الجيش الإسرائيلي يصطحب إعلاميين إلى الجبهة لـ«تغيير صورته»

فشله في 7 أكتوبر عقدة تُلاحقه باستمرار

دبابة إسرائيلية تدخل على الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة (د.ب.أ)
دبابة إسرائيلية تدخل على الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

الجيش الإسرائيلي يصطحب إعلاميين إلى الجبهة لـ«تغيير صورته»

دبابة إسرائيلية تدخل على الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة (د.ب.أ)
دبابة إسرائيلية تدخل على الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة (د.ب.أ)

بعد أكثر من شهر على العمليات الحربية في قطاع غزة، قرَّر الجيش الإسرائيلي فتح الباب أمام مجموعة من أبرز الصحافيين الإسرائيليين؛ للقيام بجولة في الجبهة، برفقة كبار الضباط؛ بغرض بث رسائل ترفع معنويات الجمهور الإسرائيلي، وتعزز مكانة القوات العسكرية في المجتمع، في ظل العقدة التي تُلاحقه باستمرار بسبب فشله في منع وقوع هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وفي استعراض لما نشرته وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية، يتضح أن الهم الأساسي للجيش هو تغيير الصورة التي نشأت لدى الرأي العام الإسرائيلي، بعد أن نفّذت حركة «حماس» الهجوم المُباغت في السابع من أكتوبر الماضي.

واستقبل الجيش الإسرائيلي الصحافيين في قاعدة عسكرية قريبة من الحدود مع غزة، حيث تركوا سياراتهم ونقلوهم بعربات عسكرية إلى الحدود، ومن هناك تسلّمتهم قوات ووضعتهم في مُجنزرات «النمر» أو سيارات «الجيب هامر» مصفّحة. وانتقلت بهم إلى مواقع مختلفة؛ للاطلاع على الأوضاع في الجبهة عن قرب.

مواطنون ينظرون من النوافذ لمبنى محطم في رفح بقطاع غزة (أ.ف.ب)

اسألوا كما تشاؤون

وقال الجيش للصحافيين: «كل شيء أمامكم مفتوح، اسألوا كما تشاؤون، بما في ذلك عن الأحوال الشخصية للجنود». وهذا بالطبع كلام مُغرٍ لأي صحافي في هذا العصر الذي تصبح فيه القصص الشخصية جذابة للمشاهدين والقراء. وهكذا تصبح المصلحة مشتركة؛ الجيش يُمرّر الرسائل التي يريد، وفي المقابل كل صحافي يبحث عن سَبْق خاص به. لكن خلاصة التقارير التي عاد بها الصحافيون لم تحمل بشائر ولا سبقاً صحافياً ذا شأن.

فالهدف الذي وضعه الجيش لهذه الجولات هو طمأنة الشعب بأن الجيش، الذي تلقّى ضربة شديدة، معنوية وعسكرية، في هجوم «حماس»، أعاد ترميم نفسه وانتقل إلى الثأر والهجوم ويتمتع بمعنويات عالية. وليس هذا وحسب، بل إنه يتكلم بلغة النصر، رغم أنها تحمل تناقضات كثيرة مع الواقع، لكنها ضرورية لبسطاء الناس الذين ما زالوا يعيشون في حالة ذهول من فشل القيادات السياسية والعسكرية في صدّ الهجوم، خصوصاً أن الخبراء والمعلِّقين في الخارج، وحتى في إسرائيل، يبتسمون ساخرين من الحديث عن النصر. وقد عبّر الكاتب ناحوم بارنياع، كبير الصحافيين في «يديعوت أحرونوت» العبرية، بكلمات ثاقبة عن ذلك، قائلاً: «الانتصار الحقيقي هو ألا يكون انتصار».

