فرنسا تستعيض عن العمل الدبلوماسي بشأن الحرب في غزة بالمبادرات الإنسانية

ماكرون يكثّف اتصالاته مع قادة المنطقة لكن لا مبادرة سياسية في الأفق

الرئيس ماكرون خلال محاضرة ألقاها في جامعة لوزان السويسرية في 16 الحالي حول الاتحاد الأوروبي (إ.ب.أ)
الرئيس ماكرون خلال محاضرة ألقاها في جامعة لوزان السويسرية في 16 الحالي حول الاتحاد الأوروبي (إ.ب.أ)
TT

فرنسا تستعيض عن العمل الدبلوماسي بشأن الحرب في غزة بالمبادرات الإنسانية

الرئيس ماكرون خلال محاضرة ألقاها في جامعة لوزان السويسرية في 16 الحالي حول الاتحاد الأوروبي (إ.ب.أ)
الرئيس ماكرون خلال محاضرة ألقاها في جامعة لوزان السويسرية في 16 الحالي حول الاتحاد الأوروبي (إ.ب.أ)

من بين القادة الغربيين كافة، يبدو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأكثر انخراطاً في المجال الإنساني لتوفير المساعدات لضحايا حرب غزة المتواصلة التي دخلت أسبوعها السابع. وبعد سلسلة اتصالات هاتفية الأحد تناولت الرئيس المصري وأمير قطر والرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي والبيانات الصادرة عن قصر الإليزيه بهذا الخصوص، غرّد ماكرون الاثنين على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) ليشدد على ضرورة وصول المساعدات الإنسانية «بأسرع وقت وبأقصى قدر ممكن من السلامة»، وعلى الحاجة «الضرورية لهدنة إنسانية فورية تفضي لوقف لإطلاق النار». وفي البيان الذي وزعه قصر الإليزيه عن المحادثة الهاتفية مع بنيامين نتنياهو، ورد أن الرئيس الفرنسي «لفت نظر (نتنياهو) إلى المخاطر الإنسانية والعدد الكبير من الضحايا المدنيين الذين يسقطون بسبب العمليات العسكرية الجارية راهناً في غزة»، مشدداً على «الضرورة المطلقة للتمييز بين الإرهابيين والسكان وعلى توفير الحماية للمدنيين».

وفي تغريدة الاثنين كما في البيانات الرئاسية عن الاتصالات الهاتفية، عرض الجانب الفرنسي بالتفصيل المبادرات التي تقوم بها باريس لصالح مدنيي غزة بدءاً بالمؤتمر الدولي الذي استضافته باريس في التاسع من الشهر الحالي الذي وفّر مساعدات تزيد على المليار دولار من المؤسسات الدولية ومن الاتحاد الأوروبي لصالح الوكالات الأممية؛ مثل الأونروا والصليب الأحمر ومنظمات من المجتمع المدني. وأفاد ماكرون بأنه قرر إرسال طائرة جديدة من طائرات القوات الجوية الفرنسية على متنها عشرة أطنان من الإمدادات الطبية الأسبوع المقبل، بالإضافة إلى 100 طن من المساعدات الإنسانية أرسلت بالفعل. وذكر أن الإمدادات الجديدة تشمل وحدتين طبيتين متنقلتين لتقديم العلاج لنحو 500 من الجرحى. وأشار أيضاً إلى أن حاملة مروحيات برمائية ستبحر إلى مصر لتصل هناك في الأيام المقبلة، وهي مزودة بمستشفى يتسع لأربعين سريراً.

وقال إن إرسال هذه الحاملة يهدف إلى تقديم العلاج للحالات الحرجة وتسهيل نقل الجرحى المدنيين إلى المستشفيات القريبة إذا اقتضت الضرورة. وأكد أن بلاده تسخّر كل الوسائل الممكنة، خاصة النقل الجوي، لتقديم العلاج لأطفال غزة الجرحى ممن يحتاجون رعاية عاجلة في فرنسا «إذا كان هذا مفيداً وضرورياً». وأشار ماكرون إلى أن هناك ترتيبات في المستشفيات الفرنسية لاستقبال ما يصل إلى 50 مريضاً.

