تداعيات حرب غزة تعمّق «الانقسام» الشيعي العراقي

«تلميح صغير» من بلينكن يشجع الفصائل المسلحة… والمالكي يقاطع

صوة نشرها إعلام «الإطار التنسيقي» لاجتماعه الأخير بحضور السوداني وغياب المالكي
صوة نشرها إعلام «الإطار التنسيقي» لاجتماعه الأخير بحضور السوداني وغياب المالكي
TT

تداعيات حرب غزة تعمّق «الانقسام» الشيعي العراقي

صوة نشرها إعلام «الإطار التنسيقي» لاجتماعه الأخير بحضور السوداني وغياب المالكي
صوة نشرها إعلام «الإطار التنسيقي» لاجتماعه الأخير بحضور السوداني وغياب المالكي

تخرج إشارات متناقضة من مكاتب «الإطار التنسيقي» عما دار بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي زار بغداد الأحد الماضي، وبينما كان الجميع يتوقع تهدئة وتسوية مع الفصائل في إثر الزيارة «الخاطفة»، لم تتوقف الهجمات ضد القواعد الأميركية.

ويبدو أن تلميحاً بسيطاً من بلينكن لرئيس الوزراء العراقي بشأن «مواصلة واشنطن دعم الحكومة العراقية»، منح الفصائل الانطباع بأن البيت الأبيض لن يضغط أكثر على رئيس الوزراء.

وقالت مصادر موثوقة، لـ«الشرق الأوسط»: إن وزير الخارجية «ألمح للسوداني بأن بلاده لن تفرّط في الشراكة مع الحكومة العراقية»، رغم «الوضوح الأميركي في ضرورة وقف الهجمات على الأميركيين في العراق».

وأوضحت المصادر، أن بلينكن نقل، إلى جانب ذلك، رسالة من البيت الأبيض مفادها أن الحرب في غزة لن تستمر طويلاًَ، لكنها ستنتهي بتسوية سياسية وعادلة تضمن إنهاء بؤر التطرف وتقدم صيغة استقرار وسلام جديدة في المنطقة، وكل ما هو مطلوب من اللاعبين النشطين الآن «عدم رمي البنزين على النار».

وبحسب المصادر، فإن العراقيين فهموا جيداً أنها «رسالة إلى إيران، ومن خلالها إلى الفصائل»، لا سيما حديث بلينكن عن أن بلاده «لن توفر أي طريقة لكبح الأعمال العدائية».

ومع ذلك، تقول المصادر: إنه في الشق السياسي المحلي، فإن وزير الخارجية غادر بغداد إلى أنقرة ولديه «تصور كامل عن الوضع المعقد الذي يمر به رئيس الوزراء العراقي؛ إذ يجد نفسه مدعوماً من تحالف سياسي يلعب أدواراً متناقضة في الأزمة الفلسطينية».

وفي وقت سابق، قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل: إن واشنطن أرسلت تحذيرات إلى إيران من تداعيات التعرض للقوات الأميركية في سوريا والعراق، في حين أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، أن طهران تلقت رسالة أميركية قُبيل خطاب أمين «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله تؤكد فيها أنها «تعمل من أجل وقف إطلاق النار».

أجواء نقل الرسائل وتمريرها بين واشنطن وطهران أظهرت حجم الانقسام والتقاطع داخل «الإطار التنسيقي»؛ إذ بدأ رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي يغيب عن لقاءات «الإطار التنسيقي»، في حين تؤكد مصادر عليمة أن «قطع الصلة تقريباً مع حلفائه داخل التحالف».

وفور عودته من طهران التي زارها لساعات، حضر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني اجتماعاً لقادة «الإطار التنسيقي»، ولوحظ غياب المالكي.

وقالت المصادر: إن الانقسام الحاد داخل «الإطار» منعه من إصدار بيان كان سيبدو مهماً، بعد زيارة بلينكن لبغداد، وزيارة السوداني لطهران.

وأوضح قيادي في ائتلاف «دولة القانون»، أن المالكي «ممتعض من طريقة أطراف في (الإطار التنسيقي) لإدارة الأزمة»، بينما تفيد معلومات لـ«الشرق الأوسط»، بأن رئيس الوزراء الأسبق الذي يستعد لخوض الانتخابات المحلية نهاية العام الحالي «يشعر بالقلق من تداعيات الأعمال العدائية للفصائل».

وفي حين يغيب الموقف الموحد لـ«الإطار التنسيقي»، تتصدى مجموعات سياسية شيعية لصياغة الخطاب السياسي للرد على تحذيرات الأميركيين، وصلت إلى درجة أن يدعو قيادي في «حركة العصائب» الحكومة إلى دعم الفصائل في إخراج القوات الأميركية.

وقال النائب عن الحركة أحمد الموسوي، في بيان صحافي: إن أمام حكومة السوداني خيارين، «إما تؤيد عمليات المقاومة ضد القواعد الأميركية أو تغض النظر عن تلك الهجمات».