جندي إسرائيلي داخل قطاع غزة (رويترز)

حرب «على البيت»

في الواقع، فإن جميع الضباط، الذين رافقوا الصحافيين يتحدثون لهم عن ظروفهم الشخصية والعائلية، وكيف تدفقوا جميعاً للخدمة الاحتياطية، وبينهم كثيرون ممن لم يجرِ استدعاؤهم لكنهم امتثلوا بصفة «متطوعين»، وتركوا وراءهم عائلات وأولاداً لأنهم يرونها حرباً وجودية، حرباً «على البيت».

رون بن يشاي، المعلِّق لشؤون الأمن، في «واي نت»، البالغ من العمر 80 عاماً، كان أول من حظي بهذه الجولات. هو صحافي عسكري منذ سنة 1966، واشتُهر بتغطية الحروب والمعارك في الخطوط الأمامية، منذ غزوة الليطاني في سنة 1978. دخل غزة، ومن اللحظة الأولى عاش أجواء الحرب، فيروي أن مُجنزرة النمر توقفت بشكل مفاجئ، بعدما تلقّى قائدها أمراً بذلك. ويبلغ بعدها بأن عنصرين من «حماس» اكتُشفا وهما يُعِدّان لتفعيل عبوة ناسفة، فجَرَت تصفيتهما، وسمح للنمر بأن تُواصل طريقها، باتجاه جامعة الأزهر في الحي الجنوبي الغربي من مدينة غزة.

في مكانٍ ما على طريق صلاح الدين، يتوقف قائد المجنزرة، ويطلب منه النزول ليُريه عربة كهربائية إسرائيلية مُلقاة على حافة الطريق. ويعضّ القائد على شفتيه وهو يقول إنه يعتقد أن هذه العربة تعود لمُسنّ يهودي مقعد جرى اختطافه إلى أنفاق «حماس»، ثم يشير له بأن يشاهد فوهة أحد الأنفاق، بالقرب من ركام بلدة فلسطينية.

وكتب بن يشاي: «أنا صحافي مُطالَب بإعطاء تقارير عن الحقيقة، والابتعاد بقدر الإمكان عن مشاعري، لكنني وجدت نفسي أكتب في دفتري بشيء من الغضب: هنا كانت تعيش، حتى قبل أسبوع، أمهات ونساء وأولاد وذوو أولئك القتلة الساديين».

الدخان يتصاعد فوق غزة مع استمرار القصف الإسرائيلي (رويترز)

النيران الصديقة

وبذلك يلخص الزيارة قبل أن تكتمل، فهو الآن معبّأ؛ ليس فقط ضد «حماس»، بل ضد كل أفراد عائلاتها. وينشر ما يقوله العقيد يسرائيل فريديلر، وهو ابن لعائلة من 12 فرداً، 7 منهم يشاركون في الحرب ضمن جنود الاحتياط. ويصف بن يشاي الأسلوب القتالي فيقول: «في مجنزرة النمر، كل شيء مغلق، نرى الطرقات من خلال الشاشات، التي تبثّ الصور من الكاميرات. لا يجري فتح أية طاقة؛ تحسباً من صواريخ حماس المضادّة للدبابات. عندما نصطدم بقوة من حماس، نخبر سلاح الجو ونحدد الهدف فيقصفه سلاح الجو بالمسيَّرات أو وسائل قتالية أخرى. الهدف هو الضرب من بعيد؛ حتى لا يحدث تهديد لحياة الجنود. نريد عودتهم سالمين، لا يطلقون النار إلا نحو أهداف محدَّدة؛ خوفا من أن نصيب بعضنا بعضاً بالنيران الصديقة. كل مبنى نحتلّه نرفع عليه عَلَم إسرائيل، فمهما كان خطر القناصة الفلسطينيين، يظل خطر الإصابة من قواتنا أكبر».

