الجبهة المنسية: لماذا أصبحت سوريا صداعاً لروسيا

تولد أزماتها الخاصة بصورة متزايدة بعد فشلها كقاعدة آمنة للقوات الروسية

جنود قافلة عسكرية روسية ونظراؤهم الأمريكيون يتبادلون التحيات عند تقاطع طرق دورياتهم في حقل نفط بالقرب من القحطانية في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا 8 أكتوبر 2022 (غيتي)
جنود قافلة عسكرية روسية ونظراؤهم الأمريكيون يتبادلون التحيات عند تقاطع طرق دورياتهم في حقل نفط بالقرب من القحطانية في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا 8 أكتوبر 2022 (غيتي)
TT

الجبهة المنسية: لماذا أصبحت سوريا صداعاً لروسيا

جنود قافلة عسكرية روسية ونظراؤهم الأمريكيون يتبادلون التحيات عند تقاطع طرق دورياتهم في حقل نفط بالقرب من القحطانية في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا 8 أكتوبر 2022 (غيتي)
جنود قافلة عسكرية روسية ونظراؤهم الأمريكيون يتبادلون التحيات عند تقاطع طرق دورياتهم في حقل نفط بالقرب من القحطانية في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا 8 أكتوبر 2022 (غيتي)

لسنوات عديدة، حددت روسيا لنفسها مهمة مشتركة مع إيران لطرد الولايات المتحدة من سوريا، أو بالأحرى من الشرق الأوسط بأكمله. ومع ذلك، كان للغزو الروسي الشامل لأوكرانيا وما تلاه من تنامي التوافق مع طهران تأثير معاكس: الوجود الأميركي في المنطقة آخذ في الازدياد، بحسب دراسة أخيرة نشرها موقع مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي.

توضح الدراسة أنه بات لواشنطن، أخيرا، مبررها الواضح لمواصلة حملتها في سوريا. فكلما تورطت روسيا في الشرق الأوسط، بات التعامل مع أوكرانيا أكثر صعوبة بالنسبة لموسكو.

كما أن الوضع داخل سوريا نفسها آخذ في التصاعد، وروسيا تتعامل أيضا مع مشاكل دمج قوات «فاغنر» المتبقية وسط القوات المسلحة الروسية هناك، بعد تفكيكها والموت الدراماتيكي لقائدها يفغيني بريغوجين.

هذه الصعوبات المتزايدة باتت تحول البلد الذي مزقته الحرب إلى صداع لموسكو، وتقوض الآمال بأن سوريا لن تصرف انتباه القيادة الروسية عن الحرب في أوكرانيا.

صورة من شريط فيديو أميركي تُظهر مدى اقتراب المقاتلة الروسية من المسيرة الأميركية فوق سوريا في 23 يوليو (أ.ب)

منذ ربيع هذا العام، كثفت روسيا أنشطتها في سماء سوريا. فبالإضافة إلى الضربات ضد المسلحين، يجري توجيه هذا النشاط ضد القوات الأميركية المتواجدة في البلاد. والطائرات المقاتلة والمسيرات الروسية، تحلق فوق المنشآت العسكرية الأميركية، خلافا للاتفاقات بين القوتين التي تحدد مجال الطيران. وقد أَبلغ الجيش الأميركي مرارا، عن مناورات خطرة قام بها طيارو القوات الجوية الروسية، بينما يدعي الجيش الروسي بدوره أن الحوادث في السماء ناتجة عن انتهاك الأميركيين للاتفاقيات.

كان احتواء الولايات المتحدة، بالفعل، جزءا من مهمة القوات الروسية في سوريا، ولكنها في السابق، كانت مسؤولية القوات البحرية إلى حد كبير. الآن، تضطر موسكو إلى تحويل التركيز إلى الطيران، حيث لا يكاد توجد أي سفن روسية متبقية في البحر الأبيض المتوسط.، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وإغلاق تركيا مضيق البوسفور أمام السفن العسكرية، ما عزل أسطول البحر الأسود الروسي عن سوريا.

تنسيق مع إيران

تزامنت الزيادة في الحوادث بين الطائرات الحربية الروسية والأميركية، مع تصاعد الاشتباكات بين الأميركيين ووكلاء إيران في سوريا. وفقا لتسريبات إعلامية، تنسق طهران وموسكو تحركاتهما في إطار جهد مشترك لطرد واشنطن من المنطقة. وفيما يضغط الطيران الروسي على الولايات المتحدة في الجو، تقوم القوات الإيرانية، بشن ضربات صاروخية ضد أهداف أميركية في كل من سوريا والعراق.

تهدف هذه الهجمات إلى «التخويف» أكثر منها إلحاق الضرر، وعادة ما تخطئ الصواريخ الهدف عن عمد لتنفجر في مكان قريب. لكن هذا ليس هو الحال دائما، فقد أدت بعض عمليات إطلاق الصواريخ إلى مقتل وإصابة أفراد بالقاعدة الأميركية. وبعد هجوم مماثل في عام 2020، أمر الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب بقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني.

