بوصلة الحرب في غزّة

مدفع إسرائيلي يطلق قذيفة باتجاه غزة السبت (أ.ف.ب)
مدفع إسرائيلي يطلق قذيفة باتجاه غزة السبت (أ.ف.ب)
TT

بوصلة الحرب في غزّة

مدفع إسرائيلي يطلق قذيفة باتجاه غزة السبت (أ.ف.ب)
مدفع إسرائيلي يطلق قذيفة باتجاه غزة السبت (أ.ف.ب)

من السهل تكهّن وجهة الحرب في غزّة. فهي حرب متكرّرة في أوقات وظروف مختلفة. وبسبب التكرار، تعلّمت «حماس» من إسرائيل، كما تعلّمت إسرائيل من «حماس». استقى الطرفان الدروس الحربيّة، وفي كلّ أبعادها، من الاستراتيجيّ إلى التكتيكيّ، مروراً بالعملانيّ. الفارق الوحيد هو أن إسرائيل تعرف من هو حليفها الأساسيّ، المُستدام والتاريخيّ، وذلك بعكس «حماس» التي بدّلت في تحالفاتها كثيراً، حتى وصلت إلى هذه المرحلة.

تُعد هذه المرحلة مرحلة الوجود أو العدم لـ«حماس»، فهل وصلت إلى النضج العسكريّ في حدّه الأقصى بعد نجاحها في عمليّة «طوفان الأقصى»؟ وهل توقّعت هذا النجاح؟ وهل سيكون هذا النجاح العسكريّ الباهر فضفاضاً على لاعب من خارج إطار الدولة؟

إن أفضل المخططات العسكريّة لا تصمد الدقائق الأولى بعد الطلقة الأولى. فالمُخطّط الحربيّ، يُفضح عند بدء المعركة، لتنتفي المفاجآت. وعليه هناك سعي دائم وحثيث للمتقاتلين للتأقلم مع الواقع. لا يمكن لـ«حماس» أن تتنكّر لنجاحها حتى لو لم يكن مُتوقّعاً. فالنجاح مسؤوليّة بحدّ ذاته، يتطلّب الحفاظ عليه، والاستفادة منه، لأنه يتآكل مع مرور الوقت. فكيف ستحافظ «حماس» على النصر العسكريّ؟ وأين ستتمّ ترجمته؟

مروحية عسكرية إسرائيلية تحلق فوق حدود غزة السبت (أ.ف.ب)

مسرح الحرب مسبقاً بين إسرائيل و«حماس» هو في القطاع، والمحيط المباشر له (غلاف غزّة). وكلّما تجاوز فريق حدود قواعد الاشتباك المُتفّق عليها ضمنيّاً، ردّ الفريق الآخر بكلّ ما يملك كي يُعيد رسم الحدود القديمة، لكن مع قواعد اشتباك جديدة.

عملية طوفان الأقصى

غيّرت عمليّة طوفان الأقصى كل الخطوط المرسومة سلفاً، وضربت كلّ قواعد الاشتباك الممكن تخيّلها. وعليه، لا بد للردّ الإسرائيلي من أن يكون متوازياً (Proportional) مع عملية «حماس». فلنتخيّل التداعيات الإقليميّة والدوليّة لنتائج عملية «حماس» كي نعرف حجم الضرر الذي أنزلته الحركة بمفاهيم الأمن القوميّ الإسرائيليّ.

في تقييدات الردّ

هناك عوامل كثيرة تقيّد عملية الردّ الإسرائيلي. فإلى جانب وجود الرهائن في مسرح الحرب الأساسي، هناك صعوبة الحرب في المدن، كونها تتطلّب جهداً كبيراً وتضحيات كبيرة، في العتاد والعديد، ومدة طويلة ولازمة لتنفيذ المهمّة والنجاح بها، وهذا أمر ليس مضموناً سلفاً.

يُضاف إلى هذه التقييدات، الخوف من اشتعال الإقليم، خاصة إذا فتح «حزب الله» بأمر من إيران جبهة جنوب لبنان.

دبابة «ميركافا» إسرائيلية تتحرك باتجاه حدود غزة السبت (أ.ف.ب)

وعليه، يتظهّر التقييد الأهم، ألا هو عامل «بايدن» (Biden Effect). إذ يسعى الرئيس جو بايدن إلى هندسة منظومة أمنية – ردعية إقليمية.

تهدف إلى ردع من يريد التدخّل في حرب غزّة، وإبقاء الحرب في إطارها الجغرافيّ، مع تأمين الحماية للعمليّة العسكريّة الإسرائيلية في القطاع.

ولأن الردع يتطلّب عرض العضلات عبر إظهار عناصر القوّة، عززت القوات الأميركية قواتها في المنطقة بشكل غير مسبوق.