الصحافية إيلانة ديان (59 عاماً)، تحمل شهادة الدكتوراه في القانون وتحرِّر وتقدم برنامجاً مهماً في «القناة 12» للتلفزيون، صعدت إلى مجنزرة النمر سوية مع قائد لواء المدرّعات 401، العقيد بيني أهرون، الذي وعد جمهور المشاهدين بأن يعود وقواته منتصراً، حتى لو بقي في غزة أسبوعاً أو سنوات. وقبل أن تسأله عن كيفية اتخاذه هذا القرار، وهو أب لأطفال، قرأ لها رسالة من زوجته تقول له فيها إنها وكل العائلة يساندونه ويطلبون منه العودة منتصراً. ويتساءل: «إذا كانت زوجتي التي أغيب عنها شهراً كاملاً تقول لي هذا الكلام، فكيف لا أكون مشحوناً بالقوة والإصرار على النصر؟».

نازحون من شمال قطاع غزة إلى الجنوب وسط استمرار عمليات القتال بين إسرائيل و«حماس» (د.ب.أ)

ركام فيلا فلسطينية

في مكانٍ ما على الطريق الغربي على أطراف غزة، يشير إلى ركام فيلا فلسطينية، رغم أنها مهدمة لكن فخامتها ظاهرة بما تبقّى من أثاث وبِركة السباحة والرسومات. فيقول: «انظري، يوجد لدى أهل غزة كل شيء، لكنهم يكرهوننا. ببساطة يكرهوننا». ويشير إلى بقية الركام ويقول: «كل شيء يتحرك هنا سنطلق عليه الرصاص، ليس مهماً مَن هو، وماذا هو، وكيف يرى، وماذا يفعل. بالنسبة لي هو مخرِّب، إلا إذا رأيت امرأة مع أطفال فلن أمسّها».

وتطلب منه أن يشرح لها طبيعة مهمته، فيجيب: «نحن نكلَّف باحتلال منطقة، وبعد كل احتلال نستأصل العدو. كل مكان تمر به 401 ينتهي العدو ولا يعود يقوى على إطلاق طلقة واحدة». وتُذكّره الصحافية بأن هناك مُسلَّحين من «حماس» خرجوا من الأنفاق وراء خطوط القوات الإسرائيلية المتقدمة داخل غزة، فيجيب: «توجد لدينا كتيبة هذه مهمتها؛ أن تدمر ما تبقّى من قوات العدو».

وتقول له: «هذا يبدو كمن يفرغ المحيط بالملعقة»، فيجيب: «لدينا صبر، سنعثر على فوهة كل نفق وندمره، سنصل إلى كل إرهابي. لقد قتلنا العشرات فوق الأرض، والمئات تحت الأرض. سنبقى هنا حتى نُنهي المهمة، سنقضي عليهم، لن نعود إلى البيت قبل ذلك. الويل لمن يطلب منا وقف النار. لا الأمريكيون ولا غيرهم». فتسأل: «هل هو الانتقام؟»، فيجيب: «نعم، توجد عندي مشاعر الانتقام، أنا لم آتِ لأقضي على حماس، بل لأنتقم مما فعلوه لنا، لكنه انتقام محسوب وملجوم».

فلسطينيون يبحثون عن ناجين بعد غارة جوية إسرائيلية على جنوب قطاع غزة (أ.ب)

كتيبة الجولان

مراسل القناة 11 الرسمية، إيتاي بلومنتال، رافق الكتيبة 932، التي جرى جلبها من الحدود مع سوريا في الجولان، لمساندة القوات المتقدمة في عمليات التطهير، واتخذت مقراً لها في مدرسة القسطينية الثانوية للبنين في مخيم الشاطئ، التي دُمّر معظمها في القصف الجوي والمدفعي، ولكن بقيت منها بعض الجدران التي تجعلها مكاناً للنوم للجنود. قائد الكتيبة المقدِّم دوتان، يتحدث عن «الروح المعنوية العالية والإصرار على الانتصار»، ويكشف أمام الطاقم الإعلامي مخزن سلاح مليئاً بالأسلحة في مكتبة المدرسة، ومنصة إطلاق القذائف خارج أسوار المدرسة. ويقول إن قواته ستُصادر الأسلحة والذخيرة وتدمّر ما تبقّى.