ويخشى تيار سياسي يدعم السوداني أن تؤدي هجمات الفصائل إلى تداعيات خطيرة على الحكومة، أبرزها أضرار أكبر في أزمة الدولار، خصوصاً وأن الأميركيين «لا يمكنهم التفريق بين الحكومة و(الإطار)، وما بينهما الفصائل»، وفقاً لتعبير لقيادي بارز.


مقالات ذات صلة

ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

شؤون إقليمية إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)

ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

ثمة من يعتقد أن إيران ستركز اهتمامها في مناطق نفوذها في العراق بالتزامن مع تهديدات إسرائيلية بشن هجمات على فصائل عراقية

المحلل العسكري
خاص عائلة صدام وتبدو حلا إلى يساره (أ.ف.ب) play-circle 03:44

خاص جمال مصطفى: عرفنا في المعتقل بإعدام الرئيس ونقل جثته للتشفي

ليس بسيطاً أن تكون صهر صدام حسين، وسكرتيره الثاني، وابن عشيرته، وليس بسيطاً أن تُسجن من عام 2003 وحتى 2021... فماذا لدى جمال مصطفى السلطان ليقوله؟

غسان شربل
المشرق العربي جانب من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز)

العراق لمجلس الأمن: إسرائيل تخلق مزاعم وذرائع لتوسيع رقعة الصراع

قالت وزارة الخارجية العراقية إن بغداد وجهت رسائل لمجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية و«التعاون الإسلامي» بشأن «التهديدات» الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

قال مسؤول دفاعي أميركي إن قائداً كبيراً بـ«حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية خلال حرب العراق، قُتل بسوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (الخارجية العراقية)

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

قال وزير خارجية العراق فؤاد حسين، الجمعة، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجّه القوات المسلحة باتخاذ إجراءات بحق كل من يشن هجمات باستخدام الأراضي العراقية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

«جرس إنذار» في العراق من هجوم إسرائيلي واسع

أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
TT

«جرس إنذار» في العراق من هجوم إسرائيلي واسع

أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

ينشغل الفضاء السياسي والشعبي العراقي بصورة جدية هذه الأيام باحتمالات توسيع إسرائيل دائرة حربها، لتشمل أهدافاً كثيرة في عموم البلاد؛ رداً على الهجمات التي تشنها فصائل مسلحة، في حين أشار مصدر مقرب من «التحالف الحاكم» إلى أن جرس الإنذار السياسي يرن في مكاتب الأحزاب الرئيسة هذه الأيام.

وغالباً ما يرتبط الانشغال بمخاوف جدية من استهداف مواقع رسمية ربما تمتد لتشمل مقار حكومية وحقول نفط ومواقع استراتيجية، ولا تقتصر على مقار ومعسكرات الفصائل المتهمة بمهاجمة إسرائيل، حسب مصادر مقربة من قوى «الإطار التنسيقي». وتنقل مصادر صحافية «تقديرات حكومية» عن إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي».

توسيع دائرة الحرب

يبدو أن المخاوف العراقية السائدة، خصوصاً داخل الأوساط السياسية، إلى جانب الشكوى الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، أمام مجلس الأمن الدولي ضد 7 فصائل مسلحة، وتحميل بغداد الهجمات التي تشنها الفصائل ضدها؛ دفعت الحكومة العراقية وعبر وزارة خارجيتها إلى توجيه رسائل رسمية إلى مجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي؛ رداً على التهديدات الإسرائيلية ضد العراق.

وقالت وزارة الخارجية، السبت، إن «العراق يُعد ركيزة للاستقرار في محيطيه الإقليمي والدولي، ومن بين الدول الأكثر التزاماً بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة».

وأضافت أن «رسالة الكيان الصهيوني إلى مجلس الأمن تمثّل جزءاً من سياسة ممنهجة؛ لخلق مزاعم وذرائع بهدف توسيع رقعة الصراع في المنطقة».

وشددت الوزارة على أن «لجوء العراق إلى مجلس الأمن يأتي انطلاقاً من حرصه على أداء المجلس لدوره في حفظ السلم والأمن الدوليين، وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لوقف العدوان الصهيوني في قطاع غزة ولبنان، وإلزام الكيان الصهيوني بوقف العنف المستمر في المنطقة والكف عن إطلاق التهديدات».

وتابعت أن «العراق كان حريصاً على ضبط النفس فيما يتعلق باستخدام أجوائه لاستهداف إحدى دول الجوار». وشدد على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية التي تشكّل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي».

وأكدت «الخارجية» العراقية «الدعوة إلى تضافر الجهود الدولية لإيقاف التصعيد الإسرائيلي في المنطقة، وضمان احترام القوانين والمواثيق الدولية، بما يُسهم في تعزيز الأمن والاستقرار».