تصعيد أميركي

وترى الدراسة، أن جهود روسيا وإيران لإخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، لها تأثير معاكس تماما، إذ إن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة آخذ في الازدياد.

في يوليو (تموز)، أرسلت واشنطن المدمرة «يو إس إس توماس هودنر» إلى الخليج العربي مع مقاتلات «إف 35 وإف 16»، لتنضم إلى القوات المتواجدة هناك. وبعد بضعة أيام فقط، جرت إضافة سفينتين أخريين مع قوات إنزال بحرية، بهدف معلن هو «حماية السفن التجارية من أنشطة زعزعة الاستقرار الإيرانية في المنطقة». ونتيجة لذلك، وصل عدد القوات الأميركية في الخليج إلى أعلى مستوى له في السنوات الأخيرة.

سرب من طائرات A-10 تحلق فوق المدمرة «يو إس إس ماكفول» خلال عمليات في الخليج يوم أمس الثلاثاء (أ.ف.ب)

ولمواجهة «السلوك غير المهني» للطيارين الروس فوق سوريا، تم إرسال مقاتلات إضافية من الجيل الخامس من طراز «إف - 22 رابتور» مباشرة إلى سوريا. يدعي الجيش الأميركي أن هذه الطائرات الإضافية تساعد في ردع مثل هذا السلوك.

الدراسة المنشورة في مؤسسة «كارنيغي» تشير إلى أن الإجراءات الأميركية تتجاوز نشر وحدات جديدة، ففي أواخر الصيف، حاول الأميركيون توحيد جميع قوات التحالف في سوريا، بما في ذلك الكيانات القبلية العربية، في تحالف واحد حول القاعدة الأميركية في «التنف» و«قوات سوريا الديمقراطية»، التي يتكون عمودها الفقري من وحدات كردية.

وإذا حكمنا من خلال الاشتباكات الأخيرة بين الجماعات الموالية لأميركا، فإن إنشاء جبهة موحدة أمر بعيد كل البعد عن السهولة واليسر. ومع ذلك، فإن حقيقة أن الولايات المتحدة تبذل جهودا لتحقيق هذه الغاية تشير إلى أن واشنطن لا تنوي الاستسلام للضغط الروسي الإيراني في سوريا، خاصة أن أي توتر إضافي في سوريا يصرف انتباه موسكو عن أوكرانيا.

المعضلة الروسية

إن هدف روسيا المتمثل في الحفاظ على وجود منخفض نسبيا في سوريا، من دون موارد مالية مفرطة و من دون صرف الانتباه عن الجبهات الأوكرانية، أصبح هدفا غير واقعي بشكل متزايد، لأسباب ليس أقلها الوجود الأميركي الأكبر الذي جلبته أفعال موسكو الاستفزازية هناك.

من وقفات السويداء المناهضة للنظام (السويداء 24)

ومع ذلك، هناك مشاكل أخرى لا تتعلق مباشرة بروسيا. فقد استعادت الحكومة السورية السيطرة على غالبية سوريا، لكن هذا لا يعني بالضرورة العودة إلى الحياة الطبيعية. فقد بات الجوع والفساد جزءا لا يتجزأ من المشهد الاجتماعي والاقتصادي المحلي، وبحلول نهاية الصيف، اندلعت احتجاجات كبيرة في العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة دمشق، مصحوبة أحيانا باشتباكات واسعة النطاق. فالوضع هناك خطير لدرجة أن السلطات فقدت السيطرة جزئيا على محافظة السويداء.

الأوضاع في سوريا أبعد ما تكون عن الاستقرار، إذ إن عدم الاستقرار آخذ في الازدياد، وليس هناك حلول للمشاكل الاقتصادية في البلاد. وفي العام الحالي، عاودت فلول تنظيم «داعش» الظهور في البلاد سعيا لاستغلال موجة الاستياء الجديدة.

كل هذا يأتي في وقت تحتاج فيه روسيا إلى معرفة ما يجب فعله ببقايا جيش مرتزقة «فاغنر». وبحسب ما ورد، فقد أدت المحاولات الأولية لتغيير «فاغنر» في سوريا بقوات عسكرية روسية، إلى وصول القوتين إلى شفا مناوشة مسلحة، بحسب دراسة «كارنيغي»، ويبدو أن إضعاف نفوذ روسيا هناك أمر لا مفر منه.

«فاغنر» أدت مهام في سوريا، رغم تعامل وزارة الدفاع الروسية معها بشكل سيئ. هذه المهام هي تطوير الموارد النفطية، والتواصل مع الجماعات المحلية، ودعم الوجود الروسي في مناطق جديدة، وعمل استطلاع وتقييم مدني. والجيش الروسي لن يتحول بين عشية وضحاها إلى قوة فعالة للاضطلاع بمثل هذه المهام.

