الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية تتوتر مجدداً و«البنتاغون» يؤكد صمود «وقف النار»

هوكستين حذر تل أبيب... ودعوات فرنسية ولبنانية لالتزم اتفاق وقف النار

علم إسرائيلي مرفوع في بلدة العديسة بجنوب لبنان المقابلة لمستوطنة المطلة الإسرائيلية (إ.ب.أ)
علم إسرائيلي مرفوع في بلدة العديسة بجنوب لبنان المقابلة لمستوطنة المطلة الإسرائيلية (إ.ب.أ)
TT

الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية تتوتر مجدداً و«البنتاغون» يؤكد صمود «وقف النار»

علم إسرائيلي مرفوع في بلدة العديسة بجنوب لبنان المقابلة لمستوطنة المطلة الإسرائيلية (إ.ب.أ)
علم إسرائيلي مرفوع في بلدة العديسة بجنوب لبنان المقابلة لمستوطنة المطلة الإسرائيلية (إ.ب.أ)

ردّ «حزب الله» للمرة الأولى على الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار بإطلاقه صاروخين باتجاه مزارع شبعا المحتلة، في وقت ترتفع فيه الدعوات إلى ضرورة الالتزام بالتهدئة بعدما أدت الانتهاكات الإسرائيلية إلى سقوط قتلى وجرحى في لبنان.

وأدى رد «حزب الله» إلى رد إسرائيلية وتوتر على الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية، مع تهديد مسؤولين في إسرائيل بـ«رد قاس»، ما أثار مخاوف من تصعيد الوضع، فيما أكدت واشنطن على أن الاتفاق «صامد إلى حد كبير».

وسبق ذلك دعوات دولية محلية إلى وقف الخروقات من جانب إسرائيل، خصوصاً أنها لم تتوقف من اليوم الأول لوقف الحرب في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

تحذير هوكستين

وقالت «هيئة البث العامة الإسرائيلية» ووسائل إعلام إسرائيلية أخرى، الاثنين، إن المبعوث الأمريكي آموس هوكستين، الذي توسط في وقف إطلاق النار بعد جهود دبلوماسية مكثفة استمرت أسابيع، حذر إسرائيل من «الانتهاكات». ولم تعلق الحكومة الإسرائيلية حتى الآن على هذه التقارير، طبقاً لـ«رويترز».

من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، الاثنين، أن الوزير جان نويل بارو أبلغ نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر بـ«ضرورة التزام كل الأطراف باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بين الدولة الإسرائيلية و(حزب الله)»، مشيرة إلى أن بارو أكد لساعر في اتصال هاتفي «الحاجة ليحترم كل الأطراف اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان».

ميقاتي ــ جيفرز

وفي لبنان، اجتمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالرئيس المشارك لآلية تنفيذ ومراقبة وقف الأعمال العدائية الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز في حضور سفيرة الولايات المتحدة الأميركية ليزا جونسون. وتم البحث في مهمة اللجنة الخماسية المكلَّفة بمراقبة وقف إطلاق النار.

وفي خلال الاجتماع، أكد رئيس الحكومة «ضرورة الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، ومنع الخروق الأمنية، وانسحاب العدو الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة»، وفق بيان صادر عن رئاسة الحكومة.

بري: أين اللجنة؟

كذلك، دعا رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري اللجنة المكلفة بمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار «إلى مباشرة مهامها بشكل عاجل، وإلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها وانسحابها من الأراضي التي تحتلها قبل أي شيء آخر»، وذلك بعدما وصلت الخروقات إلى العمق اللبناني، وأدت إلى مقتل عنصر في أمن الدولة، وإصابة جندي في الجيش اللبناني.

وقال بري في بيان: «خلافاً لكل ما يروَّج له في وسائل الإعلام بأن ما تقوم به إسرائيل منذ بدء سريان وقف إطلاق النار كأنه من ضمن بنود الاتفاق، تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بأعمال عدوانية لجهة تجريف المنازل في القرى اللبنانية الحدودية مع فلسطين المحتلة يضاف إليها استمرار الطلعات الجوية، وتنفيذ غارات استهدفت أكثر من مرة عمق المناطق اللبنانية، وسقط خلالها شهداء وجرحى، وآخرها ما حدث، الاثنين، في حوش السيد علي في الهرمل (أقصى شمال شرقي لبنان) وجديدة مرجعيون. كل هذه الأعمال تمثل خرقاً فاضحاً لبنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى إعلانه في 27 نوفمبر عام 2024، وأعلن لبنان التزامه به».

