الفصائل العراقية تعتمد تكتيك «لا أقتلك ولن أحييك» مع الأميركيين

الورقة الوحيدة التي بيد السوداني الآن هي ضبط الحد الأقصى من التصعيد

عناصر من «حركة النجباء» العراقية خلال تجمع في بغداد لمساندة عملية «حماس» ضد إسرائيل (أ.ف.ب)
عناصر من «حركة النجباء» العراقية خلال تجمع في بغداد لمساندة عملية «حماس» ضد إسرائيل (أ.ف.ب)
TT

 الفصائل العراقية تعتمد تكتيك «لا أقتلك ولن أحييك» مع الأميركيين

عناصر من «حركة النجباء» العراقية خلال تجمع في بغداد لمساندة عملية «حماس» ضد إسرائيل (أ.ف.ب)
عناصر من «حركة النجباء» العراقية خلال تجمع في بغداد لمساندة عملية «حماس» ضد إسرائيل (أ.ف.ب)

تشير المعطيات الميدانية إلى أن تلك المجموعات المسلحة تعتمد تكتيك «لا أقتلك ولن أحييك» مع القوات الأميركية الموجودة في العراق، كما تشير المعطيات إلى أن الفصائل تنفذ هجمات متواترة باستخدام صواريخ من طائرات مسيرة، ومع سقوط إصابات في صفوف العسكريين والمدنيين، وفقاً لتقارير أميركية، لكن من الواضح أن العمليات العدائية لن تُصعَّد إلى مستوى المواجهة الشاملة، في المدى المنظور، في وقت تكشف مصادر خاصة عن أن الرد الأميركي المقبل لن يقوم به الأميركيون وحدهم، في إشارة إلى إسرائيل بوصفها طرفاً آخر.

وتشير المعلومات كذلك إلى أن المجموعات العراقية تلقت تعليمات إيرانية محددة تفيد بـ«الاستعداد التام، وتجهيز ما يلزم لدخول الحرب في قطاع غزة»، لكن ليس على طريقة حزب الله اللبناني، عبر تحديد قواعد اشتباك بسقف أعلى مع الأميركيين. وتهدف الهجمات النشطة الآن إلى زيادة الضغط الإيراني على واشنطن بهدف إخراج قواتها من المنطقة، لكن هذه الفرضية لن تكون سهلة بالنظر إلى رد محتمل من الأميركيين.

أنصار الصدر يحملون علَمَي العراق وفلسطين في مسيرة سابقة قرب السفارة الأميركية ببغداد (إ.ب.أ)

«عزلة دولية غير مسبوقة»

وقال مسؤول أميركي، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن بغداد في «عزلة دولية غير مسبوقة» في حال استمرت هجمات الفصائل، بينما دعا الحكومة العراقية إلى بذل ما هو أكثر للحد من نشاط «مجموعات مسلحة منفلتة».

وحذّر رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أطرافاً لم يسمها من التجاوز على سلطات الدولة، وقال خلال مؤتمر «السفراء العراقيين»، يوم السبت، إن الحكومة وحدها هي من تقرر موقف الدولة من أي حدث ومن أي أزمة إقليمية.

وأشار السوداني إلى أن «موقف العراق الرسمي يهدف إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة وفتح ممرات للإغاثة الإنسانية».

ويتطابق موقف السوداني مع مواقف سياسية أخرى داخل الائتلاف الحاكم في الإطار التنسيقي، لا سيما رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، اللذين قالا إن «قرار الحرب والسلم صلاحية حصرية للبرلمان».

وغالباً ما يميل المراقبون إلى الاعتقاد أن الإطار التنسيقي منقسم بشأن كيفية التعامل مع الأزمة في غزة، بينما تبدو مواقف بعض القوى الشيعية، خصوصاً تلك التي تمتلك أجنحة مسلحة، أنها تقدم موقفين؛ سياسي يدافع عن صيغة الاستقرار التي تحتاجها الحكومة، وآخر ميداني ينخرط في أنشطة مسلحة ضمن ما يعرف بـ«محور المقاومة».

جانب من إحدى جلسات البرلمان العراقي (أ.ب)

«الفصائل تعمل بأوامر إيران»

ويقرّ الأميركيون بأن الفصائل لا تعمل بأوامر من رئيس الوزراء العراقي بل من إيران، وفقاً للمسؤول الأميركي الذي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» هذا الأسبوع، ما يمنح الانطباع بأن «رسائل التحذير التي تخرج من واشنطن موجهة إلى طهران أكثر من بغداد.