النفط جائزة مغرية

تشدد الدراسة على أنه يمكن رؤية نتائج هذه الصعوبات، في محاولات القوات الموالية لإيران السيطرة على المناطق التي كانت تسيطر عليها «فاغنر» في السابق. ولذلك فإن حقول النفط السورية جائزة مغرية بدرجة كبيرة.

ولا يزال موقف روسيا في سوريا أبعد ما يكون عن الحرج، لكن بعض التحديات لا مفر منها. فسوريا لم تفشل في أن تصبح قاعدة آمنة للقوات الروسية، فحسب، بل إنها تولد أزماتها الخاصة بصورة متزايدة، وإن كانت محلية في الوقت الحالي.


مقالات ذات صلة

مقتل ضابط كبير بالحرس الثوري الإيراني في سوريا

المشرق العربي صورة ملتقطة في 27 نوفمبر 2024 في ريف حلب تظهر تصاعد الدخان جراء المعارك الدائرة بين قوات المعارضة السورية وقوات النظام السوري (د.ب.أ)

مقتل ضابط كبير بالحرس الثوري الإيراني في سوريا

أورت شبكة «أخبار الطلبة» الإيرانية، الخميس، أن البريغادير جنرال كيومارس بورهاشمي بالحرس الثوري الإيراني، قُتل في سوريا على أيدي «إرهابيين» مرتبطين بإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أوروبا جانب من العاصمة لندن (أرشيفية - رويترز)

إدانة جندي بريطاني سابق بجمع معلومات لمصلحة إيران

أُدينَ جندي بريطاني، اليوم (الخميس)، بجمع معلومات حساسة لأشخاص مرتبطين بـ«الحرس الثوري» الإيراني، وبجمع أسماء أفراد القوات الخاصة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره السوري بسام الصباغ في طهران الثلاثاء (أ.ف.ب)

اتفاق إيراني – سوري على تعزيز «مكافحة الإرهاب»

دون إشارة صريحة عن وضع المستشارين الإيرانيين في سوريا، أعلنت طهران ودمشق أنهما ماضيتان إلى تقوية جهودهما المشتركة «لمكافحة الإرهاب».

«الشرق الأوسط» (طهران)
المشرق العربي عناصر ميليشيات في البادية السورية (مواقع التواصل الاجتماعي)

إيران تعزز ميليشياتها في سوريا

في مواجهة التصعيد الإسرائيلي والتهديد بقطع شريان طهران ـ دمشق، تعزز إيران قوة الميليشيات التابعة لها في سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية الصواريخ الإيرانية تُعرض في متحف القوة الجوية الفضائية لـ«الحرس الثوري» في طهران بإيران الجمعة (رويترز)

إسرائيل تعتبر عقوبات «الأوروبي» على إيران بأنها خطوات ضرورية

رحب وزير الخارجية الإسرائيلي بالعقوبات الجديدة التي أعلن الاتحاد الأوروبي فرضها على طهران ووصفها بأنها «خطوات ضرورية».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

مسيّرة إسرائيلية تقصف منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان

مبان مدمرة نتيجة القصف الإسرائيلي على قرية ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)
مبان مدمرة نتيجة القصف الإسرائيلي على قرية ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)
TT

مسيّرة إسرائيلية تقصف منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان

مبان مدمرة نتيجة القصف الإسرائيلي على قرية ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)
مبان مدمرة نتيجة القصف الإسرائيلي على قرية ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

ذكرت قناة «تلفزيون الجديد»، اليوم الجمعة، أن طائرة مسيّرة إسرائيلية أطلقت صاروخين على منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان. ولم يذكر التلفزيون تفاصيل أخرى عن القصف.

كان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في وقت سابق من اليوم قصف منصة صاروخية متحركة تابعة لـ«حزب الله» في جنوب لبنان.

ودخل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ، فجر يوم الأربعاء الماضي بالتوقيت المحلي، بهدف إنهاء أحدث صراع بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» بعد نحو عام من تبادل إطلاق النار بين الجانبين.

وتشهد الهدنة بعض الخروق؛ إذ اتهم الجيش اللبناني الذي أعلن البدء بالانتشار في الجنوب، إسرائيل، الخميس، بـ«خرق» اتفاق وقف إطلاق النار «مرات عدة» خلال يومين.

وقال الجيش اللبناني في بيان: «بتاريخَي 27 و28 - 11 - 2024، بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، أقدم العدو الإسرائيلي على خرق الاتفاق عدة مرات، من خلال الخروق الجوية، واستهداف الأراضي اللبنانية بأسلحة مختلفة».

بدورها، قالت جينين هينيس - بلاسخارت، المنسقة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون لبنان، اليوم (الجمعة)، إن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي التي احتلها في جنوب لبنان وتعزيز انتشار الجيش اللبناني في هذه المناطق، لا يمكن أن تتم «بين ليلة وضحاها».