجية الدفاعية، ولم يشارك بشكل جدي في كل النقاشات، وكان يعدّ نفسه المعني الوحيد بالدفاع عن لبنان، بينما «الجيش اللبناني والمؤسسات اللبنانية معنية بالأمن الداخلي»، مشدداً على أن «الصفحة السابقة طويت، فـ(حزب الله) حزب سياسي لا يستطيع أن يشارك في أي نشاط بوصفه مؤسسة أو منظومة أو ميليشيا مسلحة، ولا يصلح أن يكون شريكاً للجيش اللبناني أو أي قوى عسكرية شرعية أخرى، لأن هناك تعارضاً مع ما ينص عليه الدستور اللبناني».

ورداً على تمسّك الحزب بذريعة أن الجيش اللبناني لا يستطيع وحده أن يدافع عن لبنان، سأل حمادة: «هل استطاع (حزب الله) أن يدافع عن لبنان؟». وتابع: «بعد تدمير عشرات القرى في لبنان وسقوط أكثر من 5000 شهيد لبناني وجرح أكثر 15000مواطن وتدمير أكثر من 200 ألف منزل، يجب أن يعلم (حزب الله) أنه ورط لبنان في حرب غير محسوبة كرماً لعيون طهران، وأي استراتيجية دفاعية لن يكون شريكاً فيها».