ولأن الردع يتطلّب أن يكون المردوع مقتنعاً في قرارة ذاته أن الرادع سوف يستعمل قدراته في حال فشل الردع، تعمل أميركا على الردّ عسكريّاً على الاعتداءات التي تتعرّض لها قواعدها العسكريّة في المنطقة. لكن الاختبار الأكبر لأميركا هو عندما يرتقي التحرّش العسكري بقواتها من الوكيل إلى الأصيل.

جنديان إسرائيليان في موقع للمدفعية قرب حدود غزة السبت (د.ب.أ)

لا تريد أميركا عمليّة حربيّة شاملة وكاملة على كلّ جبهات قطاع غزّة. بل تطلب أن تقوم إسرائيل بعمليات محدودة، في عدّة أماكن، تهدف إلى ضرب البنى التحتيّة لـ«حماس»، خاصة القياديّة.

العملية الثالثة المحدودة على القطاع

نفّذت إسرائيل عمليّة بريّة جديدة هي الثالثة من نوعها على القطاع منذ بدء الحرب. فماذا عن الجديد فيها؟

إنها العمليّة البريّة الثالثة. تختلف عن العمليتين الأولى والثانية، بحدّة القصف الجويّ، وبتزامنها مع عملية بحريّة على شواطئ القطاع، ومع قطع الإنترنت، والاتصالات، هذا عدا التعتيم الكامل والشامل.

إن قيام إسرائيل بـ3 عمليات بريّة محدودة في فترة قصيرة، إنما يدلّ على ما يلي:

أن الوقت يعمل ضدّ إسرائيل، وهي التي أجبرت عدّة مرّات على وقف النار بضغط أميركي، أهمها حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973.

أن إسرائيل تنفّذ حرفياً ما طلبته منها أميركا، فهي تتقدّم، تدمّر وتغتال بعض القيادات في «حماس»، آخرها القائد المسؤول عن المنظومة الجويّة عصام أبو ركبة.

أن الهجوم المحدود على عدّة جبهات قد يعني أن القوات الإسرائيلية تريد خداع «حماس» حول مكان وتوقيت الهجوم الأساسي (قد لا يكون هناك هجوم أساسي).

ومن خلال الهجمات على عدّة محاور، تسعى إسرائيل إلى تثبيت قوات «حماس» وتشتيتها على الجبهة الكبيرة.

حصل أغلب الهجمات خلال الليل. الأمر الذي يعطي القوات الإسرائيلية أفضلية، كونها مجهّزة للقتال الليليّ.

يهدف التوغّل الإسرائيلي المحدود إلى جسّ النبض، وتجميع الاستعلام عن جاهزيّة «حماس»، كما اختبار هذه الجاهزيّة لتعديل بنك الأهداف. وفي حال تحقيق تقدّم برّي، قد تبقى القوات الإسرائيلية داخل القطاع، ومعاودة الهجوم على المحور الأضعف لقوات «حماس».

وبذلك، لا تعطي القوات الإسرائيلية «حماس» شكل وخصائص الحرب التي استعدت لها «حماس» مسبقاً في شوارع وأبنية وأزقة القطاع، ألا وهي الحرب الحضريّة (Urban Warfare).

وأخيراً وليس آخراً، تتمحور الهجمات الإسرائيلية حول مدينة غزّة. الأمر الذي يدلّ على أن مركز ثقل حركة «حماس» هو في المدينة، أو في الأنفاق تحت المدينة. وإلا فما معنى استهداف إسرائيل لمستشفى الشفاء، وطلب إخلائه، لأن قيادات «حماس» تدير الحرب من الأنفاق التي تقع تحت هذا المستشفى؟


مقالات ذات صلة

بايدن: اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» سيدخل حيز التنفيذ صباح الغد

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

بايدن: اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» سيدخل حيز التنفيذ صباح الغد

أكّد الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم (الثلاثاء) على أن التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان «نبأ سار وبداية جديدة للبنان».

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أثناء ترؤسه جلسة للحكومة الفلسطينية في رام الله... الثلاثاء (وفا)

مصر تحاول مجدداً دفع آلية لإعادة فتح معبر رفح 

حركتَا «فتح» و«حماس» تجاوبتا مع محاولة مصرية لإعادة فتح معبر رفح، لكن لا يوجد اختراق كامل.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي «حماس» تقول إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض (أ.ف.ب)

قيادي في «حماس»: الحديث عن هدنة 5 أيام في غزة مرفوض

قال القيادي في حركة «حماس» أسامة حمدان اليوم الاثنين إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض، مؤكدا أن الحركة معنية في الوقت نفسه بوقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض صاروخاً في مدينة نهاريا شمال إسرائيل في 12 نوفمبر 2024 (رويترز)

فصائل عراقية تعلن تنفيذ هجومين بالمسيرات على جنوب إسرائيل

أعلنت فصائل عراقية مسلحة، يوم أمس (الأحد)، مسؤوليتها عن هجومين بالمسيرات على مواقع في جنوب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
شؤون إقليمية سيدة تغلق فمها وتربط يديها بحبل خلال مظاهرة في تل أبيب تطالب بإعادة المحتجزين في غزة (رويترز)

