هل لبنان في مأمن من انزلاقه لحرب مع إسرائيل؟

في ضوء الحديث عن خفض منسوب القلق جنوباً

هجوم لـ«حزب الله» على مواقع عسكرية إسرائيلية على طول الحدود مع لبنان (رويترز)
هجوم لـ«حزب الله» على مواقع عسكرية إسرائيلية على طول الحدود مع لبنان (رويترز)
TT

هل لبنان في مأمن من انزلاقه لحرب مع إسرائيل؟

هجوم لـ«حزب الله» على مواقع عسكرية إسرائيلية على طول الحدود مع لبنان (رويترز)
هجوم لـ«حزب الله» على مواقع عسكرية إسرائيلية على طول الحدود مع لبنان (رويترز)

يكاد انشغال القوى السياسية في لبنان بمقاربتها، من موقع الاختلاف، لملء الشغور في المؤسسة العسكرية بإحالة قائد الجيش، العماد جوزف عون، إلى التقاعد، في 10 يناير (كانون الثاني) المقبل، يطغى على المفاعيل السياسية والأمنية المترتبة على تصاعد المواجهة بين «حزب الله» وإسرائيل على امتداد الحدود اللبنانية الإسرائيلية، من رأس الناقورة إلى مزارع شبعا المحتلّة؛ وكأن الجنوب في مأمن من الانزلاق في حرب شاملة معطوفة على تلك التي يشهدها قطاع غزة، مع دخولها يومها الثالث والأربعين.

لكن ما يتناقله عدد من الوزراء والنواب عن رئيسي المجلس النيابي نبيه بري، وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، يفيد بأنه لا مخاطر على لبنان حتى الساعة، وأن المواجهة في الجبهة الشمالية لإسرائيل، وإن كانت آخذة إلى التصعيد، ستبقى تحت سقف التقيد بقواعد الاشتباك التي تتعرض لخروق من حين لآخر، لكنها تبقى تحت السيطرة.

فالمواجهة في الجنوب اللبناني، وإن كانت تأتي في سياق إشغال «حزب الله» إسرائيل، للتخفيف من ضغطها على حركة «حماس» في قطاع غزة، فإنها تبقى في حدود استنزاف الحزب للجيش الإسرائيلي تحت سقف الاحتكام إلى معادلة توازن الرعب، دون أن يلوح في الأفق السياسي ما يفتح الباب أمام اتساع رقعة الحرب الدائرة في غزة لتشمل الجبهة الشمالية، خصوصاً أن إيران ليست في وارد الانجرار إلى توسعة الحرب، وإلا لكانت قد بادرت إلى التدخل في الوقت المناسب، بدلاً من أن تنتظر طويلاً، ما سمح لإسرائيل بالمضي في اجتياحها البري لغزة.

كما أن إيران، مع قيام «حماس» باجتياحها المستوطنات الإسرائيلية الواقعة في النطاق الجغرافي لغلاف غزة، سعت لتمرير رسالة إلى المجتمع الدولي، وتحديداً إلى الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما تولّاه وزير خارجيتها حسن أمير عبد اللهيان، في زيارته المبكرة لبيروت، فور حصول الاجتياح، بقوله، في لقاءاته التي جمعته بأركان الدولة اللبنانية، إن طهران لم تكن على علم مسبق بحصوله وليست ضالعةً فيه، وأن قيادة «حماس» أبلغتها لاحقاً بأن لديها القدرة على الصمود لأشهُر في وجه العدوان الإسرائيلي.

والموقف نفسه عكَسه الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، مضيفاً أنه يبني موقفه على ما ستؤول إليه مجريات الحرب في الميدان، دون أن يستفيض في تحديد موقف الحزب؛ رغبةً منه باعتماد الغموض البنّاء الذي أوقع سفراء عدد من الدول الغربية المعتمَدين لدى لبنان في حيرة من أمرهم، ما حال دون تقديرهم ردّ فعله حيال تصاعد الحرب في غزة، وتحديداً لجهة إمكانية استدراج لبنان للدخول في هذه الحرب.

حتى إن السفراء أنفسهم لم يتمكنوا من الحصول على أجوبة قاطعة حول إمكانية انزلاق لبنان نحو الحرب، وذلك في لقاءاتهم المفتوحة مع الرئيسين بري وميقاتي، ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، رغم أنهم نقلوا إليهم تحذير دولهم من انجرار لبنان إلى الحرب.

