أصوات في إسرائيل ترفض استئناف الحرب بعد الهدنة

نتنياهو يبحث عن انتصار مبهم... والجيش يؤيده لترميم صورته

من تشييع أحد قتلى الجيش الإسرائيلي (رويترز)
من تشييع أحد قتلى الجيش الإسرائيلي (رويترز)
TT

أصوات في إسرائيل ترفض استئناف الحرب بعد الهدنة

من تشييع أحد قتلى الجيش الإسرائيلي (رويترز)
من تشييع أحد قتلى الجيش الإسرائيلي (رويترز)

على الرغم من إعلان «الكابينيت» الذي يقود الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أنه وضع خطة انتشار القوات خلال الهدنة وخطة استئناف الحرب بعد انتهائها، وتصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، ووزير الدولة بيني غانتس، بالإصرار على استئناف الحرب «حتى لو استمرت الهدنة عشرة أيام»؛ فقد بدأت ترتفع أصوات عديدة تحذر من الحرب الطويلة ومن أن يكون الهدف خدمة مصالح شخصية وليس وطنية، وتطالب هذه الأصوات بالبحث عن وسيلة لوقف الحرب.

وقال محلل الشؤون الاستراتيجية في صحيفة «هآرتس»، أمير أورن، إنه بعد نحو 50 يوماً من الحرب، تم تدمير 10 في المائة فقط من قوة «حماس» المقاتلة، ولم يتم تشخيص أي انهيار للحركة، كما لم يتم تحرير أي مجموعة من الرهائن بعملية عسكرية، وأيضاً لم يتم قتل أي شخصية بارزة في الصف الأول من قيادة «حماس». وأكد المحلل أن حرب غزة تعد من أطول الحروب ومن دون جدوى، «فحرب سيناء 1956 استمرت لأقل من أسبوع، في حين دامت حرب 1967 ستة أيام فقط، وحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 لم تكمل ثلاثة أسابيع، وبالمجموع فإن الحروب الثلاث الكبرى تلك استغرقت خمسة أسابيع، في حين أن حرب 2023 في غزة يمكن تسميتها اليوم حرب ستة الأسابيع، وإذا لم يحقق نتنياهو مطلبه فيها فقد تصبح حرب ستة الأشهر وربما 12 شهراً؛ أي حتى نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل».

أشخاص يبحثون عن ناجين بعد غارة جوية إسرائيلية على منزل في رفح (د.ب.أ)

إطالة أمد الحرب

وكتب المعلق السياسي التلفزيوني في «القناة 13»، رفيف دروكر، أن وزيراً كبيراً في المجلس الوزاري الأمني قال له إن نتنياهو يحاول إطالة أمد الحرب قدر الإمكان؛ لأن ذلك يتماشى مع مصلحته، مشيراً إلى أن نتنياهو في حرب غزة هو نتنياهو آخر غير الذي نعرفه والذي يتخوف من المخاطر العسكرية. فهو مضطر إلى أن يهزم «حماس» عسكرياً بغض النظر عما يستغرقه ذلك من وقت، وكلما استغرق ذلك وقتاً أكثر يستطيع أن يعبر عن دهشته من انشغال البعض بالسياسة الداخلية في وقت يحارب فيه «جنودنا في غزة».

ويرى دروكر أن مصلحة نتنياهو تلك قد تتوافق مع مصلحة الجيش الإسرائيلي الذي لا يستطيع أن يكتفي بأقل من هزيمة كاملة لـ«حماس» بعد الفشل الكبير الذي مُني به في السابع من أكتوبر، ويقول إن تطابق المصالح هذا قد يؤدي إلى استمرار الحرب لأشهر طويلة، خلالها لن يتمكن سكان «غلاف غزة» من العودة إلى بيوتهم، في حين ستفضي بالدولة إلى عجز اقتصادي كبير؛ لأن إسرائيل غير مبنية لحرب استنزاف طويلة، تمتد على كامل مساحتها.