ممرضة تحضّر مجموعة من الأطفال حديثي الولادة لنقلهم إلى مصر بعد إجلائهم من مستشفى الشفاء بمدينة غزة (أ.ب)

اللافت في التحرك الفرنسي، وفق مصادر سياسية في باريس، «التركيز بشكل رئيسي على الجوانب الإنسانية وإبراز ما تقوم به فرنسا مقابل الضعف الواضح في الجانب السياسي من تحركها»، الأمر الذي ترى فيه «تراجعاً للدور الفرنسي في التأثير على مسار الأحداث في الشرق الأوسط وغياب العمل الجماعي الأوروبي». وتعد هذه المصادر أن باريس تستعيض عن ضعفها السياسي بالتركيز على الجانب الإنساني، وهي ترى أنه «على الرغم من أهمية العمل الإنساني لتخفيف آلام ومعاناة المدنيين، فإنه لا يمكن أن يحل محل العمل السياسي».

ترصد هذه المصادر عدة ملاحظات على أداء الدبلوماسية الفرنسية إن على مستوى وزارة الخارجية والدفاع أو على صعيد الرئاسة. بداية، تتوقف المصادر عند «اللهجة الضعيفة» في الحديث مع نتنياهو، حيث إن ماكرون «لفت نظره» إلى كثرة أعداد الضحايا من المدنيين. «باريس لم تنتقد ولم تندد» بل «تلفت النظر» فيما تجاوز عدد القتلى في قطاع غزة 12 ألف قتيل بينهم ما لا يقل عن خمسة آلاف طفل، وفق وزارة الصحة في القطاع.

وكم تبدو عبارة ماكرون بعيدة عن اللغة التي يستخدمها المسؤولون في المنظمات الدولية وآخرهم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك الذي عبّر الأحد عن أسفه لأن «الأحداث المروعة» التي وقعت خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية في غزة «تفوق التصور»، مشيراً إلى أن بعض تصرفات الجيش الإسرائيلي يمكن أن تشكل «جرائم حرب».

في المقابل، فإن ماكرون، في اتصاله الهاتفي مع محمود عباس ذكره، كما ذكّر جميع دول المنطقة، «بضرورة أن تدين في شكل لا لبس فيه وبأكبر قدر من الحزم، الهجمات الإرهابية التي شنتها (حماس) في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)» فيما تبقى الممارسات الإسرائيلية عصية على الإدانة مهما بلغت درجة الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني وقوانين الحرب.

قافلة مساعدات أردنية تنقل مكونات مستشفى ميداني لدى وصولها إلى خان يونس جنوب قطاع غزة الاثنين (أ.ف.ب)

في تغريدته الاثنين، أكد ماكرون أن فرنسا «تقوم بكل ما تستطيعه» للتوصل إلى هدنة إنسانية. وبعد أن كان قد طالب، في حديث للقناة البريطانية «بي بي سي» الأسبوع الماضي، بالذهاب «مباشرة» إلى وقف لإطلاق النار، سار خطوة إلى الوراء. ووفق المصادر الفرنسية، فإن تراجعه يمكن فهمه على ضوء ردة الفعل الإسرائيلية من جهة، وردة فعل المنظمات اليهودية في فرنسا التي طالبت بـ«توضيحات» لمواقفه. وما أثار حفيظتها بالدرجة الأولى أنه حث الجانب الإسرائيلي على «وقف» القصف الذي يقتل المدنيين في غزة، واعتباره أن محاربة الإرهاب لا تعني قتل المدنيين.

كذلك رأى ماكرون وقتذاك أن «لا شرعية» لاستهداف المدنيين ولا سبب يبرر ذلك، داعياً إسرائيل إلى احترام القانون الدولي الإنساني. لكنه اضطر في اليوم التالي إلى الاتصال برئيس الدولة الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ «ليوضح» له موقفه، وليؤكد له أنه «لم يقصد» القول إن إسرائيل تقتل المدنيين «عمدا».

