حرب غزّة... «حماس» تخوض حرب وجود وإسرائيل تخشى الجبهات الأخرى

قصف إسرائيلي على قطاع غزة الاثنين (أ.ف.ب)
قصف إسرائيلي على قطاع غزة الاثنين (أ.ف.ب)
TT

حرب غزّة... «حماس» تخوض حرب وجود وإسرائيل تخشى الجبهات الأخرى

قصف إسرائيلي على قطاع غزة الاثنين (أ.ف.ب)
قصف إسرائيلي على قطاع غزة الاثنين (أ.ف.ب)

في الحروب العسكريّة، يجب أن ترتبط السياسة بإدارة العسكر. فالسياسة هي التي تضع الأهداف الكبرى، ومن ضمن استراتيجيّة كبرى. تُمرّر هذه الأهداف إلى العسكر الذي يضع استراتيجيّته العسكرية لتنفيذ الأهداف السياسيّة. وعليه، يطلب من القوى السياسيّة المعنيّة أن تؤمّن الوسائل اللازمة للتنفيذ. وإذا تعذّر تأمين كافة الوسائل، وجب تعديل الخطّة العسكريّة كي تتلاءم وتتناسب مع ما هو متوافّر. وبذلك يتظهّر المبدأ الذي يقول إن «الاستراتيجيّة هي عملية ربط الأهداف بالوسائل، شرط تأمين التوازن والتناسب بينهما». فكلّما كبُرت الأهداف، زادت معها الوسائل، والعكس صحيح.

الحرب على غزّة

قد يمكن القول إن ما حصل في 7 أكتوبر(تشرين الأول)، لا يُصنّف كخطر وجوديّ مباشر على إسرائيل. وقد يمكن وصفه على الشكل التاليّ: هو أكثر من الخطر العاديّ، كما كان يحصل مع حروب إسرائيل ضدّ «حماس» منذ عام 2009. لكنه بالتأكيد أقلّ من خطر وجوديّ مباشر. لكن وفي حال التكرار، وخسارة إسرائيل منظومة الردع، قد يمكن القول إن إسرائيل قد تذهب إلى الزوال لكن بالتدريج، ومن ضمن مقولة «الموت بألف طعنة». هذا بالنسبة إلى إسرائيل. أما بالنسبة إلى حركة «حماس»، فهي تخوض الآن حرب حياة أو موت. فهي حرب وجوديّة حتى ولو نظّر البعض أن الأيديولوجيا لا تموت. فماذا تنفع الأيديولوجيا إذا لم تتجسّد فعليّاً على أرض الواقع؟

وانطلاقاً من هذا الإطار الفكريّ (Mental Framework)، قد يمكن رصد وفهم سير المعارك على الأرض، من المستوى الاستراتيجيّ، والعملانيّ، وحتى التكتيكيّ.

حرب الأنفاق في قطاع غزة

من جهة «حماس»

يتركّز سير المعارك حالياً على شمال وجنوب مدينة غزّة. والهدف دائماً هو تطويق المدينة من قبل الجيش الإسرائيلي. لذلك قد يمكن القول، وحسب المنطق العسكريّ، إن «حماس» كانت قد خطّطت لهذا السيناريو، قبل تنفيذ مفاجأة 7 أكتوبر، وهي قد استعدّت له. لذلك تعتمد «حماس» المقاربة التاليّة:

* القتال التأخيري في شمال المدينة، حيث الأرض زراعيّة، وحيث يمكن للدبابات الإسرائيليّة المناورة بسهولة. لذلك لم تخصّص «حماس» الكثير من قواتها للدفاع عن هذه المنطقة. فهي قد اعتمدت المبدأ الذي يقول بـ: القتال لربح الوقت، استنزاف العدو، والتخلّي عن المساحة عند الضرورة القصوى، مع إمكانيّة ضرب خلفية العدو بعد تقدّمه، وذلك باستعمال الأنفاق، والتي يتركّز ويوجد أغلبها في شمال قطاع غزّة. كل هذا مع إمكانيّة الاستمرار بإطلاق الصواريخ إلى الداخل الإسرائيليّ.

* استدراج الجيش الإسرائيليّ إلى داخل مدينة غزّة، وإجباره على القتال من شارع إلى آخر، ومن بيت إلى آخر، وذلك مع استعمال الأنفاق، وورقة الرهائن.