ولم يسبق لأي رئيس وزراء عراقي أن نجح في احتواء الفصائل الشيعية الموالية لإيران، إلى حدود تسويات لم تكن تصمد لفترات طويلة، بينما يأمل الأميركيون في أن يدفع الضغط الذي يمارسونه على حكومة السوداني إلى تحقيق اختراق محدود في المعادلة العراقية، فيما يتعلق بحرب غزة.

وقدم 3 شخصيات عراقية (مسؤولان حكوميان وسياسي من الإطار التنسيقي) معلومات متقاطعة عن «سيناريو الرد الأميركي على هجمات الفصائل» بأنه سيتجاوز قصف مواقع تابعة للفصائل الموالية لإيران، إلى استهداف منشآت عسكرية نظامية قد تستخدمها تلك المجموعات ضد الأميركيين. وقال أحد هؤلاء لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه المعطيات تقف وراء قرار رئيس الوزراء بـ«بعثرة القطعات العسكرية».

رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال لقاء سابق مع سفير الاتحاد الأوروبي توماس سيلر في بغداد (رئاسة الوزراء العراقية)

وثيقة مسربة

وبحسب وثيقة مسربة من وزارة الدفاع العراقية، فإنها وجهت بالبحث عن مقار بديلة، واللجوء إلى «بعثرة جميع المستودعات الرئيسية (مخازن الأعتدة - الأسلحة - التجهيزات) إلى أماكن منتخبة وتأمين الحماية لها بما لا يؤثر على أداء الواجب عند الحاجة، تنفيذاً لتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة وبالنظر إلى تسارع الأحداث والمتغيرات الأمنية والإقليمية الطارئة».

وبحسب الشخصيات الثلاث، فإن «الأميركيين وحدهم لن يردوا على هجمات الفصائل في العراق، وأن التحذيرات من ضرب مستودعات تابعة للجيش تعني أن طرفاً آخر لديه خطوط حمراء أقل سيرد». ووفقاً لهذه الصورة المركبة التي تتفاقم تدريجياً، فإن الخيارات المتاحة أمام رئيس الوزراء تبدو محدودة جداً، لكن عليه أن يمنع «سحب الصاعق من القنبلة»، وفقاً لتعبير قيادي في الإطار.

في المقابل، فإن الهجمات المسلحة التي تنفذها الفصائل ضد القواعد الأميركية في العراق وسوريا ستبقى في إطار «لن أقتلك لكني لن أحييك أيضاً»، وفقاً لتعبير أحد الأشخاص الثلاثة.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (أرشيفية - د.ب.أ)

السوداني و«قواعد الاشتباك»

وأشار سياسيون عراقيون، الأسبوع الماضي، إلى أن السوداني «سيضطر في نهاية المطاف إلى التحدث مع الإيرانيين أنفسهم، وليس الفصائل بشأن قواعد الاشتباك المتعلقة بحرب غزة في العراق»، وهو ما يستعبده الآن سياسيون كثر داخل الإطار التنسيقي، لأن «الأمر أخذ بُعداً إقليمياً».

لكن تصدي حركة «النجباء» وكتائب «الإمام علي» دون غيرهما من الفصائل يطرح فرضية جديدة قد تساعد السوداني على القيام بضغط سياسي مسند من قادة الإطار التنسيقي لاحتواء هذين الفصيلين، سوى أن قوى في الإطار التنسيقي وزعت الأدوار بينها وبين «النجباء» و«الكتائب»، المشاركة السياسية لها والعمل الميداني المسلح لهما.

وفي هذه الحالة، سيتعين على السوداني إجراء تسوية سياسية تتعلق بحفظ الاستقرار الذي تحتاجه الحكومة مع قوى داخل الائتلاف الحاكم، مثل حركة «عصائب أهل الحق»، لضبط الحد الأقصى من التصعيد، إذ تشير المصادر المختلفة إلى أن زعيم هذه الحركة، قيس الخزعلي، لا يرفض المشاركة في حرب غزة، لكنه لا يريد خسارة نفوذه في حكومة الإطار التنسيقي.

ونظراً للدور المركب الذي تلعبه «عصائب أهل الحق»، سياسياً في الحكومة وميدانياً في التصعيد الراهن، فإن كثيرين يعتقدون أنها ستكون «مفتاحاً» في أي تسويات تتعلق بالتصعيد النشط الآن ضد الأميركيين، لكن هذه المعطيات التي يصدرها الإطار التنسيقي قد تكون على الأغلب «حيلة سياسية» لتغيير قواعد اللعبة المحلية.