لكن الرئيس ميقاتي بادر لاحقاً إلى خرق الصمت اللبناني الرسمي حيال إمكانية انخراط الحزب في الحرب، بقوله إن الحزب يتعاطى بواقعية وعقلانية في تحديد موقفه، ولم يكن يهدف إلى توريط الحزب في موقف لا يريده، وإنما للضغط على المجتمع الدولي؛ لمنع إسرائيل من جرّ لبنان إلى حرب لا يريدها؛ لأن قراره بيد تل أبيب، وليس في لبنان الذي يطالب بالضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة.

ومع أن منسوب القلق من أن تتوسع الحرب الإسرائيلية لتشمل الجبهة الشمالية، أخذ يتراجع تدريجياً، استناداً إلى ما يتناقله وزراء ونواب عن الرئيسين بري وميقاتي، اللذين يشددان، في الوقت نفسه، على حق لبنان في الدفاع عن النفس، فإن معظم هؤلاء يؤكدون، لـ«الشرق الأوسط»، أن الحزب يقدّر الظروف الراهنة التي يمر بها البلد، سواء أكانت سياسية أم مالية، ويأخذها في الاعتبار، ولن يقدم على خطوة مرتجلة وغير مدروسة، ومن خارج حساباته الإقليمية، وتحديداً إيران.

ويرى نواب ووزراء أن استدراج لبنان للدخول في حرب يقع على عاتق إسرائيل، ومن ثم فإن الجهود الدولية، التي تستخدم كل ثقلها السياسي لقطع الطريق على إيجاد الذرائع لإسرائيل لإشعال الجبهة الشمالية، يُفترض أن تشكل رافعة للضغط على تل أبيب، ما دام لبنان يلتزم بالقرار 1701 ويصر على تطبيقه ولن يسمح لإسرائيل بتغيير قواعد الاشتباك والإطاحة بها.

لذلك فإن المواجهة بين إسرائيل و«حزب الله» تبقى محكومة بالتقيد بقواعد الاشتباك، وأن مجرد خرقها سيضطر الحزب للرد عليها مباشرة، وهذا ما يكمن وراء ردّه على المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل بين بلدتيْ بليدا وعيناتا الحدوديتين، وأدت إلى استشهاد ثلاث فتيات وجَدّتهن.

فالحزب أعلن بصراحة أنه سيردّ، وبادر إلى قصف مستوطنة كريات شمونة والبنى التحتية في الجليل الأعلى، وهذا ما أبلغه إلى قيادة «يونيفيل» التي أبلغت بدورها إسرائيل بأن القصف جاء رداً على المجزرة، مع أنها اضطرت لاحقاً؛ أي إسرائيل، إلى تمرير رسالة للبنان، عبر مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة، آموس هوغستين، وفيها أنها أخطأت في استهدافها السيارة التي كانت تقلُّهم؛ ظنّاً منها أنها عسكرية.

وما انسحب، بالنسبة لـ«حزب الله» على مجزرة عيناتا، انسحب لاحقاً على استهدافه مستوطنات إسرائيلية تقع في عمق فلسطين المحتلّة، في ردّه على توسيع الرقعة الجغرافية التي تدور فيها المواجهة، وصولاً إلى تجاوزها ما يسمى منطقة العمليات الواقعة في جنوب الليطاني، الخاضعة لسيطرة الجيش اللبناني و«يونيفيل».

ورغم أن المواجهة بين «حزب الله» وإسرائيل تصاعدت، في الأيام الأخيرة، وبلغت ذروتها مع توغُّل الجيش الإسرائيلي في غزة، فإن مصادر دبلوماسية غربية تتعامل معها على أساس أنها تبقى تحت السيطرة، حتى لو خرجت على ما كان مألوفاً، في الأسابيع الأولى من انطلاقها، وهذا ما يفسر حصر النزوح بغالبيته الساحقة من الجنوب إلى الجنوب، وتحديداً من المناطق الساخنة، وعدم اضطرار آلاف العائلات التي كانت قد استأجرت أماكن بديلة لها في أكثر من منطقة جبلية، في حال توسّعت دائرة المواجهة، إلى صرف النظر حالياً عن الإقامة فيها، والبقاء مؤقتاً في عمق البلدات الجنوبية بضيافة أقارب لهم، أو في مراكز خُصّصت لإيواء النازحين، مع أنها بحاجة لتأهيل وتوفير الحد الأدنى من احتياجات المقيمين فيها.