* والهدف دائماً هو كسب الوقت، واستنزاف الجيش الإسرائيليّ، ومنعه من الاستعلام عن الأهداف ذات القيمة الاستراتيجيّة. هذا مع العلم أن صعوبة جمع الاستعلام من قبل الجيش الإسرائيلي عن حركة «حماس» تكمن في التحوّلات والتبدلات السريعة والمفاجئة لمسرح الحرب. فبعد كلّ تقدّم إسرائيليّ، وبعد كلّ غارة، تُخلط الأوراق الاستخباراتيّة.

* وأخيراً وليس آخراً، ولأن «حماس» تخوض حرب وجود، حيث كلّ موازين القوى هي لصالح إسرائيل، يكفي لحركة «حماس» اليوم أن تستمرّ، وبأيّ شكل من الأشكال، وذلك من ضمن مبدأ «تربح حماس إذا لم تخسر».

قوات إسرائيلية تشارك في الهجوم على غزة (الجيش الإسرائيلي - رويترز)

من جهة إسرائيل

تخوض إسرائيل حربها ضمن التقييدات التالية: الوقت المُتاح لها دوليّاً، خصوصاً من أميركا. سلامة الرهائن. التكلفة اللازمة لتحقيق الأهداف العسكريّة. وأخيراً الخطر من إمكانيّة فتح جبهات أخرى، خصوصاً من لبنان. لذلك تعتمد إسرائيل المقاربة التالية:

* تقطيع القطاع بين شمال وجنوب، مع محاولة إفراغ الشمال من السكان لتسهيل العمليّة العسكريّة. السعيّ لضرب مركز ثقل حركة «حماس»، إن كان الثقل البشريّ وحتى الماديّ.

* تسعى إسرائيل إلى قتل أكبر عدد ممكن من المقاتلين من «حماس»، خصوصاً القيادات العملانيّة التي يُعتمد عليها لإدارة القتال تكتيكيّاً. هذا مع العلم أن القيادات من المستوى الأعلى، من التكتيكي والعملانيّ، هي قيادات لا توجد عادة على أرض المعركة المباشرة، ولذلك تقلّ أهميّتها الميدانيّة، حتى في إدارة القتال. وبذلك يصبح المقاتل العاديّ، إلى جانب رئيسه المباشر، هما العامل الأساسيّ في الصمود، الانتصار أو الهزيمة. لكن الصعوبة لدى إسرائيل، في هذا البُعد، تكمن في عدم القدرة على قياس النجاح.

* تناور القوات الإسرائيليّة وتتقدّم حتى الاصطدام بمقاومة معيّنة. عندها تتراجع هذه القوات لتطلب الدعم الناري، إن كان المدفعيّ، الصاروخي، أو حتى من سلاح الجو. من هنا درجة التدمير الكبيرة في قطاع غزّة. لذلك تعد المناورة والحركيّة للقوات الإسرائيليّة العامل الأهمّ في تجنّب الخسارة البشريّة.

* إن القوات الإسرائيليّة التي تحاول تطويق مدينة غزّة هي قوات ليست كافية لدخول المدينة، والقتال فيها. فماذا يعني هذا الأمر؟

* قد تطلب إسرائيل قوات إضافيّة من أمكنة أخرى لتعزيز قوات الدخول إلى المدينة. والسؤال يبقى من أيّ جبهة؟ وهل ستدخل، وبأيّ ثمن؟ ففي عام 2014، قدّر الجيش الإسرائيليّ التكلفة البشريّة من جنوده للدخول إلى كلّ قطاع غزّة بما بين 500-1000 عنصر.

* وقد تعتمد إسرائيل التكتيك التالي: بعد التطويق الكامل للمدينة، العمل على جمع الاستعلام الدقيق عن كلّ ما يمتّ لـ«حماس» بصلة، وتصنيف الأهداف ذات القيمة الاستراتيجيّة الكبيرة، وبالتالي عزل الهدف، من ضمن ما يُسمّى في حرب المدن بـ«الميني حصار» (Mini Siege). بعد العزل، محاولة تدمير الهدف، باعتماد السرعة وعنصر المفاجأة. وهذا ما يُطلق عليه بـ«المفاجأة التكتيكيّة».

في الختام، هذه هي الاستراتيجيّات المتصادمة بين «حماس» من جهة، والجيش الإسرائيليّ من جهة أخرى. حتى الآن التكلفة عالية على الاثنين. وفي الوقت نفسه بدأت عجلة الدبلوماسية إلى جانب فوهة المدفع، لكن مع أفضليّة للمدفع... حتى الآن.


