إسرائيل تناقش مع أميركا «حكومة مؤقتة بدعم أممي بعد حماس»

تل أبيب تواصل قصف غزة... وتتمسك بإخلاء المستشفيات

شبان فلسطينيون في رفح يعاينون الدمار بعد ضربة جوية إسرائيلية في 21 أكتوبر (د.ب.أ)
شبان فلسطينيون في رفح يعاينون الدمار بعد ضربة جوية إسرائيلية في 21 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

إسرائيل تناقش مع أميركا «حكومة مؤقتة بدعم أممي بعد حماس»

شبان فلسطينيون في رفح يعاينون الدمار بعد ضربة جوية إسرائيلية في 21 أكتوبر (د.ب.أ)
شبان فلسطينيون في رفح يعاينون الدمار بعد ضربة جوية إسرائيلية في 21 أكتوبر (د.ب.أ)

مع دخول 20 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة في اليوم الـ15 للحرب، واصلت إسرائيل هجومها الجوي على القطاع، من دون أن يتضح مصير العملية البرية المؤجلة، في حين تركزت المناقشات أكثر على المستقبل الذي تفترضه إسرائيل إذا ما نجحت فعلاً في الإطاحة بحركة «حماس» وتشكيل حكومة مؤقتة بدعم دولي.

وواصل الطيران الإسرائيلي قصف مناطق واسعة في غزة، (السبت)، مستهدفاً أحياء سكنية في مناطق شمال القطاع، وعمارات وشققاً في مناطق أخرى، ومقرات أمنية ومدنية، بينها مقر للدفاع المدني الفلسطيني ومنشآت تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

وقال الجيش الإسرائيلي، الذي أكد (السبت) أن عدد الأسرى لدى «حماس» وصل إلى 210، إن «سلاح الجو واصل تدمير البنى التحتية لحركة حماس بما في ذلك مقرات لقيادة العمليات ومنصات إطلاق الصواريخ المضادة للدروع وغيرها من البنى التحتية التابعة للحركة، بالإضافة إلى مواقع للمراقبة وإطلاق قذائف مضادة للدروع والقنص». لكن على الأرض كانت المساكن تسقط على رؤوس العائلات والمدنيين، رجالاً وأطفالاً ونساء.

 

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يخاطب جنوده قرب الحدود مع غزة في 19 أكتوبر (إ.ب.أ)

مصير الهجوم البري

ولم يتضح مصير الهجوم البري الذي تأجل مرات عدة لأسباب أرجعها مراقبون لطلب أميركي بالانتظار إلى حين الانتهاء من أزمة الرهائن الأجانب لدى «حماس»، وخشية من دخول «حزب الله» اللبناني على خط المواجهة بشكل أوسع، وأيضاً بسبب أنه لا يوجد جواب إسرائيلي حول مستقبل قطاع غزة.

ونشرت وكالة أنباء «بلومبرغ»، (السبت)، أن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين ناقشوا مستقبل قطاع غزة في اليوم الذي يلي «القضاء على حركة حماس»، وطرحوا في النقاش إقامة حكومة مؤقتة في القطاع بدعم الأمم المتحدة ودول عربية. ولا تزال النقاشات حول الموضوع في مراحلها الأولى ومرتبطة بالتطورات على الأرض، مثل درجة نجاح الهجوم البري الإسرائيلي.

وأشارت مصادر «بلومبرغ» إلى أن «الولايات المتحدة وحلفاءها طالبوا خلال المحادثات الجارية بتأجيل أي عملية برية إسرائيلية محتملة لكسب الوقت من أجل نزوح مزيد من المدنيين من شمال غزة إلى جنوبها»، إضافة إلى أن التأجيل «سيوفر الوقت لمحادثات وساطة قطرية، من أجل إطلاق سراح مزيد من المختطفين الذين تحتجزهم حماس».

وعلى الرغم من أن مستقبل القطاع محل نقاش علني في إسرائيل، فإن الولايات المتحدة لم تعقب على المسألة. وقال مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، خلال لقاء مع شبكة «سي بي إس» الأميركية، يوم الأحد الماضي، «الفلسطينيون في غزة يستحقون قيادة تسمح لهم بالعيش في سلام وأمان».

تصاعد الدخان وألسنة اللهب بعد الغارات الجوية الإسرائيلية على مدينة غزة (إ.ب.أ)

تحذير إسرائيلي

وحذّر متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، (السبت)، سكان مدينة غزة من البقاء فيها. وقال أنتم تعيشون «فوق برميل من المتفجرات أعدته حماس»، ونصحهم بالتوجه إلى جنوب القطاع. وقال المتحدث أفيخاي أدرعي على حسابه على منصة «إكس»: «مَن يقرر البقاء في منزله من سكان أحياء الدرج وناصر والشيخ رضوان والبلدة القديمة والزيتون سيكون على مسؤوليته الخاصة، ويعرّض نفسه وأفراد عائلته للخطر».

من جهتها، قالت وزارة الصحة الفلسطينية، وصل «عدد الشهداء إلى 4473، منذ بداية العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي»، مؤكدة «أن 70 في المائة من حصيلة الشهداء في القطاع، من الأطفال والنساء والمسنين»، في حين أُصيب أكثر من 15400 فلسطيني.

واستمر الهجوم الإسرائيلي المكثف على غزة، في حين تدفقت أول قافلة مساعدات منذ بدء الحرب، إلى قطاع غزة، عبر معبر رفح البري مع مصر، ودخلت 20 شاحنة محملة بالأدوية والأغذية ومستلزمات أخرى إلى القطاع، دون أن يشمل ذلك الوقود. وقالت حركة «حماس» إن 20 شاحنة «لن تغير الوضع الكارثي بالقطاع»، وطالبت بضرورة فتح معبر رفح بشكل دائم ومستمر لتسهيل خروج الجرحى للعلاج، واستمرار تدفق المساعدات الغذائية على مدار الساعة.

كما دعت «حماس» إلى إدخال الوقود إلى القطاع الذي يعاني من انقطاع دائم للكهرباء، ولإنقاذ المستشفيات والمراكز الطبية التي ينفد لديها الوقود اللازم لتوليد الكهرباء، حتى لا تتحول المستشفيات إلى مقابر جماعية.

آليات إسرائيلية قرب الحدود مع قطاع غزة يوم 19 أكتوبر الحالي (رويترز)

وضع صحي حرج

وخرج عدد من مستشفيات غزة عن الخدمة، ويتهدد الانهيار البقية بسبب نفاد مخزون الوقود الاحتياطي، ما جعل الوضع الصحي حرجاً للغاية. وقالت وزارة الصحة في غزة، إن «استثناء إدخال الوقود ضمن المساعدات الإنسانية سيبقي الخطر قائماً على حياة المرضى والجرحى، واستمرار الخدمات المنقذة للحياة». وأكدت الوزارة أن 7 مستشفيات و25 مركزاً صحياً خرجت عن الخدمة؛ بسبب الاستهداف ونفاد الوقود.

وتضغط إسرائيل من أجل إخلاء المستشفيات في غزة، رغم القصف في وقت سابق لمستشفى «المعمداني» بعد تهديدات سابقة؛ ما أدى إلى مئات القتلى بالمستشفى. وقال مسؤول أمني إسرائيلي، (السبت)، إن إسرائيل تطالب بإخلاء 20 مستشفى في شمال قطاع غزة. ونقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية عن مسؤول أمني أن إسرائيل «طالبت بإخلاء 20 مستشفى شمال قطاع غزة، تم إخلاء 6 منها، وترفض 4، والباقي في طور الإخلاء» دون توضيح مزيد من التفاصيل.

وزعم المسؤول أن «نحو 30 ألف فلسطيني جاءوا إلى الملاجئ المحيطة بمستشفى الشفاء للعمل دروعاً بشرية بأوامر من حركة حماس». وتريد إسرائيل إخلاء المستشفيات لأنها تقول إن «حماس» تتخذ منها مراكز قيادية، في محيط أو أسفل المستشفيات، ولأن بعضها يقع في نطاق مساحة تريد إسرائيل إخلاءها قبل بدء الهجوم البري.

تحذيرات إسرائيلية من السفر

وفي حين واصلت كتائب «القسام» قصف تل أبيب ومناطق إسرائيلية أخرى (السبت)، وأكدت أنها تمسك بزمام المعركة، رصد مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مخاطر في مناطق أوسع في العالم ضد إسرائيليين. ورفع مجلس الأمن القومي درجة التحذير من السفر إلى مصر، بما يشمل سيناء، والأردن، إلى المستوى «4» (التهديد الأعلى)، وأوصى بعدم السفر إلى هاتين الدولتين والمكوث بهما، ومغادرتهما بأقرب وقت ممكن. كما رفع التحذير من السفر إلى المغرب إلى الدرجة «3» (توصية تجنب الرحلات غير الضرورية).

وطلب المجلس تجنب الإقامة في جميع دول الشرق الأوسط والدول العربية، وتجنب الوصول إلى الدول الإسلامية التي لديها تحذيرات سفر، والتي لا يوجد لديها تحذير سفر. وكان المجلس قد شدد تحذير السفر إلى تركيا ورفعه إلى المستوى الأعلى (4)، ودعا الإسرائيليين المقيمين هناك جميعاً إلى المغادرة في أسرع وقت ممكن.


مقالات ذات صلة

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

المشرق العربي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (الخارجية العراقية)

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

قال وزير خارجية العراق فؤاد حسين، الجمعة، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجّه القوات المسلحة باتخاذ إجراءات بحق كل من يشن هجمات باستخدام الأراضي العراقية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً في البرلمان التركي (الخارجية التركية)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

أوضح وزير الخارجية التركي فيدان أن الرئيس السوري لا يريد السلام في سوريا، وحذر من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية أستانة».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

أكدت تركيا أن هدف إسرائيل الرئيسي من ضرب حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان هو جعل الفلسطينيين غير قادرين على العيش في أرضهم وإجبارهم على الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مشاهد من حيفا لنظام القبة الحديدية الإسرائيلي خلال اعتراض صواريخ (أرشيفية - رويترز)

إسرائيل: اعتراض صاروخ باليستي من اليمن

قال الجيش الإسرائيلي إن صاروخاً باليستياً أطلق من اليمن «اعترضته دفاعاته الجوية بنجاح».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي المرجح أن يختار جوزيب بوريل البالغ من العمر 77 عاماً التقاعد بعد أن تنقّل في مناصب رئيسة (أ.ف.ب)

بوريل: العمليات الإنسانية الأممية في غزة قد تتوقف الاثنين بسبب نفاد الوقود والطعام

قال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، اليوم الخميس، إن العمليات الإنسانية للأمم المتحدة بقطاع غزة قد تتوقف، يوم الاثنين المقبل.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.