أصداء الغضب العربي تتردد أميركياً وسط إقرار بالعدد «المفرط للغاية» من الضحايا في غزة

برقيات دبلوماسية تحذيرية... وبلينكن يرى «حاجة إلى بذل المزيد» لحماية المدنيين الفلسطينيين

متظاهرون ضد الرئيس جو بايدن في شيكاغو الخميس (أ.ب)
متظاهرون ضد الرئيس جو بايدن في شيكاغو الخميس (أ.ب)
TT

أصداء الغضب العربي تتردد أميركياً وسط إقرار بالعدد «المفرط للغاية» من الضحايا في غزة

متظاهرون ضد الرئيس جو بايدن في شيكاغو الخميس (أ.ب)
متظاهرون ضد الرئيس جو بايدن في شيكاغو الخميس (أ.ب)

تلقت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، برقيات لافتة من دبلوماسييها في المنطقة العربية تحذر من أن الدعم القوي الذي تقدمه للحملة العسكرية الإسرائيلية الدامية والمدمرة على غزة يؤدي إلى «خسارتنا الجماهير العربية لجيل» من 15 إلى 20 عاماً، بينما أقر وزير الخارجية أنتوني بلينكن للمرة الأولى بسقوط عدد «مفرط للغاية» من الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين، يصل حسب التقديرات الرسمية إلى أكثر من 11 ألفاً في القطاع المحاصر.

وكشفت شبكة «سي إن إن» الأميركية للتلفزيون أنها حصلت على برقية دبلوماسية تسلط الضوء على القلق العميق بين المسؤولين الأميركيين بشأن الغضب المتزايد ضد الولايات المتحدة بعد وقت قصير من بدء إسرائيل عملياتها العسكرية ضد غزة، على أثر هجمات «حماس» ضد المستوطنات والكيبوتسات الإسرائيلية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مما أدى إلى نحو 1400 قتيل بين الإسرائيليين. وتوفر البرقية لمحة عن الموجة المتزايدة المناهضة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

نحو ألف متظاهر من الفلسطينيين والمؤيدين لهم قرب المكان الذي وصل إليه الرئيس جو بايدن للمشاركة في مناسبة لجمع التبرعات في شيكاغو (أ.ب)

من مسقط والقاهرة

وتنقل البرقية الواردة من السفارة الأميركية في عُمان عن محادثات مع «مجموعة واسعة من الاتصالات الموثوقة والرصينة»: «إننا نخسر بشدة في ساحة معركة الرسائل»، محذرة من أن الدعم القوي من الولايات المتحدة لتصرفات إسرائيل يُنظر إليه على أنه «مسؤولية مادية ومعنوية فيما يعدونه جرائم حرب محتملة».

ووجهت الرسالة التي كتبها ثاني أرفع الدبلوماسيين الأميركيين في مسقط، إلى كل من مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» ومكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» ووكالات أخرى.

وفي برقية أخرى من السفارة الأميركية في القاهرة تتضمن ملخصاً إعلامياً يومياً، أعادت تعليقاً كُتب في صحيفة مصرية أن «قسوة الرئيس بايدن وتجاهله للفلسطينيين تجاوزا جميع الرؤساء الأميركيين السابقين».

صورة لقطاع غزة من بلدة سديروت الإسرائيلية ويبدو الدخان متصاعداً خلف المباني المدمرة (أ.ف.ب)

ضغوط عربية

ويتعرض الرئيس جو بايدن لضغوط متزايدة محلياً وخارجياً في شأن الدعم المنقطع النظير الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل على الرغم من صور الدمار والقتل في غزة والأزمة الإنسانية الكارثية الناجمة عن ذلك، وكذلك مقاومة إدارته الدعوات المتكررة لوقف النار، وتركيزها على هدنات لتكثيف عمليات تدفق المساعدات إلى القطاع، والسماح للمدنيين بالفرار من مناطق القتال.

واستشهدت «سي إن إن» بالمواقف التي أصدرها حلفاء للولايات المتحدة في المنطقة تعبيراً عن غضبهم العميق حيال الأزمة الإنسانية في غزة. ونقلت عن مسؤولين أميركيين أن بلينكن توصل إلى اتفاق من حيث المبدأ في شأن الهدنات المؤقتة بعد اجتماعاته في إسرائيل، الأسبوع الماضي، معتبرين ذلك «تقدماً» يمكن البناء عليه.

إحباط محلي

ويواجه بايدن إحباطاً متزايداً محلياً من سياسته هذه. فخلال مناسبة خاصة لجمع التبرعات في مدينة شيكاغو، مساء الخميس، واجه الرئيس متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار. وكانت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين حدثاً يومياً قرب مجمع البيت الأبيض، الذي غطي أحد مداخله القريبة من الجناح الغربي ببصمات أيادٍ بالحبر الأحمر القاني، تقليداً لدماء الضحايا، وبكلمات مثل «إبادة جماعية، جو».