مقالات ذات صلة

رئيس «الشاباك» حذّر نتنياهو قبل هجوم «حماس» من حرب أكيدة

المشرق العربي رئيس جهاز «الشاباك» رونين بار (حساب جهاز «الشاباك» على «لينكد إن»)

رئيس «الشاباك» حذّر نتنياهو قبل هجوم «حماس» من حرب أكيدة

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس جهاز «الشاباك»، رونين بار، حذّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل 10 أسابيع من هجوم «حماس» في 7 أكتوبر من حرب مؤكدة.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي دمار هائل خلفته عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق في مخيم نور شمس (د.ب.أ)

بعد عمليات الضفة... القتال المطوَّل على جبهات متعددة ينهك الجيش الإسرائيلي

يسلط هجوم الجيش الإسرائيلي متعدد الأطراف على المقاتلين في الضفة الغربية، الضوء على مدى تعقيد الظروف المتدهورة في الأراضي الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي القوات الإسرائيلية تتحرك داخل مخيم جنين للاجئين خلال اليوم الرابع من عمليتها العسكرية في مدينة جنين بالضفة الغربية... 31 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يداهم عدة أحياء في الخليل بالضفة الغربية

أفادت مصادر أمنية فلسطينية باعتقال الجيش الإسرائيلي، اليوم (السبت)، مواطنَين اثنَين من مدينة الخليل بالضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
شؤون إقليمية جوناثان بولين وراشيل غولدبرغ والدا الرهينة الإسرائيلي هيرش يشاركان في مظاهرة لعائلات الرهائن بالقرب من كيبوتس نيريم جنوب إسرائيل على الحدود مع غزة (أ.ف.ب)

تقدم في مفاوضات غزة بتبادل أسماء المخطوفين والأسرى

قالت صحيفة «يسرائيل هيوم» إن «حماس» لديها 20 أسيراً حياً فقط، والبقية لدى التنظيمات الصغيرة، وهي ليست موالية لرئيس حركة «حماس».

المشرق العربي والدة الطفل عبد الرحمن أبو الجديان أول شخص يصاب بشلل الأطفال بغزة منذ 25 عاماً تعتني به في خيمتهم بدير البلح وسط القطاع (رويترز) play-circle 01:03

إسرائيل و«حماس» توافقان على هدن مؤقتة خلال حملة تطعيمات بغزة

قالت منظمة الصحة العالمية، الخميس، إن إسرائيل و«حماس» وافقتا على 3 هُدن منفصلة مؤقتة للقتال في أماكن محددة بغزة للسماح بتطعيم 640 ألف طفل ضد شلل الأطفال.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إسرائيل تُركز على «عش الدبابير» في الضفة

فلسطينيون يقفون في طابورجنب عربات مصفحة للجيش الإسرائيلي خلال عملياته في مخيم جنين أمس (أ.ب)
فلسطينيون يقفون في طابورجنب عربات مصفحة للجيش الإسرائيلي خلال عملياته في مخيم جنين أمس (أ.ب)
TT

إسرائيل تُركز على «عش الدبابير» في الضفة

فلسطينيون يقفون في طابورجنب عربات مصفحة للجيش الإسرائيلي خلال عملياته في مخيم جنين أمس (أ.ب)
فلسطينيون يقفون في طابورجنب عربات مصفحة للجيش الإسرائيلي خلال عملياته في مخيم جنين أمس (أ.ب)

قرر الجيش الإسرائيلي مواصلة الهجوم في الضفة الغربية، باليوم الرابع للعملية الواسعة، التي بدأها الأربعاء، ضد مخيمات شمال الضفة، وتركزت، أمس في مخيم جنين الذي يصفه الجيش بأنه «عش الدبابير».

واقتحمت قوات إسرائيلية معززة بآليات ثقيلة مخيم جنين، بعدما أنهت هجماتها على مخيمات طولكرم وطوباس.

وشهد مخيم جنين أعنف الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي ومسلحين، بعد توغله في قلب حارات محددة. وأكد الجيش أنه سيواصل هجومه على المخيم.

وفي غزة، قتل ما لا يقل عن 48 فلسطينياً في هجمات إسرائيلية على القطاع، قبيل انطلاق حملة للتطعيم ضد شلل الأطفال؛ إذ من المنتظر أن تبدأ الأمم المتحدة تطعيم نحو 640 ألف طفل بمناطق محددة، في حملة تعتمد على توقف القتال لثماني ساعات يومياً.