ثمة أمر يصعب تفسيره في المقاربة الفرنسية وعنوانه امتناع الرئيس ماكرون عن التذكير بالقرار الدولي الذي صدر في 15 الحالي عن مجلس الأمن، الذي يطالب بهدنات إنسانية فورية. وما يصح على فرنسا يصح على الأطراف الغربية الأخرى التي تتصرف كأن القرار المذكور صوّت عليه ليبقى حبراً على ورق، علما أنه الوحيد الذي نجح الأعضاء الخمسة دائمو العضوية في مجلس الأمن في التوافق عليه. ويوفر القرار المذكور قاعدة قانونية وشرعية للضغط على إسرائيل. وحتى اليوم، لم تقم الأطراف القادرة على التأثير على إسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية بأي جهد جدي لدفعها للامتثال له.

ثمة جانب سياسي واحد لا يتردد الجانب الفرنسي في ولوجه من غير وجل، وهو التنديد بعنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة. ففي حديثه مع عباس عبر ماكرون عن «إدانته لأعمال العنف ضد المدنيين الفلسطينيين» كما عبر، في اتصاله مع نتنياهو عن «قلقه البالغ حيال تصاعد العنف ضد المدنيين الفلسطينيين»، داعياً إياه إلى «القيام بكل ما هو ممكن لمنع اتساع أعمال العنف والحفاظ على الهدوء».


مقالات ذات صلة

28 قتيلاً فلسطينياً في غزة... وجباليا مدينة أشباح

شؤون إقليمية فلسطينيون يحاولون إسعاف مواطن أصيب بغارة إسرائيلية على مخيم البريج وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب) play-circle 00:37

28 قتيلاً فلسطينياً في غزة... وجباليا مدينة أشباح

قُتل 28 فلسطينياً على الأقل، بينهم أطفال ونساء، في غارات عدة شنّها الطيران الحربي الإسرائيلي ليل السبت - الأحد في قطاع غزة، استهدفت إحداها منزل عائلة واحدة،…

نظير مجلي (تل أبيب)
العالم بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

يرسم تقرير أممي صورة قاتمة جداً لما عانته النساء في الأزمات المسلحة خلال عام 2023، فقد شكّلن 40 % من مجموع القتلى المدنيين؛ أي ضعف النسبة في 2022.

شوقي الريّس (بروكسل)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على مواطنين لهم قضوا بغارة إسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (رويترز)

«هدنة غزة»: حديث عن أيام حاسمة لـ«صفقة جزئية»

مساعٍ تتواصل للوسطاء لسد «فجوات» مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط حديث إسرائيلي عن «أيام حاسمة» لعقد صفقة جزئية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا البابا فرنسيس يدين «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)

البابا فرنسيس يدين مجدداً «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة

دان البابا فرنسيس مرة أخرى، اليوم (الأحد)، «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
المشرق العربي الرضيعة عائشة عدنان سفيان القصاص التي توفيت في غزة (المركز الفلسطيني للإعلام)

الشتاء يضرب غزة... ووفاة رضيعة بسبب البرد القارس

يضرب البرد القارس الفلسطينيين، البالغ عددهم نحو مليونَي شخص، الذين نزحوا؛ بسبب الحرب الإسرائيلية، في حين توفيت رضيعة من البرد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

تركيا تدعم دمشق سياسياً... وتتأهب عسكرياً ضد «الوحدات الكردية»

TT

تركيا تدعم دمشق سياسياً... وتتأهب عسكرياً ضد «الوحدات الكردية»

القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع مستقبلاً فيدان في مستهل زيارته لدمشق (رويترز)
القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع مستقبلاً فيدان في مستهل زيارته لدمشق (رويترز)

زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، دمشق، والتقى قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، وبالتزامن أجرى وزير الدفاع التركي، يشار غولر، جولة تفقدية لمنطقة الحدود مع سوريا، وعقد اجتماعاً مع قادة الوحدات العسكرية المنتشرة هناك.

