حرب غزة وتهديدات الفصائل تعيد جدولة أولويات السوداني في عامه الثاني

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)
TT

حرب غزة وتهديدات الفصائل تعيد جدولة أولويات السوداني في عامه الثاني

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)

أنهى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم (الخميس)، العام الأول من رئاسة حكومته ببقاء التحالف الأكبر الداعم له (ائتلاف إدارة الدولة)، قائماً، رغم تعرضه لأكثر من أزمة داخلية، أخطرها أزمة كركوك قبل نحو شهر.

التحالف الآخر المهم، والذي يعد هو الأب الشرعي لهذه الحكومة، وهو «الإطار التنسيقي الشيعي» المكوّن من أبرز القوى والأحزاب الشيعية، بمن فيها الكثير من الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة والذي يعد الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً، لا يزال هو الآخر قائماً.

وبينما قام ائتلاف إدارة الدولة على أساس ورقة سميت ورقة الاتفاق السياسي تضمنت مطالب متقابلة للأطراف الثلاثة (الشيعية - السنية - الكردية)، فإنه ورغم الشكاوى المستمرة طوال العام الذي انقضى بعدم تحقيق قسم كبير منها، فإن أطراف الائتلاف وبخاصة السنّة والكرد يرون أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يريد العمل بنية صادقة وبحزم من أجل تنفيذ كامل بنود ورقة الاتفاق السياسي، وأنه إذا كان هناك تقصير «في ملف الرواتب بشأن إقليم كردستان» أو «العفو العام» بالنسبة للسنّة، فإن المسؤولية تقع على عاتق شركائهم الشيعة في بعض قوى «الإطار التنسيقي» وليس على عاتق رئيس الوزراء الذي يملك النوايا الصادقة لتحقيق كل ما تم الاتفاق عليه.

الأهم بالنسبة للسوداني وحكومته التي أراد لها أن تكون حكومة خدمات من منطلق أولويات برنامجها الحكومي ومنهاجها الوزاري، هو بقاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وتياره الجماهيري الكبير صامتاً حتى الآن رغم مرور سنة كاملة على تشكيل الحكومة.

ورغم أن الصدر أصدر أكثر من بيان وموقف شجب فيه بعض الإجراءات والممارسات التي بدت غير مقبولة بالنسبة له، لكنه لم يستهدف الحكومة بالدرجة الأساس ولا شخص السوداني، بل استهدف قوى «الإطار التنسيقي»، التي تعدّ هي الراعية لهذه الحكومة وهي التي رشحت السوداني لهذا المنصب.

من جهته، فإن السوداني لم يستهدف على مدى العام الأول من حكمه الجسم الأساسي للقياديين الصدريين التنفيذيين في الحكومة.

فالصدر دعا كتلته البرلمانية وهي الأكبر داخل البرلمان على مستوى القوائم (73 مقعداً) إلى الانسحاب من البرلمان، لكنه لم يدعُ المسؤولين الكبار من الصدريين في الحكومة والتي بدت رسالة حسن نية من قِبله للحكومة وللسوداني، والذي قابلها الأخير بحسن نية،

في المقابل، المظاهرات التي أطلقها الصدر وآخرها المظاهرة الأضخم قبل أسبوعين كانت بمناسبة «طوفان الأقصى»، وكان أطلق مظاهرة كبيرة قبلها والتي تم خلالها حرق السفارة السويدية في بغداد على خلفية سماح الحكومة السويدية لمواطن سويدي من أصول عراقية بحرق نسخة من القرآن الكريم، ولعل أقصى ما أطلقه الصدر من وصف ضد خصومه في قوى «الإطار التنسيقي» هو وصف حكومتهم التي شكّلوها برئاسة السوداني بأنها حكومة «بني العباس».

مع ذلك، فإنه لا يزال يلتزم الصمت حتى حيال ما يعده بعض خصوم الحكومة من عدم تحقيق تقدم في الكثير من الملفات. كما أنه رفض المشاركة في الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها نهاية العام الحالي.

