أصوات في إسرائيل ترفض استئناف الحرب بعد الهدنة

نتنياهو يبحث عن انتصار مبهم... والجيش يؤيده لترميم صورته

من تشييع أحد قتلى الجيش الإسرائيلي (رويترز)
من تشييع أحد قتلى الجيش الإسرائيلي (رويترز)
TT

أصوات في إسرائيل ترفض استئناف الحرب بعد الهدنة

من تشييع أحد قتلى الجيش الإسرائيلي (رويترز)
من تشييع أحد قتلى الجيش الإسرائيلي (رويترز)

على الرغم من إعلان «الكابينيت» الذي يقود الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أنه وضع خطة انتشار القوات خلال الهدنة وخطة استئناف الحرب بعد انتهائها، وتصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، ووزير الدولة بيني غانتس، بالإصرار على استئناف الحرب «حتى لو استمرت الهدنة عشرة أيام»؛ فقد بدأت ترتفع أصوات عديدة تحذر من الحرب الطويلة ومن أن يكون الهدف خدمة مصالح شخصية وليس وطنية، وتطالب هذه الأصوات بالبحث عن وسيلة لوقف الحرب.

وقال محلل الشؤون الاستراتيجية في صحيفة «هآرتس»، أمير أورن، إنه بعد نحو 50 يوماً من الحرب، تم تدمير 10 في المائة فقط من قوة «حماس» المقاتلة، ولم يتم تشخيص أي انهيار للحركة، كما لم يتم تحرير أي مجموعة من الرهائن بعملية عسكرية، وأيضاً لم يتم قتل أي شخصية بارزة في الصف الأول من قيادة «حماس». وأكد المحلل أن حرب غزة تعد من أطول الحروب ومن دون جدوى، «فحرب سيناء 1956 استمرت لأقل من أسبوع، في حين دامت حرب 1967 ستة أيام فقط، وحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 لم تكمل ثلاثة أسابيع، وبالمجموع فإن الحروب الثلاث الكبرى تلك استغرقت خمسة أسابيع، في حين أن حرب 2023 في غزة يمكن تسميتها اليوم حرب ستة الأسابيع، وإذا لم يحقق نتنياهو مطلبه فيها فقد تصبح حرب ستة الأشهر وربما 12 شهراً؛ أي حتى نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل».

أشخاص يبحثون عن ناجين بعد غارة جوية إسرائيلية على منزل في رفح (د.ب.أ)

إطالة أمد الحرب

وكتب المعلق السياسي التلفزيوني في «القناة 13»، رفيف دروكر، أن وزيراً كبيراً في المجلس الوزاري الأمني قال له إن نتنياهو يحاول إطالة أمد الحرب قدر الإمكان؛ لأن ذلك يتماشى مع مصلحته، مشيراً إلى أن نتنياهو في حرب غزة هو نتنياهو آخر غير الذي نعرفه والذي يتخوف من المخاطر العسكرية. فهو مضطر إلى أن يهزم «حماس» عسكرياً بغض النظر عما يستغرقه ذلك من وقت، وكلما استغرق ذلك وقتاً أكثر يستطيع أن يعبر عن دهشته من انشغال البعض بالسياسة الداخلية في وقت يحارب فيه «جنودنا في غزة».

ويرى دروكر أن مصلحة نتنياهو تلك قد تتوافق مع مصلحة الجيش الإسرائيلي الذي لا يستطيع أن يكتفي بأقل من هزيمة كاملة لـ«حماس» بعد الفشل الكبير الذي مُني به في السابع من أكتوبر، ويقول إن تطابق المصالح هذا قد يؤدي إلى استمرار الحرب لأشهر طويلة، خلالها لن يتمكن سكان «غلاف غزة» من العودة إلى بيوتهم، في حين ستفضي بالدولة إلى عجز اقتصادي كبير؛ لأن إسرائيل غير مبنية لحرب استنزاف طويلة، تمتد على كامل مساحتها.