وأضاف بري: «نسأل اللجنة الفنية التي أُلِّفت لمراقبة تنفيذ هذا الاتفاق: أين هي من هذه الخروق والانتهاكات المتواصلة التي تجاوزت 54 خرقاً، بينما لبنان والمقاومة ملتزمون بشكل تام بما تعهدوا به؟».

وشدد رئيس البرلمان على «أن اللجنة المكلفة بمراقبة تنفيذ الاتفاق مدعوة إلى مباشرة مهامها بشكل عاجل، وإلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها، وانسحابها من الأراضي التي تحتلها قبل أي شيء آخر».

المندوب الفرنسي

وعلمت «الشرق الأوسط» أن مساعي تبذل لمنع توسع الخروقات لوقف النار. وكشفت مصادر لبنانية معنية بالملف أنه تمت تسمية الجنرال غيوم بونشان عضوًا فرنسياً في لجنة المراقبة، مشيرة إلى أنه سيصل بيروت الاربعاء، على أن تعقد اللجنة أول اجتماعاتها الخميس.

«حزب الله»: لقد أُعْذِر من أنذر

ومساءً، ردّ «حزب الله» للمرة الأولى على الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة منذ بدء اتفاق وقف النار، الأربعاء الماضي. وقال الحزب في بيان: «على إثر الخروقات المتكررة التي يبادر إليها العدو الإسرائيلي لاتفاق وقف الأعمال العدائية المعلن عن بدء سريانه، فجرَ نهار الأربعاء، والتي تتخذ أشكالاً متعددة، منها إطلاق النيران على المدنيين والغارات الجوية في أنحاء مختلفة من لبنان؛ ما أدى إلى استشهاد مواطنين، وإصابة آخرين بجراح، إضافة إلى استمرار انتهاك الطائرات الإسرائيلية المعادية للأجواء اللبنانية وصولاً إلى العاصمة بيروت، وبما أن المراجعات للجهات المعنية بوقف هذه الخروقات لم تُفلح، فقد نفذت المقاومة الإسلامية، مساء الاثنين، ردّا دفاعياً أولياً تحذيرياً مستهدفةً موقع رويسات العلم التابع لجيش العدو الإسرائيلي في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة»، وختم الحزب بيانه بالتحذير: «وقد أُعْذِر من أَنذر».

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي «أن (حزب الله) أطلق قذيفتين صاروخيتين «نحو شمال الدولة العبرية». وقال الجيش في بيان: «قبل قليل أطلق (حزب الله) اللبناني قذيفتين نحو منطقة هار دوف»، وهي التسمية الإسرائيلية لمنطقة مزارع شبعا المتنازع عليها ويعدها لبنان محتلة من قِبل إسرائيل. وأكد الجيش أن القذيفتين سقطتا «في مناطق مفتوحة. ولم ترد أنباء عن إصابات».

قوات إسرائيلية تتنقل بين المنازل المدمرة في بلدة ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

«انتهاك خطير»

وقال رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إن «إطلاق (حزب الله) النار على مستوطنة هار دوف يشكل انتهاكاً خطيراً لوقف إطلاق النار، وإسرائيل سترد بقوة». كما توعد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في منشور على منصة «إكس» برد «صارم».

وعلى وقع هذه التهديدات نفذ الطيران الإسرائيلي غارات على يارون وأطراف بلدة شبعا وطلوسة. وفيما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بسقوط جرحى في طلوسة، أشارت وسائل إعلام لبنانية إلى سقوط قتيلين.

وأشارت «الوطنية» إلى أن «جرافات تابعة لجيش العدو الإسرائيلي قامت بجرف مسجد بلدة مارون الراس بالكامل، وهو مسجد يقع على تلة تشرف على مدينة بنت جبيل».

