تحولت إحدى الطرق الأكثر ازدحاماً في غزة إلى مسار مروع للفلسطينيين الفارين من القتال والقصف الإسرائيلي، حيث يضطر المدنيون للمرور من أمام الدبابات الإسرائيلية أثناء سيرهم على أقدامهم أو ركوبهم على عربات تجرها الحمير.
وفي طريقهم إلى الجنوب، يقوم أولئك المدنيون برفع أيديهم أو التلويح بالأعلام البيضاء لتجاوز الدبابات الإسرائيلية على طول الطريق السريعة المكونة من 4 حارات، وفقاً لما أكده تقرير لوكالة أنباء «أسوشييتد برس».
وأفاد البعض بأن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار تجاههم، وقال آخرون إنهم مروا بجثث متناثرة على طول الطريق.
وفر كثير من المدنيين بالملابس التي يرتدونها فقط، في حين تمكن البعض من نقل عائلاتهم وملابسهم ومراتب للنوم على عربات تجرها الحمير.
وفي شمال قطاع غزة، قامت القوات البرية الإسرائيلية، مدعومة بغارات جوية متواصلة، بتطويق مدينة غزة، التي تعدها مركز حكم «حماس»، كما قسمت إسرائيل القطاع إلى نصفين؛ شمالي وجنوبي، وسعت إلى طرد الفلسطينيين من الشمال مع تقدم القوات.
ومنذ بداية الحرب، حث الجيش الإسرائيلي المدنيين على التحرك جنوباً، عبر طريق صلاح الدين التي تمر عبر وسط الجيب المحاصر، والتي قال إنها ستكون ممراً آمناً.
لكن عشرات الآلاف من المدنيين ما زالوا في الشمال، ولجأ كثير منهم إلى المستشفيات أو مرافق الأمم المتحدة.
ويقول أولئك الذين بقوا في الشمال إن الاكتظاظ السكاني في الجنوب، إلى جانب تضاؤل إمدادات المياه والغذاء، واستمرار الضربات الجوية الإسرائيلية في مناطق يفترض أنها آمنة، يردعهم.
وقال البعض إن الخوف من الغدر بهم أثناء رحلتهم جنوباً، بعد تأكيد بعض الفارين تعرضهم لإطلاق نار من قبل الجنود الإسرائيليين، جعلهم يترددون في اتخاذ قرار الفرار.
وأمس (الاثنين)، رفض المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، العروض الإسرائيلية الخاصة بالتحرك عبر الممرات الآمنة، ووصفها بأنها «ليست سوى ممرات الموت».
وأضاف أن الجثث ملقاة على الطريق منذ أيام، ودعا اللجنة الدولية للصليب الأحمر لمرافقة سيارات الإسعاف المحلية لانتشال القتلى.
وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته تعرضت ذات مرة لهجمات شنتها «حماس» عندما حاولت فتح الطريق مؤقتاً للمدنيين. وردد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه المزاعم في مقابلة مع شبكة «إيه بي سي» الإخبارية، بثت في وقت متأخر من أمس (الاثنين).
وقال نتنياهو: «نحن نقاتل عدواً وحشياً بشكل خاص. إنهم يستخدمون المدنيين دروعاً بشرية، وبينما نطلب من السكان المدنيين الفلسطينيين مغادرة منطقة الحرب، فإنهم يمنعونهم تحت تهديد السلاح».
وخلال فترة الإخلاء التي استمرت 4 ساعات يوم الأحد، قام أقل من ألفي شخص بالفرار، تبعهم نحو 5 آلاف يوم الاثنين، وفقاً لمراقبي الأمم المتحدة. وكان بعض هؤلاء من مدينة غزة ومخيم الشاطئ المجاور، وقد فروا يوم الاثنين بعد القصف الإسرائيلي العنيف هناك في الليلة السابقة.
وقالت شابة تدعى أمل، كانت جزءاً من مجموعة مكونة من 17 شخصاً قاموا بالفرار من شمال القطاع يوم الاثنين، لـ«أسوشييتد برس»، إن الدبابات الإسرائيلية أطلقت النار بالقرب منهم، ثم أمر الجنود الجميع برفع أيديهم والأعلام البيضاء قبل السماح لهم بالمرور.
ووصلت الفلسطينية نور ناجي أبو ناصر (27 عاماً)، الأحد، إلى مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. ووصفت رحلتها التي استمرت لساعات، بأنها «مخيفة للغاية».
وأوضحت: «لقد أطلقوا النار على الرمال من حولنا. أرادوا إخافتنا»، مضيفة أنها شاهدت جثثاً ملقاة على طول الطريق خارج مدينة غزة.
وأدت الحرب المستمرة منذ 4 أسابيع إلى نزوح نحو 1.5 مليون شخص في أنحاء غزة، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.
وقال الجيش الإسرائيلي إن الآلاف استجابوا لأوامره بالتحرك جنوباً، لكن مراقبي الشؤون الإنسانية التابعين للأمم المتحدة قالوا إن آلاف الأشخاص الذين تم إجلاؤهم عادوا إلى منازلهم في الشمال، بسبب القصف المستمر عبر غزة ونقص الملاجئ في الجنوب.
وتقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التابعة للأمم المتحدة، إن أكثر من 530 ألف شخص يحتمون في منشآتها بجنوب غزة، وهي الآن غير قادرة على استيعاب الوافدين الجدد. وقالت الوكالة إن كثيراً من النازحين لجأوا إلى النوم في الشوارع بالقرب من ملاجئ الأمم المتحدة.