بايدن مع نتنياهو خلال مؤتمر صحافي مشترك في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

حملة بقاء لنتنياهو

وكتب أوري مسغاف، وهو صحافي ومحاضر جامعي ومن قادة مظاهرات الاحتجاج، في «هآرتس»، أن نتنياهو يوجد الآن في حملة، لكنها ليست حملة انتخابية؛ لأنه لا يوجد له أي احتمال حقيقي للفوز في الانتخابات، بل على العكس، فإن هذه حملة بقاء استهدفت منع إجراء الانتخابات وإطالة تمسكه بالحكم. وقال مسغاف: «فيلم العلاقات العامة الذي تم تصويره في القاعدة العسكرية (اليكيم)، مثلما في كل ظهور له، كرر نتنياهو رسالته الوحيدة، وهي ... نحن لن نوقف القتال. وبالنسبة له فإن الحرب يجب أن تستمر إلى الأبد؛ لذلك فإن دهشة الأميركيين وجهات أخرى تؤيد إسرائيل، لم يتم تحديد أهداف واضحة وواقعية لها، ولم تتم بلورة استراتيجية للانسحاب ولم تتم مناقشة اليوم التالي».

وقال مسغاف إن «تصريحات وزير الدفاع غالانت والقيادة العليا في الجيش بأن القتال سيستمر لسنة، تخدم نتنياهو، وهي في كل الحالات تحتاج إلى نقاش استراتيجي وجماهيري. ويجب الاستيضاح إذا كانت إسرائيل مبنية لحرب تستمر لسنة، وما معنى هذا بالنسبة لمئات الآلاف في الاحتياط، ولمن يخرجون في إجازات دون راتب، وما تأثير ذلك على العاطلين عن العمل وعلى السوق والاقتصاد، ومن تم إجلاؤهم من الجنوب والشمال».

وتساءل: «مرة أخرى ما هو الهدف؟ ما هو التفسير العملي لتدمير سلطة (حماس) وإزالة التهديد من قطاع غزة؟ وما هي الخطط لليوم التالي؟ هكذا تتصرف الدول السليمة والعقلانية، وليس مثل التي اختُطفت على يد عائلة هستيرية» (يقصد عائلة نتنياهو). هناك أيضاً قضية القتلى.

جنود إسرائيليون يظهرون في مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين في نابلس بالضفة الغربية (أ.ب)

يجب كشف عدد القتلى الإسرائيليين

وقال مسغاف إنه أجرى فحصاً بيّن أنه منذ 9 أكتوبر سقط في الجبهة الجنوبية والشمالية 101 من الجنود. ومنذ بداية العملية البرية في 31 أكتوبر قُتل في الجنوب والشمال 77 جندياً. وأضاف: «هذا العدد الذي سيزداد يجب أن يكون أيضاً أمام ناظري جميع الإسرائيليين دون صلة بموقفهم من أهمية العملية البرية والحاجة إلى استئنافها بعد استكمال صفقة المخطوفين. فاستمرار الحرب يمنع استئناف محاكمة نتنياهو وتشكيل لجنة تحقيق رسمية وخروج غانتس وأصدقائه من الائتلاف الواسع والمستقر الذي قاموا بتشكيله من أجل الحرب. والحرب تمنع الاستقالة المتوقعة لكبار جهاز الأمن، الذي ستبقيه مكشوفاً، وعودة جنود الاحتياط إلى البيت وانضمام الكثيرين منهم إلى احتجاج ضخم لم تشاهد إسرائيل مثله. أدخلوا ذلك في عقولكم: ما دام الأمر يتعلق بنتنياهو فإن هذه الحرب لن تنتهي أبداً».

إطلاق صواريخ من قطاع غزة نحو مستوطنة سديروت في جنوب إسرائيل (رويترز)

وفي صحيفة «يديعوت أحرونوت» كتبت تسيبي شميلوفتس، المراسلة في واشنطن، أن صفقة تحرير الرهائن جاءت بعد ضغط طويل من إدارة بايدن، وأن الضغط أصبح أكثر فأكثر كثافة كلما تبين الثمن السياسي الذي يدفعه الرئيس على دعمه لإسرائيل. فالصور من غزة تطغى على وسائل الإعلام الأميركية، والاستطلاعات تظهر أن بايدن يفقد بسرعة تأييد قاعدته الديمقراطية مع الدخول إلى سنة انتخابات حرجة. ورغم أن بايدن لا يتراجع عن دعمه التام لإسرائيل، لكنه نشأت فجوات بينه وبين نتنياهو. فقد أجرى بايدن مع نتنياهو 13 محادثة منذ 7 أكتوبر، وزاره في إسرائيل وعانقه بحرارة، لكنه اليوم يتحول إلى حثه باستمرار على كبح جماح قصفه في غزة. ومع أن بايدن ومساعديه قالوا المرة تلو الأخرى إنهم لا يقولون لإسرائيل كيف ترد على المذبحة، فإن عدداً من كبار المسؤولين الأميركيين ألمحوا إلى أنه «لن يخيب ظنهم» إذا ما تحولت الهدنة لتصبح وقف نار دائماً أكثر. وأكثر من ذلك، قالت محافل في البيت الأبيض لـ«نيويورك تايمز» إن بايدن يأمل في أن يكون تحرير الرهائن خطوة بداية للتقدم نحو حل الدولتين.