الصحافي يشير إلى الشارع الذي جرى شقه من المنطقة الإسرائيلية إلى قلب غزة، ليسهل على القوات التنقل، وكثبان الرمال التي جرى تكويمها على طرفَي الشارع لتحمي القوات من كمائن القناصين من «حماس»، ويؤكد أن قواته اصطدمت بعناصر «حماس» الذين قُتلوا أو هَربوا، ويوصلونه إلى فوهة نفق لم يدخله الجنود حتى الآن، رغم مُضيّ أسبوعين على الاجتياح.

ويقول إنه جرى تدمير النفق بوسائل تكنولوجية، لكنهم أبقوا على الهوة لتكون شاهداً على أساليب عمل «حماس». ويسأله الصحافي: كيف تضمنون ألّا يُصاب مخطوفون إذا جرى وضعهم هنا، فيجيب: «المخطوفون كل الوقت في ذهننا، ومن مهماتنا الأساسية أن نعيدهم سالمين»، ولا يقول كيف. ثم يلتقي مجموعة جنود يغنّون أغنية عن المتعة في شرب الخمر، ويقترح عليهم أن يخاطبوا ذويهم، فتكون الرسالة واحدة: «نحبُّكم. عائدون إليكم منتصرين»، ثم يهتفون: «شعب إسرائيل حي قيوم، لن يقوى أحد على كسره».

جنود إسرائيليون يشاركون بالتوغل البري في قطاع غزة (أ.ب)

في قلب المعركة

نصيب «القناة 13» من جولات الإحاطة كان سيئاً بشكل خاص، فقد أرسلت طاقمين؛ الأول بقيادة معلِّق الشؤون العسكرية ألون بن دافيد، الذي وصل إلى الجبهة عندما كانت عناصر «حماس» قد أطلقت طائرة مسيّرة من النوع الذي يحمل متفجرات باتجاه تجمُّع الجنود، فأمر قائد القوة الإسرائيلية الجميع بالركض إلى مكان آمن، في حين قامت المضادات الجوية بإطلاق صاروخ تمكّن من تفجير الطائرة وهي في الجو، لكن الصحافي بن دافيد تعثّر وهو يهرب من المكان، فوقع وأُصيب بكسر في كف يده، واضطر إلى قطع الزيارة والتوجه للعلاج، وعاد إلى استوديو البث في القدس دون تقرير.

أما الفريق الثاني بقيادة المراسل العسكري أوري هيلر، فتمكّن من القيام بجولة، لكنه اضطر إلى قطعها في مرحلة معيّنة بسبب هجوم آخر من خلية مسلَّحين من «حماس» في حي العطاطرة، القريب من الحدود. وغادر القطاع سالماً. وقد انطلق إلى الجولة من قاعدة «زيكيم» العسكرية، المحاذية للحدود مع قطاع غزة، والتي كانت أول المواقع التي هاجمتها «حماس»، في السابع من أكتوبر.

ويصف هيلر آثار الدمار في «زيكيم»، وعلى الطريق، ثم داخل غزة. ويشير إلى جرافات «D9»، التي تجرف الطرقات، والآليات الأخرى التي تفرض الحصى، تمهيداً لدخول مزيد من القوات الإسرائيلية. وتعرض الكاميرا الخاصة به شعاراً يخاطب «حماس»: «لقد جاءت علقتكم مع الشعب الخطأ»، لكنه كُتب بالعبرية، مما يعني أنه موجَّه للجنود الإسرائيليين وليس للفلسطينيين.

فلسطينيون يدفنون ذويهم الذين قُتلوا في غارات إسرائيلية بمقبرة وسط قطاع غزة (رويترز)

«الأنفاق قبور جاهزة»

ويرافق هذا الصحافي في الجولة، المقدم عيران أرزي، ويُعرِّف به قائلاً: «إنه يعرف غزة كما تعرف كفّ يدك»، فقد كان في قلب القطاع في العملية الحربية التي جرت عام 2014، في خان يونس، وحظي بوسام الشجاعة على المعارك التي خاضها هناك، ويلتقيان مع المقدم أرئيل غونين، الذي قَدِم من منطقة نابلس، حيث يقود قوات تجتاح مخيم بلاطة وحي القصبة.