إلا أن تراجع نسبة المخاطر من اندلاع حرب غير محدودة في الجنوب لا يعني في المطلق عدم التحضير منذ الآن لمواجهة مرحلة ما بعد انتهاء الحرب في غزة؛ لأن أصحاب الرؤوس الحامية داخل الحكومة الإسرائيلية، وأولهم رئيسها بنيامين نتنياهو، لن يتردد لاحقاً - في حال لم يضطرّ للاستقالة أو الإقالة تحت مفاعيل التقصير الأمني والاستخباراتي بكشف مخطط «حماس» في اقتحامها المستوطنات الواقعة في نطاق غلاف غزة، وملاحقته قضائياً في ملف الفساد - في الالتفات إلى الجبهة الشمالية؛ تحسُّباً لمفاجأة يمكن أن يقوم بها «حزب الله».

وبكلام آخر، لا بد من إدراج الوضع في الجنوب بوصفه بنداً أول على جدول أعمال الحكومة التي قد تكون عاجزة عن إعادة النظر فيه، وصولاً إلى ترتيبه تحسُّباً لأي عمل عدواني إسرائيلي، وهذا ما يستدعي إعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قادرة على تحمل المسؤولية، وإلى أن يتحقق ذلك لا بد من التوصل لاتفاق لإنهاء الشغور في قيادة الجيش.

وما يعزز الاعتقاد بإعادة تكوين السلطة وجود مخاوف مشروعة حيال المحاولات الرامية لإعادة النظر في خريطة الشرق الأوسط يستدعي التحضير لتأمين جلوس لبنان إلى طاولة المفاوضات، بدلاً من أن يُدرج اسمه على خانة الدول المشمولة بإعادة رسمها.


مقالات ذات صلة

دعم مصري للبنان... تحركات سياسية وإنسانية تعزز مسار التهدئة بالمنطقة

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)

دعم مصري للبنان... تحركات سياسية وإنسانية تعزز مسار التهدئة بالمنطقة

تحركات مصرية مكثفة سياسية وإنسانية لدعم لبنان في إطار علاقات توصف من الجانبين بـ«التاريخية» وسط اتصالات ومشاورات وزيارات لم تنقطع منذ بدء الحرب مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي النواب في جلسة تشريعية سابقة للبرلمان اللبناني (الوكالة الوطنية للإعلام)

التمديد لقائد الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة «محسوم»

يعقد البرلمان اللبناني جلسة تشريعية الخميس لإقرار اقتراحات قوانين تكتسب صفة «تشريع الضرورة» أبرزها قانون التمديد مرّة ثانية لقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي تصاعد السحب الدخانية نتيجة القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز) play-circle 00:25

الجيش الإسرائيلي: قصفنا 25 هدفاً للمجلس التنفيذي ﻟ«حزب الله» خلال ساعة واحدة

قال الجيش الإسرائيلي، الاثنين)، إن قواته الجوية نفذت خلال الساعة الماضية ضربات على ما يقرب من 25 هدفاً تابعاً للمجلس التنفيذي لجماعة «حزب الله» في لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من خدمة الإسعاف الإسرائيلية في موقع إصابة شخص في نهاريا بشظايا صواريخ أطلقت من لبنان (نجمة داود الحمراء عبر منصة «إكس»)

إصابة شخص في إسرائيل بعد إطلاق 20 صاروخاً من لبنان

أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية، الإثنين، إصابة شخص بعد إطلاق 20 صاروخا من لبنان نحو مناطق الجليل الأعلى والغربي

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي تعليق الدراسة حضورياً في المدارس والمعاهد المهنية الرسمية والخاصة، ومؤسسات التعليم العالي الخاصة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
TT

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)

في تسجيل مصور مدته نحو دقيقة، يروي شاب يمني أنه تم التغرير به وبزملائه الذين يظهرون معه في الفيديو، للذهاب إلى روسيا للعمل لدى شركات أمنية خاصة، ليجدوا أنفسهم في جبهات الحرب الروسية مع أوكرانيا.