إلى ذلك، وجه وزير الخارجية الأميركي، قبيل ختامه زيارة لنيودلهي، الجمعة، واحدة من أكثر إداناته المباشرة للعدد «المفرط للغاية» من القتلى في غزة، داعياً لبذل المزيد من الجهود لـ«تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين الفلسطينيين».

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يتحدث إلى وسائل الإعلام في نيودلهي (أ.ب)

الدبلوماسي الأول

ومع انتهاء زيارته برفقة وزير الدفاع لويد أوستن، أثنى بلينكن على إسرائيل لإعلانها هدنة إنسانية يومية وفتح ممرين إنسانيين، لكنه استدرك أن «هناك المزيد مما يمكن وينبغي القيام به لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين الفلسطينيين»، مضيفاً: «قُتل عدد مفرط للغاية من الفلسطينيين (...) وعانى كثيرون للغاية في الأسابيع الماضية». وأبدى استعداد الولايات المتحدة لأن «نفعل كل ما هو ممكن لمنع إلحاق الضرر بهم وزيادة المساعدة التي تصل إليهم إلى أقصى حد»، معتبراً أنه «لتحقيق هذه الغاية، سنواصل مناقشة الخطوات الملموسة التي يجب اتخاذها مع إسرائيل لتحقيق هذه الأهداف». غير أنه رفض تقديم أي تفاصيل عن تلك الخطوات.

ونقل موقع «أكسيوس» الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين أنهم أوضحوا لإدارة بايدن أنهم مستعدون لتوسيع وقف النار إذا جرى الاتفاق على إطلاق المحتجزين.

فلسطينيون يصلّون على جثامين أفراد عائلة حجازي الذين قُتلوا في غارات إسرائيلية في رفح (أ.ف.ب)

«بعض التقدم»... ولكن

وفي إشارة إلى الجهود التي قام بها، بدّل كبير الدبلوماسيين الأميركيين رسائله ببراعة منذ مغادرته الشرق الأوسط خلال هذا الأسبوع للتعبير بشكل مباشر أكثر عن إدانته للخسائر في صفوف المدنيين في غزة. وقال إن «بعض التقدم أحرز» منذ لقائه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين الجمعة الماضي في تل أبيب، بما في ذلك حول «المبادئ الأساسية» التي تفيد بأنه «لا للتهجير القسري للفلسطينيين من غزة» و«عدم استخدام غزة منصةً لشن أعمال إرهابية أو هجمات أخرى ضد إسرائيل»، مؤكداً أنه «لا يوجد تقليص للأراضي في غزة والالتزام بإدارة الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية وبطريقة موحدة». وقال: «أعتقد أن هذه الأفكار، وبعض الأفكار الأخرى التي طرحناها، والتي يشاركها الآخرون، يمكن أن تصبح الأساس لما يتعين علينا القيام به». وأضاف: «لدينا خطط ملموسة، وأمور ملموسة، نعمل عليها، التي من شأنها» زيادة عدد الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية التي تصل إلى غزة. لكنه أكد أن هذه «عملية، والانتقال من التفاهم، ومن الاتفاق إلى التنفيذ، هو ما نعمل عليه الآن».

أشخاص يبنون قسماً جديداً لمقبرة في رفح بجنوب قطاع غزة لدفن أفراد عائلة حجازي الذين قتلوا في غارة إسرائيلية (أ.ف.ب)

وكرر أيضاً أن الولايات المتحدة «ستواصل التركيز بلا هوادة على إعادة رهائننا إلى وطنهم»، ومنع توسع الصراع. وشدد على أن الولايات المتحدة تدعم حلاً مستقبلياً على أساس دولتين إسرائيلية وفلسطينية، معتبراً أن هذه الوسيلة الوحيدة لتحقيق «سلام دائم وعادل».

وبدأ بلينكن جولة ماراثونية في إسرائيل، الجمعة الماضي، ثم زار الضفة الغربية المحتلة والأردن وقبرص والعراق وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية، وأخيراً الهند.