وقد طلب العراق تعميم الرسالة على الدول الأعضاء وإيداعها بوصفها وثيقة رسمية لدى المنظمات المعنية، حسب بيان «الخارجية».

السوداني خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن الوطني (رئاسة الوزراء العراقية)

أجواء ما قبل الضربة

يقول مصدر مقرّب من «الإطار التنسيقي»، إن «الأحزاب الشيعية الرئيسة تنظر بجدية بالغة إلى حجم التهديدات الإسرائيلية، وتحثّ حكومة السوداني على اتخاذ جميع الوسائل والإجراءات الكفيلة بتجنيب البلاد ضربة إسرائيلية محتملة».

ويؤكد المصدر «قيام جميع قادة الفصائل والقادة الشيعة البارزين باختيار مواقع بديلة، وتتحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد استبدال أماكن أخرى بمعظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وحول ما يتردد عن طيران إسرائيلي يجوب الأجواء العراقية، ذكر أن «لا شيء مؤكداً حتى الآن، لكنه غير مستبعد، خصوصاً أن الأجواء العراقية تسيطر عليها القوات الأميركية، وليست لدى العراق قدرة على إيقاف تلك الخروقات، ويفترض أن تقوم الجهات الأمنية بتبيان ذلك».

وتقدّم العراق رسمياً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بمذكرة احتجاج رسمية إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، وإلى مجلس الأمن الدولي، تضمّنت إدانة «الانتهاك الصارخ» الذي ارتكبته إسرائيل بخرق طائراتها أجواءَ العراق وسيادته، واستخدام مجاله الجوي لضرب إيران.

دبلوماسية وقائية

يقول المحلل والدبلوماسي السابق غازي فيصل، إن الرسائل التي وجّهتها الحكومة العراقية إلى مجلس الأمن وبقية المنظمات الدولية والإسلامية، بمثابة «دبلوماسية وقائية»، تريد من خلالها تجنيب البلاد ضربة إسرائيلية محتملة.

ويعتقد فيصل أن الهجوم الإسرائيلي إذا وقع فإنه «سيستهدف فصائل مسلحة سبق أن وجّهت أكثر من 200 طائرة وصاروخ، ومستمرة في تهديداتها».

ويؤكد أن «فصائل مسلحة عراقية موالية لطهران تحشد في منطقة قضاء سنجار التي تمثّل موقعاً استراتيجياً على الطريق بين إيران والأراضي السورية للدعم اللوجيستي وتسليح القواعد في سوريا والعراق، وشن هجمات نحو القوات الأميركية و(التحالف الدولي)، والجولان، وهي واحدة من القواعد الاستراتيجية المهمة لـ(الحرس الثوري) الإيراني في العراق».

ويضيف فيصل أن «الفصائل المسلحة تصر على الاستمرار في الحرب، وترفض موقف الحكومة الذي يدعو إلى التهدئة والحياد ورفض الاعتداءات الإسرائيلية، وضمان حق الشعب الفلسطيني ورفض الاعتداء على لبنان».

كما أن رسائل الحكومة تأتي في سياق أنها «ليست مسؤولة بشكل مباشر عن استراتيجية الفصائل التي هي استراتيجية ولاية الفقيه الإيرانية. الرسالة جزء من الدبلوماسية الوقائية لتجنيب العراق الحرب ونتائجها الكارثية».

وسبق أن كرّر العراق مراراً عدم سماحه باستخدام أراضيه لمهاجمة دول الجوار أو أي دولة أخرى؛ لكن بعض الآراء تميل إلى أنه قد يسمح لإيران بذلك في حال شنّت إسرائيل هجوماً عليه.

عناصر من «حركة النجباء» العراقية خلال تجمع في بغداد (أرشيفية - أ.ف.ب)

300 هجوم إسرائيلي

من جانبه، تحدّث عمر الشاهر -وهو صحافي عراقي مطلع على نقاشات النخبة السياسية حول التصعيد في المنطقة- أن «الحكومة لديها تقديرات مقلقة بشأن الأمن القومي العراقي، تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد إلى قرابة 300 هجوم من طرف الكيان اللقيط المغتصب، في بحر 3 أيام».

وقال الشاهر، في تدوينة له عبر «فيسبوك»: «ليست هناك معلومات محددة عن طبيعة الأهداف ونوعيتها، ولكن فكرة تعرّض العراق إلى 100 هجوم يومياً على مدار 3 أيام جديرة بإثارة الهلع!».

وأضاف أن «جزءاً كبيراً من المعلومات التي استندت إليها حكومتنا في بناء تقديراتها، جاء من حلفاء دوليين كبار، تتقدمهم الولايات المتحدة، وأجزاء أخرى متفرقة جاءت من حلفاء ثانويين، ومن أطراف عراقية متداخلة في التطورات الإقليمية الراهنة».