جنود إسرائيليون يقفون قرب ما يقولون إنها فتحة نفق في مجمع «مستشفى الشفاء» في مدينة غزة (رويترز)

الإعلان عن الانتصار

وكتب أيضاً الصحافي يوسي كلاين، متهكماً من أن «هذه الحكومة مستعدة لليوم التالي. ونتنياهو يريد الإعلان عن الانتصار، لا تهمه الاستطلاعات والاشمئزاز، فهو طور على جسده جلد تمساح. وسيذهب حتى النهاية، حتى الانتصار، إلى أن نصبح مثل أوكرانيا. فقد تم اختطافنا من قبل من يعتقد بأن الانتصار سيغفر إهماله وتقصيره. وما هو الانتصار؟ إجاباته غامضة. اسمحوا له بالتخمين، هو نفسه لا يعرف. على أي حال، انتصاره ليس انتصارنا، فهدف الحرب من ناحيته هو تحرير المخطوفين. هدف حربه هو أنه ليس لديه أي فكرة باستثناء توفير الهدوء للمستوطنات. هدوء مؤقت. و(حماس) ستموت وستقوم منظمة أخرى وباسم آخر وزعيم آخر، ولكن بأهداف مشابهة. في غضون ذلك، نحن ندفن الرأس في الرمل، ونغمض العيون، ونؤجل لليوم التالي الاستنتاجات المطلوبة، ونتجاهل ما يحدث في المناطق. ونسارع إلى نسيان المذبحة والمخطوفين أيضاً».

ويتهم كلاين الجيش أيضاً بأنه شريك في المصلحة مع نتنياهو هذه المرة؛ «فهو لا يغفر لنفسه الفشل ويبحث عن انتصار يرمم مكانته، بأي ثمن ومهما طال ذلك. هو يعول على نموذج حرب يوم الغفران (أكتوبر 1973): الهزيمة، النهوض، ثم الانتصار الذي ينسي الهزيمة. وماذا سنفعل بمليوني شخص ليسوا من (حماس)؟ هل سنغرقهم في البحر ونعلن أنه لا يوجد حل ولا يوجد من نتحدث معه، وننتظر بصبر 7 أكتوبر القادم؟ حكومة أخرى كانت ستسعى إلى حرب قصيرة بقدر الإمكان وتعود إلى روتين الحياة. ليس الحكومة الحالية. مدة الحرب ترتبط بأهدافها، وعندما يكون الهدف هو البقاء سياسياً على قيد الحياة أو انتصار، فيمكن أن تستمر الحرب إلى الأبد».


مقالات ذات صلة

مقتل 5 في غارة جوية على منزل بمخيم النصيرات وسط غزة

المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلاً في موقع غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مقتل 5 في غارة جوية على منزل بمخيم النصيرات وسط غزة

قال مسعفون لـ«رويترز»، اليوم السبت، إن خمسة أشخاص، بينهم طفلان، قتلوا في غارة جوية إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي صورة وزعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (رويترز)

تقرير: ثغرة في نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي وراء الفشل في اعتراض صاروخ الحوثي

قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إن الفشل الأخير في اعتراض الصواريخ اليمنية التي تستهدف إسرائيل قد يكون مرتبطاً بضعف في نظام الدفاع الجوي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية رجال الطوارئ الإسرائيليون يتفقدون حفرة في الموقع الذي سقط فيه مقذوف أطلق من اليمن في تل أبيب في وقت مبكر من اليوم السبت (أ.ف.ب)

إصابة 16 شخصاً في سقوط صاروخ وسط تل أبيب... و«الحوثي» يتبنى الهجوم

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (السبت)، أن صاروخاً أطلِق من اليمن أصاب الأراضي الإسرائيلية قرب تل أبيب بعد فشل محاولات اعتراضه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جندية إسرائيلية تشغّل طائرات مسيّرة (موقع الجيش الإسرائيلي)