بايدن مع نتنياهو خلال مؤتمر صحافي مشترك في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

حملة بقاء لنتنياهو

وكتب أوري مسغاف، وهو صحافي ومحاضر جامعي ومن قادة مظاهرات الاحتجاج، في «هآرتس»، أن نتنياهو يوجد الآن في حملة، لكنها ليست حملة انتخابية؛ لأنه لا يوجد له أي احتمال حقيقي للفوز في الانتخابات، بل على العكس، فإن هذه حملة بقاء استهدفت منع إجراء الانتخابات وإطالة تمسكه بالحكم. وقال مسغاف: «فيلم العلاقات العامة الذي تم تصويره في القاعدة العسكرية (اليكيم)، مثلما في كل ظهور له، كرر نتنياهو رسالته الوحيدة، وهي ... نحن لن نوقف القتال. وبالنسبة له فإن الحرب يجب أن تستمر إلى الأبد؛ لذلك فإن دهشة الأميركيين وجهات أخرى تؤيد إسرائيل، لم يتم تحديد أهداف واضحة وواقعية لها، ولم تتم بلورة استراتيجية للانسحاب ولم تتم مناقشة اليوم التالي».

وقال مسغاف إن «تصريحات وزير الدفاع غالانت والقيادة العليا في الجيش بأن القتال سيستمر لسنة، تخدم نتنياهو، وهي في كل الحالات تحتاج إلى نقاش استراتيجي وجماهيري. ويجب الاستيضاح إذا كانت إسرائيل مبنية لحرب تستمر لسنة، وما معنى هذا بالنسبة لمئات الآلاف في الاحتياط، ولمن يخرجون في إجازات دون راتب، وما تأثير ذلك على العاطلين عن العمل وعلى السوق والاقتصاد، ومن تم إجلاؤهم من الجنوب والشمال».

وتساءل: «مرة أخرى ما هو الهدف؟ ما هو التفسير العملي لتدمير سلطة (حماس) وإزالة التهديد من قطاع غزة؟ وما هي الخطط لليوم التالي؟ هكذا تتصرف الدول السليمة والعقلانية، وليس مثل التي اختُطفت على يد عائلة هستيرية» (يقصد عائلة نتنياهو). هناك أيضاً قضية القتلى.

جنود إسرائيليون يظهرون في مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين في نابلس بالضفة الغربية (أ.ب)

يجب كشف عدد القتلى الإسرائيليين

وقال مسغاف إنه أجرى فحصاً بيّن أنه منذ 9 أكتوبر سقط في الجبهة الجنوبية والشمالية 101 من الجنود. ومنذ بداية العملية البرية في 31 أكتوبر قُتل في الجنوب والشمال 77 جندياً. وأضاف: «هذا العدد الذي سيزداد يجب أن يكون أيضاً أمام ناظري جميع الإسرائيليين دون صلة بموقفهم من أهمية العملية البرية والحاجة إلى استئنافها بعد استكمال صفقة المخطوفين. فاستمرار الحرب يمنع استئناف محاكمة نتنياهو وتشكيل لجنة تحقيق رسمية وخروج غانتس وأصدقائه من الائتلاف الواسع والمستقر الذي قاموا بتشكيله من أجل الحرب. والحرب تمنع الاستقالة المتوقعة لكبار جهاز الأمن، الذي ستبقيه مكشوفاً، وعودة جنود الاحتياط إلى البيت وانضمام الكثيرين منهم إلى احتجاج ضخم لم تشاهد إسرائيل مثله. أدخلوا ذلك في عقولكم: ما دام الأمر يتعلق بنتنياهو فإن هذه الحرب لن تنتهي أبداً».