والتقى فيدان الذي يعد أول وزير خارجية يزور دمشق عقب سقوط نظام بشار الأسد، الشرع بحضور وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة، أسعد حسن الشيباني، ومن الجانب التركي نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماظ، والقائم بالأعمال التركي في دمشق، السفير برهان كور أوغلو.

وجاءت زيارة فيدان بعد الزيارة التي قام بها رئيس المخابرات التركي، إبراهيم كالين، لدمشق، الذي كان أول مسؤول أجنبي يزورها ويجتمع مع إدارتها الجديدة، قبل أسبوعين تقريباً، وأعقب ذلك بيومين إعادة فتح السفارة التركية بعد 12 عاماً من إغلاقها، وهي أول سفارة أجنبية تفتح أبوابها بعد سقوط الأسد.

دعم تركي

وقالت مصادر دبلوماسية تركية لـ«الشرق الأوسط» إن مباحثات فيدان والشرع تناولت «هيكلة الإدارة الجديدة في سوريا، وخطوات المرحلة الانتقالية، ووضع دستور جديد للبلاد يعبر عن المرحلة الجديدة، ويتضمن مشاركة جميع مكونات الشعب السوري في العملية السياسية».

جانب من لقاء الشرع وفيدان في دمشق (الخارجية التركية)

وأضافت المصادر أن فيدان أكد «دعم تركيا للإدارة السورية الجديدة في هذه المرحلة، واستعدادها لتقديم كل ما يلزم من أجل اجتيازها بنجاح، ودعم مرحلة إعادة الإعمار وتلبية احتياجات الشعب السوري».

وبحسب المصادر، تطرقت المباحثات أيضاً إلى «تهيئة الظروف لعودة طوعية آمنة وكريمة للاجئين السوريين، وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة في هذه المرحلة».

كما تم التطرق إلى «مكافحة التنظيمات الإرهابية» وتصدي الإدارة السورية الجديدة للمجموعات التي تعمل على تقسيم البلاد، في إشارة إلى «وحدات حماية الشعب الكردية»، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تخوض القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري الموالي لأنقرة حرباً ضدها في شمال وشرق سوريا بالمناطق المحاذية لحدود تركيا الجنوبية.

وتوقفت وسائل إعلام تركية عند بعض النقاط اللافتة في اللقاء بين فيدان والشرع، منها وضع ظهور العلمين السوري والتركي خلال اللقاء بعدما كان يتم وضع العلم السوري فقط في اللقاءات السابقة للشرع مع الوفود الأجنبية.

كما لفتت إلى أن الشرع ظهر للمرة الأولى وهو يرتدي رابطة عنق (كرافتة) خلال لقائه فيدان. وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أعلن في طريق عودته من مصر، حيث شارك في قمة مجموعة الثماني في القاهرة، أن فيدان سيزور دمشق، وسيبحث مع إدارتها الجديدة هيكلة المرحلة المقبلة في سوريا.

تعاون مع «تحرير الشام»

وأكد فيدان، في تصريحات السبت، أن تركيا لم ترصد انخراط «هيئة تحرير الشام»، التي يقودها الشرع، في أي أنشطة إرهابية خلال السنوات الـ10 الأخيرة، مضيفاً: «هذا ليس تقييمنا فحسب، بل هذا ما خلُصت إليه أجهزة الاستخبارات الغربية أيضاً».

وعدّ فيدان الذي تولّى رئاسة المخابرات التركية لمدة 13 عاماً قبل توليه وزارة الخارجية، في يونيو (حزيران) 2023، في مقابلة مع قناة «فرانس 24»، أن «هيئة تحرير الشام» لعبت دوراً في «مكافحة التنظيمات الإرهابية مثل (داعش) و(القاعدة)»، وقال إن «(تحرير الشام) أظهرت تعاوناً جيداً، خصوصاً في تبادل المعلومات الاستخبارية المتعلقة بمكافحة (داعش)، وأسهمت بشكل كبير في هذا الصدد».