رهائن سابقون في غزة يطالبون بعد عام من الإفراج عنهم بإعادة الباقين

بعد عام على إطلاق سراحهم خلال الهدنة الوحيدة بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية، دعا رهائن سابقون في غزة إلى تأمين الإفراج عمن لا يزالون محتجزين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

ليلة الرعب البيروتية... الغارات الإسرائيلية تزنّر العاصمة اللبنانية

TT

ليلة الرعب البيروتية... الغارات الإسرائيلية تزنّر العاصمة اللبنانية

عناصر الدفاع المدني يبحثون عن الضحايا تحت أنقاض المبنى المدمر في بيروت (أ.ب)
عناصر الدفاع المدني يبحثون عن الضحايا تحت أنقاض المبنى المدمر في بيروت (أ.ب)

تحوّلت العاصمة بيروت إلى هدف أساسي للجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، بعد تحذيرات أطلقها المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي، إلى مناطق وأحياء بيروتية للمرة الأولى، ما أثار حالة من الرعب والخوف في أوساط المواطنين الذي خرجوا من منازلهم قبل تنفيذ التهديدات، لا سيما أن المناطق المُحددة مكتظة بالسكان، ومعظمها لا يُعدّ محسوباً على «حزب الله».

وفيما أفادت «القناة 12» الإسرائيلية بأن تل أبيب جهّزت خطة عسكرية كاملة للساعات الأربع والعشرين الأخيرة من الحرب مع لبنان، بدأ استهداف بيروت ظهر الثلاثاء بغارة على منطقة النويري، القريبة من وسط العاصمة، ما أدى إلى مقتل 7 أشخاص وإصابة آخرين.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية بأن غارة «نفذها الطيران الحربي المعادي» استهدفت مبنى «في المنطقة الواقعة بين النويري والبسطة في بيروت». ودمّرت الغارة «مبنى مؤلفاً من 4 طوابق يؤوي نازحين»، وفق الوكالة.

ومن موقع الغارة في النويري، وقفت رولا إلى جانب زوجها وسام جعفر باكية تحتضن ابنها الذي فقد لوقت قصير: «كنا في البيت، وفجأة وقعت الضربة، طرنا، والجدران كلها تناثرت علينا (...) الصدمة كانت صعبة جداً».

وبعد النويري التي استُهدفت دون إنذار، توالت التحذيرات الإسرائيلية لمناطق في العاصمة بيروت، بحيث قال أدرعي إنها تستهدف فروعاً لـ«القرض الحسن». وقال في منشور له على منصة «إكس»: «يواصل الجيش الإسرائيلي العمل بقوة لتفكيك بنى (حزب الله). على المدى الزمني القريب سنقوم بمهاجمة فروع عدة لجميعة (القرض الحسن)؛ حيث تحتوي هذه الفروع على أموال تمويل إيرانية وأخرى من مصادر الدخل لـ(حزب الله) التي تُستخدم في الواقع لإدارة وتخزين مصالح الحزب»، مضيفاً: «هذه الغارات ستُشكل ضربة إضافية لسلسلة التمويل الإيرانية لـ(حزب الله) الذي يستخدم هذه الجمعية لأغراضه العسكرية».

وفي منشورات متلاحقة، حذّر أدرعي السكان الموجودين في مبانٍ محددة على الخرائط في مناطق رأس بيروت والمزرعة والمصيطبة وزقاق البلاط لإخلائها، إضافة إلى مبانٍ في مدينتي صيدا وصور، علماً بأنها المرة الأولى أيضاً التي يستهدف فيها وسط مدينة صيدا.

وخلال أقل من ساعة على التحذيرات التي جعلت العائلات تخرج من منازلها على وجه السرعة من دون أن تعرف الوجهة التي ستذهب إليها، بدأت الغارات الإسرائيلية باستهداف منطقة النويري مرة ثانية، ومن ثم مارالياس (كانت قد استُهدفت قبل نحو أسبوع)، وبربور والمزرعة وشارع الحمرا، ومناطق أخرى للمرة الأولى.

وفيما أدى هذا الخوف إلى زحمة سير خانقة في كل أحياء وشوارع العاصمة، اضطرت عائلات من بعض المناطق، ولا سيما الفقيرة منها، على غرار منطقة الجناح، للخروج سيراً على الأقدام.

عمليات بحث عن ضحايا تحت أنقاض أحد المباني الذي استهدف في غارة إسرائيلية (أ.ب)

وفي تعليق منه على التصعيد، قال عضو كتلة «حزب الله» النائب أمين شري، بينما كان يتفقد موقع الغارة في بيروت، إن «العدو الإسرائيلي» قبل «التسوية يريد أن ينتقم من كل جمهور المقاومة ومن كل اللبنانيين» مشيراً إلى «عشرات الإنذارات» التي وجهها الجيش الإسرائيلي قبل استهداف ضاحية بيروت الجنوبية، معقل الحزب.