مقالات ذات صلة

تضارب حول دخول فصائل عراقية إلى سوريا

المشرق العربي تمرين عسكري لفصائل من «الحشد الشعبي» (أ.ب)

تضارب حول دخول فصائل عراقية إلى سوريا

انتشرت تقارير بأن جماعات مسلحة تابعة لـ«الحشد الشعبي» العراقي عبرت الحدود مع سوريا لمساندة الجيش السوري، بينما نفت بغداد ذلك، وأكدت سيطرتها الكاملة على الحدود.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يترأس اجتماعاً طارئاً للمجلس الوزاري للأمن الوطني اليوم (رئاسة الوزراء)

العراق يعيد انتشار قواته على الحدود مع سوريا

ترأس رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، اجتماعاً طارئاً للمجلس الوزاري للأمن الوطني لبحث الأوضاع الأمنية في المنطقة، خصوصاً التطورات في سوريا.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس أركان الجيش العراقي عبد الأمير رشيد يارالله (أرشيفية)

رئيس أركان الجيش العراقي: لا توجد مخاطر على أمننا... وقواتنا الأمنية جاهزة

نقلت وكالة الأنباء العراقية، اليوم (الأحد)، عن عبد الأمير رشيد يارالله رئيس أركان الجيش قوله إنه لا يوجد أي مخاطر على أمن العراق «وقواتنا الأمنية جاهزة».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي يصل إلى قاعدة عسكرية في سنجار شمال البلاد (وزارة الدفاع)

العراق: نكسة 2014 لن تحدث مجدداً

عزّز العراق حدوده الغربية مع سوريا بوحدات من الجيش و«الحشد الشعبي»، في حين استبعد مسؤولون عسكريون تكرار «انهيار الموصل» كما حدث عام 2014.

حمزة مصطفى (بغداد)
العالم العربي وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي برفقة وفد أمني رفيع المستوى إلى قاطع عمليات غرب نينوى في سنجار (واع)

قائد عسكري عراقي: حدودنا مؤمنة ولا مجال لاختراقها

قال محمد السعيدي، قائد قوات الحدود العراقية، اليوم (السبت)، إن الحدود العراقية «مُؤمنَّة، ولا مجال لاختراقها».

«الشرق الأوسط» (بغداد)

تركيا وإيران تؤكدان ضرورة العمل لوقف النار في غزة

وزيرا خارجية تركيا وإيران خلال مؤتمر صحافي عقب انتهاء مباحثاتهما في أنقرة الاثنين (أ.ف.ب)
وزيرا خارجية تركيا وإيران خلال مؤتمر صحافي عقب انتهاء مباحثاتهما في أنقرة الاثنين (أ.ف.ب)
TT

تركيا وإيران تؤكدان ضرورة العمل لوقف النار في غزة

وزيرا خارجية تركيا وإيران خلال مؤتمر صحافي عقب انتهاء مباحثاتهما في أنقرة الاثنين (أ.ف.ب)
وزيرا خارجية تركيا وإيران خلال مؤتمر صحافي عقب انتهاء مباحثاتهما في أنقرة الاثنين (أ.ف.ب)

أكدت تركيا وإيران ضرورة العمل على وقف إطلاق النار في غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وضمان استمرارية وقف إطلاق النار في لبنان.

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني عباس عراقجي عقب مباحثاتهما في أنقرة الاثنين: «تناولنا التطورات في المنطقة وعلى رأسها وقف إطلاق النار في لبنان، وأكدنا أنه يجب القيام بالضغوط اللازمة على إسرائيل لجعله دائماً، وأن السلام في المنطقة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تحقيق السلام في فلسطين».

وأضاف فيدان: «التطهير العرقي في غزة يتواصل، للأسف، وحكومة بنيامين نتنياهو تعوق إيصال المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، وأي تطور يحدث في المنطقة يجب ألا ينسينا ما يحدث في غزة».

ولفت إلى أن خطوة المحكمة الجنائية ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت هي خطوة تبعث على الأمل في تحقيق العدالة، مؤكداً أن المسؤولية عن محاكمة المسؤولين عما يجري في غزة هي مسؤولية أخلاقية وقانونية، وسنواصل العمل في هذا الإطار أيضاً.

بدوره، قال عراقجي: «لدينا موقف مشترك مع تركيا في كثير من القضايا كدعم وقف إطلاق النار في لبنان، ومنع انتهاكه من جانب إسرائيل، وإنهاء الهجمات الإسرائيلية العدوانية على الشعب الفلسطيني والمدنيين في غزة».

وانتقد الوزير الإيراني في هذا الصدد الدعم الأميركي «اللامحدود» لإسرائيل وإمدادها بالسلاح.

وقال إن كثيراً من المشكلات في المنطقة إنما ينبع من التدخلات الخارجية والاحتلال المستمر، وإن انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني هو أساس المشكلة في المنطقة.

وأضاف عراقجي أنه بحث مع نظيره التركي في مسألة إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مؤكداً أنه أمر ضروري، و«نأمل أن يتنبّه المجتمع الدولي إلى ذلك».