وأبدى الشاب الذي غطى وجهه، وزملاؤه رغبتهم في العودة إلى اليمن، ورفضهم أن يقتلوا كما قُتِل زملاؤهم.

وتكشّف، أخيراً، كثير من التفاصيل حول تجنيد القوات المسلحة الروسية لمئات الرجال اليمنيين للقتال في أوكرانيا، من خلال عملية تهريب غامضة، تبين وجود كثير من أوجه التعاون المتنامية بين موسكو والجماعة الحوثية في اليمن.

كما كشفت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية في تقرير لها، الأحد الماضي، عن تفاصيل تحويل مئات الرجال اليمنيين إلى مقاتلين في صفوف الجيش الروسي، من خلال «عملية تهريب غامضة».

وفي هذه التسجيلات تتكشف جوانب من تفاصيل ما تمارسه مجموعة من المهربين الحوثيين الذين يستغلون الظروف الاقتصادية الصعبة لليمنيين لتنفيذ حملة تجنيد للمئات منهم، وإرسالهم للقتال إلى جانب القوات الروسية، وتعمل هذه المجموعة من داخل اليمن ومن دول عربية أخرى، بالتعاون مع آخرين داخل الأراضي الروسية.

وتسهل الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية في اليمن قبل نحو عشرة أعوام، تجنيدَ كثير من الشباب اليمنيين الذين نزحوا خارج البلاد وفشلوا في البحث عن فرص عمل أو الوصول إلى دول أوروبا، سواء بالهجرة الشرعية أو غير الشرعية لتقديم طلبات لجوء.

وتمكن السماسرة من تجنيد المئات من هؤلاء وإرسالهم للقتال في روسيا، وفق ما أكدته مصادر مقربة من عائلاتهم وأخرى في الحكومة اليمنية.

وفي مقطع مصور آخر، يظهر مجموعة من الشبان اليمنيين، ويذكر أحدهم أنهم كانوا يعملون في سلطنة عمان، وأن شركة للمعدات الطبية تابعة للقيادي الحوثي عبد الولي الجابري أغرتهم بالحصول على عمل لدى شركة روسية في المجال الأمني وبرواتب مجزية.

مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

ويضيف: «غرورا بنا بأنهم سيدفعون رواتب شهرية تعادل 2500 دولار لكل فرد، وعند وصولنا إلى المطار في روسيا، استقبلنا مندوبون عن وزارة الدفاع الروسية، وأبلغونا أنه سيتم توظيفنا حراسَ أمن في منشآت».

وبعد يومين من وصولهم، تم إرسالهم إلى معسكرات للتدريب، حيث يجري إعدادهم للقتال منذ شهرين، ولم يتقاضوا من الرواتب التي وُعِدوا بها سوى ما بين 185 دولاراً و232 دولاراً (ما بين 20 إلى 25 ألف روبل فقط).

ويؤكد الشاب أن الروس أخذوا 25 من زملائه إلى الجبهات، وأن هؤلاء جميعاً لقوا مصرعهم؛ إما داخل العربات التي كانوا يستقلونها، أو داخل المباني التي كانوا يتمركزون فيها، بينما هو وبقية زملائه ينتظرون، بقلق، نقلهم من موقع وجودهم في معسكر قريب من الحدود الأوكرانية، إلى الجبهات. وطالب الحكومة اليمنية بالتدخل لإعادتهم إلى بلدهم.

شركة أدوية للسمسرة

لكن أحد اليمنيين، واسمه أحمد، وهو على معرفة بإحدى المجموعات التي تم تجنيدها، يوضح أنه وأصدقاء له حذروا هؤلاء الشبان من الذهاب إلى روسيا؛ لأن هناك حرباً قد يتورطون فيها، إلا أنهم ردوا عليه بأنهم قادرون على الفرار إلى أوروبا لطلب اللجوء كما فعل المئات من اليمنيين سابقاً، حين وصلوا إلى روسيا البيضاء، ومن هناك تم تسهيل نقلهم إلى الأراضي البولندية.

أحد الشباب اليمنيين داخل عربة عسكرية روسية وتفيد المعلومات بمصرعه داخل العربة (فيسبوك)

وبحسب ما أفاد به أحد أعضاء الجالية اليمنية في روسيا لـ«الشرق الأوسط»، فإن سماسرة يقومون بإغراء شبان يمنيين للذهاب إلى روسيا للعمل لدى شركات مقابل رواتب تصل إلى 2500 دولار شهرياً، ويتم نقل الراغبين إلى عواصم عربية؛ منها مسقط وبيروت ودمشق، ليجري نقلهم إلى الأراضي الروسية.

ويتابع أنه، وبعد وصولهم، تم إدخالهم معسكرات للتدريب على الأسلحة، بزعم أنهم موظفون لدى شركة أمنية، لكنهم بعد ذلك يرسلون إلى جبهات القتال في أوكرانيا، حيث يوجد شبان عرب من جنسيات أخرى ذهبوا إلى روسيا للغرض نفسه.

ويقدر ناشطون وأفراد في الجالية اليمنية في روسيا بأن هناك نحو 300 شاب يمني يرفضون الذهاب إلى جبهات القتال ويريدون العودة إلى بلدهم، وأن هؤلاء كانوا ضحية إغراءات بسبب الظروف الاقتصادية التي يعيشها اليمن نتيجة الحرب المستمرة منذ عشرة أعوام.

وطبقاً لأحد الضحايا الذين نشروا أسماء وأرقام المتورطين في هذه العملية، فإن أبرز المتهمين في عمليات التجنيد، عبد الولي الجابري، وهو عضو في البرلمان التابع للجماعة الحوثية، ويساعده في ذلك شقيقه عبد الواحد، الذي عينته الجماعة مديراً لمديرية المسراخ في محافظة تعز.

القيادي الحوثي الجابري المتهم الرئيسي بتجنيد الشبان اليمنيين خلال زيارة صالح الصماد رئيس مجلس الحكم الحوثي السابق له بعد إصابته في المعارك (إعلام حوثي)

وتضم المجموعة، وفقاً لهذه الرواية، شخصاً يدعى هاني الزريقي، ومقيم في روسيا منذ سنوات، ومحمد العلياني المقيم في دولة مجاورة لليمن.

تخفّي السماسرة

ويتهم اثنان من أقارب المجندين الجابري ومعاونيه بترتيب انتقال المجندين من اليمن إلى البلد المجاور، ومن هناك يتم إرسالهم إلى موسكو، بحجة العمل لدى شركات أمنية خاصة، وأن هؤلاء السماسرة يحصلون على مبالغ بين 10 إلى 15 ألف دولار عن الفرد الواحد.

وانتقل القيادي الحوثي الذي يدير الشركة أخيراً إلى مكان غير معروف، وبدّل أرقام هواتفه وانقطع تواصله مع الضحايا، بعد انتشار مقاطع مسجلة لمناشداتهم الحكومة اليمنية التدخل لإعادتهم إلى بلدهم.

وعينت الجماعة الحوثية الجابري، إلى جانب عضويته بالبرلمان التابع لها، قائداً لما يسمى بـ«اللواء 115 مشاة»، ومنحته رتبة عميد، بينما صدر بحقه حكم إعدام في عام 2020 من محكمة في مناطق سيطرة الحكومة، كما أن ابن أخيه، جميل هزاع، سبق وعُيِّن في اللواء نفسه، في منصب أركان عمليات، وهو حالياً عضو ما يسمى مجلس الشورى التابع للجماعة.

ولا تقتصر مهام سماسرة التجنيد على إرسال شبان من اليمن للقتال في روسيا، بل تتضمن تجنيد عدد من اليمنيين المقيمين هناك للقتال في صفوف الجيش الروسي.

وأُعْلِن منتصف العام الحالي عن مقتل الدبلوماسي اليمني السابق في موسكو، أحمد السهمي، في إحدى الجبهات، حيث كان يقاتل إلى جانب القوات الروسية، وبحسب رواية زملاء له، أنه وبعد انتهاء فترة عمله، أقدم على المشاركة في القتال من أجل الحصول على راتب يمكنه من مواجهة التزاماته لعائلته وأطفاله.

ومنذ شهر، كرّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشاب اليمني، سعد الكناني، الذي قُتل في جبهة لوغانسك، وكان قد حصل على الجنسية الروسية قبل فترة قصيرة من التحاقه بالقتال في صفوف القوات الروسية.