وبينما كان كل هم السوداني أن تبقى جبهة الصدر هادئة حتى يدافع عما أنجزه في العام الأول من ترؤسه الحكومة والعمل على استكمال المشروعات التي بدأ تنفيذها وسط تحديات سياسية ومالية بسبب تأخر إقرار الموازنة المالية لما بعد النصف الثاني من العام الأول من حكمه، فإنه لم يكن يتوقع أن يواجه في اليوم الأول من عامه الثاني أخطر أزمة، وهي التي تلت «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، والمتمثلة ببدء الفصائل المسلحة وبعضها جزء من «الإطار التنسيقي» الذي ينتمي إليه هو، في قصف المواقع التي يتواجد فيها الأميركان، سواء بالعراق أوسوريا.

الرد الأميركي بشأن ذلك لم يتأخر سياسياً حتى الآن على الأقل. ففي الوقت الذي أجرى الرئيس الأميركي جو بايدن اتصالاً هاتفياً بالسوداني دعاه من خلاله إلى بذل جهود من أجل احتواء الأزمة بعد حرب غزة، فإن استمرار القصف الذي أدانه الناطق العسكري باسم السوداني بقوة، دعا كلاً من وزير الخارجية والدفاع الأميركيين أنتوني بلينكن ولويد أوستن إلى أن يهاتفا السوداني، داعيَين إياه إلى إيقاف مثل هذه التهديدات؛ لأن واشنطن لا تريد توسيع جبهة الحرب. وعلى الرغم من أن العلاقة لم تسوء مع واشنطن، حيث عاودت السفيرة الأميركية في بغداد إلينا رومانسكي الإشارة أمس (الأربعاء) إلى «الشراكة الاستراتيجية مع العراق» وهو مؤشر على استمرار واشنطن دعم السوداني في مطلع عامه الثاني، لكن قسم من الفصائل المسلحة لا يريد الركون إلى التهدئة مع واشنطن من منطلق كونها تدعم إسرائيل بالمطلق.

مع ذلك، فإن البيانات الصادرة عن بعض الفصائل لا تزال تحاول مسك العصا من الوسط بين محاولتها استهداف بعض القواعد التي يتواجد فيها الأميركان وبين الإبقاء على «الإطار التنسيقي» متماسكاً.

لكن بعض التطورات قد تكون مقلقة حتى على مستوى دول الجوار. ففي الوقت الذي تلقت الكويت تهديدات من بعض الفصائل المسلحة العراقية، وهو أمر يمكن أن يمثل إحراجاً لبغداد، فإن الجانب الآخر من المشهد هو الاعتصامات التي أقامتها بعض الفصائل العراقية بالقرب من منفذ طريبيل الحدودي مع الأردن على أمل الدخول إلى الأراضي الأردنية دعماً لغزة، وهو ما لا يمكن السماح به أردنياً. غير أن المشهد ربما يزداد سخونة، وذلك بقيام المتظاهرين باعتراض الشاحنات التي تنقل النفط إلى الأردن ومحاولة إحراقها؛ وهو ما يمكن أن يؤدي بعمّان إلى غلق المنفذ الحدودي، وهو ما يمثل إحراجاً آخر للحكومة العراقية وللسوداني شخصياً.


مقالات ذات صلة

عشرات جنود الاحتياط يرفضون الخدمة في إسرائيل

المشرق العربي جنود في مقبرة بالقدس يوم 6 أكتوبر الحالي خلال تشييع عسكري قُتل بهجوم بطائرة مسيّرة يُعتقد أنها أُطلقت من العراق (أ.ف.ب)

عشرات جنود الاحتياط يرفضون الخدمة في إسرائيل

كشفت مصادر إعلامية في تل أبيب عن اتساع ظاهرة التذمر في صفوف الجيش، وسط معلومات عن رفض 130 جندياً الخدمة في جيش الاحتياط.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي القيادي بحركة «حماس» خالد مشعل (وسط الصورة) خلال كلمة له في الدوحة (رويترز - أرشيفية)

خالد مشعل: السابع من أكتوبر أعاد إسرائيل إلى «نقطة الصفر»

قال خالد مشعل، رئيس حركة «حماس» في الخارج، إن هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 «جاء نتيجة تصاعد جرائم التنكيل بالأسرى، وزيادة التضييق على الفلسطينيين».