«البنتاغون» والخارجية الأميركية

من جهتها، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» صامد على الرغم من بعض الحوادث. وقال الميجور جنرال باتريك رايدر، المتحدث باسم البنتاغون للصحافيين: «تقييمنا بشكل عام هو أن وقف إطلاق النار صامد على الرغم من بعض هذه الحوادث التي نشهدها».

بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إن «وقف إطلاق النار صامد». وأضاف «عندما نتلقى تقارير عن انتهاكات محتملة، لدينا آلية وضعناها مع حكومة فرنسا للنظر في تلك الانتهاكات المحتملة، وتحديد ما إذا هي في الواقع انتهاكات، ثم الانخراط مع الأطراف لضمان عدم تكرارها».

أكثر من 75 خرقاً

بينما يقوم الجيش اللبناني بتوثيق الخروقات الإسرائيلية، قالت مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» إن الانتهاكات الإسرائيلية منذ اتفاق وقف إطلاق النار بلغت أكثر من 75 خرقاً» حتى بعد ظهر الاثنين، وهي لا تقتصر على القرى الحدودية، بل تستهدف بلدات في العمق اللبناني، حيث استهدفت غارة من مسيَّرة إسرائيلية بـ3 صواريخ الجيش اللبناني في بلدة حوش السيد علي شمال قضاء الهرمل.

وأعلن الجيش في بيان أن «مسيّرة للعدو الإسرائيلي استهدفت جرافة للجيش أثناء تنفيذها أعمال تحصين داخل مركز العبّارة العسكري في منطقة حوش السيد علي- الهرمل، ما أدى إلى إصابة أحد العسكريين بجروح متوسطة».

كذلك، أغارت مسيّرة إسرائيلية على دراجة نارية قرب محطة تحويل كهرباء مرجعيون متسببة بسقوط قتيل، وفق وزارة الصحة، لتعود بعدها وتعلن المديرية العام لأمن الدول مقتل أحد عناصرها.

وقالت «أمن الدولة» في بيان لها: «فـي خرق فاضـح لاتفـاقيّة الهدنة، أقدمت طائرة مسيّرة تابعة للعدوّ الإسرائيليّ على استهداف أحد عناصر أمن الدولة العريف مهدي خريس من مديريّة النبطيّة الإقليميّة بصـاروخ موجّه، أثناء أدائه واجبه الوطنيّ؛ ما أدّى إلى استشهاده»، وأكدت: «إن هـذا الاعتداء يشكل تصعيداً خطيراً وانتهاكاً صارخاً للسيادة اللبنانية، ويؤكد الطبيعة العدوانية للاحتلال الذي لا يلتزم بأي اتفاقيّات أو مواثيق دوليّة».

من جهته، قال الجيش الإسرائيلي، الاثنين، إنه «هاجم مركبات عسكرية تعمل بالقرب من بنية تحتية عسكرية لـ(حزب الله) اللبنانية في سهل البقاع»، مشيراً إلى أن قواته «هاجمت أيضاً مركبات عسكرية تُستخدم في نقل أسلحة بالقرب من الحدود بين سوريا ولبنان في الهرمل»، واعترف بإصابة جندي لبناني في إحدى الضربات.

ومع تسجيل استمرار تحليق الطيران على علو منخفض في بعض مناطق الجنوب، أطلق الجيش الإسرائيلي رشقات رشاشة باتجاه المنازل في بلدة الناقورة، كما سُجِّلَتْ غارتان من الطيران المسيّر على بلدة عيترون، بينما جدد الجيش الإسرائيلي تحذيره لعشرات البلدات في جنوب لبنان من عدم العودة إليها «حتى إشعار آخر».

وبعد الظهر، أفادت «الوكالة الوطنية» بأن الجيش الإسرائيلي أطلق قذيفتين مدفعيتين على بلدة بيت ليف في قضاء بنت جبيل، وأطلق الجنود الإسرائيليون نيران رشاشاتهم الثقيلة باتجاه بلدة يارون.