إطلاق صواريخ من قطاع غزة نحو مستوطنة سديروت في جنوب إسرائيل (رويترز)

وفي صحيفة «يديعوت أحرونوت» كتبت تسيبي شميلوفتس، المراسلة في واشنطن، أن صفقة تحرير الرهائن جاءت بعد ضغط طويل من إدارة بايدن، وأن الضغط أصبح أكثر فأكثر كثافة كلما تبين الثمن السياسي الذي يدفعه الرئيس على دعمه لإسرائيل. فالصور من غزة تطغى على وسائل الإعلام الأميركية، والاستطلاعات تظهر أن بايدن يفقد بسرعة تأييد قاعدته الديمقراطية مع الدخول إلى سنة انتخابات حرجة. ورغم أن بايدن لا يتراجع عن دعمه التام لإسرائيل، لكنه نشأت فجوات بينه وبين نتنياهو. فقد أجرى بايدن مع نتنياهو 13 محادثة منذ 7 أكتوبر، وزاره في إسرائيل وعانقه بحرارة، لكنه اليوم يتحول إلى حثه باستمرار على كبح جماح قصفه في غزة. ومع أن بايدن ومساعديه قالوا المرة تلو الأخرى إنهم لا يقولون لإسرائيل كيف ترد على المذبحة، فإن عدداً من كبار المسؤولين الأميركيين ألمحوا إلى أنه «لن يخيب ظنهم» إذا ما تحولت الهدنة لتصبح وقف نار دائماً أكثر. وأكثر من ذلك، قالت محافل في البيت الأبيض لـ«نيويورك تايمز» إن بايدن يأمل في أن يكون تحرير الرهائن خطوة بداية للتقدم نحو حل الدولتين.

جنود إسرائيليون يقفون قرب ما يقولون إنها فتحة نفق في مجمع «مستشفى الشفاء» في مدينة غزة (رويترز)

الإعلان عن الانتصار

وكتب أيضاً الصحافي يوسي كلاين، متهكماً من أن «هذه الحكومة مستعدة لليوم التالي. ونتنياهو يريد الإعلان عن الانتصار، لا تهمه الاستطلاعات والاشمئزاز، فهو طور على جسده جلد تمساح. وسيذهب حتى النهاية، حتى الانتصار، إلى أن نصبح مثل أوكرانيا. فقد تم اختطافنا من قبل من يعتقد بأن الانتصار سيغفر إهماله وتقصيره. وما هو الانتصار؟ إجاباته غامضة. اسمحوا له بالتخمين، هو نفسه لا يعرف. على أي حال، انتصاره ليس انتصارنا، فهدف الحرب من ناحيته هو تحرير المخطوفين. هدف حربه هو أنه ليس لديه أي فكرة باستثناء توفير الهدوء للمستوطنات. هدوء مؤقت. و(حماس) ستموت وستقوم منظمة أخرى وباسم آخر وزعيم آخر، ولكن بأهداف مشابهة. في غضون ذلك، نحن ندفن الرأس في الرمل، ونغمض العيون، ونؤجل لليوم التالي الاستنتاجات المطلوبة، ونتجاهل ما يحدث في المناطق. ونسارع إلى نسيان المذبحة والمخطوفين أيضاً».

ويتهم كلاين الجيش أيضاً بأنه شريك في المصلحة مع نتنياهو هذه المرة؛ «فهو لا يغفر لنفسه الفشل ويبحث عن انتصار يرمم مكانته، بأي ثمن ومهما طال ذلك. هو يعول على نموذج حرب يوم الغفران (أكتوبر 1973): الهزيمة، النهوض، ثم الانتصار الذي ينسي الهزيمة. وماذا سنفعل بمليوني شخص ليسوا من (حماس)؟ هل سنغرقهم في البحر ونعلن أنه لا يوجد حل ولا يوجد من نتحدث معه، وننتظر بصبر 7 أكتوبر القادم؟ حكومة أخرى كانت ستسعى إلى حرب قصيرة بقدر الإمكان وتعود إلى روتين الحياة. ليس الحكومة الحالية. مدة الحرب ترتبط بأهدافها، وعندما يكون الهدف هو البقاء سياسياً على قيد الحياة أو انتصار، فيمكن أن تستمر الحرب إلى الأبد».