هيلر يُعدّ من الصحافيين المقرَّبين للجيش، وقلَّما يوجِّه الانتقادات له، فيترك للضباط حرية إلقاء خطابات وشعارات بلا قيود ولا اعتراض: «أنا سعيد بوجود هذه الأنفاق؛ فهي قبور جاهزة لا نحتاج إلى شقاء حفرها، كل ما علينا هو أن نغلقها ليبقوا فيها إلى الأبد. هذه الحرب التي نخوضها هي حرب النور مقابل الظلام، حرب الطيب مقابل الشرير».

لا يسأله إن كان النور هو ذلك الدمار الذي يشاهدونه من حولهم، وتشريد الناس وآثار الدماء الظاهرة على كل جدار وعلى المدارس المهدَّمة والمساجد والكنائس والنوادي والمستشفيات، كلُّ همِّه هو «كيف تضمن ألا تؤدي عملياتكم إلى إصابة أو مقتل مخطوفين؟»، ويكون الجواب: «أعتقد أن قادة حماس يحرصون على وضع المخطوفين في أكثر مكان آمن في غزة، فهذه الورقة الوحيدة التي بأيديهم ولن يفرِّطوا بها بهذه السهولة». وأضاف: «أنا لستُ ممن يستهترون بالعدو، إنهم أقوياء ومقاتلون أشدّاء... وهذا يجعلنا شديدي الحذر، لكننا أقوى وأَقدرُ منهم بكثير».

فلسطينيون وسط الدمار جراء القصف الإسرائيلي على غزة (إ.ب.أ)

القوات منقطعة عن العالم

مراسل صحيفة «معاريف»، موشيه كوهن، يبدأ تقريره بالإشارة إلى ذلك الجندي الذي بادره بالسؤال: «كيف هي الحال في البلاد؟»، فانتبه إلى أن القوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة منقطعة عن العالم تقريباً، طيلة الشهر. فالجيش يصادر أجهزة الهاتف الخلوي، والذي يريد الاتصال بعائلته يفعل ذلك من خلال الهاتف الأحمر لدى قائد الفرقة أو السرية أو الكتيبة، لكنه ذكر كلمة البلاد، مما يعني أنه يدرك أنه الآن في منطقة محتلّة وليس في بلاده.

وكتب كوهن: «كلما تقدمنا بسيارة هامر العسكرية المصفّحة إلى قلب غزة عبر شارع الشاطئ، نجد أنفسنا أقرب إلى العمارات المدمَّرة». وأضاف: «هناك عمارة شاهقة لم تُهدم، يبدو أن الجيش تعمّد ذلك حتى يستخدمها مقرّاً لقيادته، إنه فندق فخم. اللوبي يُستخدم لنوم الجنود، إنهم لا يخاطرون. في حالة استنفار وتأهب دائمة، ويُجرون دوريات تفتيش بوتائر سريعة؛ حتى لا يتعرضوا لمفاجأة. كثرة عدد القوات تخلق الثقة بالأمن. غالبية السكان الغزيين هربوا، ولكن هذا لا يُطَمئن، ففي عدة مرات فاجأونا بهجمات منفردة، كل جندي يحمل على ظهره حمولة بزنة 35 كيلوغراماً، نصف وزنهم».

وتابع: «تقع انفجارات كثيرة، لكن مهمتنا الأساسية هي تدمير البنى التحتية لقوات حماس. كتيبة المدرّعات 532 التي يقودها المقدم عيران تُنفذ المهمة بمساعدة سلاح الجو. عيران متزوج، ولديه طفلة عمرها ثلاث سنوات، يشتاق كثيراً للعائلة، لكنه مؤمن بأنه يصنع مستقبلاً آمناً لابنته وللأجيال القادمة».