محاولات توغّل جديدة

ولا تقتصر الانتهاكات الإسرائيلية على تنفيذ القصف، بل تُسَجَّل محاولات توغل جديدة عند القرى الحدودية، حيث أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بإقدام قوات العدو الإسرائيلي على قطع طريق عام ميس الجبل - شقراء في منطقة دوبيه، حيث توغل جنوده وآلياته ونفذوا عمليات تجريف ورفع سواتر ترابية وسط الطريق، ومن ثم انسحبوا إلى تلال البلدة. ولفتت إلى أن قوة تابعة لقوات الـ«يونيفيل» مؤلفة من 5 آليات وجرافة حاولت فتح الطريق، ورصدت قوة إسرائيلية راجلة معززة بعدد من الدبابات والجرافات والآليات تتوغل باتجاه أطراف بلدة حولا الغربية لقطع الطريق العام الذي يربط البلدة بوادي السلوقي.

في المقابل، أفادت قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله» بتسجيل «تراجع 6 دبابات (ميركافا) إسرائيلية، صباح الاثنين، من الأحياء الشرقية والجنوبية لمدينة الخيام باتجاه منطقة الوطى، إضافة إلى عدد من الآليات ومن بينها دبابات».

وينص الاتفاق على هدنة 60 يوماً يُفترض أن تنسحب خلالها القوات الإسرائيلية من القرى التي دخلتها، بينما يطلب من «حزب الله» إنهاء وجوده المسلح بدءاً من جنوب نهر الليطاني، حيث سيجري نشر 10 آلاف عنصر من الجيش اللبناني، إضافة إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وكان الجيش الإسرائيلي قد قال، الأحد، إنه «قتل مقاتلين في (حزب الله) في جنوب لبنان»، مشيراً إلى أنه تحرك في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة بهدف «القضاء على تهديدات تشكل «انتهاكاً لشروط اتفاق وقف إطلاق النار».

وقال إن «قواته الموجودة في جنوب لبنان حددت وأطلقت النار على كثير من الإرهابيين المسلحين في جوار كنيسة وقضت عليهم»، ولفت «إلى العثور على نفق يحوي أسلحة».

وقبل دخول وقف النار حيز التنفيذ، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن بلاده تحتفظ «بحرية كاملة للتحرك العسكري» في لبنان «إذا انتهك (حزب الله) الاتفاق، وحاول التسلح مجدداً».

وخلال لقائه مجندين جدداً، الأحد، أكد نتنياهو أن إسرائيل «تحترم اتفاق وقف إطلاق النار في شكل دقيق»، مضيفاً أن «أي انتهاك سيقابل فوراً برد شديد».


مقالات ذات صلة

من هو نواف سلام... «قاضي حكومة» عهد جوزيف عون الأولى؟

المشرق العربي رئيس الحكومة المكلف رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام (إكس)

من هو نواف سلام... «قاضي حكومة» عهد جوزيف عون الأولى؟

بعد سنوات من بروز اسمه مرشحاً من قِبل المعارضة لترؤس حكومة لبنان، كلّف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزيف عون.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة أرشيفية لجنود من «الفرقة الرابعة» قبل سقوط نظام بشار الأسد (المرصد السوري)

لبنان يخلي سبيل ضباط ورتباء من فرقة ماهر الأسد

حددت المحكمة الجزائية في بعبدا الأربعاء المقبل موعداً لمحاكمة شمس دريد الأسد، حفيدة رفعت الأسد ووالدتها رشا خزام، في قضيّة استخدام جوازي سفر مزورين.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون يتوسط رئيسي مجلس النواب نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي (د.ب.أ)

ارتفاع أسهم ميقاتي لترؤس حكومة لبنانية جديدة

قبل ساعات من بدء الرئيس اللبناني جوزيف عون، الاستشارات النيابية لتسمية رئيس للحكومة الجديدة، بدت أسهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزف عون (رويترز)

عون يتعهد بمعالجة كل المسائل اللبنانية العالقة مع سوريا

شدد الرئيس اللبناني، جوزف عون، على أهمية التعاون لمعالجة كل المسائل العالقة مع سوريا، وذلك خلال اتصال هاتفي تلقاه من قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي (أ.ف.ب)

من يترأس الحكومة اللبنانية الجديدة؟

يبدأ الرئيس اللبناني جوزيف عون، صباح الاثنين، استشارات ملزمة مع النواب بهدف اختيار رئيس للحكومة الجديدة، تمهيداً لتشكيل حكومة تكون الأولى في عهد الرئيس المنتخب