تقرير: إسرائيل كوّنت أول وحدة قتالية للفتيات المتدينات جراء نقص الجنود

قالت وكالة «بلومبرغ» للأنباء إن إسرائيل كوّنت لأول مرة وحدة قتالية للفتيات المتدينات بالكامل بها مستشارة دينية نسائية بسبب نقص الجنود المقاتلين مع تعدد الحروب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية قوات إسرائيلية تنشط في منطقة جبل الشيخ بسوريا في هذه الصورة المنشورة بتاريخ 9 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 01:10

ماذا يربط «7 أكتوبر» باحتلال إسرائيل لجبل الشيخ؟

إصرار إسرائيل على احتلال جانب آخر من جبل الشيخ، ضمن جنيها ثمار انهيار نظام الأسد، يشير إلى «عقدة 7 أكتوبر» في تل أبيب.

نظير مجلي (تل أبيب)

تركيا تدعم دمشق سياسياً... وتتأهب عسكرياً ضد «الوحدات الكردية»

TT

تركيا تدعم دمشق سياسياً... وتتأهب عسكرياً ضد «الوحدات الكردية»

القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع مستقبلاً فيدان في مستهل زيارته لدمشق (رويترز)
القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع مستقبلاً فيدان في مستهل زيارته لدمشق (رويترز)

زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، دمشق، والتقى قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، وبالتزامن أجرى وزير الدفاع التركي، يشار غولر، جولة تفقدية لمنطقة الحدود مع سوريا، وعقد اجتماعاً مع قادة الوحدات العسكرية المنتشرة هناك.

والتقى فيدان الذي يعد أول وزير خارجية يزور دمشق عقب سقوط نظام بشار الأسد، الشرع بحضور وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة، أسعد حسن الشيباني، ومن الجانب التركي نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماظ، والقائم بالأعمال التركي في دمشق، السفير برهان كور أوغلو.

وجاءت زيارة فيدان بعد الزيارة التي قام بها رئيس المخابرات التركي، إبراهيم كالين، لدمشق، الذي كان أول مسؤول أجنبي يزورها ويجتمع مع إدارتها الجديدة، قبل أسبوعين تقريباً، وأعقب ذلك بيومين إعادة فتح السفارة التركية بعد 12 عاماً من إغلاقها، وهي أول سفارة أجنبية تفتح أبوابها بعد سقوط الأسد.

دعم تركي

وقالت مصادر دبلوماسية تركية لـ«الشرق الأوسط» إن مباحثات فيدان والشرع تناولت «هيكلة الإدارة الجديدة في سوريا، وخطوات المرحلة الانتقالية، ووضع دستور جديد للبلاد يعبر عن المرحلة الجديدة، ويتضمن مشاركة جميع مكونات الشعب السوري في العملية السياسية».

جانب من لقاء الشرع وفيدان في دمشق (الخارجية التركية)

وأضافت المصادر أن فيدان أكد «دعم تركيا للإدارة السورية الجديدة في هذه المرحلة، واستعدادها لتقديم كل ما يلزم من أجل اجتيازها بنجاح، ودعم مرحلة إعادة الإعمار وتلبية احتياجات الشعب السوري».

وبحسب المصادر، تطرقت المباحثات أيضاً إلى «تهيئة الظروف لعودة طوعية آمنة وكريمة للاجئين السوريين، وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة في هذه المرحلة».

كما تم التطرق إلى «مكافحة التنظيمات الإرهابية» وتصدي الإدارة السورية الجديدة للمجموعات التي تعمل على تقسيم البلاد، في إشارة إلى «وحدات حماية الشعب الكردية»، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تخوض القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري الموالي لأنقرة حرباً ضدها في شمال وشرق سوريا بالمناطق المحاذية لحدود تركيا الجنوبية.

وتوقفت وسائل إعلام تركية عند بعض النقاط اللافتة في اللقاء بين فيدان والشرع، منها وضع ظهور العلمين السوري والتركي خلال اللقاء بعدما كان يتم وضع العلم السوري فقط في اللقاءات السابقة للشرع مع الوفود الأجنبية.

كما لفتت إلى أن الشرع ظهر للمرة الأولى وهو يرتدي رابطة عنق (كرافتة) خلال لقائه فيدان. وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أعلن في طريق عودته من مصر، حيث شارك في قمة مجموعة الثماني في القاهرة، أن فيدان سيزور دمشق، وسيبحث مع إدارتها الجديدة هيكلة المرحلة المقبلة في سوريا.