ولفت إلى أن «تحرير الشام» تعاونت أيضاً مع تركيا حول أهداف معينة، مثل القضاء على زعيم «داعش» السابق، أبو بكر البغدادي، وأنهم لم يعلنوا عن ذلك من قبل؛ «نظراً لحساسية الأمر».

الشرع خلال استقباله فيدان بقصر الشعب في دمشق (إعلام تركي)

وعما إذا كانت تركيا ستتدخل عسكرياً ضد «الوحدات الكردية» في شمال شرقي سوريا، قال فيدان: «(وحدات حماية الشعب) منظمة إرهابية، تم إنشاؤها بشكل مصطنع من أشخاص من تركيا والعراق وسوريا وبعض دول أوروبا، ويجب حلها على الفور، هناك إدارة جديدة في سوريا الآن، ولم تعد روسيا وإيران ونظام الأسد يدعمون (وحدات حماية الشعب) و(حزب العمال الكردستاني)، وأعتقد أن عليهم التعامل مع هذا الأمر من خلال وحدة أراضي سوريا وسيادتها، لكن إذا لم يحدث ذلك؛ فبالطبع علينا حماية أمننا القومي»، وأضاف: «علينا أن نتوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة أيضاً حول هذا الأمر».

وزير الدفاع يتفقد الحدود

وبالتزامن مع زيارة فيدان لدمشق، تفقد وزير الدفاع التركي، يشار غولر، مناطق الحدود مع سوريا، وعقد لقاء مع قادة الوحدات العسكرية التركية المتمركزة على الحدود.

وقال غولر إن تركيا تعتقد أن الإدارة الجديدة في سوريا، بما في ذلك «الجيش الوطني السوري»، المدعوم من أنقرة، سيطردون مسلحي «وحدات حماية الشعب الكردية» من جميع الأراضي التي تحتلها في شمال شرقي سوريا.

وتدعم الولايات المتحدة «وحدات حماية الشعب»، التي تعدها تركيا ذراعاً في سوريا لحزب العمال الكردستاني المصنف لدى تركيا وحلفائها الغربيين منظمة إرهابية، بوصفها حليفاً في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي.

وتخوض تركيا والفصائل السورية الموالية لها قتالاً ضد «الوحدات الكردية» في مناطق سيطرة «قسد»، منذ سقوط حكم بشار الأسد، وسيطرت على تل رفعت ومنبج، وتواصل القتال حول عين العرب كوباني والرقة مع استمرار الاستهدافات في الحسكة.

وزير الدفاع التركي مع جنود من الوحدات العسكرية على الحدود التركية السورية الأحد (الدفاع التركية)

وقال غولر، الذي رافقه رئيس الأركان التركي وقادة القوات البرية والبحرية والجوية بالجيش التركي خلال زيارته لقيادة الجيش الثاني في غازي عنتاب: «نعتقد أن القيادة الجديدة في سوريا والجيش الوطني السوري، الذي يشكل جزءاً مهماً من جيشها، إلى جانب الشعب السوري، سيحررون جميع الأراضي التي احتلتها المنظمات الإرهابية».

وأضاف: «سنتخذ أيضاً كل الإجراءات اللازمة بالعزم نفسه حتى يتم القضاء على جميع العناصر الإرهابية خارج حدودنا».

وتابع: «الأزمة التي بدأت في سوريا عام 2011 إضافة إلى البيئة غير المستقرة اللاحقة، أعطت تنظيمات (حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب، وداعش الإرهابي) الفرصة لكسب مساحة في سوريا، وهددت أمن حدودنا».

ولفت إلى أن تركيا دفعت ثمناً باهظاً قبل دخولها سوريا، ونفذت عمليات عبر الحدود، بدءاً بعملية «درع الفرات» عام 2016، لجعل التنظيمات الإرهابية تدفع الثمن ولضمان أمن حدودها وشعبها.