جندي إسرائيلي يوجه دبابة قرب حدود غزة (د.ب.أ)

العَلَم الإسرائيلي فوق أطلال البيوت

كوهن كان قد دخل، آخِر مرة، غزة في سنة 2005، عندما قامت القوات الإسرائيلية بإخلاء المستوطنين اليهود (8000 مستوطن)، بموجب قرار حكومة أرئيل شارون، الانفصال عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية. حضر الطقوس العسكرية لإنزال العَلَم الإسرائيلي في قاعدة نفي دكليم، ساعة غروب الشمس، حين كانت دموع الجنديات والجنود الإسرائيليين تنهمر.

ويقارن بين تلك الأيام وبين ما يجري اليوم، حيث العَلَم الإسرائيلي عاد ليرفرف لكن فوق الخرائب وأطلال البيوت، وحيث الجرافات تدمِّر ما تبقّى من عمارات، حتى يشق الطرق للقوات القادمة، وحيث دويُّ القصف يجلجل في السماء. ويخلص إلى القول: «الشيء الوحيد الذي بقي كما هو في غزة، هو أمواج البحر».

الأجواء التي يحاول الجيش إنشاءها، خصوصاً بكثرة الحديث عن النصر، تصطدم بأقوال أصحاب التجارب، الذين يعرفون أن هذه أقوال إعلامية تُستخدم في الحرب النفسية. والحرب النفسية لا تكون بالضرورة ضد العدو، بل قد تكون بالأساس للاستهلاك المحلي.

إحدى كاتبات المقالات الافتتاحية في «يديعوت أحرونوت»، سيما كدمون، تقول: «لعلّ الخطاب عن الانتصار ليس مصادفة، لعلّه توجد محاولة لدفعنا إلى نسيان ما سبق هذه الحرب؛ القصور الكبير، المذبحة الوحشية، اختطاف أكثر من 240 امرأة وطفلاً وشيخاً إلى داخل غزة. كيفما اتفق، يوجد إحساس بالحديث أقل فأقل عن الاستخبارات التي فوجئت تماماً، عن غياب الجيش على مدى ساعات طويلة، الحقيقة التي لا يمكن استيعابها في أنه على مدى نحو يومين انتقلت السيادة الإسرائيلية في بلدات إسرائيلية إلى أيدي حماس. كل هذا النقاش نجحوا كيفما اتفق في تأجيله إلى ما بعد الحرب».


مقالات ذات صلة

مقتل 5 في غارة جوية على منزل بمخيم النصيرات وسط غزة

المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلاً في موقع غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مقتل 5 في غارة جوية على منزل بمخيم النصيرات وسط غزة

قال مسعفون لـ«رويترز»، اليوم السبت، إن خمسة أشخاص، بينهم طفلان، قتلوا في غارة جوية إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي صورة وزعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (رويترز)

تقرير: ثغرة في نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي وراء الفشل في اعتراض صاروخ الحوثي

قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إن الفشل الأخير في اعتراض الصواريخ اليمنية التي تستهدف إسرائيل قد يكون مرتبطاً بضعف في نظام الدفاع الجوي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية رجال الطوارئ الإسرائيليون يتفقدون حفرة في الموقع الذي سقط فيه مقذوف أطلق من اليمن في تل أبيب في وقت مبكر من اليوم السبت (أ.ف.ب)

إصابة 16 شخصاً في سقوط صاروخ وسط تل أبيب... و«الحوثي» يتبنى الهجوم

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (السبت)، أن صاروخاً أطلِق من اليمن أصاب الأراضي الإسرائيلية قرب تل أبيب بعد فشل محاولات اعتراضه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جندية إسرائيلية تشغّل طائرات مسيّرة (موقع الجيش الإسرائيلي)