«الشرق الأوسط» (كوالالمبور)
تحقيقات وقضايا سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المفقود عبر صورته على هاتفها في مخيم جباليا (رويترز)

الغزّيون ملّوا الحروب ويحلمون بحياة تشبه الحياة

الغزيون مرهقون بأسئلة صعبة: مَن يعيد الأحبة والبلاد؟ من يبني البيوت؟ أين يجدون جثامين أحبائهم لدفنهم؟ غالبيتهم يبحثون عن الهجرة ولا يفكرون بمن يحكم القطاع غداً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (إ.ب.أ)

ماكرون يطالب بالكفّ عن تسليم الأسلحة للقتال في غزة

دعا الرئيس الفرنسي، السبت، إلى الكفّ عن تسليم الأسلحة للقتال في غزة، لافتاً إلى أن الأولوية هي للحلّ السياسي للحرب المستمرة منذ عام بين إسرائيل وحركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي عائلات إسرائيليين محتجزين في غزة ترفع صورهم خلال احتجاج قرب مقر إقامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القدس يوم 30 سبتمبر (إ.ب.أ)

عائلات إسرائيليين محتجزين في غزة تنفّذ إضراباً عن الطعام

بدأ أفراد في عائلات الإسرائيليين المحتجزين في أنفاق حركة «حماس» بقطاع غزة إضراباً عن الطعام، متهمين حكومة بنيامين نتنياهو بأنها أهملت قضيتهم في ظل حرب لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

استراتيجية «حزب الله» الجديدة: تصعيد تدريجي والأولوية للقتال البري

صورة عماد مغنية مرفوعة إلى جانب راجمات صواريخ لـ«حزب الله» خلال مناورة عسكرية بجنوب لبنان (أرشيفية)
صورة عماد مغنية مرفوعة إلى جانب راجمات صواريخ لـ«حزب الله» خلال مناورة عسكرية بجنوب لبنان (أرشيفية)
TT

استراتيجية «حزب الله» الجديدة: تصعيد تدريجي والأولوية للقتال البري

صورة عماد مغنية مرفوعة إلى جانب راجمات صواريخ لـ«حزب الله» خلال مناورة عسكرية بجنوب لبنان (أرشيفية)
صورة عماد مغنية مرفوعة إلى جانب راجمات صواريخ لـ«حزب الله» خلال مناورة عسكرية بجنوب لبنان (أرشيفية)

بعد الضربات الكبرى التي تلقاها «حزب الله» منذ 17 سبتمبر (أيلول)، وهو اليوم الذي شهد تفجير أجهزة «البيجر»، بلور على ما يبدو مؤخراً استراتيجية عسكرية جديدة كان قد وضعها لمواجهة إسرائيل في أي حرب موسعة تشنّها على لبنان.

وتعتمد هذه الاستراتيجية بصفة أساسية على التصعيد التدريجي في استخدام الصواريخ، واختيار الأهداف الحيوية، مع إعطاء الأولوية للقتال البري وصد الهجمات الإسرائيلية التي توسعت مؤخراً لتشمل القطاع الغربي، بعد أسبوع على انطلاق العمليات البرية في القطاعين الشرقي والأوسط.