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«حماس» تشدد تعليماتها للحفاظ على حياة قادتها وكوادرها

دخان يتصاعد فوق شمال قطاع غزة جراء قصف إسرائيلي الاثنين (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد فوق شمال قطاع غزة جراء قصف إسرائيلي الاثنين (أ.ف.ب)
TT

«حماس» تشدد تعليماتها للحفاظ على حياة قادتها وكوادرها

دخان يتصاعد فوق شمال قطاع غزة جراء قصف إسرائيلي الاثنين (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد فوق شمال قطاع غزة جراء قصف إسرائيلي الاثنين (أ.ف.ب)

شددت حركة «حماس» التعليمات التي تصدرها لقياداتها وعناصرها داخل قطاع غزة، بالتخفي بشكل أكثر أماناً وتخفيف التحركات في ظل تشديد القوات الإسرائيلية من عملها الاستخباراتي، الذي يهدف لتنفيذ عمليات اغتيال تطال كل هدف ممكن بالنسبة لها، قُبيل الاتفاق المرتقب لوقف إطلاق النار الذي يشمل صفقة تبادل أسرى.

وكشفت مصادر مطَّلعة من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادة الحركة على المستويين السياسي والعسكري أصدرت تعليمات صارمة للقيادات الميدانية، والنشطاء العسكريين، الذين تعدهم إسرائيل هدفاً لهم، بعدم الظهور أمام العلن وتقليل التحركات بما في ذلك سيراً على الأقدام، أو من خلال أي مركبات، ما لم يكن هناك ضرورة أمنية طارئة تستدعي ذلك.

فلسطينيون يملأون أوعية بالماء من خزان في خان يونس (أ.ف.ب)

ووفقاً للمصادر، فإن هذه التعليمات صدرت خلال اليومين الماضيين، مع تكثيف إسرائيل جهودها الاستخباراتية من خلال استخدام عوامل عدة من أبرزها الطائرات المسيَّرة الحديثة التي تعمل على تتبُّع المقاومين، سواء كانوا من قيادات بارزة أم من الصفوف الثانية والثالثة وصولاً للجنود المقاومين من النشطاء الفاعلين.

وأشارت المصادر إلى أن التعميم أكد أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة في ملف مفاوضات وقف إطلاق النار، وأن إسرائيل ستسعى خلال هذه الأيام لاصطياد أكبر عدد ممكن من المقاومين بهدف تصفيتهم في إطار محاولاتها الهادفة للقضاء على أي نشاط عسكري للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهو الأمر الذي كانت تسعى إليه منذ بداية الحرب الحالية، وفشلت في تحقيقه بالقضاء الكامل على المقاومة، وفق ما جاء في التعميم الذي اطَّلعت «الشرق الأوسط» على تفاصيله.

وذكرت المصادر أن التعميم وُزع في ظل هذه الظروف الأمنية مكتوباً عبر نقله من قبل «المراسلين - البريد» البشري، الذي يرى أنه آمن لدى «كتائب القسام» الجناح المسلح لـ«حماس»، في ظل الملاحقة والمتابعة الأمنية الإسرائيلية الشديدة خاصةً للإلكترونيات والإنترنت وغيره.

مبانٍ مدمَّرة في شمال قطاع غزة كما تظهر من إسرائيل الاثنين (رويترز)

وتَعَرَّضَ كثير من القادة الميدانيين والنشطاء البارزين في «حماس» لسلسلة اغتيالات مكثفة في الأيام الأخيرة، بينهم أسامة أبو ناموس، قائد «كتيبة الصبرة وتل الهوا»، الذي تعرض لـ4 محاولات اغتيال سابقة خلال الحرب، ونجا في بعضها، وأصيب في أخرى، كما اغتيل نائبه محمد الترك في ضربة جوية عنيفة استهدفت مربعاً سكنياً بمنطقة «السرايا» وسط مدينة غزة، واغتيل برفقته حمزة الديري ومحمود شاهين، وهما قائدا سرايا في الكتيبة نفسها، إلى جانب عدد من المقاومين الآخرين كانوا برفقتهم.