تعاون مع «تحرير الشام»

وأكد فيدان، في تصريحات السبت، أن تركيا لم ترصد انخراط «هيئة تحرير الشام»، التي يقودها الشرع، في أي أنشطة إرهابية خلال السنوات الـ10 الأخيرة، مضيفاً: «هذا ليس تقييمنا فحسب، بل هذا ما خلُصت إليه أجهزة الاستخبارات الغربية أيضاً».

وعدّ فيدان الذي تولّى رئاسة المخابرات التركية لمدة 13 عاماً قبل توليه وزارة الخارجية، في يونيو (حزيران) 2023، في مقابلة مع قناة «فرانس 24»، أن «هيئة تحرير الشام» لعبت دوراً في «مكافحة التنظيمات الإرهابية مثل (داعش) و(القاعدة)»، وقال إن «(تحرير الشام) أظهرت تعاوناً جيداً، خصوصاً في تبادل المعلومات الاستخبارية المتعلقة بمكافحة (داعش)، وأسهمت بشكل كبير في هذا الصدد».

ولفت إلى أن «تحرير الشام» تعاونت أيضاً مع تركيا حول أهداف معينة، مثل القضاء على زعيم «داعش» السابق، أبو بكر البغدادي، وأنهم لم يعلنوا عن ذلك من قبل؛ «نظراً لحساسية الأمر».

الشرع خلال استقباله فيدان بقصر الشعب في دمشق (إعلام تركي)

وعما إذا كانت تركيا ستتدخل عسكرياً ضد «الوحدات الكردية» في شمال شرقي سوريا، قال فيدان: «(وحدات حماية الشعب) منظمة إرهابية، تم إنشاؤها بشكل مصطنع من أشخاص من تركيا والعراق وسوريا وبعض دول أوروبا، ويجب حلها على الفور، هناك إدارة جديدة في سوريا الآن، ولم تعد روسيا وإيران ونظام الأسد يدعمون (وحدات حماية الشعب) و(حزب العمال الكردستاني)، وأعتقد أن عليهم التعامل مع هذا الأمر من خلال وحدة أراضي سوريا وسيادتها، لكن إذا لم يحدث ذلك؛ فبالطبع علينا حماية أمننا القومي»، وأضاف: «علينا أن نتوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة أيضاً حول هذا الأمر».

وزير الدفاع يتفقد الحدود

وبالتزامن مع زيارة فيدان لدمشق، تفقد وزير الدفاع التركي، يشار غولر، مناطق الحدود مع سوريا، وعقد لقاء مع قادة الوحدات العسكرية التركية المتمركزة على الحدود.

وقال غولر إن تركيا تعتقد أن الإدارة الجديدة في سوريا، بما في ذلك «الجيش الوطني السوري»، المدعوم من أنقرة، سيطردون مسلحي «وحدات حماية الشعب الكردية» من جميع الأراضي التي تحتلها في شمال شرقي سوريا.

وتدعم الولايات المتحدة «وحدات حماية الشعب»، التي تعدها تركيا ذراعاً في سوريا لحزب العمال الكردستاني المصنف لدى تركيا وحلفائها الغربيين منظمة إرهابية، بوصفها حليفاً في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي.

وتخوض تركيا والفصائل السورية الموالية لها قتالاً ضد «الوحدات الكردية» في مناطق سيطرة «قسد»، منذ سقوط حكم بشار الأسد، وسيطرت على تل رفعت ومنبج، وتواصل القتال حول عين العرب كوباني والرقة مع استمرار الاستهدافات في الحسكة.

وزير الدفاع التركي مع جنود من الوحدات العسكرية على الحدود التركية السورية الأحد (الدفاع التركية)

وقال غولر، الذي رافقه رئيس الأركان التركي وقادة القوات البرية والبحرية والجوية بالجيش التركي خلال زيارته لقيادة الجيش الثاني في غازي عنتاب: «نعتقد أن القيادة الجديدة في سوريا والجيش الوطني السوري، الذي يشكل جزءاً مهماً من جيشها، إلى جانب الشعب السوري، سيحررون جميع الأراضي التي احتلتها المنظمات الإرهابية».

وأضاف: «سنتخذ أيضاً كل الإجراءات اللازمة بالعزم نفسه حتى يتم القضاء على جميع العناصر الإرهابية خارج حدودنا».

وتابع: «الأزمة التي بدأت في سوريا عام 2011 إضافة إلى البيئة غير المستقرة اللاحقة، أعطت تنظيمات (حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب، وداعش الإرهابي) الفرصة لكسب مساحة في سوريا، وهددت أمن حدودنا».

ولفت إلى أن تركيا دفعت ثمناً باهظاً قبل دخولها سوريا، ونفذت عمليات عبر الحدود، بدءاً بعملية «درع الفرات» عام 2016، لجعل التنظيمات الإرهابية تدفع الثمن ولضمان أمن حدودها وشعبها.

وقال إنه في هذا السياق، يعد الجيش التركي الجيش الوحيد سواء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو خارجه الذي يقاتل تنظيم «داعش» ميدانياً، وتحدث عن ثقته بأن «(الجيش الوطني السوري) سينقذ الأرض بأكملها».

وزير الدفاع التركي يشار غولر وقادة القوات المسلحة خلال اتصال بالفيديو مع الوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود السورية (الدفاع التركية)

وأضاف غولر خلال لقاء عبر «الفيديو كونفرس» مع قادة الوحدات العسكرية المنتشرين على الحدود التركية - السورية من مقر القيادة العسكرية في كليس جنوب، أنه بعد الإطاحة بنظام الأسد الدموي في سوريا، بدأت حقبة جديدة الكلمة الحقيقية فيها للشعب السوري، ومن الآن فصاعداً، سنواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوري، كما فعلنا حتى الآن، وسنكون على تعاون وتنسيق وثيق مع الإدارة الجديدة لضمان سلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية وأمنها واستقرارها.

وأشار إلى أنه نتيجة للعملية التي بدأت في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، في إشارة إلى عملية «فجر الحرية» للجيش الوطني السوري، تم تطهير تل رفعت في 2 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، ومنبج في 9 ديسمبر من العناصر الإرهابية.

وتابع: «أود أن ألفت الانتباه إلى نقطة مهمة وهي أن ما يحدث في سوريا اليوم لا ينبغي النظر إليه فقط على أنه (تطورات الشهر الماضي)، فتصرفات النظام، الذي اضطهد شعبه لسنوات، والجهود الكبيرة التي بذلها أصحاب سوريا الحقيقيون، الذين قالوا للنظام (توقف الآن)، جلبت أياماً جيدة».

تركيا وفصائل الجيش الوطني تواصلان القصف على محاور منبج وعين العرب (المرصد السوري)

وذكر أن «النجاح الذي تحقق هو أيضاً نتيجة للكفاح البطولي لقواتنا المسلحة التركية، وخصوصاً شهدائنا وقدامى المحاربين، الذي بدأ في أغسطس (آب) 2016 في عملية (درع الفرات) في حلب شمال غربي سوريا، لحماية وطننا من وراء الحدود، وتضامن وتضحيات شعبنا النبيل».

وعد غولر أنه ينبغي على جميع الأطراف الفاعلة في الميدان أن تأخذ بعين الاعتبار «التضحيات التي قدمتها تركيا والمبادرات التي قامت بها في الخطوات التي يجب اتخاذها في المستقبل؛ ومن أجل التوصل إلى حل عادل ودائم ومستدام، يجب احترام حساسيات تركيا التي ستواصل القيام بدورها لتحقيق الاستقرار في سوريا وضمان العودة الكريمة لملايين اللاجئين الذين استقبلتهم من سوريا».

هجمات ضد «قسد»

في الوقت ذاته، أعلنت وزارة الدفاع التركية مقتل 6 من عناصر الوحدات الكردية في عملية نفذتها القوات التركية في منطقة «نبع السلام» ضد عناصر كانوا يستعدون لتنفيذ هجوم في المنطقة.

وقصفت القوات التركية والفصائل الموالية لها ضمن منطقة «نبع السلام»، في شمال شرقي سوريا، بالمدفعية الثقيلة، محطة للوقود ومدرسة في بلدة أبو راسين شمال غربي الحسكة، ما أدى إلى تدميرهما، كما استهدفت مناطق في ريف تل تمر شمال غربي الحسكة.

ويشهد محور جسر قرة قوزاق بريف حلب الشرقي، اشتباكات عنيفة بين فصائل «الجيش الوطني» وقوات «قسد»، بالأسلحة الثقيلة، مع قصف مدفعي عنيف استهدف أطراف الجسر الاستراتيجي الذي يربط ضفتي نهر الفرات غرباً وشرقاً، في محاولة لتمهيد الطريق أمام تقدم الفصائل، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.