وقال إنه في هذا السياق، يعد الجيش التركي الجيش الوحيد سواء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو خارجه الذي يقاتل تنظيم «داعش» ميدانياً، وتحدث عن ثقته بأن «(الجيش الوطني السوري) سينقذ الأرض بأكملها».

وزير الدفاع التركي يشار غولر وقادة القوات المسلحة خلال اتصال بالفيديو مع الوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود السورية (الدفاع التركية)

وأضاف غولر خلال لقاء عبر «الفيديو كونفرس» مع قادة الوحدات العسكرية المنتشرين على الحدود التركية - السورية من مقر القيادة العسكرية في كليس جنوب، أنه بعد الإطاحة بنظام الأسد الدموي في سوريا، بدأت حقبة جديدة الكلمة الحقيقية فيها للشعب السوري، ومن الآن فصاعداً، سنواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوري، كما فعلنا حتى الآن، وسنكون على تعاون وتنسيق وثيق مع الإدارة الجديدة لضمان سلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية وأمنها واستقرارها.

وأشار إلى أنه نتيجة للعملية التي بدأت في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، في إشارة إلى عملية «فجر الحرية» للجيش الوطني السوري، تم تطهير تل رفعت في 2 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، ومنبج في 9 ديسمبر من العناصر الإرهابية.

وتابع: «أود أن ألفت الانتباه إلى نقطة مهمة وهي أن ما يحدث في سوريا اليوم لا ينبغي النظر إليه فقط على أنه (تطورات الشهر الماضي)، فتصرفات النظام، الذي اضطهد شعبه لسنوات، والجهود الكبيرة التي بذلها أصحاب سوريا الحقيقيون، الذين قالوا للنظام (توقف الآن)، جلبت أياماً جيدة».

تركيا وفصائل الجيش الوطني تواصلان القصف على محاور منبج وعين العرب (المرصد السوري)

وذكر أن «النجاح الذي تحقق هو أيضاً نتيجة للكفاح البطولي لقواتنا المسلحة التركية، وخصوصاً شهدائنا وقدامى المحاربين، الذي بدأ في أغسطس (آب) 2016 في عملية (درع الفرات) في حلب شمال غربي سوريا، لحماية وطننا من وراء الحدود، وتضامن وتضحيات شعبنا النبيل».

وعد غولر أنه ينبغي على جميع الأطراف الفاعلة في الميدان أن تأخذ بعين الاعتبار «التضحيات التي قدمتها تركيا والمبادرات التي قامت بها في الخطوات التي يجب اتخاذها في المستقبل؛ ومن أجل التوصل إلى حل عادل ودائم ومستدام، يجب احترام حساسيات تركيا التي ستواصل القيام بدورها لتحقيق الاستقرار في سوريا وضمان العودة الكريمة لملايين اللاجئين الذين استقبلتهم من سوريا».

هجمات ضد «قسد»

في الوقت ذاته، أعلنت وزارة الدفاع التركية مقتل 6 من عناصر الوحدات الكردية في عملية نفذتها القوات التركية في منطقة «نبع السلام» ضد عناصر كانوا يستعدون لتنفيذ هجوم في المنطقة.

وقصفت القوات التركية والفصائل الموالية لها ضمن منطقة «نبع السلام»، في شمال شرقي سوريا، بالمدفعية الثقيلة، محطة للوقود ومدرسة في بلدة أبو راسين شمال غربي الحسكة، ما أدى إلى تدميرهما، كما استهدفت مناطق في ريف تل تمر شمال غربي الحسكة.

ويشهد محور جسر قرة قوزاق بريف حلب الشرقي، اشتباكات عنيفة بين فصائل «الجيش الوطني» وقوات «قسد»، بالأسلحة الثقيلة، مع قصف مدفعي عنيف استهدف أطراف الجسر الاستراتيجي الذي يربط ضفتي نهر الفرات غرباً وشرقاً، في محاولة لتمهيد الطريق أمام تقدم الفصائل، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.