مقالات ذات صلة

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

شبح هجوم إسرائيلي يخيّم على بغداد

يخيّم شبح هجوم إسرائيلي واسع على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شن ضربات جوية على البلاد.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

قالت صحيفة «تليغراف» البريطانية إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يفكر في فرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البريطاني كريم خان

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

قالت كارولين ليفيت، التي أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أنها ستكون متحدثةً باسم البيت الأبيض، لموقع «أكسيوس»، إن ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات

المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأوضحت الوزارة في بيان أن 35 شخصاً قُتلوا، وأصيب 94 خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. وأكدت الوزارة أن هناك عدداً من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

وأصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء جديدة للسكان في مناطق بأحد الأحياء الواقعة في شرق مدينة غزة؛ ما أدى إلى موجة نزوح جديدة، الأحد، في الوقت الذي أعلن فيه مسعفون فلسطينيون إصابة مدير مستشفى في غزة خلال هجوم بطائرة مسيَّرة إسرائيلية.

وفي منشور على منصة «إكس»، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء جديدة في حي الشجاعية، وعزا ذلك إلى القذائف الصاروخية التي يطلقها مسلحون فلسطينيون من تلك المنطقة الواقعة في شمال قطاع غزة. وأضاف المتحدث: «من أجل أمنكم، عليكم إخلاؤها فوراً جنوباً».

وأعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ، السبت، وقالت إن الهجوم استهدف قاعدة للجيش الإسرائيلي على الحدود، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

أحدث موجة نزوح

أظهرت لقطات مصورة منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام فلسطينية سكاناً يغادرون حي الشجاعية على عربات تجرها حمير وعربات أخرى صغيرة، بينما كان آخرون يسيرون على الأقدام من بينهم أطفال.

وقال سكان ووسائل إعلام فلسطينية إن العائلات التي تعيش في المناطق المستهدفة بدأت في الفرار من منازلها منذ حلول الظلام، السبت، وحتى الساعات الأولى من صباح الأحد، وهي أحدث موجة نزوح منذ بدء الحرب قبل 13 شهراً.

وفي وسط قطاع غزة، قال مسؤولون في قطاع الصحة إن 10 فلسطينيين على الأقل قُتلوا في غارات جوية إسرائيلية على مخيمي المغازي والبريج منذ الليلة الماضية.

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية بمقتل وإصابة عدد من الفلسطينيين، ظهر الأحد، في قصف إسرائيلي لمخيمي جباليا والنصيرات، في شمال ووسط قطاع غزة.

إصابة مدير مستشفى

في شمال غزة، حيث تعمل القوات الإسرائيلية منذ أوائل الشهر الماضي ضد مسلحي «حماس» الذين يحاولون إعادة تنظيم صفوفهم، قال مسؤولون بوزارة الصحة إن طائرة مسيرة إسرائيلية أسقطت قنابل على «مستشفى كمال عدوان»؛ ما أدى إلى إصابة مدير المستشفى حسام أبو صفية.

وقال أبو صفية في بيان مصور وزعته وزارة الصحة، الأحد: «لكن والله هذا شيء لن يوقفنا عن إكمال مسيرتنا الإنسانية، وسنبقى نقدم هذه الخدمة مهما كلفنا».

وأضاف من سريره في المستشفى: «(بيستهدفوا) الكل لكن والله هذا شيء لن يوقفنا... أنا أصبت وأنا في مكان عملي نحن نُضرب يومياً استهدفونا قبل هيك استهدفوا مكتبي وأمس 12 إصابة لأطبائنا العاملين وقبل قليل استهدفوني، ولكن هذا لن يثنينا سنبقى نقدم الخدمة».

وتقول القوات الإسرائيلية إن المسلحين يستخدمون المباني المدنية ومنها المباني السكنية والمستشفيات والمدارس غطاءً لعملياتهم. وتنفي «حماس» ذلك، وتتهم القوات الإسرائيلية باستهداف المناطق المأهولة بالسكان بشكل عشوائي.

نسف مئات المنازل

و«كمال عدوان» هو أحد المستشفيات الثلاثة في شمال غزة التي لا تزال بالكاد تعمل؛ إذ قالت وزارة الصحة إن القوات الإسرائيلية احتجزت وطردت الطاقم الطبي، ومنعت الإمدادات الطبية الطارئة والغذاء والوقود من الوصول إليهم.

وقالت إسرائيل في الأسابيع القليلة الماضية إنها سهلت توصيل الإمدادات الطبية والوقود ونقل المرضى من مستشفيات شمال غزة بالتعاون مع وكالات دولية مثل منظمة الصحة العالمية.

وقال سكان في 3 بلدات محاصرة في شمال غزة، جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، إن القوات الإسرائيلية نسفت مئات المنازل منذ تجدد العمليات في منطقة قالت إسرائيل قبل أشهر إنها جرى تطهيرها من المسلحين.

ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل تبدو عازمة على إخلاء المنطقة بشكل دائم لإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود الشمالية لغزة، وهو اتهام تنفيه إسرائيل.