مقالات ذات صلة

مقتل 5 في غارة جوية على منزل بمخيم النصيرات وسط غزة

المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلاً في موقع غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مقتل 5 في غارة جوية على منزل بمخيم النصيرات وسط غزة

قال مسعفون لـ«رويترز»، اليوم السبت، إن خمسة أشخاص، بينهم طفلان، قتلوا في غارة جوية إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي صورة وزعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (رويترز)

تقرير: ثغرة في نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي وراء الفشل في اعتراض صاروخ الحوثي

قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إن الفشل الأخير في اعتراض الصواريخ اليمنية التي تستهدف إسرائيل قد يكون مرتبطاً بضعف في نظام الدفاع الجوي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية رجال الطوارئ الإسرائيليون يتفقدون حفرة في الموقع الذي سقط فيه مقذوف أطلق من اليمن في تل أبيب في وقت مبكر من اليوم السبت (أ.ف.ب)

إصابة 16 شخصاً في سقوط صاروخ وسط تل أبيب... و«الحوثي» يتبنى الهجوم

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (السبت)، أن صاروخاً أطلِق من اليمن أصاب الأراضي الإسرائيلية قرب تل أبيب بعد فشل محاولات اعتراضه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جندية إسرائيلية تشغّل طائرات مسيّرة (موقع الجيش الإسرائيلي)

تقرير: إسرائيل كوّنت أول وحدة قتالية للفتيات المتدينات جراء نقص الجنود

قالت وكالة «بلومبرغ» للأنباء إن إسرائيل كوّنت لأول مرة وحدة قتالية للفتيات المتدينات بالكامل بها مستشارة دينية نسائية بسبب نقص الجنود المقاتلين مع تعدد الحروب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية قوات إسرائيلية تنشط في منطقة جبل الشيخ بسوريا في هذه الصورة المنشورة بتاريخ 9 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 01:10

ماذا يربط «7 أكتوبر» باحتلال إسرائيل لجبل الشيخ؟

إصرار إسرائيل على احتلال جانب آخر من جبل الشيخ، ضمن جنيها ثمار انهيار نظام الأسد، يشير إلى «عقدة 7 أكتوبر» في تل أبيب.

نظير مجلي (تل أبيب)

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
TT

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)

في زيارة هي الأولى لزعيم ومسؤول لبناني إلى دمشق، بعد سقوط نظام بشار الأسد، التقى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» السابق، وليد جنبلاط، القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع في «قصر الشعب».

وزار جنبلاط، الذي كان أول زعيم ومسؤول لبناني يبادر إلى التواصل مع الشرع، دمشق، على رأس وفد من الحزب وكتلة «اللقاء الديمقراطي»، يضم نجله تيمور، برفقة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، ووفد من المشايخ والإعلاميين.

لعودة العلاقات ومحاكمة عادلة

وتحمل هذه الزيارة، التي هنّأ خلالها جنبلاط، الشرع، بـ«انتصاره»، بعداً وطنياً يرتكز على مستقبل العلاقة بين لبنان وسوريا، فهي تحمل كذلك بعداً درزياً يرتبط بما ستكون عليه علاقة السلطة الجديدة في سوريا مع الأقليات، تحديداً الطائفة الدرزية، في ظل الضغوط الإسرائيلية التي تمارس عليها، وهو ما كان الشرع واضحاً بشأنه في لقائه مع الزعيم الدرزي بالقول: «سوريا لن تشهد بعد الآن استبعاداً لأي طائفة»، مضيفاً أن «عهداً جديداً بعيداً عن الحالة الطائفية بدأ».

وفي كلمة له أثناء لقائه الشرع، هنأ جنبلاط القيادة السورية الجديدة بـ«التحرّر من نظام حكم (بشار) الأسد، والتطلع نحو سوريا الموحدة... عاشت سوريا حرّة أبية كريمة».

أحمد الشرع والزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط (رويترز)

وقال جنبلاط: «من جبل لبنان، من جبل كمال جنبلاط، نحيي هذا الشعب الذي تخلص من الاستبداد والقهر، التحية لكم ولكل من ساهم في هذا النصر، ونتمنى أن تعود العلاقات اللبنانية - السورية من خلال السفارات، وأن يحاسب كل الذين أجرموا بحق اللبنانيين، وأن تقام محاكم عادلة لكل من أجرم بحق الشعب السوري، وأن تبقى بعض المعتقلات متاحف للتاريخ».

وأضاف: «الجرائم التي ارتبكت بحق الشعب تشابه جرائم غزة والبوسنة والهرسك، وهي جرائم ضد الإنسانية، ومن المفيد أن نتوجه إلى المحكمة الدولية لتتولى هذا الأمر والطريق طويل»، مشيراً إلى أنه سيتقدم بـ«مذكرة حول العلاقات اللبنانية السورية».

الشرع: النظام السابق قتل الحريري وجنبلاط والجميل

في المقابل، تعهد الشرع، الذي التقى جنبلاط للمرة الأولى مرتدياً بدلة وربطة عنق، بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان، وستحترم سيادة هذا البلد المجاور. وفيما لفت إلى أن «المعركة أنقذت المنطقة من حربٍ إقليميّة كبيرة، وربما من حرب عالمية»، أكد أن «سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان على الإطلاق، وستحترم سيادة لبنان ووحدة أراضيه واستقلال قراره واستقراره الأمني، وهي تقف على مسافة واحدة من الجميع».

ولفت الشرع إلى أن «النظام السابق كان مصدر قلق وإزعاج في لبنان، وهو عمل مع الميليشيات الإيرانية على تشتيت شمل السوريين»، مؤكداً أن «نظام الأسد قتل رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وكمال جنبلاط وبشير الجميل». وتعهد بأن «يكون هناك تاريخ جديد في لبنان نبنيه سوية بدون حالات استخدام العنف والاغتيالات»، وقال: «أرجو أن تمحى الذاكرة السورية السابقة في لبنان».

أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)

وشدد الشرع على حماية الأقليات، قائلاً: «مع اعتزازنا بثقافتنا وبديننا وإسلامنا... لا يعني وجود الإسلام إلغاء الطوائف الأخرى، بل على العكس هذا واجب علينا حمايتهم». وأضاف: «اليوم يا إخواننا نحن نقوم بواجب الدولة في حماية كل مكونات المجتمع السوري».

دروز سوريا

وتحدث عن دروز سوريا تحديداً، مذكراً بأن «الإدارة الجديدة أرسلت وفوداً حكومية إلى مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في جنوب غرب البلاد»، وقال: «أهلنا في السويداء كانوا سباقين في مشاركة أهلهم في الثورة، وساعدونا في تحرير منطقتهم في الآونة الأخيرة».

وأضاف: «سنقدم خدمات كثيرة، نراعي خصوصيتها، ونراعي مكانتها في سوريا»، وتعهد بتسليط الضوء على ما وصفه بأنه تنوع غني للطوائف في سوريا.

أبي المنى وشعار الدروز

من جهته، قال الشيخ أبي المنى إن «شعب سوريا يستحق هذا السلم، ويستحق الازدهار، لأن سوريا قلب العروبة النابض». وأشار إلى أن «الموحدين الدروز لهم تاريخ وحاضر يُستفاد منه، فهم مخلصون للوطن وشعارهم شعار سلطان باشا الأطرش وشعار الكرامة، وكرامتهم من كرامة الوطن، لذلك نحن واثقون أنكم تحترمون تضحياتهم وهم مرتبطون بوطنهم».

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط في «قصر الشعب» بدمشق قبيل لقائه الشرع (أ.ف.ب)

ارتياح في السويداء

ولاقت زيارة الزعيم الدرزي إلى دمشق ارتياحاً في أوساط السوريين الدروز. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر أهلية متقاطعة في السويداء، جنوب سوريا، أن هناك توافقاً بين الزعامات الروحية حول الموقف من «إدارة العمليات» ممثلة بقائدها أحمد الشرع، والتأكيد على العمقين الإسلامي والعربي لطائفة الدروز الموحدين وخصوصية جبل العرب، ودورهم التاريخي في استقلال سوريا كمكون سوري أصيل، وتطلعهم إلى دستور جديد يجمع عليه السوريون.

وحسب المصادر، فإن «هذا الموقف كان مضمون الرسالة التي حملها الوفد الدرزي إلى قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، الأحد، وقد كانت نتائج الاجتماع إيجابية»، واعتبر دروز السويداء أن زيارة جنبلاط «خطوة عقلانية وحكيمة باتجاه الحفاظ على وحدة سوريا، وقطع الطريق على كل من يحاول تخريب العيش المشترك بين جميع السوريين، ووأد الفتن ما ظهر منها وما بطن».

ووفق المصادر، كان وفد درزي من لبنان زار السويداء قبل يوم من زيارة جنبلاط إلى دمشق، والتقى مشيخة العقل في السويداء، حيث قال شيخ العقل حمود الحناوي إنهم يتطلعون إلى «مواقف جنبلاط وأهلنا في لبنان باعتبارها سنداً ومتنفساً للتعاون من أجل مصالحنا كمواطنين سوريين لنا دورنا التاريخي والمستقبلي».

بعد 13 عاماً

ودخل الجيش السوري، لبنان، عام 1976 كجزء آنذاك من قوات عربية للمساعدة على وقف الحرب الأهلية، لكنه تحوّل إلى طرف فاعل في المعارك، قبل أن تصبح دمشق «قوة الوصاية» على الحياة السياسية اللبنانية تتحكّم بكل مفاصلها، حتى عام 2005، تاريخ خروج قواتها من لبنان تحت ضغط شعبي بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في انفجار وجهت أصابع الاتهام فيه إليها ولاحقاً إلى حليفها «حزب الله»، قبل أن تحكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على اثنين من قادة الحزب بالسجن مدى الحياة، على خلفية قتل 22 شخصاً بينهم الحريري.

ويتهم جنبلاط، دمشق، باغتيال والده كمال في عام 1977 خلال الحرب الأهلية، في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.

ونُسبت اغتيالات العديد من المسؤولين اللبنانيين الآخرين المناهضين لسوريا إلى السلطة السورية السابقة.

وعلى خلفية هذه الاغتيالات، تأرجحت علاقة الزعيم الدرزي مع النظام السوري السابق، الذي كان قد قاطعه وشنّ هجوماً غير مسبوق على رئيسه المخلوع، واصفاً إياه بـ«القرد» في المظاهرات التي نظمها فريق «14 آذار» إثر اغتيال الحريري عام 2005، قبل أن تعاد هذه العلاقة وترمّم بشكل محدود في عام 2009، لتعود إلى مرحلة العداوة مجدداً مع مناصرة جنبلاط للثورة السورية التي انطلقت عام 2011.

أما اليوم، وبعد 13 عاماً، عاد الزعيم الدرزي إلى دمشق «شامخاً مظفراً بالنصر»، وفق ما وصفه أمين سر كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن، عبر حسابه على منصة «إكس»، مضيفاً: «ها قد عدنا إلى سوريا الحرة مع الأمل الكبير الواعد بأن تنعم سوريا وشعبها بالحرية والديمقراطية والتنوّع والاستقرار والازدهار»، داعياً إلى «بناء أفضل العلاقات التي تحفظ سيادة وحرية واستقلال وطننا الحبيب لبنان وتحفظ سوريا الواحدة الموحدة الأبية».

وتوجه إلى السوريين بالقول: «هنيئاً لكم ولنا الانتصار الكبير، ويبقى الانتصار الأكبر هو الحفاظ على الوحدة الوطنية والحرية والهوية».