وفي بيان أصدره، مساء الثلاثاء، أكد الحزب «جهوزية القوة الصاروخية لاستهداف كل مكان في فلسطين المحتلة تقرره قيادة المقاومة»، محذراً من أن «تمادي العدو الإسرائيلي سيجعل من حيفا وغير حيفا بالنسبة إلى صواريخ المقاومة بمثابة كريات شمونة والمطلة وغيرهما من المستوطنات الحدودية مع لبنان»، ومنبهاً إلى أن نيرانه باتجاه «العمق الصهيوني لن تقتصر على الصواريخ ولا المسيرات الانقضاضية».

الحزب يستعد لمعركة طويلة

ويعد الخبير العسكري والاستراتيجي العميد حسن جوني، أنه «لا يمكن الحديث عن انتهاج الحزب استراتيجية جديدة»، لافتاً إلى أننا «في مرحلة جديدة من استراتيجية وُضعت في وقت سابق، لأن المرحلة الراهنة لا يفترض أن تكون مرحلة إعداد استراتيجيات، وإنما مرحلة تطبيق خطط وُضعت سابقاً تبعاً لمقتضيات الميدان».

ويشير جوني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى «أننا بتنا في مرحلة التصعيد في استخدام الصواريخ واختيار الأهداف باعتبار أنه في الساعات الماضية وُجّهت ضربات موجعة إلى حيفا»، موضحاً أنه «بالنسبة إلى البر، فاستراتيجية الحزب بسيطة وواضحة وثابتة، وتقوم على مقاومة التوغل الإسرائيلي، بحيث يُكبّد العدو خسائر في أثناء التقدم. ففلسفة عمل المقاومة ليست منع الاحتلال، إنما منع العدو من الاستقرار بعد حصول الاحتلال»، مضيفاً: «أما اعتماد (حزب الله) على التصدي لطلائع القوات الإسرائيلية في الخطوط الأمامية، فهدفه التأثير في المعنويات، كما استغلال بعض النقاط المعدة في الميدان».

ويرى جوني أن «حديث الشيخ نعيم قاسم عن أن إطالة أمد المعركة تُدخل إسرائيل في وضع مأزوم، يؤكد أن الحزب يتعامل مع المعركة على أنها طويلة، ويتدرّج في استعمال الأسلحة والصواريخ، لأنه يعلم أن زمن المواجهة طويل».

حيفا مقابل الضاحية

من جهته، يوضح المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى «اليونيفيل»، العميد منير شحادة، أن «حزب الله» يقاتل راهناً على أساس أنه «لم يعد هناك شيء يخسره بعدما اغتالت إسرائيل أمينه العام وقادة الصف الأول، وهجّرت بيئته ودمّرت القرى والبلدات»، لافتاً إلى أنه «من الآن وصاعداً سيكون هناك تصعيد تدريجي واستهداف أماكن أبعد من حيفا وتل أبيب. وقد بدأ (حزب الله) استهداف المناطق السكنية في حيفا، وبدأ يعمل وفق معادلة حيفا مقابل الضاحية». ويشير شحادة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «(حزب الله) يعتمد على الحرب البرية والالتحام على المسافة صفر؛ لكي يؤكد تماسكه وقدرته بعد ضربات قاسية جداً تلقاها، وكان يفترض أن تؤدي إلى استسلامه أو انهياره».

القرار إيراني

أما العميد المتقاعد جورج نادر فلا يرى أن «أي استراتيجية قديمة أو جديدة قادرة على انتشال (حزب الله) من مصابه، خصوصاً بعدما تم استهداف قادة الصف الأول والثاني والمخازن الكبيرة للصواريخ»، لافتاً إلى أنه «بات هناك خلل في بنيان الحزب، فهو وإن كان لا يزال قادراً على القتال في البر، فلن يتمكن من صد اجتياح مثل الذي تُعد له إسرائيل معتمدة على آلاف الجنود».

أما من ناحية احتمال ضرب أهداف إسرائيلية، فيلفت نادر إلى أنه «لو كان الحزب يريد أو يستطيع ضرب أهداف استراتيجية في الداخل الإسرائيلي لأقدم على ذلك. لكن، بات محسوماً أن القرار في هذا الشأن هو لإيران وليس له».