تقرير: إسرائيل كوّنت أول وحدة قتالية للفتيات المتدينات جراء نقص الجنود

قالت وكالة «بلومبرغ» للأنباء إن إسرائيل كوّنت لأول مرة وحدة قتالية للفتيات المتدينات بالكامل بها مستشارة دينية نسائية بسبب نقص الجنود المقاتلين مع تعدد الحروب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية قوات إسرائيلية تنشط في منطقة جبل الشيخ بسوريا في هذه الصورة المنشورة بتاريخ 9 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 01:10

ماذا يربط «7 أكتوبر» باحتلال إسرائيل لجبل الشيخ؟

إصرار إسرائيل على احتلال جانب آخر من جبل الشيخ، ضمن جنيها ثمار انهيار نظام الأسد، يشير إلى «عقدة 7 أكتوبر» في تل أبيب.

نظير مجلي (تل أبيب)

سكان قرية سورية متروكون لمصير مجهول أمام قوات إسرائيلية متوغلة

مركبات «هامفي» تابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان (أ.ف.ب)
مركبات «هامفي» تابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان (أ.ف.ب)
TT

سكان قرية سورية متروكون لمصير مجهول أمام قوات إسرائيلية متوغلة

مركبات «هامفي» تابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان (أ.ف.ب)
مركبات «هامفي» تابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان (أ.ف.ب)

في إحدى قرى محافظة القنيطرة، جنوب سوريا، يقف سكان وجهاً لوجه مع قوات إسرائيلية استغلت التغيير السياسي والميداني المتسارع في دمشق، لتنفيذ عمليات توغل في المنطقة العازلة ومواقع مجاورة، في خطوة نددت بها الأمم المتحدة.

ففي شارع رئيسي في قرية جباتا الخشب، يتجول جنود إسرائيليون بكامل عتادهم، على تماس مع السكان المحليين الذين يكتفون بالمراقبة من بعد، في مشهد لم يكن مألوفاً حتى الأمس القريب. وتتمركز دبابة على الأقل عند أطرافها، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتقع القرية في القسم الشرقي من هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، ثم ضمتها عام 1981 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي. وهي من عداد القرى الواقعة في المنطقة العازلة؛ حيث ينتشر عناصر قوة الأمم المتحدة المخولون مراقبة اتفاق فض الاشتباك.

وتتكرَّر المشاهد نفسها في مدينة البعث وسط القنيطرة التي توغلت فيها قوات وعربات إسرائيلية، في خطوات تزامنت مع شنِّ إسرائيل سلسلة غارات غير مسبوقة على عشرات المواقع العسكرية ومخازن الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي التابعة للجيش السوري، عقب إطاحة فصائل معارضة نظام بشار الأسد وهروبه من البلاد.

مركبات «هامفي» تابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان بالقرب من قرية مجدل شمس الدرزية بمرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل (أ.ف.ب)

ويقول الدكتور عرسان عرسان، المقيم في مدينة البعث وسط القنيطرة (51 عاماً) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «الناس ممتعضة جداً من التوغل الإسرائيلي في المنطقة (...) نحن مع السلام؛ لكن شرط أن تنسحب إسرائيل إلى خط وقف إطلاق النار»، في إشارة إلى خط فض الاشتباك الذي يفصل بين الأجزاء التي تحتلها إسرائيل من مرتفعات الجولان وبين بقية الأراضي السورية.

ومع توغل القوات الإسرائيلية، تقطعت أوصال مدينة البعث بأعمدة حديدية كبيرة وبقايا أغصان أشجار وسواتر ترابية، خلَّفتها الجرافات الإسرائيلية، وفق السكان. ويتابع عرسان: «أنظر إلى الشوارع التي خرَّبتها الجرافات الإسرائيلية واللافتات التي حطمتها، إنه عمل غير إنساني».

وسيطرت القوات الإسرائيلية على المنطقة العازلة ومواقع مجاورة في جبل الشيخ وريف دمشق.