كما اغتيل حمدي أبو دان، قائد سرية النخبة في كتيبة الشيخ رضوان التابعة لـ«القسام»، إلى جانب مساعده محمد صيام، خلال عملية اغتيال استهدفتهما وهما يسيران على أقدامهما في منطقة مسجد فلسطين غرب مدينة غزة، كما اغتيل معتصم القوقا قائد «سرية النخبة» في «كتيبة الشاطئ» بقصف استهدفه قرب مجمع الشفاء الطبي، واغتيل عدد آخر من القيادات الميدانية والنشطاء، وحتى قيادات في العمل الخيري والدعوة لحركة «حماس» آخرهم وائل راشد، الذي اغتيل، ظهر الاثنين، في هجوم جوي نفذته طائرة مسيَّرة في حي الدرج وسط مدينة غزة، كما اغتيل 4 نشطاء من العمل الخيري من سكان بيت لاهيا وبيت حانون في غارة استهدفتهم بمنطقة مفترق ضبيط وسط المدينة أيضاً.

وتقول مصادر ميدانية من إحدى فصائل المقاومة الفلسطينية لـ«الشرق الأوسط»، إن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم مؤخراً بكثافة طائرات مسيّرة من طرازي «هيرمز 650» و«660» وهما من الطائرات المتطورة جداً، التي ترتكز بشكل أساسي على استخدام خوارزميات تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تتبُّع المقاومين، خصوصاً المطلوبين منهم.

قافلة عسكرية تتحرك في شمال قطاع غزة الاثنين (أ.ف.ب)

ووفق المصادر نفسها، فإن هذه الطائرات هي من تنفِّذ عمليات الاغتيال المكثفة التي تطول ناشطين بارزين وفاعلين في ميدان المقاومة، وفق وصفها.

وأشارت إلى أن بعضها يعمل من خلال تتبُّع هواتف أقارب المقاومين والتنصت عليها وعلى ما حولها حتى لو لم تكن متصلة بالإنترنت أو بالاتصال بشبكات الخليوي، كما أنها تعتمد على مسح مسافة كيلومتر مربع واحد بالكامل لكشف أي ثغرات إلكترونية يمكن من خلالها الوصول باستخدام الذكاء الاصطناعي لكلمات مشفرة يستخدمها المقاومون، أو تتبع الساعات اليدوية أو غيرها من الأدوات الشخصية التي يمكن لأي مقاوم أن يحملها.

وكشفت أنه صدرت تعليمات مشددة بعدم حمل أي ساعات أو أنظمة إلكترونية ربما تساعد على تتبُّع المقاومين.

فلسطيني يبكي وهو يحمل جثمان ابنته التي قُتلت بقصف إسرائيلي لمدينة غزة الاثنين (أ.ف.ب)

وكانت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية قد كشفت خلال الأسابيع الماضية أن الجيش الإسرائيلي لجأ إلى الذكاء الاصطناعي لتحديث بنك أهدافه باستمرار في غزة، وهذا زاد عدد الضحايا الفلسطينيين.

ووفقاً للصحيفة، فإن أحد برامج الذكاء الاصطناعي التي طورها الجيش الإسرائيلي اعتمد على أساس مئات الخوارزميات التنبؤية؛ ما يسمح للجنود بالتعامل مع مجموعة كبيرة ومتنوعة من البيانات، حيث توفر الخوارزميات إحداثيات الأنفاق والصواريخ والأهداف العسكرية الأخرى، ويتم وضع التوصيات التي تجتاز التدقيق في بنك الأهداف.

وطورت هذه البرامج شركات إسرائيلية في قطاع التكنولوجيا، وتم استخدامها خلال هذه الحرب لأول مرة، حيث اعتُمد عليها لتشكيل قاعدة معلومات استخبارية يتم تحليلها باستخدام صور الأقمار الاصطناعية وبيانات الاتصال، لكن هذه البرامج والتقنيات تثير قلق منظمات حقوقية، خصوصاً في ظل الحصيلة المرتفعة للضحايا في صفوف المدنيين الذين يشكلون غالبية ضحايا الحرب في قطاع غزة.