العراق: تأجيل الانتخابات المحلية يطبخ على جمر الصدر والحلبوسي

مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف أكتوبر الماضي (رويترز)
مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف أكتوبر الماضي (رويترز)
TT

العراق: تأجيل الانتخابات المحلية يطبخ على جمر الصدر والحلبوسي

مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف أكتوبر الماضي (رويترز)
مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف أكتوبر الماضي (رويترز)

تناقش الأحزاب الرئيسية في العراق بجدية تأجيل الانتخابات المحلية المزمع إقامتها، نهاية العام الحالي، ورغم اعتراضات قادة متنفذين في «الإطار التنسيقي» على الفكرة، فإن الاضطرابات السياسية العاصفة قد تضرب موعد الاقتراع في مقتل.

والحديث عن تأجيل الانتخابات إلى العام المقبل، أو دمجها مع الاقتراع العام لانتخاب برلمان جديد مستمر منذ أشهر، لكنَّه تصاعد هذه الأيام بعد إعلان زعيم التيار الصدري «أوامر مشددة لأتباعه بعدم التصويت»، وتفاقمت أكثر مع قرار قضائي أطاح برئيس البرلمان محمد الحلبوسي من منصبه ومقعده النيابي.

ويميل سياسيون، حتى من «الإطار التنسيقي»، إلى تأجيل موعد الاقتراع، ويقدمون مواعيد جديدة مقتَرَحة، أقربها في ربيع العام المقبل، لكنهم يصطدمون بطموحات وحماسة قادة، مثل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وزعيم حركة «العصائب»، قيس الخزعلي.

وأُلغيت مجالس المحافظات عام 2020، حين صوَّت البرلمان العراقي على إنهاء عملها استجابة لمطالب الحراك الاحتجاجي الذي انطلق في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، قبل أن تقر الكتل السياسية إعادتها عبر انتخابات محلية، وفقاً للاتفاق السياسي الذي شكل حكومة محمد شياع السوداني، عام 2022.

وتصاعدت أهمية مجالس المحافظات لدى قوى أساسية في «الإطار التنسيقي»، بسبب غياب التيار الصدري عن المعادلة الشيعية؛ إذ يرغب خصوم الصدر في الاستحواذ على مناطق نفوذ إضافية، حتى التي كان يسيطر عليها التيار الصدري.

وتُظهر تلك القوى رغبة عارمة في فعل ما يلزم لتجريد الصدر من مصادر قوته في المؤسسات الحكومية والأمنية، تحسباً لعودته إلى العملية السياسية. في الحقيقة تريد هذه القوى جعل المهمة شاقة عليه، حينما يشارك في الانتخابات العامة.

ووجَّه الصدر ضربة كبيرة للانتخابات المحلية، لا سيما على صعيد التنافس بينه وبين قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي، حين ألزم اتباعه، الاثنين الماضي، بعدم المشاركة في الانتخابات، وقال إن «مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيراً... ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني، ويقلل من شرعية الانتخابات دولياً وداخلياً».

وفي وقت لاحق، وجَّه المسؤول العام لـ«سرايا السلام»، تحسين الحميداوي، تحذيراً إلى تشكيلات «السرايا» بشأن انتخابات مجالس المحافظات. وقال: «أوجه كلامي لمن ينتمي لتشكيلات السرايا وزج بنفسه في هذه الانتخابات. عليه أن يتراجع عن ترشيحه خلال 15 يوماً، وإلا فسيكون لنا رد آخر».

لافتة إلكترونية لحملة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي في الانتخابات المقبلة على سطح مركز تجاري في بغداد (أ.ف.ب)

يقول قيادي في «دولة القانون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن الصدر لم يغب عن العملية السياسية البارحة حتى نفكر اليوم بتأجيل الانتخابات المحلية (...). ولا داعي للخوف من مقاطعتهم الآن (الصدريين) للانتخابات.

إشارة «الخوف» التي غمز بها المقرب من المالكي تكشف جانباً من تصورات تيار واسع في «الإطار التنسيقي»، بشأن ردة فعل أتباع الصدر من الانتخابات، ثمة شعور متحكم يفيد بأنهم «لن يجعلوا الاقتراع يكون مناسبة سعيدة لبقية الأحزاب»، وفقاً لتعبير نائب في البرلمان.

ووصلت معطيات مقلقة من الميدان تعزز هذه التصورات؛ إذ شهدت مدن مختلفة، أبرزها النجف، حوادث تمزيق لافتات دعائية لقوى منافسة للصدر، وقال مدنيون عراقيون تداولوا مقاطع فيديو لمجموعات مجهولة قيل إنهم موالون للصدر، بينما يقدر نواب في «الإطار» هذه التحركات المحدودة الآن بأنها «مقدمة لما سيحدث كلما اقتربنا من موعد الانتخابات».

وخلال مداولات محدودة داخل «الإطار التنسيقي»، عُقدت اليومين الماضيين، فإن أحد أعضاء التحالف اقترح تشكيل وفد إلى الحنانة للقاء الصدر أو مقربين منه للحصول على ضمانات بشأن ما سيحصل، أو على الأقل جس النبض واكتشاف «خطة الصدر»، لكن قيادات في «الإطار» رفضت هذه الفكرة جملة وتفصيلاً.

ونقلت مصادر عن قيادات في «الإطار»، إنها «ترفض الاستسلام لضغوط الصدر»، وقال أحدهم: «المكوِّن الشيعي أكبر من التيار الصدري».

ومع ذلك، تصاعدت الأصوات الداعمة لتأجيل الانتخابات، بعد زلزال إقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بقرار مفاجئ من المحكمة الاتحادية. وفي حين بدأت اليوم فعلياً أجواء «تصفية حسابات» بين الفرقاء، يميل سياسيون عراقيون إلى أن هذين الحدثين، مقاطعة الصدر وإقالة الحلبوسي، سيتحولان إلى كرة نار ستخرق صيغة الاستقرار التي يستند إليها «الإطار التنسيقي»، منذ أن شكّل حكومة السوداني.


مقالات ذات صلة

العراق بين حافتي ترمب «المنتصر» و«شيعة أقوياء»

تحليل إخباري «تشاتام هاوس» البريطاني نظّم جلسات حول مصير العراق في ظل الحرب (الشرق الأوسط)

العراق بين حافتي ترمب «المنتصر» و«شيعة أقوياء»

في معهد تشاتام هاوس البريطاني، طُرحت أسئلة عن مصير العراق بعد العودة الدرامية لدونالد ترمب، في لحظة حرب متعددة الجبهات في الشرق الأوسط.

علي السراي (لندن)
المشرق العربي السوداني خلال اجتماع مجلس الأمن الوطني الطارئ (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: 12 خطوة لمواجهة التهديدات والشكوى الإسرائيلية لمجلس الأمن

أثارت الشكوى الإسرائيلية الموجهة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الهجمات التي تشنها الفصائل المسلحة العراقية عليها غضب حكومة محمد شياع السوداني.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي السوداني يزور مقر وزارة التخطيط المشرفة على التعداد صباح الأربعاء (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: انطلاق عمليات التعداد السكاني بعد سنوات من التأجيل

بدت معظم شوارع المدن والمحافظات العراقية، الأربعاء، خالية من السكان الذين فُرض عليهم حظر للتجول بهدف إنجاز التعداد السكاني الذي تأخر لأكثر من 10 سنوات.

فاضل النشمي (بغداد)
رياضة عربية «تصفيات المونديال»: العراق يهزم عُمان ويعزز حظوظه في التأهل

«تصفيات المونديال»: العراق يهزم عُمان ويعزز حظوظه في التأهل

فاز العراق 1 - صفر على مضيفه منتخب سلطنة عُمان ضمن الجولة السادسة من منافسات المجموعة الثانية بالدور الثالث من التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
المشرق العربي رئيس وزراء العراقي محمد شياع السوداني (د.ب.أ)

السوداني: نرفض تهديدات إسرائيل وقرار الحرب والسلم بيد بغداد

قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم (الثلاثاء)، إن الرسالة التي أرسلتها إسرائيل إلى مجلس الأمن الدولي تمثل «ذريعة وحجّة للاعتداء على العراق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)

خلافات أهل السلطة تحرم اللبنانيين لسنوات بهجة عيد الاستقلال

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يضع إكليلاً من الزهور على نصب شهداء الجيش بحضور وزير الدفاع الوطني موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون (قيادة الجيش)
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يضع إكليلاً من الزهور على نصب شهداء الجيش بحضور وزير الدفاع الوطني موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون (قيادة الجيش)
TT

خلافات أهل السلطة تحرم اللبنانيين لسنوات بهجة عيد الاستقلال

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يضع إكليلاً من الزهور على نصب شهداء الجيش بحضور وزير الدفاع الوطني موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون (قيادة الجيش)
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يضع إكليلاً من الزهور على نصب شهداء الجيش بحضور وزير الدفاع الوطني موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون (قيادة الجيش)

تحلّ الذكرى الـ81 لاستقلال لبنان، على وقع حربٍ إسرائيلية تدميرية أفقدت المناسبة الوطنية الجامعة رمزيتها، وغيّبت معها الاحتفال المركزي الذي يقيمه أركان الدولة سنوياً، لكنّ الحرب رغم قساوتها لم تكن السبب المباشر في تغييب الاحتفال الوطني، بل الأزمة الداخلية الناشئة عن الفراغ الرئاسي الذي دخل عامه الثالث على وقع خلافات القوى السياسية حول مواصفات الرئيس وتمسّك كلّ فريق بانتخاب الشخصيّة التي تناسبه.

قد يكون لبنان البلد الوحيد في العالم أو من البلدان النادرة التي تلغى فيه احتفالات الاستقلال بفعل الأزمات الداخلية، ولا يكفي أن توقفت الدولة عن إحياء هذه المناسبة طيلة سنوات الحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً (1975 - 1989)، وعادت إليها فور إقرار اتفاق الطائف الذي أنهى هذه الحرب وأسس لمرحلة سلام بين اللبنانيين، لكن بعدما تعطلت الاحتفالات الرسمية المركزي 13 عاماً، ثماني مرّات بسبب الظروف القاهرة، وخمس مرّات نتيجة الفراغ الرئاسي، وكلّها تتقاطع عند معادلة واحدة، هي ضعف الدولة وغيابها أو تغييبها.

المرّة الأولى التي أقيم فيها احتفال شبه مركزي في عيد الاستقلال، شهده مقرّ الرئاسة المؤقت في منطقة الصنائع في بيروت ــ مقرّ وزارة الداخلية حالياً في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 (كان القصر الجمهوري في بعبدا تحت سيطرة رئيس الحكومة العسكرية آنذاك العماد ميشال عون الذي تمرّد على اتفاق الطائف) برعاية رئيس الجمهورية المنتخب حديثاً رينه معوّض، إلّا أنه بعد دقائق على انتهاء الاحتفال ومغادرة معوّض مقرّه جرى اغتياله بواسطة سيارة مفخخة على بعد 300 متر أودت بحياته مع عدد من مرافقيه.

بعد انتخاب الرئيس إلياس الهرواي الذي حصل بعد أيام من اغتيال معوّض، غابت الاحتفالات المركزية للاستقلال، إلى حين عودة الهراوي إلى القصر الجمهوري في بعبدا، بعد تنفيذ الجيش السوري عملية عسكرية أطاحت عون في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1992، ومنذ عام 1993 أقيمت ذكرى الاستقلال بشكل منتظم طيلة عهد الهرواي الأصلي وسنوات التمديد الثلاث، وكذلك استمرت لستّ سنوات من عهد الرئيس إميل لحود بالإضافة إلى السنة الأولى من التمديد له، أي عام 2005 وكانت السنة الأولى التي يحتفل فيها لبنان بالاستقلال بعد خروج الجيش السوري من لبنان على أثر اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.

في عام 2006 ألغي الاحتفال المركزي؛ إذ حلّت المناسبة بعد حرب إسرائيلية طاحنة على لبنان، وخلافات حادّة عصفت بما يعرف بفريقي 8 و14 آذار (مارس) على آلية تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال رفيق الحريري؛ ما تسبب باستقالة الوزراء الشيعة الستة من الحكومة، بالإضافة إلى الوزير يعقوب الصراف المحسوب على الرئيس إميل لحود، كما ألغي الاحتفال في عام 2007 لأن الجيش اللبناني كان منخرطاً في معركة مخيم نهر البارد في شمال لبنان، للقضاء على تنظيم «فتح الإسلام» الإرهابي، الذي استولى على المخيم ونفّذ عملية إعدام بحق 17 جندياً من الجيش اللبناني على مدخل المخيّم.

بعد انتخاب الرئيس ميشال سليمان في عام 2008 أقيمت احتفالات الاستقلال من دون انقطاع، لكن مع انتهاء عهد سليمان ودخول لبنان بفراغ رئاسي ألغي الاحتفال عامي 2014 و2015، ثم عاد مجدداً بعد أقلّ من شهر على انتخاب الرئيس ميشال عون، حيث أقيمت الاحتفالات المركزية في أعوام 2016 و2017 و2018 وتوقفت بعدها بشكل نهائي، وفي عام 2019 لم تتجرّأ السلطة السياسية على إقامة هذا الاحتفال لأنه جاء بعد شهر واحد على اندلاع انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) التي عمّت كل لبنان وشلّت البلاد وطالبت برحيل السلطة السياسية بكلّ رموزها من رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي والحكومة، وأعقبت اندلاع الانتفاضة استقالة حكومة سعد الحريري.

منذ 2019 لم يشهد لبنان أي احتفال مركزي بالاستقلال، ففي عام 2020 ألغي بسبب انفجار مرفأ بيروت الذي دمّر نصف العاصمة، خصوصاً الواجهة البحرية التي كان يقام عليها هذا الاحتفال، وفي عام 2021 ألغي جراء جائحة كورونا، أما في الأعوام التي تلتها فألغيت بسبب الفراغ الرئاسي، إذ غادر الرئيس ميشال عون قصر بعبد في 31 أكتوبر 2022 ولا يزال البلد يعيش هذا الفراغ الذي تمدد على كلّ مؤسسات الدولة وبات يهدد بنية الدولة وبقاء المؤسسات وليس احتفالية ذكرى الاستقلال فحسب.

صحيح أن الدولة برموزها انكفأت عن هذه الذكرى الوطنية، إلّا أن الجيش اللبناني حافظ على إحيائها في وزارة الدفاع عبر وضع أكاليل الزهور على أضرحة جنود الجيش الشهداء وأحياناً بمشاركة الرؤساء، وعزا الوزير السابق رشيد درباس هذا الأمر إلى «الخلل السياسي في أداء أهل السلطة». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما شهدناه في السابق ونشهده اليوم سببه التلاعب بالدستور وجعله عرضة للعبث والتمزيق من قِبل القوى الأكثر سيطرة على الدولة». وشدد على أن «تغييب وإلغاء الاحتفالات الرسمية بعيد الاستقلال، لا يلغي احتفال اللبنانيين باستقلالهم ولو بتعليق الأعلام اللبنانية على شرفات المنازل». وتمنّى درباس أن «يتخذ السياسيون عبرة مما وصلت إليه حال البلد والحرب التي نعيشها الآن»، معتبراً أن «خطاب أمين عام (حزب الله) الشيخ نعيم قاسم الذي أعلن فيها أن الحزب سيعود بعد الحرب إلى ممارسة دوره السياسي تحت اتفاق الطائف، هو مؤشر جيّد على انخراطه في الدولة».

ودعا درباس القوى السياسية إلى «البحث عن برنامج لمرحلة ما بعد الحرب، وكيف نبني دولة تحتضن الجميع».