رفع العلم الإسرائيلي

وعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء الماضي، اجتماعاً أمنياً على جبل الشيخ في الجولان السوري المحتل.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إنه زار مع نتنياهو «لأول مرة قمة جبل الشيخ» منذ انتشار القوات الإسرائيلية فيها عقب إطاحة الأسد.

وخلا الطريق الرابط بين دمشق ومحافظة القنيطرة من أي وجود عسكري لفصائل معارضة، وبدت كل الحواجز والمقرات الأمنية السابقة خالية من عناصرها، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وكانت القوات الحكومية قد أخلت تباعاً كل مواقعها في جنوب سوريا، عشية تقدم الفصائل المعارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» إلى دمشق وإسقاط الأسد.

وانكفأ سكان بلدات القنيطرة داخل منازلهم، واكتفى بعضهم بالوقوف على الأبواب مراقبين انتشار القوات الإسرائيلية بين أحيائهم وفي شوارعهم، بينما رفع جنود إسرائيليون العلم الإسرائيلي على عدد من التلال القريبة المشرفة على القنيطرة.

وعلى مشارف قرية الحميدية المجاورة لمدينة البعث، يقف ياسين العلي (43 عاماً) وإلى جانبه أطفال يلعبون على دراجة هوائية. ويقول ابن مدينة البعث: «نحن على بعد أقل من 400 متر من الدبابات الإسرائيلية (...) والأطفال هنا خائفون من التوغل الإسرائيلي».

ونزح سكان جراء تقدم القوات الإسرائيلية من عدد من البلدات السورية الحدودية مع إسرائيل. ويتابع العلي: «نناشد حكومة الإنقاذ والمجتمع الدولي أن يتحملوا مسؤوليتهم تجاه هذا التوغل الذي حدث خلال أسبوع».

«انتهاك» لفض الاشتباك

واعتبرت الأمم المتحدة أن سيطرة الجيش الإسرائيلي على المنطقة العازلة يشكِّل «انتهاكاً» لاتفاق فض الاشتباك العائد إلى عام 1974. وأعرب أمينها العام أنطونيو غوتيريش هذا الأسبوع عن «قلقه البالغ» حيال «الانتهاكات الكبيرة» لسيادة سوريا ووحدة أراضيها.

ومنذ بدء النزاع في سوريا عام 2011، شنَّت إسرائيل مئات الضربات الجوية على مواقع عسكرية للجيش السوري، وأخرى لمجموعات موالية لطهران بينها «حزب الله» اللبناني الذي كان يحتفظ بمقرات ومخازن؛ ولا سيما في المنطقة الحدودية مع لبنان.

جنود إسرائيليون يقفون على مركبة مدرعة قبل عبور السياج الأمني متجهين نحو المنطقة العازلة بالقرب مما يسمى «الخط ألفا» الذي يفصل مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل عن سوريا في بلدة مجدل شمس (أ.ب)

وطالب القائد العسكري لـ«هيئة تحرير الشام» مرهف أبو قصرة، في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية» الثلاثاء، المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الغارات والتوغل الإسرائيلي «على التراب السوري»، مؤكداً في الوقت ذاته أن بلاده لن تكون منطلقاً لأي «عداء» تجاه أيٍّ من دول الإقليم.

وكان قائد الإدارة السياسية الجديدة في دمشق، أحمد الشرع، قد ندَّد بتوغل القوات الإسرائيلية في جنوب البلاد. وقال إن «الإسرائيليين تجاوزوا خطوط الاشتباك في سوريا بشكل واضح، مما يهدد بتصعيد غير مبرر في المنطقة». وأكد في الوقت ذاته أن الوضع الراهن «لا يسمح بالدخول في أي صراعات جديدة».

في مدينة البعث، يبدي العلي تخوفه من «قضم» إسرائيل للمنطقة بكاملها. ويقول: «ما يجري يستحق وقفة من السوريين الذين يحتفلون في ساحة الأمويين... بأن يأتوا إلى هنا ويقفوا بصدور عارية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي».